
التحرش الجنسي بالأطفال جريمة مفزعة تسلب البراءة، وتترك ندوبًا نفسية لا تُمحى، والأسوأ أن ضحيته غالبًا لا تملك حتى القدرة على البوح، فتعاني في صمت.
في صباح يوم عيد الفطر 2025 وقعت كارثة.. مصيبة في إحدى مناطق دولة الكويت، حيث تعود تفاصيل القضية إلى ورود بلاغ إلى الجهات الأمنية عن العثور على طفل في أحد الطرق، ويعاني أضرارا جسدية نتيجة تعرضه لاعتداء جنسي.
وعلى الفور، تم تحديد هوية الجاني وضبطه، وأقر المتهم واعترف بارتكابه الجريمة جملةً وتفصيلًا، حيث تبين أنه من أصحاب السوابق في قضايا مماثلة، كما يحمل سجلًا إجراميًا في مجال المخدرات، وهنا نجد أنفسنا أمام حائط المخدرات التي دائما، وأبدا هي أحد أسباب وقوع هذه الجرائم الشنيعة.
جاء المسلسل المصري “لام شمسية” للمخرج كريم الشناوي – الذي عرض في شهر رمضان 2025- ليُسلط الضوء على فداحة الجريمة من دون الوقوع في فخ الفجاجة أو التوظيف غير المسؤول، رافضًا أن تكون هذه الجرائم مجرد قصص تُروى ثم تُنسى، بل معركة يجب أن تستمر حتى يُسمع صوت الضحايا.
ما من مسؤولية أكثر خطورة من مسؤولية أن تكوني أُمًّا أو أن تكونَ مسؤولًا كأب يحمل على عاتقه هواجس تربية أطفاله وحمايتهم والاعتناء بهم، وأن أكثر المسؤوليات حساسية ما يتعلق بحماية أطفالك، لكنك لا تستطيع أن تصرف ذلك الصوت بسهولة، صوت المخاوف والوساوس التي تخبرك: هل يمكن أن يكون طفلي قد تعرض لمثل هذا أيضا؟
1 من كل 10 أطفال دون سن 18 عامًا يتعرضون للاعتداء الجنسي
في البداية.. ما ينبغي أن تعرفه عن التحرش بالأطفال هو أن الإحصائيات الأكثر حداثة ودقة، أن 1 من كل 10 أطفال دون سن 18 عامًا يتعرضون للاعتداء الجنسي، وتأتي الأغلبية الساحقة من حالات التحرش بالأطفال من شخص موضع ثقة أو ذي معرفة مسبقة بالطفل، كأن يكون جارا أو قريبا أو صديقا للعائلة، وذلك وفقا للمجموعة الوطنية لعلاج صدمات الأطفال الأميركية (NCTSN).. وهنا يميل المعتدي إلى تطبيق ما يسمى “الاستمالة”، أي مصادقة الطفل وأسرته والتقرب منهم بغرض اكتساب ثقتهم، ليتسنى له الانفراد بضحيته والاعتداء عليها.
علامات جسدية وسلوكية..
تنذر بتعرض الطفل للتحرش
هناك بعض العلامات الجسدية والسلوكية تنذر بأن الطفل تعرض للتحرش، كإبداء ممانعته أو عدم رغبته وخوفه من البقاء في رعاية شخص بعينه، والتشبث بأبويه، وتردده في الخوض في تفاصيل الوقت الذي يقضيه مع أحدهم، وانسحابه إلى الصمت على غير عادته، وقلقه وسرعة انفعاله، وزيادة شهيته للطعام أو نقصانها، وارتداده إلى عادات كان قد كف عنها، كالتبول اللاإرادي، ومص الإبهام، ورؤيته المتكررة للكوابيس، وامتلاك مخاوف جديدة، كالخوف من الظلام، أو على النقيض منها كثرة النوم، ليبدو على محياه استياء سرعان ما يفصح عنه بأن يجهش بالبكاء، أضف إلى ذلك اكتشاف نقود أو أشياء شخصية أخرى بحيازة الطفل دون علم الأبوين بمصدرها أو طريقة حصوله عليها.
وقد يظهر الطفل المعتدى عليه أحيانًا شكلا أكبر من الطاعة، أو شكلا أكبر من التمرد، كما يقضي وقتا أكبر بمفرده، وتظهر عليه محاولات تجنب التجرد من الملابس لتغييرها أو الاستحمام، بل وربما يخشى أماكن بعينها، كالمراحيض. ويبدي معرفة بأمور تفوق إدراكه أو عمره، آتيا على ذكر كلمات وتصرفات جديدة غير لائقة، بها إيحاءات تنم عن وعي ذاتي مفاجئ بأمور أو ألفاظ جنسية، إلا أنه من المهم أن نعي أن التحرش بالأطفال يشتمل على مجموعة متضافرة من سلوكيات العديد منها لا يترك أي علامات جسدية، لذلك لا يمكننا الجزم إن كان الانتهاك الجنسي حقا هو مصدر هذه التغييرات أم لا، لكن المؤكد أن مثل هذه التبدلات التي يستشف منها الأبوان وجود خطب ما طرأ على طفلهما، تستدعي التعامل معها بجدية ومحاولة تفكيكها.
ماذا إذا تعرض الطفل بالفعل للتحرش؟
يحدث أن الطفل لا يتطرق إلى ما تعرض له، ويفضل إخفاءه عن والديه لاعتبارات يضعها في عين الحسبان، كحرمانه من العطايا التي يغدقه بها المعتدي، أو لتعرضه للتهديد بالضرب أو العقاب إذا باح لأحد، أو لأن أبويه سيوبخانه إن علما بما حدث.
ويقدم د. محمد طه استشاري ومدرس الطب النفسي تحليلا لحالة الطفل المعتدى عليه “يوسف” الذي ظهر في مسلسل “لام شمسية”، وعن أول شعور للطفل الذي تعرض للتحرش “هو أنه يكون غير مدرك لما حدث، وهناك أسئلة كثيرة تدور في ذهنه، ويكون أسيراً لها”.
ويضيف: أما عن الشعور الثاني، الذي يحدث عند معظم الأطفال الذين تعرضوا للتحرش.. هو الشعور بالذنب.. تصور! رغم أنه هو الضحية.. لكن عقله الباطن لا يجد أي تفسير لأسئلة مثل “ليه ده حصل معايا؟”، “اشمعنا أنا؟”، “أنا عملت إيه؟”، غير: أكيد أنا ليا دور.. أنا مذنب! وهو شعور قاتل وترتب عليه أمور كثيرة”، أما الشعور الثالث.. ويعد هذا أصعبهم.. فهو الشعور بالعار.. أنا سيئ…. أنا مكسوف من نفسي.. أنا وجودي عار.. أنا جسمي عار، جميع هذه المشاعر وغيرها تحدث مع الطفل المعتدى عليه بعد تعرضه للتحرش بفترة، خاصة الذنب والعار لأنه – كما يفكر- لم يكن في مقدوره إيقاف ما حدث، ووافق على الاستسلام، ولإبقائه ما حدث سرًا، ولم يحدث به أحدا أول مرة، أما إحساسه بالخزي فمرده إلى أنه شارك في هذا الفعل الشائن، وأنه ما زال يحب المعتدي لمكانته القريبة منه.
”أما وقت التعرض للتحرش فتكون له رد فعل لحظي يعني – يكون أكثر إيلامًا.. بعض الأطفال بتقاوم.. تضرب.. تفلفص.. لكن مع الأسف في الأغلب الطرف الثاني يكون أقوى.. أطفال أخرى تجرى.. تهرب.. تهرول في أي اتجاه وبأقصى سرعة.. في منتهى الخوف والذعر، ورد الفعل الأخير وأيضا يكون الأصعب ونُطلق عليه Freezing response.. الطفل يتجمد في مكانه.. استسلام تام.. من كثرة الرعب والحيرة والارتباك.. وأحيانًا يحدث بعد مقاومة أو فشل الهروب”.
لماذا علينا الانتباه إذا ما كان أطفالنا قد تعرضوا للتحرش؟
قد لا يقول بعض الأطفال شيئا؛ لأنهم يعتقدون أنه لا أحد يهتم بما يحدث لهم، قد يكون الآخرون أصغر من أن يقولوا، لكن الإنصات الجيد للتفاصيل اليومية للطفل واحترام رغبته إحدى السبل التربوية التي يشدد عليها علماء النفس.
ماذا يحدث مع الطفل عندما يظل يحبس سر التعدي عليه؟
يصعب تقبل أمر كهذا، وإن ظل طي الكتمان داخل المعتدى عليه، فهو ينال لاحقا من جانب في شخصيته، فيظهر في قلة الثقة بالنفس وفقدان الإحساس بالأمان والقلق والاكتئاب وضعف القدرة على التحكم في الانفعالات، لكن الأشد خطرًا هو وضوح جوانب مرضية، كتنامي نزعة انتقامية أو عقد نفسية تتضح بشكل جلي في تصرفاته المستقبلية مع الأطفال، كأن يكون هو الجاني بممارسة اعتداءات على أطفال آخرين مستقبلا، كما حدث مع الطفل “يوسف” في المسلسل بأن تحرش بأخيه الصغير “ياسين”، وإن بقي الأمر سرًا لفترات طويلة، فسترافقه الصدمة في الكبر، وتشوش على إدراكه لبعض الأمور.
التصدي للمتحرش واحتواء الطفل
من أهم الأمور التي يجب على الوالدين فعلها إبعاد الطفل عن الشخص الذي تحرش، وتوفير الحماية له، ويمكن إخطار الشرطة بالأمر أو هيئة مختصة، وذلك بعد التأكد التام من أنه هو من تحرش، والأمر الأهم هو عرض الطفل على المختص النفسي.
ماذا أفعل حين أتيقن من
أن طفلي قد تعرض للتحرش؟
توجد بعض النصائح التي على الوالدين اتباعها في ذلك الموقف، وهي:
التماسك والحفاظ على الهدوء والتحلي بالصبر، والاستماع للطفل باهتمام ودون مقاطعة مع منحه كامل الاهتمام، حاول عدم الإكثار من الأسئلة ودع الطفل يتحدث دون مقاطعة، صدق طفلك وأخبره بأنك تصدقه، حتى لو بدا كلامه غير واقعي أو غير منطقي لأول وهلة، أخبر طفلك بأن الأمر ليس خطأه، وأنه ليس مسؤولًا عما حدث، أنه لن يُعَاقَب مهما كان الأمر، أخبر طفلك بأنه فعل الصواب بإخبارك، وأنه طفل شجاع، ويجب احترام شجاعته، تحدث مع طفلك عن كيفية مساعدته على الشعور بالأمان، وكن مستعدًا لفعل ما يحتاج إليه طفلك منك.
وقد يطرح الطفل بعض الأسئلة، أو يقول أشياء مثل هل علي أن أحتفظ بالأسرار؟ يمكنك الرد بقول: “لا ينبغي عليك الاحتفاظ بالأسرار التي لا تشعر بأنها مناسبة”، هل يجوز لشخص ما أن يفعل أشياء غريبة؟ يمكنك الرد بسؤال: ما الأمر الغريب الذي يفعله ذلك الشخص؟ لا أحب الألعاب التي يلعبها فلان، يمكنك الرد بسؤال: “كيف تلعب؟”