الممثل اللبناني «أبو سليم».. جواز سفر إلى الزمن الجميل في لبنان

قدّم 2400 حلقة تلفزيونية و900 حلقة إذاعية وشارك في 17 مسرحية
و6 أفلام سينما.. عمره 94 عاماً
صلاح تيزاني، أو كما يعرفه الجميع في لبنان بـ “أبو سليم”، هو ذلك التسعيني (94 عاما) الطيب والخلوق، المحب لعمله وللناس، طوال مسيرته الفنية كان هدفه من خلال أعماله قضايا الناس ورسم البسمة على وجوههم. كان يمثل بلا تصنّع، ويضحك الجمهور بلا تكلّف، أحبه الصغار والكبار، وبات عميد الممثلين والوجه الباقي منذ الزمن الجميل ومنذ الانطلاقة الأولى لعالم التلفزيون في لبنان.
تاريخ “أبو سليم” حافل ومتخم بالأعمال، فقد أنتج مسلسلات كوميدية تلفزيونية مع انطلاق تلفزيون لبنان عام 1959 وبقي يقدمها مع فرقته التي عرفت بفرقة “أبو سليم” بشكل أسبوعي حتى سنة 1975 وتوقف العرض لسنوات بسبب الحرب اللبنانية. وعاد إلى متابعتها في التسعينيات بشكل متطور مع إضافة الغناء إلى موضوعاته.. مثَّل في مسرحيات الأخوين الرحباني مع فيروز بالإضافة إلى لائحة تطول من المسلسلات التلفزيونية والأفلام والمسرحيات.
تجدر الإشارة إلى أن “أبو سليم” والممثل عبدالله حمصي (أسعد) الوجهان الوحيدان المتبقيان على قيد الحياة اللذان شهدا انطلاقة أول تلفزيون في العالم العربي.
«الفرق بين تلفزيون الأمس واليوم كبير.. على زماننا كان التلفزيون مصدر فرح للناس»
في مقابلة لمجلة اأسرتيب عاد الفنان أبو سليم بالذاكرة إلى بداية عصر التلفزيون في لبنان، وقال: اكان التلفزيون في ذلك الوقت عجيبة من العجائب، كان الناس يعودون من أعمالهم متشوقين لفتح التلفزيون لمشاهدة الحلقات التي تبث ليضحكوا ويفرحوا، وكنا حريصين على تقديم محتوى جيد من صلب حياتهم ويومياتهمب.
منذ زمن تلقيت معاملة المنفي والمغيّب عن الساحة كوني بت كبيراً في السن
ما الفرق بين تلفزيون الأمس واليوم؟
- بعفوية يقول “هو هو.. الفرق كبير، على زماننا كان التلفزيون مصدر فرح للناس، فريق العمل المتواضع بحط من روحو بالعمل بطيب خاطر، وكانت المواضيع بتحكي لغة الناس، أما التلفزيون اليوم فصار شغله الشاغل فضح أسرار البيوت ومواضيعه رديئة، والمحتوى يلي بجيب مشاهدة أكتر هوي المهم”. ولفت أبو سليم إلى أنه قديما عندما يطلب التلفزيون مغنّي لإقامة حفلة كانوا يدفعون له مصاري، أما اليوم فبات المغني يدفع لتعرض أغانيه.
ينتقد أبوسليم المستوى الموجود حالياً على الصعيدين التمثيلي والغنائي، فبحسب قوله إن فناني الأمس كانوا يؤدون بإحساس، أما اليوم وعلى الرغم من كل التكنولوجيا المساعدة، فما زالوا بعيدين عن أصالة فناني الأمس المتسلحين فقط بالإحساس المرهف.
هل غاب أبو سليم عن الساحة الفنية أم غيّب؟
- أكثر ما يؤلم أبو سليم أنه قدم كل شيء لهذا المجال، وكان عمله خالصا للفن، ومنذ زمن تلقيت معاملة المنفي والمغيّب عن الساحة كوني بت كبيرا في السن، “تمنيت لو قدّم دور لي من إحدى شركات الإنتاج للمشاركة في أحد المسلسلات كنوع من التكريم لي، وحتى للمساعدة على العيش المادي، خصوصاً مع ظروفي الصعبة، شاهدت على التلفاز ممثلاً طاعناً في السن يكرّم بين الجيل الشبابي، وحتى كان الممثل لا يقوى على المشي فكانوا يساعدونه ويجلّونه، أما أنا فلم ألقَ لا تكريما ولا تقديرا ولا حتى ثروة، كل رأسمالي في هذه الحياة محبة الجمهور”.
كرّمت على الصعيد الشعبي ومحبة الناس نعم بالطبع أما على صعيد الدولة فهذا أمر مضحك!
هل كرمت في لبنان من قبل الدولة؟
- على الصعيد الشعبي ومحبة الناس نعم بالطبع، أما على صعيد الدولة فهذا أمر مضحك، منذ عدة سنوات تم التواصل معي من أجل تكريمي بجائزة “المتفوقين المبدعين” من قبل الدولة اللبنانية، فطلبوا مني تقديم لائحة بأعمالي وسيرتي الذاتية، يضحك ويقول “بدن يكرموا فنان ما بيعرفوا شو شاغل”، جهزت الأوراق المطلوبة وقدمتها، منتظرا التكريم والمبلغ المالي الموعود (10 ملايين ليرة)، وخلال فترة الانتظار تواصلوا معي مرة جديدة لإعادة إرسال الأوراق لأنهم أضاعوها، ورغم انزعاجي فقد قدمت الأوراق مرة جديدة، وبعد مدة تواصلت للاطلاع على موعد التكريم، أخبروني بأن الوزير انتقل وجاء وزير جديد والتكريم ألغي.
يقطع أبو سليم الأمل نهائيا في الدولة، لأنها تنتظر الفنان ليموت لتكرمه، بينما لم تمد له يد التكريم والمساعدة في حياته، جمهوري ما زال يقف بجانبي حتى اليوم في تأميني أدويتي ومساعدتي، أما الدولة ففي موت سريري.
أكبر مبلغ حصلت عليه من عملي التمثيلي 200 دولار أميركي!
كم يبلغ أكبر مبلغ حصلت عليه من عملك التمثيلي؟
- 200 دولار أميركي، 100 دولار لقاء كتابة الحلقة، و100 دولار لقاء التمثيل. عند بداياتي في التمثيل (1960-1969) كان أجري مع فرقتي 250 ليرة لقاء الحلقة، 20 كتابة و10 لقاء التمثيل، وكان التلفزيون حينها يتأخر كثيرا لدفع مستحقاتنا نظرا لضعف التمويل. بعدها افتتحت محل نجارة لأعتاش منه وعائلتي.
ما نصيحتك للجيل الصاعد في التمثيل؟
- احترام الوقت، والاستفادة من خبرة الممثلين المخضرمين، والأهم من هذا كله التواضع.
في صوت المخضرم والجد الأكبر للممثلين في لبنان دمعة يحاول إخفاءها طوال حديثه، شعور الخذلان يعتريه، يعيش حالة عدم التقدير والعتمة الفنية، رغم أنه قدّم الكثير دون مقابل يُذكر. أبو سليم قدّم 2400 حلقة تلفزيونية، 900 حلقة إذاعية، شارك في 17 مسرحية، و6 أفلام سينما، والكثير الكثير. أبو سليم لم يكرّم حتى الآن وأصبح عمره 94 عاما، فهل تنتظر دولتنا تكريمه بعد فوات الأوان؟!
«أسرتي» في كل مكان
علي غندور