انتشر في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية.. اشترِ الآن وادفع لاحقًا: حل مالي أم فخ اقتصادي؟

”اشتر الآن وادفع بعدين بدون رسوم أو فوائد” إعلانات مغرية تفتح شهية أي مستهلك على شراء ما يريد دون تفكير أيا كان السعر أو قيمة السلعة، وذلك عبر تطبيقات إلكترونية استحدثت مؤخرًا بحيث تمنح العميل القدرة على شراء ما يريد، سواء بشكل مباشر أو عبر مواقع “الأولاين” على أقساط وبدون فوائد بهدف تحريك حركة البيع والشراء التي تعاني الأسواق العالمية منذ عدة سنوات، والتي تسببت في حالة من الركود غير المسبوق.
وتعتبر الكثير من التقارير الاقتصادية العالمية أن ظهور تلك التطبيقات كانت بمنزلة طوق النجاة للمستهلك الذي لم يعد قادرا على تحمل نفقات حياته اليومية جراء الأزمة الاقتصادية العالمية التي يمر بها العالم منذ عام 2020 والتي ما زالت ترمي بظلالها على مختلف مناحي الحياة لتصبح جزءاً مهماً من ثقافة المستهلك ووسيلة مرنة للتعامل مع الارتفاع غير المسبوق في الأسعار وعدم قدرة المستهلكين على مواكبة تلك الأسعار من ناحية، ومن ناحية أخرى للتجار الذين يعافرون من أجل البقاء ليصبح نموذجاً.
وتسمح تلك التطبيقات على غرار “تابي” و”تامارا” بتمكين المستهلكين من شراء السلع التي يريدون على أربعة أقساط متساوية بدون فوائد أو رسوم بغض النظر عن تكلفة تلك السلع والتي تتضمن “الكهربائيات، الملابس والإكسسوارات، وبعض متاجر المجوهرات والأثاث” وغيرها من النشاطات التجارية المختلفة التي تعاني الركود وتراجع حجم مبيعاتها.
وبينما يبدو هذا الخيار مغريًا للمستهلكين، خصوصًا من فئة الشباب ممن يجدون صعوبة في تغطية نفقاتهم المالية وحل سريع لمشكلات السيولة، إلا أنه يحمل في طياته آثارًا اقتصادية قد تزيد تعقيد الأوضاع المالية للأفراد في حال تراكمت عليهم الديون أصبحت صعبة السداد، خصوصا أنها أصبحت الوسيلة الأكثر تداولا في الشراء.
وبحسب التقارير الصادرة عن شركة “جلوبال داتا” الأميركية لتحليل البيانات والاستشارات، فقد ارتفع حجم الإنفاق على سوق تطبيقات «بي إن بي إل» من 33 مليار دولار في عام 2019 إلى 300 مليار دولار بحلول 2023 فيما توقعت الشركة أن ترتفع تلك القيمة إلى 570 مليار دولار بحلول 2026 وهو ما يعكس حجم الاعتماد عليها من قبل المستهلكين.
آلية عمل اشترِ الحين، ادفع بعدين بدون فوائد أو رسوم
وتعتمد آلية عمل تطبيقات “اشتري الآن وادفع بعدين” على تقسيم المبالغ المستحقة للسلعة على أربعة أقساط متساوية تُدْفَع خلال أربعة أشهر متتالية، على أن يتم تحصيل الدفعة الأولى عند إتمام طلب الشراء، وتقسيط الدفعات الثلاث المتبقية خلال الأشهر الثلاثة التالية، وذلك بدون دفع فوائد أو رسوم.
فيما يدفع التطبيق كامل المبلغ لشركات البيع بالتجزئة.
ماذا يحدث في حال التخلف عن الدفع؟
يشرح تطبيق “تابي” وهو أحد التطبيقات التي تقوم على نفس المنهج الخاص بالتقسيط بدون فوائد عواقب تخلف المستهلك عن الدفع، حيث يقول إن تابي: “تلتزم بتشجيع عادات الإنفاق المسؤول، ولهذا السبب ننظر بعناية في كل عملية شراء قبل الموافقة عليها”، مشيرة إلى أنها ترسل للعميل إشعارات منتظمة عبر الرسائل النصية والهاتف والبريد الإلكتروني للدفعات القادمة قبل موعد الدفع.
في حالة عدم قدرة تابي على تحصيل الدفعة في اليوم المحدد للدفع، فلن يتمكن العميل من إجراء عمليات شراء جديدة عبر التطبيق، حتى تُدْفَع المستحقات”.
وتلجأ تلك التطبيقات في حالة التخلف كليًا عن الدفع إلى اتخاذ الإجراءات القانونية لضمان استرداد حقوقها.
ولأن شركات تلك التطبيقات لا تتقاضى عادة فوائد أو رسوما من المستهلك، فبعضها يلجأ إلى التمويلات البنكية أو عن طريق الشركات الاستثمارية الناشئة، أو من خلال رسوم يدفعها شركات البيع بالتجزئة، فيما تعتمد تطبيقات أخرى على الاشتراكات والإعلانات.
مخاطر على الاستقرار المالي
وعلى الرغم من فوائد تلك التطبيقات على تحريك العجلة الاقتصادية من ناحية وتخفيف الأعباء المادية عن المستهلكين من ناحية أخرى، فإن سلبياتها قد تكون أسوأ مما نتخيل سواء بجر رجل المستهلك لشراء ما لا يلزمه؛ ومن ثم دفعه في بئر من الديون أو بتضخم فقاعات الديون الصغيرة التي قد تتحول مع الوقت إلى أزمة اقتصادية أوسع في حال تخلف عدد كبير من المستهلكين عن السداد.
وتسلط بعض التقارير الاقتصادية الضوء على ضرورة اتخاذ بعض الخطوات المهمة لتجنب مخاطر سوء استخدام تلك التطبيقات التي قد تكون حلاً مؤقتًا مناسبًا للأزمة الاقتصادية الحالية، ولكنها يجب ألا تتحول إلى استراتيجية مالية طويلة الأجل، وسلطت الضوء على ضرورة توعية المستهلكين إلى فهم التزاماتهم المالية قبل اللجوء إلى BNPL.
وشددت على ضرورة فرض الدول لقوانين تحكم هذه الخدمات من أجل ضمان عدم استغلال المستهلكين، وتشجيع الادخار والاستهلاك الواعي بديلا عن الاعتماد على الائتمان السهل.