تحقيقات
أخر الأخبار

لبنانيون‭ ‬يعبرون‭ ‬الموت‭..‬‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬قضى‭ ‬نحبه‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬ينتظر

مما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬اللبناني‭ ‬خسر‭ ‬الكثير‭ ‬جراء‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬عصفت‭ ‬بوطنه‭ ‬منذ‭ ‬قرابة‭ ‬السنتين،‭ ‬فعاش‭ ‬كل‭ ‬مشاهد‭ ‬الذل‭ ‬والموت‭ ‬البطيء‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬عاجزا‭ ‬عن‭ ‬تأمين‭ ‬لقمة‭ ‬عيش‭ ‬أطفاله،‭ ‬ما‭ ‬دفعه‭ ‬لخيارات‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الموت‭ ‬ثمناً‭.‬
عند‭ ‬ساعات‭ ‬الفجر‭ ‬الأولى‭ ‬وبصمت‭ ‬كلي،‭ ‬يصعدون‭ ‬على‭ ‬قوارب‭ ‬الموت،‭ ‬لا‭ ‬يفكّرون‭ ‬بكل‭ ‬المخاطر،‭ ‬السلامة‭ ‬العامة،‭ ‬ظروف‭ ‬الطقس،‭ ‬الأعداد‭ ‬البشرية‭ ‬المتراكمة،‭ ‬سلامة‭ ‬المركب،‭ ‬ومهارة‭ ‬القبطان،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجول‭ ‬في‭ ‬أذهانهم‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا،‭ ‬بجنّتها‭ ‬ونعيمها‭ ‬هربا‭ ‬من‭ ‬واقعهم‭ ‬الأليم‭.‬
ما‭ ‬زال‭ ‬جرح‭ ‬قوارب‭ ‬الموت‭ ‬ينزف‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬المفقودون‭ ‬بين‭ ‬أحضان‭ ‬البحر‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬مشاهد‭ ‬قاتلة‭ ‬حصلت،‭ ‬ولعل‭ ‬أصعبها‭ ‬حين‭ ‬قرر‭ ‬والدان‭ ‬رمي‭ ‬جثة‭ ‬طفلهما‭ ‬بعد‭ ‬موته‭ ‬أثناء‭ ‬رحلتهما،‭ ‬هو‭ ‬الموت‭ ‬بعينه‭ ‬هربا‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬قوارب‭ ‬الموت،‭ ‬لا‭ ‬كلام‭ ‬يجسّد‭ ‬المشهد،‭ ‬فاللبناني‭ ‬الفقير‭ ‬بات‭ ‬أمام‭ ‬خيار‭ ‬واحد‭ ‬‮«‬الموت‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬خلفه،‭ ‬وقوارب‭ ‬الموت‭ ‬من‭ ‬أمامه‮»‬‭. ‬البعض‭ ‬عَبر‭ ‬البحر‭ ‬ونجح‭ ‬بالوصول،‭ ‬وفي‭ ‬لبنان‭ ‬الكثر‭ ‬ينتظرون‭.‬
في‭ ‬تقريرنا‭ ‬هذا‭ ‬سنعرض‭ ‬لكم‭ ‬قصصا‭ ‬لعائلات‭ ‬قررت‭ ‬خوض‭ ‬غمار‭ ‬البحر‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬لقمة‭ ‬عيشها‭ ‬بكرامة،‭ ‬ولشباب‭ ‬طامح‭ ‬لبناء‭ ‬غده،‭ ‬ولحزن‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ ‬عندما‭ ‬ابتلع‭ ‬البحر‭ ‬أطفالاً‭ ‬ورُضّعا‭ ‬تاركين‭ ‬غصّة‭ ‬قاتلة‭ ‬ودمعة‭ ‬دموية‭.‬

‮«‬الهدف‭ ‬كان‭ ‬حينها‭ ‬أوروبا،‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فقد‭ ‬فقدت‭ ‬فلذات‭ ‬كبدي‭ ‬أولادي‭ ‬الثلاثة‮»‬

البحر‭ ‬حرمنا‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬بابا‭ ‬وماما
يروي‭ ‬العم‭ ‬عميد‭ ‬دندشي‭ ‬ابن‭ ‬مدينة‭ ‬طرابلس‭ ‬قصته‭ ‬ودموعه‭ ‬تتدحرج‭ ‬على‭ ‬خديه،‭ ‬وبصوت‭ ‬حزين‭ ‬ومتقطع‭ ‬يقول‭ ‬االبحر‭ ‬حرمني‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬باباب،‭ ‬قرر‭ ‬العم‭ ‬عميد‭ ‬الهجرة‭ ‬مع‭ ‬عائلته‭ ‬للهرب‭ ‬من‭ ‬ضيق‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬فحجز‭ ‬مكانا‭ ‬له‭ ‬ولعائلته‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬اقارب‭ ‬الموتب،‭ ‬وفي‭ ‬23‭ ‬أبريل‭ (‬نيسان‭) ‬الماضي‭ ‬حلت‭ ‬الكارثة،‭ ‬حيث‭ ‬تسرّبت‭ ‬المياه‭ ‬إلى‭ ‬المركب‭ ‬بعد‭ ‬محاولة‭ ‬قبطان‭ ‬المركب‭ ‬الهرب‭ ‬من‭ ‬دورية‭ ‬لخفر‭ ‬السواحل‭ ‬اللبنانية‭ ‬قبالة‭ ‬شاطئ‭ ‬طرابلس‭.‬

يضيف‭ ‬بحرقة‭ ‬االهدف‭ ‬كان‭ ‬حينها‭ ‬أوروبا،‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فقد‭ ‬فقدت‭ ‬فلذات‭ ‬كبدي‭ ‬أولادي‭ ‬الثلاثة،‭ ‬أسد‭ (‬40‭ ‬يوماً‭)‬،‭ ‬جواد‭ (‬8‭ ‬سنوات‭)‬،‭ ‬وفداء‭ (‬5‭ ‬سنوات‭)‬،‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬إنقاذهم،‭ ‬بت‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬البحر،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬نومي‭ ‬أسمع‭ ‬نداءات‭ ‬استغاثتهم‭ ‬وصوت‭ ‬البكاء،‭ ‬أستقل‭ ‬المركب‭ ‬وأُبحر‭ ‬برفقة‭ ‬أصدقائي‭ ‬لعلّي‭ ‬أجدهم‭ ‬لكن‭ ‬عبثًا‭ ‬أحاولب‭.‬
فصول‭ ‬الكارثة‭ ‬على‭ ‬عائلة‭ ‬دندشي‭ ‬لم‭ ‬تنتهِ‭ ‬هنا،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬اقارب‭ ‬الموتب‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عميد‭ ‬وزوجته‭ ‬وأولاده،‭ ‬شقيقاه‭ ‬بلال‭ ‬ورائد‭. ‬نجا‭ ‬رائد‭ ‬وفقد‭ ‬زوجته‭ ‬وابنته‭ ‬غزل،‭ ‬وتم‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬جثة‭ ‬ابنه‭ ‬بهاء‭. ‬ونجا‭ ‬الشقيق‭ ‬الثالث‭ ‬بلال،‭ ‬وفقد‭ ‬زوجته‭ ‬وولديه‭ ‬ليث‭ ‬ورزان‭. ‬7‭ ‬أطفال‭ ‬ضحايا‭ ‬لعائلة‭ ‬واحدة‭ ‬وزوجات،‭ ‬هنا‭ ‬تكمن‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬بكل‭ ‬تجلياتها‭.‬

ما‭ ‬زال‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬23‭ ‬أبريل‭ (‬نيسان‭) ‬جرحاً‭ ‬نابضاً‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬الطرابلسية‭ ‬خصوصاً،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬قارب‭ ‬الموت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬شخصاً،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬عشرات‭ ‬المفقودين‭ ‬يقبعون‭ ‬في‭ ‬قعر‭ ‬البحر‭ ‬على‭ ‬عمق‭ ‬470‭ ‬متراً‭ ‬حيث‭ ‬رسا‭ ‬المركب‭ ‬المشؤوم،‭ ‬ولم‭ ‬تتمكن‭ ‬السلطات‭ ‬اللبنانية‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬انتشاله،‭ ‬فيما‭ ‬ينتظر‭ ‬الأهالي‭ ‬استرداد‭ ‬جثث‭ ‬أحبتهم،‭ ‬والبعض‭ ‬منهم‭ ‬يرفضون‭ ‬تسميتهم‭ ‬أمواتا،‭ ‬بل‭ ‬مفقودين‭ ‬لعل‭ ‬في‭ ‬طيات‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬المستحيل‭.‬
تمكّن‭ ‬الجيش‭ ‬اللبناني‭ ‬بعد‭ ‬الحادثة‭ ‬وبعد‭ ‬جهود‭ ‬مضنية‭ ‬واستخدام‭ ‬كل‭ ‬الطاقات‭ ‬البشرية‭ ‬والتقنية‭ ‬من‭ ‬إنقاذ‭ ‬45‭ ‬شخصاً،‭ ‬وانتشال‭ ‬6‭ ‬جثامين،‭ ‬وترجّح‭ ‬التقديرات‭ ‬أن‭ ‬23‭ ‬شخصاً‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬مدفونين‭ ‬في‭ ‬قعر‭ ‬الماء‭ ‬مقابل‭ ‬الشواطئ‭ ‬الطرابلسية‭.‬

‮«‬ما‭ ‬عندي‭ ‬شيء‭ ‬لأخسره،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬برجع‭ ‬أو‭ ‬بموت‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬ثالث‮»‬

طارق‭ ‬وحلم‭ ‬السفر
لم‭ ‬يتخل‭ ‬طارق‭ (‬اسم‭ ‬مستعار‭) ‬ابن‭ ‬الخامسة‭ ‬والثلاثين‭ ‬عاما‭ ‬عن‭ ‬حلمه‭ ‬الطفولي‭ ‬بالسفر‭ ‬خارج‭ ‬لبنان،‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬منزله‭ ‬الصيداوي‭ ‬صباحا‭ ‬متوجها‭ ‬نحو‭ ‬حسبة‭ ‬الخضار‭ ‬ليشتري‭ ‬بضاعته‭ ‬ويضعها‭ ‬على‭ ‬عربته‭ ‬المدولبة‭ ‬ويتوجّه‭ ‬نحو‭ ‬كسب‭ ‬رزقه‭ ‬الحلال،‭ ‬يقول‭ ‬طارق‭ ‬اباءت‭ ‬محاولاته‭ ‬الثلاث‭ ‬بالفشل‭ ‬للهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬من‭ ‬لبنان،‭ ‬وكانت‭ ‬آخر‭ ‬محاولة‭ ‬منذ‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬وأنا‭ ‬الآن‭ ‬أجمع‭ ‬المال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المحاولة‭ ‬القادمة‭ ‬بعد‭ ‬الحالة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المزرية‭ ‬التي‭ ‬وصلنا‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬لبنانب‭.‬
طارق‭ ‬لم‭ ‬يتزوج‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬مبررا‭ ‬ذلك‭ ‬بأن‭ ‬تكوين‭ ‬عائلة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬سيشكل‭ ‬عائقاً‭ ‬أمام‭ ‬حلمه‭ ‬بالسفر،‭ ‬يضيف‭ ‬امسؤوليات‭ ‬العائلة‭ ‬ومصاريفها‭ ‬ستؤخّر‭ ‬حلمي،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬لن‭ ‬أتمكّن‭ ‬من‭ ‬تأمين‭ ‬معيشتها،‭ ‬لذلك‭ ‬سأسافر‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬لأعمل‭ ‬وأتزوج‭ ‬وأكوّن‭ ‬عائلة‭ ‬هناك‭ ‬حيث‭ ‬الرزق‭ ‬والطمأنينة‭ ‬ورفاهية‭ ‬الحياةب‭.‬
وصل‭ ‬طارق‭ ‬إلى‭ ‬الشواطئ‭ ‬القبرصية‭ ‬مرة،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬باب‭ ‬الفرج‭ ‬فُتح‭ ‬في‭ ‬وجهه،‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الشرطة،‭ ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬اليونان،‭ ‬وكذلك‭ ‬انتهى‭ ‬الأمر‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬مركب‭ ‬عملاق‭ ‬عائدا‭ ‬إلى‭ ‬لبنان،‭ ‬أما‭ ‬المرة‭ ‬الثالثة‭ ‬فألقي‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬المهرّب‭ ‬قبيل‭ ‬الانطلاق‭ ‬وضاعت‭ ‬أمواله‭ ‬وحلمه‭ ‬معها،‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فالأمور‭ ‬بخير‭ ‬بحسب‭ ‬وصفه،‭ ‬فقد‭ ‬تعلّم‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬الماضي،‭ ‬والخطة‭ ‬متقنة‭ ‬لهجرة‭ ‬نهائية‭ ‬ومضمونة،‭ ‬مؤكدا‭ ‬اما‭ ‬عندي‭ ‬شيء‭ ‬لأخسره،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬برجع‭ ‬أو‭ ‬بموت‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬ثالث،‭ ‬وأكيد‭ ‬بحضّر‭ ‬حالي‭ ‬لمحاولة‭ ‬خامسة‭ ‬إذا‭ ‬صحتي‭ ‬بتحمل‭ ‬بعدب‭.‬

‮«‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقلقني‭ ‬هو‭ ‬
بقاء‭ ‬أمي‭ ‬وحيدة‭ ‬هنا،‭ ‬وكيف‭ ‬ستتدبر‭ ‬أمرها‭ ‬وحدها‭ ‬بلا‭ ‬معيل‮»‬

انتظاراً‭ ‬لساعة‭ ‬الصفر
وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه،‭ ‬يقول‭ ‬الشاب‭ ‬رامي‭ (‬اسم‭ ‬مستعار‭) ‬ابن‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرين‭ ‬عاما‭ ‬اأنا‭ ‬ابن‭ ‬البحر،‭ ‬ولدت‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬صور‭ ‬الجنوبية‭ ‬وأعمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬صيد‭ ‬الأسماك،‭ ‬لكن‭ ‬لهذه‭ ‬المهنة‭ ‬متاعب‭ ‬كثيرة،‭ ‬وفي‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تعطي‭ ‬مردوداً‭ ‬كافيا‭ ‬نظراً‭ ‬للمصاريف‭ ‬المرتفعة‭ ‬وغلاء‭ ‬المعيشةب‭.‬
حسم‭ ‬رامي‭ ‬قراره‭ ‬بالهجرة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أحد‭ ‬المهرّبين‭ ‬لبلاد‭ ‬الجنّة‭ ‬كما‭ ‬يصفها،‭ ‬معوّلا‭ ‬على‭ ‬قدرته‭ ‬العالية‭ ‬بالسباحة‭ ‬والغطس‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حدوث‭ ‬أي‭ ‬خلل‭ ‬خلال‭ ‬الرحلة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يضيف‭ ‬بقلق‭ ‬اكل‭ ‬ما‭ ‬يقلقني‭ ‬هو‭ ‬بقاء‭ ‬أمي‭ ‬وحيدة‭ ‬هنا،‭ ‬وكيف‭ ‬ستتدبر‭ ‬أمرها‭ ‬وحدها‭ ‬بلا‭ ‬معيلب‭.‬
‏‭ ‬لم‭ ‬يخبر‭ ‬رامي‭ ‬أمه‭ ‬بما‭ ‬يخطط‭ ‬له‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تموت‭ ‬رعباً،‭ ‬ويأمل‭ ‬أن‭ ‬ينجح‭ ‬بالهجرة‭ ‬من‭ ‬المحاولة‭ ‬الأولى‭ ‬لأنها‭ ‬ستكون‭ ‬الأخيرة‭ ‬حسب‭ ‬قوله،‭ ‬وإن‭ ‬سارت‭ ‬الأمور‭ ‬كما‭ ‬يخطط‭ ‬لها‭ ‬سيتصل‭ ‬بأمه‭ ‬ليبشرها‭ ‬بوصوله‭ ‬بخير‭ ‬وتكون‭ ‬فرحة‭ ‬بلا‭ ‬قلق‭.‬
حال‭ ‬الشاب‭ ‬رامي‭ ‬كحال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬شبان‭ ‬مدينته،‭ ‬يحلمون‭ ‬بالهجرة‭ ‬ليخرجوا‭ ‬من‭ ‬دوامة‭ ‬فقرهم‭ ‬وللحاق‭ ‬بأحلامهم‭ ‬الوردية‭.‬

‮«‬تركتُ‭ ‬مهنة‭ ‬صيد‭ ‬الأسماك‭ ‬لأساعد‭ ‬الناس‭ ‬الساعية‭ ‬للهرب‭ ‬من‭ ‬ضيق‭ ‬معيشتها‮»‬

لست‭ ‬مهرّباً‭ ‬بل‭ ‬محقق‭ ‬الأحلام
يرفض‭ ‬العم‭ ‬سليم‭ (‬اسم‭ ‬مستعار‭) ‬أن‭ ‬تشمله‭ ‬صفة‭ ‬المهرّب،‭ ‬ويقول‭ ‬ابن‭ ‬مدينة‭ ‬طرابلس‭ ‬اأنا‭ ‬لست‭ ‬مُهرّبا‭ ‬بل‭ ‬تركتُ‭ ‬مهنة‭ ‬صيد‭ ‬الأسماك‭ ‬لأساعد‭ ‬الناس‭ ‬الساعية‭ ‬للهرب‭ ‬من‭ ‬ضيق‭ ‬معيشتها،‭ ‬ومهنتي‭ ‬الجديدة‭ ‬فتحت‭ ‬بوابة‭ ‬الحياة‭ ‬أمام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬وطني‭ ‬بعد‭ ‬وصولهم‭ ‬بخير‭ ‬إلى‭ ‬أوروباب‭.‬
يتابع‭ ‬الخمسيني‭ ‬اللأسف‭ ‬بعض‭ ‬أصدقاء‭ ‬الكار‭ ‬أصابهم‭ ‬الجشع،‭ ‬وباتوا‭ ‬يستغلون‭ ‬حاجة‭ ‬الناس‭ ‬عبر‭ ‬المبالغ‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬يطلبونها،‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬الناس‭ ‬لبيع‭ ‬كل‭ ‬ممتلكاتهم‭ ‬بهدف‭ ‬السفر،‭ ‬وهناك‭ ‬استهتار‭ ‬كبير‭ ‬بحياة‭ ‬البشر‭ ‬حيث‭ ‬يحمّلون‭ ‬على‭ ‬المركب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬طاقته‭ ‬الاستيعابية‭ ‬ما‭ ‬يعرض‭ ‬سلامة‭ ‬المركب‭ ‬وبالتالي‭ ‬حياة‭ ‬المهاجرين‭ ‬للخطر‭ ‬المحتوم،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬حدوث‭ ‬أي‭ ‬خلل‭ ‬تحلُّ‭ ‬الكارثةب‭.‬

يدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬بشراسة،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬تجد‭ ‬بين‭ ‬طيّات‭ ‬حديثه‭ ‬فخرا‭ ‬بالإنجازات‭ ‬التي‭ ‬حققها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬امن‭ ‬الناحية‭ ‬المادية‭ ‬أطلب‭ ‬مبالغ‭ ‬بحق‭ ‬الله،‭ ‬ومركبي‭ ‬مجهز‭ ‬بدواليب‭ ‬نجاة‭ ‬بحسب‭ ‬عدد‭ ‬الركاب،‭ ‬وأتفحص‭ ‬محرّك‭ ‬المركب‭ ‬قبيل‭ ‬الإبحار‭ ‬لتفادي‭ ‬الأعطال،‭ ‬وأبقي‭ ‬مركبي‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬حمولته،‭ ‬والأهم‭ ‬عندي‭ ‬لا‭ ‬أسمح‭ ‬باصطحاب‭ ‬الأطفال‭ ‬خلال‭ ‬رحلاتي،‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أحتمل‭ ‬أن‭ ‬يصيبهم‭ ‬مكروه،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬حدوث‭ ‬طارئ‭ ‬الراشد‭ ‬يخلّص‭ ‬نفسه‭ ‬أما‭ ‬الطفل‭ ‬فلا‭ ‬حول‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬بل‭ ‬مصيره‭ ‬الموت‭ ‬المحتوم‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬مع‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬امركب‭ ‬الموتب‭.‬
يقول‭ ‬العم‭ ‬سليم‭ ‬اأكثر‭ ‬ما‭ ‬يسعدني‭ ‬اتصال‭ ‬الشباب‭ ‬بي‭ ‬بعد‭ ‬وصولهم‭ ‬إلى‭ ‬وجهتهم‭ ‬الأوروبية،‭ ‬هنا‭ ‬أرتاح‭ ‬وأباشر‭ ‬نصائحي‭ ‬الأبوية‭ ‬لهم،‭ ‬أوصيهم‭ ‬أن‭ ‬يثابروا‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬ظروف‭ ‬عيشهم‭ ‬ويعيلوا‭ ‬أهلهم،‭ ‬وأشدد‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يأكلوا‭ ‬لقمة‭ ‬الحلال‭ ‬فقطب‭.‬
يقدّم‭ ‬أحمد‭ ‬نصيحة‭ ‬ثمينة‭ ‬لكل‭ ‬طامح‭ ‬للهجرة‭ ‬أن‭ ‬يعمد‭ ‬للسفر‭ ‬بطريقة‭ ‬شرعية

نجحت‭ ‬بالهجرة‭ ‬ولكن‭..‬
نجح‭ ‬الشاب‭ ‬أحمد‭ (‬اسم‭ ‬مستعار‭) ‬وبعد‭ ‬رحلة‭ ‬محفوفة‭ ‬بالمخاطر‭ ‬ومطاردات‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬والتنقّل‭ ‬من‭ ‬مخيم‭ ‬إلى‭ ‬مخيّم‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬وجهته‭ ‬النهائية‭ ‬ألمانيا،‭ ‬وبعد‭ ‬مضي‭ ‬سنوات‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬قناعة‭ ‬بأن‭ ‬قراره‭ ‬بالهجرة‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬محله،‭ ‬نظراً‭ ‬لعدم‭ ‬تمكّنه‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يتمناه،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬الأمور‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بالسهولة‭ ‬التي‭ ‬سمع‭ ‬عنها‭.‬
ما‭ ‬زال‭ ‬الشاب‭ ‬الجنوبي‭ ‬ابن‭ ‬الواحد‭ ‬والثلاثين‭ ‬عاما‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المخيمات‭ ‬بضواحي‭ ‬العاصمة‭ ‬برلين،‭ ‬تعطيه‭ ‬الدولة‭ ‬الألمانية‭ ‬مصروفه‭ ‬الشخصي‭ ‬كل‭ ‬أسبوع‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬الـ‭ ‬50‭ ‬يورو،‭ ‬ويعمد‭ ‬الشباب‭ ‬العمل‭ ‬لساعات‭ ‬ابالأسودب،‭ ‬وهي‭ ‬صفة‭ ‬تطلق‭ ‬على‭ ‬العمال‭ ‬غير‭ ‬المسجلين‭ ‬بحيث‭ ‬يبقى‭ ‬الشاب‭ ‬يتلقى‭ ‬المساعدة‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬وصاحب‭ ‬العمل‭ ‬يتهرّب‭ ‬من‭ ‬الضرائب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬أيضا‭ ‬بالكاد‭ ‬يكفي‭ ‬لتأمين‭ ‬الحاجات‭ ‬الأساسية،‭ ‬يقول‭ ‬اليس‭ ‬بمقدورنا‭ ‬أن‭ ‬نشتري‭ ‬علبة‭ ‬سجائر‭ ‬لارتفاع‭ ‬ثمنها‭ ‬والمصروف‭ ‬لا‭ ‬يكفي،‭ ‬فعمدنا‭ ‬للف‭ ‬السجائر‭ ‬يدوياًب‭.‬
يقدّم‭ ‬أحمد‭ ‬نصيحة‭ ‬ثمينة‭ ‬لكل‭ ‬طامح‭ ‬للهجرة‭ ‬أن‭ ‬يعمد‭ ‬للسفر‭ ‬بطريقة‭ ‬شرعية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬حالات‭ ‬الموت‭ ‬التي‭ ‬شهدناها‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬ونظرا‭ ‬لصعوبة‭ ‬الاستحصال‭ ‬على‭ ‬الجنسية‭ ‬ولائحة‭ ‬الشروط‭ ‬الطويلة‭ ‬الموجب‭ ‬تحقيقها،‭ ‬ويشدد‭ ‬اوهم‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬يتلاشى‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تستفيق‭ ‬من‭ ‬كبوتك،‭ ‬فلا‭ ‬الدول‭ ‬تنتظر‭ ‬قدومك‭ ‬لتخدمك‭ ‬بعيونها،‭ ‬ولا‭ ‬الأشجار‭ ‬تثمر‭ ‬الأموال،‭ ‬بل‭ ‬كدّك‭ ‬وأوراقك‭ ‬الرسمية‭ ‬ومستوى‭ ‬تحصيلك‭ ‬العلمي‭ ‬من‭ ‬يحقق‭ ‬لك‭ ‬طموحاتكب‭.‬

حتى‭ ‬توقيت‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬نسمع‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬عن‭ ‬أشخاص‭ ‬وصلوا‭ ‬بسلام‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا،‭ ‬وآخرين‭ ‬ألقي‭ ‬القبض‭ ‬عليهم‭ ‬أثناء‭ ‬الاستعداد‭ ‬للانطلاق،‭ ‬ودعوات‭ ‬تعبر‭ ‬فضاء‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للدعاء‭ ‬لمهاجرين‭ ‬للوصول‭ ‬بسلام‭ ‬إلى‭ ‬وجهتهم‭.‬
هذا‭ ‬الوطن‭ ‬لبنان‭ ‬ينزف‭ ‬أحبته‭ ‬بصمت،‭ ‬يهربون‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬حبهم‭ ‬له،‭ ‬علّهم‭ ‬يعودون‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬أفضل،‭ ‬وحكّام‭ ‬أرحم‭.‬

‮«‬أسرتي‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان
علي‭ ‬غندور

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق