ثقافة
أخر الأخبار

مظفر عبدالله راشد: «بيت الكويت في القاهرة» قصة نجاح كويتية من بيئة الفقر والجهل

«بيت الكويت في القاهرة» كتاب يعبر عن نبض المجتمع الكويتي وتوقه إلى الثقافة والعلم والتنمية والتنوير منذ بدايات القرن العشرين، كشف فيه الكاتب مظفر عبدالله راشد عن إرادة وعزم الكويتيين على العمل في أقسى الظروف وأقلها في الإمكانات والموارد.
«أسرتي» التقت الكاتب مظفر راشد الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية عن عمله «بيت الكويت في القاهرة»، ليكشف لنا عن رحلة توثيق هذه الحقبة المشرقة من تاريخ الكويت.

من قادوا تأسيس البيت عام ١٩٤٥ هم من بنوا المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عام ١٩٧٣

ما الذي جذبك في قصة بيت الكويت في القاهرة؟
– عدة أسباب في الحقيقة، أولها عدم وجود مؤلف مستقل يوثق هذا الموضوع، إذ إن المتوافر كان مجرد ذكر عابر في كتب عامة عن التعليم أو الثقافة في الكويت قبل النفط والاستقلال، أو مقالات صحافية منشورة في الصحف المحلية.
هذا جانب، الجانب الآخر هو أن قصة تأسيس هذا البيت تعبر عن اجتماع عوامل عديدة إيجابية ومعاكسة لحركة التغيير التي كان المجتمع الكويتي يتطلع إليها للتخلص من الفقر والجهل والعوز، لقد كانت الموارد المالية آنذاك شحيحة، والدولة غير مستقلة سنة تأسيس البيت عام ١٩٤٥، ولم يكن من إيجابية وعامل مواتٍ سوى الرغبة والإرادة الحقيقة لأعلام التنوير في الكويت للعناية بالطلبة المبتعثين في القاهرة وتوسيع مداركهم الحضارية من خلال أنشطة البيت الثقافية والفنية والأدبية بخلاف موضوع نيل العلم والشهادة، لقد أبدع كل من عبدالعزيز حسين مدير البيت ورفاقه الشاعر أحمد مشاري العدواني، وحمد عيسى الرجيب، والشاعر عبدالله زكريا الأنصاري ويعقوب الحمد وغيرهم في جعل هذا البيت يتحول من مكتب لرعاية شؤون الطلبة إلى مركز ثقافي في أكثر عواصم الدول العربية حركة ونشاطا فكريا وثقافيا وفنيا وهي القاهرة منتصف الأربعينيات حتى أوائل الستينيات.

وبالطبع لا يمكن تجاوز الدور الرائد الذي بذله الشيخ عبدالله الجابر الصباح رجل التنوير والاهتمام بالتعليم للجنسين في وصول بيت الكويت في القاهرة إلى مرتبة جعلته يعمل بشكل جيد ويأتي بثمار فكرته إيجابيا على الكويت قبل الاستقلال، حيث كان نقطة تعريف للمجتمع المصري والعربي بإمارة الكويت وبالمجتمع الكويتي آنذاك.

اختيار القاهرة مكانًا للبيت قرار حكيم وضع البذرة في التربة الصحية

ما العوامل التي ساهمت في نجاح فكرة بيت الكويت في القاهرة؟
– كما ذكرت سابقاً، الإرادة الصلبة من قبل مجموعة قليلة من رواد التنوير الذين ذكرناهم، ورغبة الإدارة المحلية للحكم في انتشال المجتمع من الفقر والجهل والعوز، وظهور بوادر تصدير النفط وهو ما حدث فعلا عام ١٩٤٦ في عهد الشيخ أحمد الجابر، إضافة إلى ذلك فإن اختيار القاهرة عاصمة التنوير في أن يكون هذا البيت في حضنها، كان اختياراً ذكياً، إذ إنها عاصمة نابضة بالحراك الثقافي والفني والأدبي، وهي ملاذ لكبار الكتاب والفلاسفة والشعراء والفنانين العرب، إضافة إلى كونها بلدا عريقا بحضارته وبنيته الثقافية والسياحية والحضارية، لقد كان هذا المكان عاملا رئيسا في نجاح هدف المتنورين الكويتيين من وضع البيت في المكان الصحيح.
ومن المهم هنا أن نذكر أن الافتتاح الأول للبيت في العهد الملكي في مصر كان في أكتوبر ١٩٤٥ بتكليف وزير المعارف السيد أحمد أمين، أما الثاني فكان في عهد الزعيم جمال عبدالناصر عام ١٩٥٨ وبحضور الشيخ عبدالله الجابر ولفيف من المثقفين والأدباء ورجالات الدولة.

ما الأمور التي وجدتها ولم تكن تتوقعها عندما بحثت في تاريخ بيت الكويت في القاهرة؟
– عدة أمور، فعلى مستوى البحث العلمي توقعت أن أجد مصادر سابقة تبحث في تاريخ البيت فلم أجد، ثانياً كان للدور الذي لعبته كل من مكتبة الكويت الوطنية ومركز البحوث والدراسات الكويتية أثر كبير في حفظ العديد من مصادر تاريخ التعليم والثقافة الكويتية، وكان لتلك المراجع أهمية في تلمس بعض الأحداث المروية عن البيت هنا وهناك.
هذا على الصعيد البحثي، أما على صعيد التأثير فلم أكن أتوقع أن تحدث هذه المؤسسة الوليدة في المجتمع المصري كل هذا الصخب والحراك الذي كانت بمثابة (وزارة خارجية) غاية في النشاط، ما ساهم في تعريف العالم العربي بالمجتمع الكويتي وتوقه للتعليم والثقافة والتنوير الذي كان سِمة أساسية للكويتيين منتصف الأربعينيات وما تلاها، ويشهد علي ذلك كم الطلبة المتزايد للابتعاث، وصدور المطبوعات والصحف وظهور الجمعيات الأهلية المتنوعة الأنشطة، ولجوء العديد من المظلومين والمضطهدين السياسيين العرب إلى الكويت في تلك العقود من الزمن.

تجربة إنشاء بيت الكويت في القاهرة هي التي قادت إلى تسهيل إنشاء المجلس الوطني للثقافة
والفنون والآداب

لقد كان ذكاء القائمين على هذا البيت وخروجهم من التفكير (داخل الصندوق) الأثر الأكبر في تنويع مهامه وأنشطته، ما جعله قبلة للزعماء السياسيين كالملك سعود بن عبدالعزيز حينما زار مصر وحاكم الشارقة صقر القاسمي، ومن الكويت الشيخ عبدالله الجابر المسؤول الأكبر لدائرة المعارف، والشيخ فهد السالم الذي كان يتردد بانتظام عليه، وكذلك كبار الأدباء والشعراء والمفكرين العرب وبينهم الشاعر سلطان العويس، ونذكر أيضاً شاعر الأهرام محمد عبدالغني حسن، والشاعر اللبناني المقيم في مصر محمد الحوماني، والشعراء كامل الصيرفي وكمال نشأت ود. محمد الخفاجي ووديع فلسطين.

كما أن تنوع الأنشطة الأسبوعية ساهم في لفت انتباه الإعلام المصري والشخصيات الكبيرة إلى ما يفعله هؤلاء (القادمون من الصحراء) في هذا البيت الصغير. وهنا أستطيع أن أدعي أن تجربة إنشاء بيت الكويت في القاهرة عام ١٩٤٥ هي التي قادت إلى تسهيل إنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عام ١٩٧٣ وبنفس الشخصيات، فعبدالعزيز حسين كان رئيسا له والشاعر احمد العدواني هو أول أمين عام للمجلس، فيالها من مصادفة.

مجلة البعثة كنز كويتي وسجل ليوميات الكويت طوال فترة صدورها

هل كان من السهل الحصول على مصادر التوثيق لبيت الكويت في القاهرة؟
– كانت مصادر متفرقة، لا تركز بشكل موسع على الموضوع كما ذكرت، لذلك كانت مجلة البعثة التي أصدرها البيت معيناً أساسياً في ملاحقة الأحداث اليومية من خلال الأعداد الشهرية التي كانت تصدر وتضم الأخبار والمقالات وتغطية الأحداث والندوات التي تجري في البيت بإشراف وإدارة المسؤولين فيه، إضافة إلى ذلك اضطررت إلى أن ألجأ إلى استكتاب من عاصر «بيت الكويت في القاهرة» من الأحياء لتقديم شهاداتهم حوله مثل الأستاذة فاطمة حسين، أ.د.عبدالله الغنيم، والأديب سليمان الشطي، لقد كانت رحلة كتابة ممتعة وفيها شغف، خاصة أن القصة نجحت بأقل الموارد وبأكبر قدر من الإصرار بفضل تكاتف الإدارة السياسية للحكم والإدارة الثقافية الرائعة للقائمين على المشروع.

ولا أنسى هنا الدعم الكبير الذي قدمه لي الأستاذ سعود المنصور مدير دار ذات السلاسل لإنجاز هذا الكتاب الذي فاز لاحقاً بجائزة الدولة التشجيعية للعام ٢٠٢٠ والتي يمنحها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب باسم الدولة.

أعتبر هذه المجلة سجلا لحال الكويت خلال سنوات إصدارها

ما دور مجلة البعثة في موضوع بيت الكويت في القاهرة؟
– هذه حكاية شغف أخرى، صدر العدد الأول منها في ١٩٤٦ أي بعد عام من تأسيس البيت، وقد كان للسنوات السابقة وتحديدا نهاية الثلاثينيات أثر كبير في مد المجلة بالكتاب الكويتيين الذي كانوا قد ابتعثوا للدراسة هناك. وما ان انطلقت في عددها الأول حتى تحولت إلى منبر إعلامي قوي يصدح بآراء الكويتيين في شتى المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو التعليمية، أو الأدبية أو الفنية أو غيرها. ونذكر منهم، مع حفظ الألقاب، إبراهيم الشطي، عبدالرزاق العدواني، بثينة جعفر، صالح العجيري، محمد مساعد الصالح، جاسم القطامي، غنيمة المرزوق، وغيرهم.

يرجع الفضل في إصدار البعثة إلى رائد النهضة الثقافية الكويتية الأستاذ عبد العزيز حسين مشرف بيت الكويت في القاهرة. وقد تولى تحريرها وإصدارها حتى سفره إلى بريطانيا وقاربت صفحاتها في سنواتها الأولى أربعين صفحة ثم أخذت في الازدياد حتى وصل بعض أعدادها إلى ما يقرب من التسعين صفحة، وفي البداية كانت تطبع البعثة في مطبعة «دار التأليف» ثم انتقلت إلى مطبعة «دار الكتاب العربي» ثم آخر الأمر في مطبعة «دار المعارف»، ويتم إرسالها إلى الكويت بالطائرة ويبقى منها أعداد توزع هدايا على الهيئات والأفراد بوساطة بيت الكويت.

شخصيا اعتبر هذه المجلة سجلا لحال الكويت خلال سنوات إصدارها من عام ١٩٤٦ – ١٩٥٤، وأدعو كل مهتم إلى أن يحصل على نسخها التي تضم ٨ مجلدات راقية أعدها مركز البحوث والدراسات الكويتية بكل إتقان، ففي صفحاتها معين زاخر عن تاريخ الكويت وحراكها الثقافي والحضاري الذي قاد ليوم الاستقلال بكل جدارة عام ١٩٦١ في ظل مؤسس الكويت الحديثة الشيخ عبدالله السالم، أبو الدستور.

أنا ابن اليوم وأرى أن اليوم أفضل من الأمس بأشواط ومراحل

هل تابعت مسلسل (دفعة القاهرة)؟ وهل أحداثه تمت بصلة بالواقع؟
– أحيي بدءاً الكاتبة هبة حمادة على دورها كمتخصصة في الأدب والنقد والكتابة الدرامية. نعم شاهدت المسلسل كاملاً وهو من المسلسلات الرائعة، لكن قصته لا تمت بصلة لموضوع كتابي.

مجتمعنا جُبل على حب الثقافة والعلم، فأين نحن الآن بين التعليم اليوم والأمس؟
– لست من المتمسكين بأهداب التغني بالجيل الماضي فقط لأنه جيل أفضل، أنا ابن اليوم وأرى أن اليوم أفضل من الأمس بأشواط ومراحل، المشكلة تقع في الإنسان نفسه، في طموحه، وأسئلته لذاته، لتقييمه لكيانه وماذا يجب أن يكون عليه. الفرص اليوم أكثر من أمس، المال وفير، التكنولوجيا فاقت التوقعات، لذلك يجب التوقف عن المقارنة غير العلمية، لكن يجب التأكيد على شيء واحد وهو الإصرار وتحديد ماذا نريد، الأولون نجحوا في ذلك بنسب معينة، واللاحقون كذلك حققوا نسبا معينة لكن الفرق ان الأوائل نجحوا بموارد مادية وبشرية أقل، لذلك يبقى الفيصل في الإرادة والجدية في المواجهة.

تاريخ الشعوب يُصنع بالتعليم أم بالتكنولوجيا؟
– هذا سؤال مترابط، فالتكنولوجيا وليدة المجتمعات المتحضرة والراقية تعليمياً وعلمياً، لكن إذا تحدثنا عن المجتمعات المتأخرة حضارياً التي تجلب التكنولوجيا وتستخدم فوائدها دون جهد في تصنيعها وابتكارها – وهو حال العالم الثالث – فذلك هو خيارها الأوحد، وهي مجبرة على مسايرة الركب من خلال الاستعانة بتكنولوجيا الغير حتى تبقى حية بين الشعوب وتواكب موجبات البقاء على قيد الحياة، لكن الاعتماد على الغير وحده غير كاف، إذ يجب المساهمة بالمال والعقول في الجهد العلمي البشري العالمي من خلال مراكز البحوث والجامعات العالمية لتطوير أحوال مجتمعاتنا في جميع المجالات وخاصة التعليم الجيد الذي يخلق التكنولوجيا وهذا ما قامت به دول نجحت بشكل لافت في الإفلات من التبعية مثل سنغافورة وماليزيا.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق