ثقافة
أخر الأخبار

عرفها‭ ‬القراء‭ ‬بمجموعتها‭ ‬القصصية‭ ‬الأولى‭ ‬‮«‬يسقط‭ ‬المطر‭ ‬تموت‭ ‬الأميرة‮»‬‭..‬ منى‭ ‬الشمري‭:‬‭ ‬‮«‬خادمات‭ ‬المقام‮»‬‭ ‬تُصالحنا‭ ‬مع‭ ‬التراث‭ ‬العربي

عرف‭ ‬القراء‭ ‬الكاتبة‭ ‬منى‭ ‬الشمري‭ ‬مع‭ ‬مجموعتها‭ ‬القصصية‭ ‬الأولى‭ ‬‮«‬يسقط‭ ‬المطر‭ ‬تموت‭ ‬الأميرة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬استقطبت‭ ‬أنظار‭ ‬النقاد‭ ‬ونالت‭ ‬استحسانهم‭. ‬ثم‭ ‬عرفها‭ ‬الجمهور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أعمالها‭ ‬الدرامية‭ ‬المُستقاة‭ ‬من‭ ‬أدبها،‭ ‬والتي‭ ‬حققت‭ ‬نجاحًا‭ ‬واسعًا‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬كحل‭ ‬أسود‭ ‬قلب‭ ‬أبيض‮»‬‭ ‬و«لا‭ ‬موسيقى‭ ‬في‭ ‬الأحمدي‮»‬‭. ‬وتطوف‭ ‬منى‭ ‬الشمري‭ ‬في‭ ‬ذكريات‭ ‬الكويت‭ ‬القديمة،‭ ‬لتقدم‭ ‬شخوصًا‭ ‬وأحداثًا‭ ‬تراثية‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭. ‬وفي‭ ‬حوارنا‭ ‬مع‭ ‬الكاتبة‭ ‬نستكشف‭ ‬عالمها‭ ‬الأدبي‭ ‬والفني،‭ ‬ونتعرف‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬روايتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬‮«‬خادمات‭ ‬المقام‮»‬‭ ‬التي‭ ‬ترشحت‭ ‬بالقائمة‭ ‬الطويلة‭ ‬لجائزة‭ ‬البوكر‭ ‬العربية‭.‬

قرار‭ ‬الكتابة‭ ‬كان‭ ‬محفورًا‭ ‬بداخلي‭ ‬وهو‭ ‬أهم‭ ‬قرار‭ ‬اتخذته‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬المبكرة

بداية‭ ‬متى‭ ‬كانت‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬قررتِ‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬تتجهي‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة؟
‏‭- ‬ربما‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة،‭ ‬إذ‭ ‬كنت‭ ‬أدون‭ ‬فيها‭ ‬يومياتي‭ ‬وأقرأ‭ ‬قصص‭ ‬الأطفال‭ ‬الساحرة،‭ ‬فوقعت‭ ‬في‭ ‬عشق‭ ‬القراءة‭ ‬كونها‭ ‬أنارت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الظلمات‭ ‬في‭ ‬قلبي،‭ ‬كأنها‭ ‬المصباح‭ ‬السحري‭ ‬الذي‭ ‬يضيء‭ ‬أيامي،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬طفولتي‭ ‬حزينة‭ ‬وقاسية،‭ ‬وصارت‭ ‬الكلمات‭ ‬بمثابة‭ ‬شموع،‭ ‬والسطور‭ ‬منارات‭ ‬والكتب‭ ‬جسر‭ ‬أعبر‭ ‬عليه‭ ‬متجاوزة‭ ‬الواقع‭ ‬البائس‭ ‬إلى‭ ‬عوالم‭ ‬أفضل‭ ‬وكأن‭ ‬الخيال‭ ‬به‭ ‬استشفاء‭ ‬وهروب‭.‬
ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬واصلت‭ ‬القراءة‭ ‬العشوائية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الأساطير‭ ‬والروايات‭ ‬والشعر‭ ‬وحتى‭ ‬الأديان‭ ‬والسير‭ ‬الذاتية‭ ‬والمسرح‭ ‬والفنون،‭ ‬وأعطتني‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬القراءة‭ ‬العميقة‭ ‬دائمًا‭ ‬الإحساس‭ ‬بأنني‭ ‬غير‭ ‬جاهزة‭ ‬للكتابة‭ ‬بعد‭. ‬ثم‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬المراهقة‭ ‬بدأت‭ ‬أكتب‭ ‬قصصًا‭ ‬وخواطر‭ ‬وأرسلها‭ ‬لتُنشر‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬القراء‭ ‬بالصحف‭ ‬اليومية‭ ‬ثم‭ ‬الصفحات‭ ‬الثقافية‭.‬
ويبدو‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬الكتابة‭ ‬كان‭ ‬محفورًا‭ ‬بداخلي،‭ ‬وهو‭ ‬أهم‭ ‬قرار‭ ‬اتخذته‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬المبكرة‭ ‬بكل‭ ‬وعي،‭ ‬حيث‭ ‬مكنني‭ ‬من‭ ‬تحويل‭ ‬الألم‭ ‬والعنف‭ ‬والعقد‭ ‬النفسية‭ ‬الصغيرة‭ ‬إلى‭ ‬نصوص‭ ‬سردية‭ ‬فتتعافى‭ ‬بها‭ ‬روحي‭ ‬وأسمو‭ ‬على‭ ‬أذى‭ ‬الطفولة‭ ‬وأتجاوز‭ ‬بمثالية‭ ‬عالية‭ ‬مأزق‭ ‬الحياة‭.‬

الصحافة‭ ‬محرقة‭ ‬للأديب‭ ‬لكن‭ ‬حرفة‭ ‬كتابة‭ ‬‮«‬المانشيت‮»‬‭ ‬ميّزت‭ ‬عناوين‭ ‬أعمالي‭ ‬الأدبية

عملتِ‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬لفترة،‭ ‬فهل‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أثر‭ ‬على‭ ‬كتابتكِ؟
‏‭- ‬الصحافة‭ ‬شيء‭ ‬والأدب‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬الصحافة‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬والمتغيرات‭ ‬السريعة‭ ‬والركض‭ ‬وراء‭ ‬الحدث‭ ‬والخبر،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مواجهة‭ ‬الحروب‭ ‬داخل‭ ‬مبنى‭ ‬الصحيفة‭ ‬ممن‭ ‬يهمش‭ ‬موهبتك‭ ‬واستحقاقك‭ ‬الذاتي‭. ‬أما‭ ‬الأدب‭ ‬فالجلوس‭ ‬إلى‭ ‬السكينة‭ ‬والطمأنينة‭ ‬والشغف‭ ‬والكتابة‭ ‬التي‭ ‬تتقلب‭ ‬مثل‭ ‬قارب‭ ‬في‭ ‬بحيرة‭ ‬سحرية‭ ‬بين‭ ‬القلق‭ ‬والحلم‭. ‬
وبالرغم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬معظم‭ ‬المبدعين‭ ‬والروائيين‭ ‬والشعراء‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬يمتهنون‭ ‬الصحافة‭ ‬لقربها‭ ‬كمهنة‭ ‬للكتابة،‭ ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬ينشرون‭ ‬قصائدهم‭ ‬ونصوصهم‭ ‬وفصولا‭ ‬من‭ ‬رواياتهم،‭ ‬ولهذا‭ ‬كنت‭ ‬أريد‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬أحبه‭.‬
ولكن‭ ‬غالبًا‭ ‬الصحافة‭ ‬محرقة‭ ‬للأديب،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يومًا‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬آمنًا‭ ‬ويسترق‭ ‬كل‭ ‬وقت‭ ‬الخلوة‭ ‬للكتابة‭ ‬والقراءة‭. ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬تعلمت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاشتغال‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬والفني‭ ‬لفترة‭ ‬في‭ ‬الصحافة،‭ ‬أما‭ ‬حرفة‭ ‬صناعة‭ ‬وكتابة‭ ‬المانشيت‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬وظل‭ ‬على‭ ‬تميز‭ ‬عناوين‭ ‬أعمالي‭ ‬الأدبية‭ ‬والدرامية‭.‬

يظهر‭ ‬تأثركِ‭ ‬بالأدب‭ ‬العربي‭ ‬خاصة‭ ‬بظهور‭ ‬الجاحظ‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬خادمات‭ ‬المقام،‭ ‬فمن‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬الأدباء‭ ‬الذين‭ ‬تركوا‭ ‬بصمتهم‭ ‬فيكِ‭ ‬ككاتبة‭ ‬وقارئة؟
‏‭- ‬كل‭ ‬كاتب‭ ‬قرأت‭ ‬له‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬كبير،‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬العبقري‭ ‬في‭ ‬مجاله‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬وحتى‭ ‬أسوأ‭ ‬الأعمال‭ ‬الروائية‭ ‬التي‭ ‬قرأتها‭ ‬فشحنتني‭ ‬بشجاعة‭ ‬الحذف‭ ‬وشكلت‭ ‬لدي‭ ‬وعيًا‭ ‬بجماليات‭ ‬الفن‭ ‬وبتجنب‭ ‬الكثير،‭ ‬مما‭ ‬وقع‭ ‬به‭ ‬الكُتّاب‭ ‬من‭ ‬العيوب‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭.‬
أما‭ ‬اقتباسات‭ ‬الجاحظ‭ ‬التي‭ ‬تماهت‭ ‬مع‭ ‬السرد‭ ‬في‭ ‬رواية‭ (‬خادمات‭ ‬المقام‭)‬،‭ ‬فذلك‭ ‬محاولة‭ ‬للفت‭ ‬نظر‭ ‬الجيل‭ ‬العربي‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬ينهل‭ ‬من‭ ‬عذب‭ ‬وجمال‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬ويجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬قراءته،‭ ‬لأن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الدارجة‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬الزمن‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬في‭ ‬زمننا‭ ‬الذي‭ ‬تغلب‭ ‬عليه‭ ‬اللهجات‭ ‬واللغة‭ ‬البيضاء‭ ‬البسيطة‭. ‬كما‭ ‬جاءت‭ ‬اقتباسات‭ ‬الجاحظ‭ ‬محاولة‭ ‬لتقريب‭ ‬المسافة‭ ‬الزمنية‭ ‬واللغوية‭ ‬والنفسية‭ ‬بين‭ ‬كنوز‭ ‬الإرث‭ ‬العربي‭ ‬والجيل‭ ‬الذي‭ ‬ضيعها‭. ‬ولجأت‭ ‬إلى‭ ‬العودة‭ ‬لكتب‭ ‬الجاحظ،‭ ‬خصوصًا‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬أصوات‭ ‬عربية‭ ‬متحاملة‭ ‬تحارب‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬منبع‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية‭ ‬ودليل‭ ‬الغرب‭ ‬للتحضر،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإنني‭ ‬أسعد‭ ‬برواية‭ ‬تصلح‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬قطيعة‭ ‬الأجيال‭ ‬له‭.‬

ومن‭ ‬أين‭ ‬تستقين‭ ‬مشاهد‭ ‬ووصف‭ ‬الكويت‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬رواياتكِ؟
‏‭- ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬روائي‭ ‬أو‭ ‬درامي‭ ‬يأخذ‭ ‬مني‭ ‬وقتًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬والبحث‭ ‬الشاق‭ ‬وقراءة‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬خمسين‭ ‬كتابًا‭ ‬في‭ ‬الحقبة‭ ‬الزمنية‭ ‬ومعطياتها‭ ‬والالتقاء‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬والتراث‭. ‬قد‭ ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬حتى‭ ‬السفر‭ ‬للمكان‭ ‬للكتابة‭ ‬عنه‭ ‬كتابة‭ ‬حية‭ ‬وطازجة‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬المكان‭ ‬مثل‭ ‬منطقة‭ “‬نزوى‭” ‬التي‭ ‬سافرت‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬رواية‭ “‬لا‭ ‬موسيقى‭ ‬في‭ ‬الأحمدي‭”. ‬وقد‭ ‬أجلس‭ ‬مع‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬من‭ ‬السيدات‭ ‬والرجال‭ ‬أسمع‭ ‬ذكرياتهم‭ ‬وأحاديثهم‭ ‬وقصصهم‭.‬
هذا‭ ‬الاشتغال‭ ‬البحثي‭ ‬المضني‭ ‬والمرهق‭ ‬يسبق‭ ‬بعامين‭ ‬فعل‭ ‬الكتابة،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬أبدأ‭ ‬الكتابة‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬مطلقًا‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أجمع‭ ‬كل‭ ‬أدواتي‭ ‬ومخزون‭ ‬معلوماتي‭ ‬والمراجع‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يدعم‭ ‬شكل‭ ‬الحكاية‭ ‬من‭ ‬زمان‭ ‬ومكان،‭ ‬وأشحن‭ ‬به‭ ‬طاقة‭ ‬المخيلة‭ ‬التي‭ ‬تقودني‭ ‬وحدها‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة‭ ‬التي‭ ‬تفاجئني‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الحكاية‭ ‬أو‭ ‬تصدمني‭ ‬في‭ ‬النهاية‭.‬

تستخدمين‭ ‬مصطلحات‭ ‬وكلمات‭ ‬من‭ ‬اللهجة‭ ‬الكويتية‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬أعمالكِ،‭ ‬ألا‭ ‬ترتابين‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬ذلك‭ ‬صعوبة‭ ‬لبعض‭ ‬القراء؟
‏‭- ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬قد‭ ‬أكون‭ ‬من‭ ‬المتعصبين‭ ‬بشدة‭ ‬للغة‭ ‬العربية،‭ ‬ولست‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬الكتابة‭ ‬بالعامية‭ ‬أو‭ ‬اللهجات،‭ ‬نعم‭ ‬العمل‭ ‬الأدبي‭ ‬يحتمل‭ ‬سرد‭ ‬بعض‭ ‬الحوارات‭ ‬بالعامية،‭ ‬وما‭ ‬استعصى‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬يجد‭ ‬تفسيره‭ ‬في‭ ‬الهوامش‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬فأحاول‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬تقديم‭ ‬اللهجة‭ ‬التي‭ ‬ذابت‭ ‬مع‭ ‬الأيام‭ ‬بسبب‭ ‬الاختلاط‭ ‬مع‭ ‬لهجات‭ ‬وثقافات‭ ‬أخرى،‭ ‬وبسبب‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جيلا‭ ‬كويتيا‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الأجنبية‭ ‬أضاع‭ ‬ليس‭ ‬لهجة‭ ‬الأجداد‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬هجر‭ ‬الحديث‭ ‬بالعربية‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬والديه‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬البيت‭ ‬والعائلة‭.‬
وبالنسبة‭ ‬لي‭ ‬الفن‭ ‬ليس‭ ‬للمتعة‭ ‬وحدها،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تكريس‭ ‬جانب‭ ‬معرفي‭ ‬وتنويري‭ ‬بداخله،‭ ‬وأحدها‭ ‬تعزيز‭ ‬اللهجة‭ ‬لأن‭ ‬اللهجة‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬الهوية،‭ ‬فلا‭ ‬هوية‭ ‬لمكان‭ ‬بدون‭ ‬تراث‭ ‬ولهجة‭ ‬وفلكلور‭ ‬أهل‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭. ‬ولا‭ ‬أرتاب‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬فهم‭ ‬المشاهد‭ ‬للهجة‭ ‬الكويتية‭ ‬الصحيحة،‭ ‬إنما‭ ‬أرتاب‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬اللهجة‭ (‬البدليات‭) ‬التي‭ ‬تنسب‭ ‬للكاتب‭ ‬بينما‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬الممثل‭.‬

المرأة‭ ‬أقدر‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬على‭ ‬وصف‭ ‬أحاسيس‭ ‬المرأة‭ ‬وتفاصيلها‭ ‬الساحرة‭ ‬المعقّدة

الشخصيات‭ ‬النسائية‭ ‬لديكِ‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬تمتلك‭ ‬سرها‭ ‬الخاص،‭ ‬أيعود‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي؟
‏‭- ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الحكاية‭ ‬إما‭ ‬مصدر‭ ‬الأسى‭ ‬أو‭ ‬البهجة،‭ ‬فهي‭ ‬الشخصية‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬هيكل‭ ‬المعمار‭ ‬الروائي‭ ‬والمجتمع‭ ‬البشري‭ ‬وثمة‭ ‬عذابات‭ ‬بالغة‭ ‬الهشاشة‭ ‬تعيشها‭ ‬النساء‭ ‬العربيات،‭ ‬أشعر‭ ‬بأن‭ ‬المرأة‭ ‬أقدر‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬على‭ ‬وصف‭ ‬أحاسيس‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬دلالات‭ ‬وتفاصيل‭ ‬ساحرة‭ ‬ومعقدة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬وخصوصًا‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬اعتادت‭ ‬على‭ ‬تهميشها‭ ‬اجتماعيًا‭.‬
وأزعم‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬الكاتبة‭ ‬هي‭ ‬الحاضنة‭ ‬الأقرب‭ ‬للشخصية‭ ‬الدرامية،‭ ‬فثمة‭ ‬أسوار‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬يتسلقها‭ ‬بينما‭ ‬تخترقها‭ ‬الكاتبة‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭ ‬لتفضح‭ ‬مشاعر‭ ‬كامنة‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬تتدفق‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحكاية‭ ‬وإيقاع‭ ‬السرد‭ ‬الذي‭ ‬تمسك‭ ‬بطلة‭ ‬الرواية‭ ‬زمامه‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬تشاء‭ ‬من‭ ‬ثنائيات‭ ‬مفتوحة‭ ‬في‭ ‬رحلات‭ ‬مبهرة،‭ ‬والسحر‭ ‬ينبع‭ ‬في‭ ‬التفاصيل‭ ‬الملتهبة‭ ‬أو‭ ‬الباردة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬بطلات‭ ‬الحكاية‭ ‬وأصواتهن‭ ‬الخاصة‭.‬
الأحمدي‭.. ‬الفحيحيل‭ ‬وفيلكا‭ ‬هل‭ ‬يعكس‭ ‬اختيارك‭ ‬لهذه‭ ‬الأماكن‭ ‬في‭ ‬رواياتكِ‭ ‬وقصصكِ‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬سيرة‭ ‬عن‭ ‬المكان؟
‏‭- ‬قرأت‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬الكويتي‭ ‬ووجدت‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬فاتنة‭ ‬مثل‭ ‬الأحمدي‭ ‬أنشأها‭ ‬الإنجليز‭ ‬كانت‭ ‬سر‭ ‬البهجة‭ ‬وقلب‭ ‬السياحة‭ ‬الداخلية‭ ‬لأهل‭ ‬الكويت،‭ ‬وهي‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬تحضر‭ ‬المجتمع،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬غائبة‭ ‬ومهجورة‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬المحلي،‭ ‬وربطتها‭ ‬كذلك‭ ‬مع‭ ‬جارتها‭ ‬الفحيحيل‭ ‬مستثمرة‭ ‬مخزون‭ ‬الذاكرة‭ ‬حيث‭ ‬عشت‭ ‬طفولتي‭ ‬وتركتها‭ ‬هناك‭.‬
أما‭ ‬جزيرة‭ ‬فيلكا‭ ‬فهي‭ ‬فضاء‭ ‬مكاني‭ ‬مختلف،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الفكرة‭ ‬أغرتني‭ ‬أن‭ ‬أذهب‭ ‬إليها،‭ ‬وراء‭ ‬اليابسة‭ ‬حيث‭ ‬البحر،‭ ‬وكان‭ ‬المحرك‭ ‬للمادة‭ ‬الحكائية‭ ‬سيطرة‭ ‬الخرافة‭ ‬على‭ ‬عقل‭ ‬ووجدان‭ ‬النساء‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭.‬
‏‭ ‬
بالنسبة‭ ‬لكِ‭ ‬هل‭ ‬تأتي‭ ‬اللغة‭ ‬في‭ ‬رواياتكِ‭ ‬مقدمة‭ ‬أم‭ ‬الأفكار‭ ‬أم‭ ‬العكس‭ ‬حين‭ ‬تخططين‭ ‬للعمل؟
‏‭- ‬في‭ ‬البدء‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬تنصهر‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬وهي‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬ستصيغ‭ ‬أفكارها‭ ‬ومحتواها‭ ‬وما‭ ‬تحمل‭ ‬من‭ ‬مضامين‭ ‬أو‭ ‬أسئلة‭ ‬فلسفية‭ ‬أو‭ ‬وجودية،‭ ‬الأهم‭ ‬أن‭ ‬أعتنق‭ ‬الفكرة‭ ‬وأمتزج‭ ‬معها‭ ‬عقليًا‭ ‬وروحيًا‭ ‬ووجدانيًا،‭ ‬وتصير‭ ‬الهاجس‭ ‬ثم‭ ‬أخطط‭ ‬للعمل‭ ‬والشخوص‭ ‬كمن‭ ‬يرسم‭ ‬ويحيك‭ ‬سجادة‭ ‬في‭ ‬حياكة‭ ‬الحبكة‭ ‬الروائية‭ ‬حتى‭ ‬نقطع‭ ‬آخر‭ ‬خيط‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬الحكاية‭. ‬أما‭ ‬اللغة‭ ‬فأنا‭ ‬اعتني‭ ‬باللغة‭ ‬العذبة‭ ‬التي‭ ‬تمتزج‭ ‬أحياناً‭ ‬بالصور‭ ‬الشعرية،‭ ‬وأفضلها‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬السردية‭ ‬التقريرية‭ ‬الجافة‭.‬

العمل‭ ‬الروائي‭ ‬أكثر‭ ‬قيمة‭ ‬من‭ ‬الجوائز

من‭ ‬بين‭ ‬الجوائز‭ ‬التي‭ ‬حصدتها‭ ‬عن‭ ‬أعمالك‭ ‬الأدبية،‭ ‬أيها‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬تعتزين‭ ‬به؟
‏‭- ‬الجوائز‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬قيمتها‭ ‬المادية‭ ‬والمعنوية،‭ ‬فستبقى‭ ‬الرواية‭ ‬أكثر‭ ‬قيمة‭ ‬منهما،‭ ‬ففي‭ ‬رأيي‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬تظل‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬والمجهود‭ ‬فيها‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬بثمن‭. ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬سطوة‭ ‬الرواية‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬وتراجع‭ ‬الشعر‭ ‬والنقد‭ ‬والقصة،‭ ‬تخدم‭ ‬الجائزة‭ ‬انتشار‭ ‬الرواية‭ ‬بين‭ ‬القراء‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬وحصولي‭ ‬مرتين‭ ‬على‭ ‬جوائز‭ ‬الدولة‭ ‬التشجيعية‭ ‬للقصة‭ ‬والرواية‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬ثم‭ ‬وصول‭ “‬خادمات‭ ‬المقام‭” ‬للقائمة‭ ‬الطويلة‭ ‬للبوكر،‭ ‬منح‭ ‬الأعمال‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬التكريم‭ ‬والتألق‭ ‬لتصل‭ ‬أسرع‭ ‬وتنتشر‭ ‬وهذا‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الجوائز‭. ‬ولعل‭ ‬حصول‭ ‬رواية‭ “‬لا‭ ‬موسيقى‭ ‬في‭ ‬الأحمدي‭” ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬الدولة‭ ‬بعد‭ ‬منع‭ ‬رقابة‭ ‬الكتب‭ ‬ورفض‭ ‬رقابة‭ ‬النصوص‭ ‬الدرامية‭ ‬لسيناريو‭ ‬العمل‭ ‬عامًا‭ ‬كاملًا،‭ ‬ثم‭ ‬تحررها‭ ‬بجائزة‭ ‬ومسلسل‭ ‬حقق‭ ‬مشاهدات‭ ‬كبيرة‭ ‬وعالية‭ ‬جعلني‭ ‬أشعر‭ ‬بالعوض‭ ‬بعد‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬عراقيل‭ ‬واجهت‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬منها‭ ‬دار‭ ‬الساقي‭ ‬مؤخرًا‭ ‬الطبعة‭ ‬الخامسة‭.‬

ما‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬جعلتكِ‭ ‬تنتقلين‭ ‬من‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬مع‭ ‬أول‭ ‬أعمالكِ‭ ‬‮«‬يسقط‭ ‬المطر‭ ‬تموت‭ ‬الأميرة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬الرواية‭ ‬بإصدار‭ ‬‮«‬لا‭ ‬موسيقى‭ ‬في‭ ‬الأحمدي‮»‬؟
‏‭- ‬حين‭ ‬كتبت‭ ‬أول‭ ‬مجموعة‭ ‬قصصية‭ ‬قال‭ ‬الروائي‭ ‬الراحل‭ ‬إسماعيل‭ ‬فهد‭ ‬إسماعيل‭ ‬إنني‭ ‬أمتلك‭ ‬نفسًا‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية‭ ‬لأن‭ ‬الجمل‭ ‬لدي‭ ‬طويلة،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬السرد‭ ‬عندي‭. ‬وكتابة‭ ‬الرواية‭ ‬كانت‭ ‬الخطوة‭ ‬الطبيعية‭ ‬بعد‭ ‬كتابة‭ ‬القصة‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬طبعت‭ ‬الرواية‭ ‬عدت‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬للقصة‭ ‬وحصلت‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬الدولة‭ ‬للقصة‭ ‬القصيرة‭ ‬عن‭ “‬رأسان‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬واحدة‭” ‬ثم‭ ‬عدت‭ ‬لكتابة‭ ‬رواية،‭ ‬أي‭ ‬انني‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬لم‭ ‬أخطط‭ ‬لأكون‭ ‬قاصة‭ ‬واكتفي‭ ‬بذلك،‭ ‬بل‭ ‬أتنقل‭ ‬بين‭ ‬القصة‭ ‬والرواية‭.‬

كتبت‭ ‬‮«‬خادمات‭ ‬المقام‮»‬‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عشق‭ ‬مع‭ ‬بطلات‭ ‬الرواية

رواية‭ ‬خادمات‭ ‬المقام‭ ‬كُتبت‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬بكورونا،‭ ‬فكيف‭ ‬اختلفت‭ ‬عما‭ ‬سبقها‭ ‬من‭ ‬كتابات‭ ‬بالنسبة‭ ‬لكِ؟
‏‭- ‬بدأت‭ ‬بكتابة‭ “‬خادمات‭ ‬المقام‭ ‬قبل‭ ‬كورونا‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬لكنني‭ ‬انتهيت‭ ‬من‭ ‬كتابتها‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الحجر‭ ‬المنزلي‭ ‬التي‭ ‬مكنتني‭ ‬من‭ ‬التفرغ‭ ‬لإنجازها‭ ‬وسط‭ ‬مشاغل‭ ‬الحياة‭ ‬وملهياتها‭. ‬كانت‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬أياما‭ ‬سعيدة‭ ‬تفرغت‭ ‬فيها‭ ‬للانتهاء‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬كتابة‭ ‬مسلسل‭ “‬بكاء‭ ‬الطين‭” ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬حلقة‭. ‬ووفرت‭ ‬لنا‭ ‬ظروف‭ ‬كورونا‭ ‬الخانقة،‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬أي‭ ‬كاتب‭ ‬أن‭ ‬يجلس‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬ليكتب‭ ‬وينهي‭ ‬مشاريعه‭ ‬الكتابية‭ ‬المعلقة‭. ‬وكتبت‭ “‬خادمات‭ ‬المقام‭” ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عشق‭ ‬مع‭ ‬بطلات‭ ‬الرواية‭ ‬حيث‭ ‬تلتهم‭ ‬خادمات‭ ‬المقام‭ ‬الحيز‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬السرد‭ ‬لعوالمهن‭ ‬الغرائبية‭ ‬بين‭ ‬السحر‭ ‬والجن‭ ‬والخرافة‭ ‬والدجل،‭ ‬وبين‭ ‬اليقين‭ ‬والنجاة‭ ‬بالله‭.‬

كيف‭ ‬تعاملتِ‭ ‬مع‭ ‬الجدل‭ ‬الذي‭ ‬أُثير‭ ‬عند‭ ‬صدور‭ ‬مسلسل‭ ‬‮«‬لا‭ ‬موسيقى‭ ‬في‭ ‬الأحمدي‮»‬؟
‏‭- ‬بطبيعتي‭ ‬ردود‭ ‬فعلي‭ ‬هادئة‭ ‬ولا‭ ‬أقابل‭ ‬الغضب‭ ‬بالغضب‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬أمام‭ ‬رأي‭ ‬المشاهد‭ ‬أو‭ ‬القراء‭. ‬وفي‭ ‬الواقع‭ ‬ظلمتني‭ ‬حملة‭ ‬الهجوم‭ ‬في‭ ‬تويتر‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬عماني‭ ‬لم‭ ‬يدرس‭ ‬تاريخ‭ ‬كفاح‭ ‬أجداده‭ ‬وأججتها‭ ‬حسابات‭ ‬وهمية‭ ‬أرادت‭ ‬إشعال‭ ‬فتنة‭ ‬بين‭ ‬الخليجيين،‭ ‬فأنا‭ ‬مغرمة‭ ‬بعمان‭ ‬ومن‭ ‬عشاق‭ ‬هوائها،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬لي‭ ‬مسقط‭ ‬الصديقات‭ ‬والمكان‭ ‬والذاكرة‭ ‬الشعبية،‭ ‬والإنسان‭ ‬العماني‭ ‬الذي‭ ‬أنظر‭ ‬إليه‭ ‬بحب‭ ‬وتقدير‭ ‬بالغين‭. ‬واهتممت‭ ‬وسط‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬واجهته‭ ‬مع‭ ‬عرض‭ ‬مسلسل‭ ‬لا‭ ‬موسيقى‭ ‬في‭ ‬الأحمدي‭ ‬بتوضيح‭ ‬أن‭ ‬المسلسل‭ ‬لا‭ ‬يمس‭ ‬كرامة‭ ‬العمانيين‭ ‬إطلاقًا،‭ ‬وبالفعل‭ ‬وضحت‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإعلام‭ ‬العماني‭ ‬وطلبت‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬عدم‭ ‬الاستعجال‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬ومشاهدة‭ ‬العمل‭ ‬بروية‭ ‬حتى‭ ‬النهاية‭. ‬وفعلًا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وجدت‭ ‬إشادة‭ ‬من‭ ‬العمانيين‭ ‬ذاتهم،‭ ‬فالعمل‭ ‬والرواية‭ ‬تنتصر‭ ‬لكفاح‭ ‬الإنسان‭ ‬العماني‭ ‬العصامي‭.‬

تنوعت‭ ‬أعمالكِ‭ ‬بين‭ ‬كتابة‭ ‬القصة‭ ‬والرواية‭ ‬والسيناريو‭ ‬فأي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الكتابات‭ ‬الأقرب‭ ‬لكِ؟
‏‭- ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬أصعبها‭ ‬فهي‭ ‬تشتعل‭ ‬كومضة‭ ‬وتنطفئ‭ ‬في‭ ‬المعنى‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصفاء‭ ‬والتركيز‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬توفره‭ ‬لنا‭ ‬ضغوط‭ ‬الحياة‭ ‬دومًا‭. ‬وأجد‭ ‬متعة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬تأسرني‭ ‬حال‭ ‬كتابتها،‭ ‬وأكتب‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تمهل‭ ‬ونشوة‭ ‬الحب‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬يتكرر‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬جديد،‭ ‬ومغامرة‭ ‬نحو‭ ‬المجهول‭. ‬أما‭ ‬السيناريو‭ ‬فهو‭ ‬الأثقل‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬ثم‭ ‬ظروف‭ ‬الإنتاج‭ ‬والتصوير‭ ‬والإخراج،‭ ‬التي‭ ‬غالبًا‭ ‬تكون‭ ‬خانقة‭ ‬خاصة‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬الكاتب‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المخرجين‭ ‬الذين‭ ‬يظنون‭ ‬أن‭ ‬لديهم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تعديل‭ ‬النص‭ ‬بينما‭ ‬يكون‭ ‬تشويهًا‭ ‬للنص،‭ ‬أو‭ ‬يسعون‭ ‬لتحقيق‭ ‬رغبة‭ ‬قديمة‭ ‬بأن‭ ‬يجمعوا‭ ‬بين‭ ‬الكتابة‭ ‬والإخراج‭ ‬وهي‭ ‬مشكلة‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬المخرجين‭ ‬العرب‭ ‬لدينا،‭ ‬فيما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكمل‭ ‬الكاتب‭ ‬والمخرج‭ ‬بعضهما‭ ‬بعضًا‭ ‬وينجحان‭ ‬معًا‭ ‬ويكبران‭ ‬معًا‭.‬

تحويل‭ ‬الرواية‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬فني‭ ‬يخدم‭ ‬انتشارها‭ ‬بين‭ ‬القراء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الوطن‭ ‬العربي

بالحديث‭ ‬عن‭ ‬السيناريو‭ ‬هل‭ ‬ترين‭ ‬أن‭ ‬تحويل‭ ‬الرواية‭ ‬إلى‭ ‬مسلسل‭ ‬يفيدها‭ ‬أم‭ ‬يضرها؟
‏‭- ‬بالتأكيد‭ ‬تحويل‭ ‬الرواية‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬فني‭ ‬سواء‭ ‬فيلم‭ ‬أو‭ ‬مسلسل‭ ‬يخدم‭ ‬انتشارها‭ ‬بين‭ ‬القراء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬حين‭ ‬يعرض‭ ‬على‭ ‬قنوات‭ ‬عربية‭ ‬ذات‭ ‬مشاهدات‭ ‬عالية‭ ‬ليشاهدها‭ ‬المشاهد‭ ‬العربي،‭ ‬وكذلك‭ ‬التطبيقات‭ ‬والمنصات‭ ‬الرقمية،‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬يخدم‭ ‬السيناريو‭ ‬وظروف‭ ‬الإنتاج‭ ‬الرواية‭. ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬فشلت‭ ‬دراميًا،‭ ‬ولا‭ ‬يضمن‭ ‬تحويل‭ ‬كل‭ ‬رواية‭ ‬نجاحها‭ ‬الفني،‭ ‬والأمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬فهناك‭ ‬روايات‭ ‬مكتوبة‭ ‬للأدب‭ ‬والقراءة‭ ‬وتموت‭ ‬بتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬الشاشة‭ ‬والدليل‭ ‬بعض‭ ‬روايات‭ ‬ماركيز‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬أفلام‭ ‬ولم‭ ‬تحقق‭ ‬نجاحات‭ ‬كبيرة‭.‬

في‭ ‬المسلسلات‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬عن‭ ‬الكويت‭ ‬قديمًا‭ ‬هل‭ ‬أجاد‭ ‬فريق‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬رأيكِ‭ ‬اللهجة‭ ‬الكويتية‭ ‬التراثية‭ ‬كما‭ ‬أردتِ‭ ‬التعبير‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬كتاباتكِ؟
‏‭- ‬نعم‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬أجاد‭ ‬الممثلون‭ ‬والممثلات‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬اللهجة‭ ‬الكويتية‭ ‬القديمة‭ ‬برغم‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬الممثلين‭ ‬من‭ ‬الجنسيات‭ ‬الإيرانية‭ ‬والعراقية‭ ‬وقلة‭ ‬منهم‭ ‬كويتي،‭ ‬لكن‭ ‬الاتفاق‭ ‬مع‭ ‬باحثين‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬لضبط‭ ‬اللهجة‭ ‬والتزام‭ ‬المخرج‭ ‬محمد‭ ‬دحام‭ ‬بشدة‭ ‬في‭ ‬الحوارات‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬مكتوبة‭ ‬وكما‭ ‬يفترض‭ ‬نطقها‭ ‬السليم‭ ‬جعلنا‭ ‬نتجاوز‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬انني‭ ‬اضطر‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬لتسجيل‭ ‬منطوق‭ ‬الأمثال‭ ‬القديمة‭ ‬وبعض‭ ‬الكلمات‭ ‬والحوارات‭ ‬في‭ (‬تسجيل‭ ‬صوتي‭) ‬للممثلين‭ ‬والممثلات،‭ ‬وبتكاتف‭ ‬الجهود‭ ‬وتضافرها‭ ‬في‭ ‬فريق‭ ‬العمل‭ ‬خرجنا‭ ‬بنتيجة‭ ‬مرضية‭.‬

هناك‭ ‬مشروع‭ ‬لتحويل‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬خادمات‭ ‬المقام‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬تلفزيوني

أخيرًا‭ ‬المشروع‭ ‬القادم‭ ‬للكاتبة‭ ‬منى‭ ‬الشمري،‭ ‬هل‭ ‬يكون‭ ‬كتابًا‭ ‬أم‭ ‬سيناريو‭ ‬للتلفزيون؟
‏‭- ‬أعكف‭ ‬حاليًا‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬رواية‭ ‬جديدة،‭ ‬أطهوها‭ ‬على‭ ‬مهل،‭ ‬وأتذوقها‭ ‬بمزاجٍ‭ ‬عالٍ،‭ ‬ولست‭ ‬في‭ ‬عجلة‭ ‬من‭ ‬أمري‭ ‬قد‭ ‬احتاج‭ ‬الى‭ ‬عامين‭ ‬للانتهاء‭ ‬منها‭ ‬فموضوعها‭ ‬ثقيل‭ ‬وموجع،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬أبتلع‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الأسى‭ ‬الذي‭ ‬يثقب‭ ‬القلب‭ ‬أولًا‭ ‬ليخرج‭ ‬مني‭ ‬ويسكن‭ ‬روح‭ ‬ووجدان‭ ‬القارئ‭ ‬ليتخذ‭ ‬موقفًا‭ ‬من‭ ‬الظلم‭. ‬أما‭ ‬كتابة‭ ‬السيناريو‭ ‬فهناك‭ ‬مشروع‭ ‬لتحويل‭ ‬رواية‭ (‬خادمات‭ ‬المقام‭) ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬تلفزيوني‭.‬

‮«‬أسرتي‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان
داليا‭ ‬شافعي

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق