لمواجهة ارتفاع نسبة العنوسة مبادرة «تيسير نفقات الزواج».. تواجه الموروثات البالية
ليلة العمر بدون تكاليف
موروثات بالية تسببت في زيادة نسبة العنوسة وإعراض الشباب عن الزواج، ففي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشهدها مصر والعالم وارتفاع أسعار مصاريف وتكاليف الزواج، مما تسبب في لجوء كثير من الأهالي لاقتراض مبالغ كبيرة من البنوك والتوقيع على إيصالات أمانة وشيكات عواقبها وخيمة في حال عدم القدرة على الوفاء بها والدخول في مطالبات قانونية قد تؤدي أحياناً إلى غياهب السجون وتحول الفرح إلى مأتم، لذا قرر عدد من القبائل والعائلات بقرية العكروت بمحافظة المنيا جنوب مصر إلى إطلاق مبادرة لتيسير نفقات الزواج والحد من المغالاة في المهور والإسراف في نفقات الزواج والأفراح، والتي كانت وما زالت تعتبر جزءا أصيلا تتحمله أسرة الشاب الراغب في الزواج، ناهيك عن العادات والتقاليد البالية والموروثات القديمة التي تكلف الأسرة مبالغ قد تتخطى مليون جنيه من مشغولات ذهبية يضطر الشاب الذي يبدأ حياته لإهدائها لعروسه رغماً عنه، بالإضافة إلى ذبح الذبائح لإطعام أهالي القرية والقرى المجاورة، وكذلك إحضار فنانين ومنشدين وفرق غنائية، مما يعد أعباء مالية لا طاقة لشاب في مقتبل العمر وأسرته بتحملها، مما دعا كبار العائلات إلى الاجتماع لوضع حد لتلك الموروثات البالية والتي أدت إلى زيادة نسبة العنوسة عند البنات والشعور بعدم الرغبة في الزواج لدى كثير من الشباب.
مجلة “أسرتي” التقت عددا من أهالي قرية العكروت بمركز سمالوط بمحافظة المنيا جنوب القاهرة وأجرت تلك اللقاءات:
في البداية أكد أحمد عمار العكروت صاحب مبادرة تيسير تكاليف الزواج أن الشباب هذه الأيام لا طاقة لهم بكل تلك المصروفات في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة مما تطلبه العائلات من ولائم وذبائح وحفلات الأعراس، وما يطلبه والد العروس من مشغولات ذهبية تتجاوز أحياناً 200 جرام من الذهب، وذلك وفقاً للمتبع في القبيلة والعائلة وحسب ونسب العروس، مؤكداً أن بعض العائلات بالقرى والنجوع تضطر إلى الاقتراض أو بيع أراضيها حتى لا تظهر بمظهر الفقير أمام أهل القرية، مما يكون له عواقب وخيمة في كثير من الأحيان، وقد يؤدي إلى انفصال العروسين بعد فترة قصيرة.
وأشار العكروت إلى أن الواقع الحالي لا يحتمل تلك المظاهر المبالغ فيها والأفراح وليالي الملاح التي كانت في أيام الأجداد، وكانت الأفراح تستمر لمدة سبعة أيام ويُضرب بها المثل حتى الآن، مما دفع عقلاء القرية إلى إطلاق مبادرة تيسير نفقات الزواج وإلزام الأسر والعائلات بعدم المبالغة في المصروفات، خاصة فيما يتعلق بمظاهر الفرح، لافتاً إلى أن البداية كانت من قرية العكروت وعائلاتهم ثم امتدت إلى باقي القرى وبموافقة كبار العائلات.
ترحيب من شيوخ القبائل وكبار العائلات
من جهته، أوضح شيخ العرب المحامي أشرف العبيدي أن هناك الكثير من القضايا المالية تنظر حالياً أمام المحاكم بسبب المبالغة في تكاليف الزواج والأفراح والمظاهر الكاذبة والتي جعلت كثيرا من الشباب يعرضون عن مجرد التفكير في الزواج، فزادت نسبة العنوسة بشكل لافت، مما دعانا كشيوخ عرب ورجال قبائل للوقوف صفاً واحداً وإطلاق مبادرة تمت كتابة بنودها بكل شفافية، وتمت مراجعتها من كبار العائلات، وقام الجميع بالتوقيع عليها والإقرار بما جاء فيها، كما تم تصوير عدد من اللقاءات بالإذاعة والتلفزيون لنشر فكرة المبادرة وتعميمها، مما أدى إلى انتشار الفكرة وقيام كثير من القرى والنجوع بالاتصال بنا والمشاركة في تلك المبادرة مبدين إعجابهم الشديد بالمبادرة والمطالبة بتفعيلها بشكل أكبر وإلزام جميع أولياء الأمور وكبار العائلات بما جاء فيها لتيسير زواج الشباب.
ومن جهته، أشار المهندس عيد شواط الجبالي إلى أن خير زاد لتحقيق السكينة والمودة والرحمة هو التقوى مصداقًا لقول الله تعالى: (وتزودوا، فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب).
وأضاف أن تيسير نفقات الزواج يُحقق البركة عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة”، داعيا الآباء لأن يكونوا ميسرين وغير معسرين. مع تجنب البدع والضلالات والعادات والتقاليد والأعراف الشائعة التي جعلت الزواج عسيراً، وتسببت في المشكلات بين الأسر، مؤكداً أن تلك المظاهر كانت وراء إفشال الزواج، مطالباً الجميع بالالتزام بالعمل ببنود المبادرة للحد من ظاهرة غلاء المهور وتيسيرها ومراقبة الله -عز وجل- في ذلك. وتقليل مطالب الزواج ونفقاته وتسهيل تكاليف الاحتفال بالزواج وعدم المبالغة فيها للتيسير على الشباب، لافتاً إلى أن الزواج هو الأساس لإقامة أسرة عمادها المودة والرحمة.
وأكد محسن صالح الجبالي أحد شباب القرية المقبلين على الزواج أن تلك المبادرة لفتة مجتمعية رائعة، لتيسير نفقات، وتكاليف الزواج؛ مشيراً إلى أن الحكمة من الزواج هي السكن والمودة والرحمة، داعياً أولياء الأمور وكبار العائلات، والشباب إلى التيسير انطلاقاَ من قوله تعالى (وتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ..)، وقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).
تم خلال المبادرة توقيع كبار العائلات وشيوخ القبائل على بنود الوثيقة وإلزام كل الحاضرين بشروطها، والتي تمثلت في ألا تزيد قيمة الذهب عن 25 جرام ذهب، وإلغاء الولائم وحفلات الزفاف المُبالغ فيها، والاكتفاء باجتماع الرجال لعقد القران بالمسجد، واجتماع النساء بمنزل العروس تيسيراً للحلال ومكافحة العنوسة.