تحقيقات

كيف يساعد الآباء أبناءهم على اختيار الأصدقاء؟

تعد الصداقة إحدى حاجات البشر في مختلف مراحلهم العمرية. وهي كذلك دعامة أساسية في تكوين شخصية الأفراد وخبراتهم. ولهذا يقع على عاتق الآباء دور كبير في مساعدة ابنائهم على اختيار الاصدقاء الذين من الممكن أن يظلوا معهم حتى وقت طويل من العمر. وفي وجود وسائل التواصل الاجتماعي أصبح الأمر أكثر صعوبة على الآباء،

حيثُ أصبح الفضاء الجديد ممتلئاً بالأشخاص الغرباء الذين قد يصل إليهم الابناء في غفلة من والديهم.

وللتعرف على أهمية الأصدقاء ودور الوالدين في مساعدة ابنائهم وكذلك تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التقينا بعض الخبراء وتعرفنا على خبرات بعض الأمهات مع هذا الأمر:

 

الدكتور عبدالرحمن الفلاح: على الآباء قبول الأبناء مهما كانت مستوياتهم

في البداية تحدثنا إلى الدكتور عبدالرحمن أحمد الفلاح المدرس المساعد بقسم علم النفس بجامعة الكويت عن دور الصداقة وتأثيرها النفسي والسلوكي على الابناء خاصة في مرحلتي الطفولة والمراهقة والذي يؤكد أن للصحبة دورا كبيرا في  الناحية النفسية للكبار والصغار على سواء.

ويذكر الدكتور عبد الرحمن أن هناك عددا من المراحل للنمو النفسي والاجتماعي للإنسان والتي تختلف طريقة تعامل الوالدين مع ابنائهم في كل منها.

ويوضح «المرحلة من عمر السادسة حتى الثانية عشرة تعد من أكثر المراحل حساسية حيث يميل الأبناء هنا إلى اكتشاف قدراتهم بشكل أكثر واقعية مما يجعلهم عرضة لمقارنة بعضهم لبعض،

كما يميلون إلى الاستماع أكثر تجاه اصدقائهم وتجاربهم بينما يتراجع ايمانهم تجاه والديهم».

ويكمل «دور الآباء هنا عظيم وهو يتمحور حول قبول الابناء مهما كانت مستوياتهم، يجب علينا كآباء في هذه المرحلة أن نقنع أنفسنا بأن هذه المقارنات ليست تفضيلا إنما مرحلة عمرية اجتماعية عابرة،

كما يجب علينا التركيز على مهاراتهم الاجتماعية ومساعدتهم على تطويرها».

كما أشار إلى ان فشل الآباء في ذلك قد تكون نتيجته شعور الابن بالنقص وبأن أقرانه أفضل واقوى أو اجمل أو اذكى منه.

ويقول «أما مرحلة المراهقة فهي صلب الاستقرار النفسي والاجتماعي المستقبلي، هي مرحلة السؤال الأهم اجتماعياً وهو: من أنا؟، وتعتمد هذه المرحلة على المراحل السابقة قبلها حيث تصعب الاجابة عن سؤال الهوية في حال كان لدى الابن شعور بالنقص أو الذنب».

 

الدكتور عثمان المحطب: يجب أن يكون الوالدان مثالاً جيداً للأبناء في استخدامهما لوسائل التواصل الاجتماعي

ثم انتقلنا إلى الدكتور عثمان المحطب نائب رئيس مجلس إدارة مركز الأسرة للاستشارات النفسية، فقال في البداية عن أهمية الصداقة «للصداقة أهمية كبيرة للإنسان في كل

مراحل نموه فنرى الأطفال ينتقون أصدقاءهم ويميزونهم في التعامل، وفي هذه المرحلة تحقق الصداقة للطفل المرح والانتماء والقوة، كما تساعدهم على اكتساب مفردات جديدة وتنمية مهارات الحوار والتفاوض من خلال مواقف اللعب والخصام».

ويستطرد «في مرحلة المراهقة تحقق الصداقة كل الحاجات الانسانية للمراهق مثل الحب والانتماء والشعور بالسيطرة وتنمي قوة الشخصية لديه، أما الشباب فتشكل سنداً قوياً للشاب

يلجأ إليه لتغطية احتياجاته المختلفة بل  تمتد أهمية الصداقة لمراحل العمر المتقدمة كذلك».

ويشرح الدكتور عثمان دور الوالدين في اختيار ابنائهما للأصدقاء قائلاً «المصدر الاساسي لاختيار الاصدقاء،   الأسرة الكبيرة والجيران وزملاء المدرسة، ولهذا على الوالدين  اختيار الجيرة الحسنة والمدرسة المناسبة لأبنائهما، كما أن الوالدين هما القدوة وبالتالي عليهما اختيار اصدقائهما بعناية حتى يتعلم منهما الابناء».

وحدثنا دكتور عثمان عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على اختيار المراهقين لأصدقائهم، فقال «هذه الوسائل سلاح ذو حدين وقد تستغل بشكل إيجابي للتواصل مع الأقران

ذوي المواهب والهوايات والاهتمامات المشتركة، وعلى جانب آخر قد تستغل في التواصل مع أصدقاء السوء في تبادل مواد مقروءة ومسموعة ومرئية ممنوعة ومحرمة،

كما أن هناك بعض الألعاب على تلك الوسائل قد تقود الابناء للقلق والاكتئاب بل  الانتحار».

وعن التهديدات التي قد يقع فيها الابناء نتيجة الصداقات عبر هذه الوسائل، يذكر ان الابناء قد يقعون في الانحرافات السلوكية والأخلاقية من خلال التهديد بالفضيحة ونشر الصور والأفلام على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويضيف «قد يتم استدراج المراهقين للوقوع في المحرمات وتحريضهم على الهروب من البيت أو استغلالهم في أمور تضر بأمن الدولة، كما قد تؤدي إلى الادمان

على مشاهدة المواقع الإباحية أو تناول المخدرات والمسكرات، وفي أقل تقدير قد تهدد هذه الصداقات وقتهم وأموالهم في تبديدها بلا نفع يعود عليهم».

ويبين دكتور عثمان انه يمكن تجنب الآثار الضارة لتلك الصداقات عن طريق التنشئة الاجتماعية الصالحة للأبناء منذ الصغر وأن يكون الوالدان مثالاً جيداً للأبناء في استخدامهما لوسائل التواصل الاجتماعي

وكذلك الحوار اليومي والمتكرر مع الابناء حول الاستخدام السيئ لتلك المواقع.

ويستطرد «يجب تحديد أوقات للأبناء لاستخدام تلك المواقع ومنع استخدام الأجهزة في غرفهم أو الانفراد بها في مكان بعيد ولا يسمح لهم بوضع أرقام سرية غير معروفة للوالدين

وان يتفق الوالدان مع الابناء على حقهما في تفقد اجهزة أبنائهما دورياً وعدم السماح للأبناء دون عشر سنوات بامتلاك أجهزة هواتف ذكية واستبدالها بأجهزة هواتف عادية عند خروجهما من البيت فقط».

 

الدكتورة عبير العميري: قد تعرض الصداقات عبر الألعاب الأبناء إلى الاستغلال الجسدي أو المالي

الدكتورة عبير العميري نائب رئيس الجمعية الكويتية لتقنية المعلومات والمدرس بقسم الحاسوب، تؤكد على مخاطر الصداقات التي تنشأ عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعتمد على كثير من العوامل،

وقالت «تؤثر هذه الوسائل على العادات والتقاليد وتتسبب في الغزو والإرهاب الفكري وكذلك على تربية الأسرة حيث يعيش المراهق أو الطفل في تناقض بين ما يعيشه وما قد يراه لدى الآخرين، وبالتالي يؤدي إلى عدم استقرار وخلل في تربيته».

وتستكمل «يستبدل كذلك الابناء الأم والأب كقدوة بأخذ أصدقاء مواقع التواصل الاجتماعي قدوة، هذا إلى جانب التأثيرات الجسدية والصحية على الابناء فيستمرون في السهر ويؤثر ذلك على العين والمخ، وغير ذلك».

وتوضح الدكتورة عبير أن أكثر الصداقات التي ينشئها الأطفال تكون عن طريق الألعاب التي يكون بها محادثة.

وتشدد على خطر هذه الألعاب قائلة «قد تعرضهم هذه الصداقات إلى الاستغلال الجسدي أو المالي حيث يمكن من خلالها التعرف على بعض المعلومات التفصيلية الخاصة بالطفل وأهله».

وتستطرد «إذا أعطي الطفل من عمر 7 إلى 12 سنة الحرية الكاملة في هذه الوسائل يتسبب ذلك في تدميره حيث يتجول في مساحات شاسعة عبر الفضاء الإلكتروني والتي قد تضره،

وفي حالة المراهق نجد أنه يبحث عن الاستقرار حيث يريد شخصا يستقر إليه نفسياً فإذا لم يجده في العالم الحقيقي ووجده عبر تلك المواقع فقد يعرضه ذلك للاستغلال بشكل كبير».

وتذكر أن هناك فوائد لتلك الصداقات لكنها مرتبطة بتحكم الوالدين الجيد لاستخدام ابنائهما لوسائل التواصل الاجتماعي والصداقات التي تنشأ عبرها، فإذا كان دور الوالدين إيجابيا يكتسب الابناء خبرات إيجابية.

وتقول «يكسب تعامل الأطفال مع التكنولوجيا معرفة كبيرة بالتقنية وكذلك الأطفال الذين لديهم اهتمامات تمكنهم تلك المواقع من تعلم المزيد عنها وذلك مع وجود رقابة من الوالدين أو شخص كبير».

ولضمان الوالدين تجربة جيدة عبر صداقات تلك المواقع تبين دكتورة عبير أنه يجب تهيئة الأبناء لاستخدام التكنولوجيا حتى لا يتعرضوا للاختراق من خلال تحذيرهم من استخدام الكاميرا والميكروفون وتدريبهم على استخدام اعدادات الألعاب.

وتضيف «على الوالدين كذلك غرس الرقابة الذاتية لدى الأطفال، إلى جانب غرس قيم المواطنة الصالحة وأن يفهم الابناء انهم حين يتحدثون مع أشخاص آخرين عبر تلك المواقع فهم يعكسون صورة لوطنهم،

وبهذا يتعلمون فن الحوار وفن اختيار المدونين الذين يتحدثون إليهم، كذلك منح الابناء المجال لتعزيز هواياتهم في ضوء تلك المعايير».

وتستكمل «قديماً كانت التربية قائمة على المنع أما في هذا العصر فلا يمكن استخدام هذا الأسلوب فبوجود التكنولوجيا قد يتسبب ذلك في وجود فجوة رقمية في المستقبل لدى الأبناء،

وبالتالي الحل الأمثل هو تعزيز الرقابة الذاتية التي تمنع الطفل أو المراهق نفسه من الاستخدام السيئ  لتلك الوسائل».

 

أمهات يتحدثن عن تجاربهن مع اختيار أبنائهن للأصدقاء:

تحكي غادة عن تجربتها مع ابنتيها التوأم قائلة «واجهت بعض التجارب لصداقات مواقع التواصل الاجتماعي مع ابنتيّ حيث كان يُرسل لهما طلبات صداقة عبر موقع فيس بوك من أشخاص غرباء وفي بعض الأوقات كانتا تقبلانها».

وتضيف «عندما أعلم بهذا الأمر اتعامل معهما كأني مثلهما وفي سنهما لكي اتعرف على ما يحدث معهما، ففي نظري أن الحل الأمثل هو الصداقة مع ابنائنا لتعليمهم الاخطاء بدلاً من اعطائهم الأوامر».

أما إيناس اسماعيل فتذكر أنها تتبع أسلوب المصارحة مع ابنيها حيثُ يشاركانها بشكل مستمر مواقفهما وحكاياتهما. وتقول «لم يكن لي تدخل في اختيار ابنيّ لأصدقائهما ولكن قد يكون لي رأي سلبي في أحد الاصدقاء فأنصح بالابتعاد عنه وبالفعل بعد وقت قصير يثبت صحة قولي».

و تكمل «لم يكون لابنيّ صداقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهما يستخدمانها فقط في التواصل مع اصدقاء وزملاء يعرفونهما أو لأغراض دراسية ولإثراء معارفهما».

أم أسماء تؤكد أنه لا بد من الرقابة الدائمة من الأم على ابنائها.

وتقول «لدي معرفة بكلمة السر الخاصة بحساب البنت حتى تنتهي من المرحلة الثانوية وذلك باتفاق بيني وبين بناتي على أن لا افتح الرسائل التي تتبادلها مع الأصدقاء الموثوق بهم».

وتضع عدداً من القواعد لبناتها لتكوين صداقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي فتقول «لا بد لي أن أرى الحساب الخاص بالفتاة التي تود مصادقة ابنتي،

كذلك لا اسمح لبناتي بصداقة من يكن أكبر منهن سناً ولا اللاتي يكن من منطقة أخرى، كما لا اقبل بالأشخاص الذين ليس بينهم أي أصدقاء مشتركين،

وفي بعض الأحيان الجأ إلى صديقات بناتي الموثوق بهن حتى ينصحن إحداهن برفض صداقة بعض الأشخاص ممن أرفضهم،

كما لا اسمح لهن باستخدام الانترنت في أوقات الدراسة بل يكتفين بمشاهدة التلفاز أو الخروج والتنزه».

وتضيف «أخبر بناتي بأن عليهن أن يخبرنني بأخطائهن ولا اعاقبهن إذا قمن بمصارحتي، وكذلك أحثهن على أن يبقين سرهن معي دائماً ولا يترددن في طرح أي اسئلة قد تبدو محرجة

حتى لا يحصلن على معلومة خاطئة من أي شخص، كما اغرس فيهن نزعة الخوف والتقوى من الله التي تساعد في ابتعادهن عن كثير من الأمور السيئة».

وبينت أن ابنتها الصغرى تقضي كثيرا من الوقت على ألعاب الانترنت والتي تتضمن كثيراً من المحادثات الكتابية والصوتية وتقول «الحل الذي أتبعه هو تحميل هذه الألعاب ووقف اتصالها بالانترنت حيث يمكن للبنت أن تلعب دون إجراء محادثات مع أشخاص لا تعرفهم».

 

كتبت: داليا شافعي

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق