تحقيقات
أخر الأخبار

جمعية‭ ‬‮«‬أشغالنا‮»‬‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.. ‬إنسانية‭ ‬وعطاء‭ ‬بلا‭ ‬حدود ‮«‬أشغالنا‮»‬‭.. ‬جمعية‭ ‬لبنانية‭ ‬توظّف‭ ‬وتعلّم‭ ‬وتمكّن‭ ‬الأرامل‭ ‬والمطلقات

الترتيب‭ ‬المتقن‭ ‬بين‭ ‬الأقسام‭ ‬يؤكد‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬خلفه‭ ‬لمسة‭ ‬نسائية

مما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬جمعية‭ “‬أشغالنا‭” ‬ومنذ‭ ‬انطلاقها‭ ‬حازت‭ ‬اهتمام‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬لما‭ ‬تقدمه‭ ‬لنساء‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولم‭ ‬يتوجّه‭ ‬دورها‭ ‬لجمع‭ ‬التبرعات‭ ‬لتمويلها،‭ ‬بل‭ ‬عمدت‭ ‬إلى‭ ‬تمويل‭ ‬نفسها‭ ‬بنفسها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نشاطات‭ ‬تقدمها‭ ‬ومنتوجات‭ ‬أنتجتها‭ ‬أيدي‭ ‬العاملات‭ ‬داخل‭ ‬الجمعية‭.‬
عند‭ ‬وصولك‭ ‬إلى‭ ‬المدخل‭ ‬الرئيسي‭ ‬للمبنى‭ ‬يلفتك‭ ‬الطابع‭ ‬التقليدي‭ ‬الطاغي‭ ‬على‭ ‬المكان،‭ ‬الأشجار‭ ‬والنباتات‭ ‬الجميلة‭ ‬تستقبلك‭ ‬قبل‭ ‬المشرفين،‭ ‬الأصالة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬النوافذ،‭ ‬غرفة‭ ‬الاستراحة،‭ ‬الباحة‭ ‬الخارجية،‭ ‬الأثاث‭. ‬الترتيب‭ ‬المتقن‭ ‬بين‭ ‬الأقسام‭ ‬يؤكد‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬خلفه‭ ‬لمسة‭ ‬نسائية‭.‬

انطلاقة‭ ‬‮«‬أشغالنا‮»‬
التقت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬السيدات‭ ‬المتطوعات‭ ‬حول‭ ‬فكرة‭ ‬مساعدة‭ ‬النساء‭ ‬الأقل‭ ‬حظاً‭ ‬والمهمشات،‭ ‬وذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬والمكفوفين‭ ‬تماشياً‭ ‬مع‭ ‬أهداف‭ ‬المؤسسة،‭ ‬فأسست‭ ‬لجنة‭ ‬الصديقات‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1984‭ ‬لمساندة‭ ‬الدار،‭ ‬ومد‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬لهذه‭ ‬الفئات‭ ‬كي‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬بكرامة‭ ‬ورعاية‭ ‬شؤونهم‭ ‬وشؤون‭ ‬ذويهم‭.‬
بدأت‭ ‬خدمات‭ ‬اللجنة‭ ‬من‭ ‬منازل‭ ‬السيدات‭ ‬الفاضلات،‭ ‬لتنتقل‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬نادي‭ ‬العمر‭ ‬المديد‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬المنتدى،‭ ‬لتستقر‭ ‬نهايةً‭ ‬في‭ ‬مركز‭ “‬أشغالنا‭”‬،‭ ‬الذي‭ ‬يضمّ‭ ‬معرضاً‭ ‬دائماً‭ ‬ومشغلاً‭ ‬للخياطة‭ ‬والتطريز،‭ ‬وصالة‭ ‬شاي‭ ‬مع‭ ‬حديقة‭ ‬كملتقى‭ ‬للسيدات‭.‬

تمويل‭ ‬ذاتي
يمول‭ ‬المركز‭ ‬نفسه‭ ‬عبر‭ ‬بيعه‭ ‬منتجات‭ ‬الأعمال‭ ‬الخشبية‭ ‬من‭ ‬منتجات‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬التنمية‭ ‬الفكرية،‭ ‬وبيع‭ ‬أعمال‭ ‬قش‭ ‬من‭ ‬منتجات‭ ‬المكفوفين‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬إنماء‭ ‬القدرات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وبيع‭ ‬منتجات‭ ‬الأرامل‭ ‬من‭ ‬أصناف‭ ‬غذائية‭ ‬جاهزة‭ ‬وذلك‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬لجنة‭ ‬مختصة‭.‬
وتعمد‭ ‬الجمعية‭ ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬النساء‭ ‬المستضعفات‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬عبر‭ ‬تعليمهن‭ ‬بعض‭ ‬الحرف‭ ‬وتأهيل‭ ‬الأرامل‭ ‬والمطلقات‭ ‬وتدريبهن‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الخياطة‭ ‬والتطريز‭ ‬وفن‭ ‬الطهي،‭ ‬لتمكينهن‭ ‬من‭ ‬كسب‭ ‬مدخول‭ ‬يخولهن‭ ‬رعاية‭ ‬شؤونهن‭ ‬وشؤون‭ ‬أطفالهن‭ ‬ضمن‭ ‬الأسرة‭.‬

السياح‭ ‬من‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬والكويت‭ ‬يخصّون‭ ‬الجمعية‭ ‬بالزيارة‭ ‬والدعم‭ ‬لما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬نبيل

الغداء
تقدّم‭ “‬أشغالنا‭” ‬طعام‭ ‬الغداء‭ ‬بشكل‭ ‬أسبوعي‭ ‬مؤلف‭ ‬من‭ ‬أشهى‭ ‬الأطباق‭ ‬اللبنانية،‭ ‬ويتم‭ ‬الحجز‭ ‬المسبق‭ ‬لتحديد‭ ‬عدد‭ ‬الحضور،‭ ‬جميع‭ ‬الحاضرين‭ ‬لا‭ ‬يسألون‭ ‬عن‭ ‬السعر،‭ ‬بل‭ ‬يدفعون‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬لأنهم‭ ‬يعتبرون‭ ‬أنفسهم‭ ‬مساهمين‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الجمعية‭ ‬وتشجيعا‭ ‬للنساء‭ ‬العاملات‭.‬
نهار‭ ‬الجمعة‭ ‬وعند‭ ‬موعد‭ ‬الغداء،‭ ‬الجمعية‭ ‬تكون‭ ‬كخلية‭ ‬نحل،‭ ‬الجميع‭ ‬يعمل‭ ‬بحب‭ ‬وشغف،‭ ‬وسط‭ ‬جو‭ ‬أسري‭ ‬سليم،‭ ‬الجميع‭ ‬يشعر‭ ‬وكأنه‭ ‬في‭ ‬بيته‭. ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬السياح‭ ‬من‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬والكويت‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬يخصّون‭ ‬الجمعية‭ ‬بالزيارة‭ ‬والدعم‭ ‬لما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬نبيل‭ ‬ويتجلى‭ ‬بما‭ ‬تقدّمه‭ ‬من‭ ‬التكافل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والإنساني‭.‬

الأشغال‭ ‬اليدوية
في‭ ‬الجمعية‭ ‬قسم‭ ‬خاص‭ ‬للأشغال‭ ‬اليدوية‭ ‬والتطريز‭ ‬وخياطة‭ ‬العبايات‭ ‬وجناح‭ ‬خاص‭ ‬للمونة‭ ‬البيتية،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحلو‭ ‬لك‭ ‬موجود‭ ‬ومنظّم‭ ‬بعناية،‭ ‬والجميل‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬أنك‭ ‬عندما‭ ‬تشتري‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬قسم‭ ‬تريده،‭ ‬لا‭ ‬تشتري‭ ‬كي‭ ‬تساعد‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬تشتريه‭ ‬يكون‭ ‬ذا‭ ‬جودة‭ ‬عالية‭ ‬ومشغولا‭ ‬بحرفية‭ ‬متقنة،‭ ‬فالمونة‭ ‬مشغولة‭ ‬بأجود‭ ‬المواصفات،‭ ‬ومن‭ ‬أفضل‭ ‬المكونات‭ ‬كذلك‭ ‬الأعمال‭ ‬الخشبية‭ ‬والتطريز،‭ ‬فتختار‭ ‬ما‭ ‬يناسبك‭ ‬لتزيّن‭ ‬به‭ ‬منزلك‭ ‬وليس‭ ‬الشراء‭.‬

المطبخ
بالمصادفة،‭ ‬كانت‭ ‬زيارتي‭ ‬للجمعية‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الغداء‭ ‬الذي‭ ‬يقام‭ ‬كل‭ ‬أسبوع‭ ‬نهار‭ ‬الجمعة‭ ‬بنصف‭ ‬ساعة،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بمكانه،‭ ‬رائحة‭ ‬النظافة‭ ‬قادتني‭ ‬إلى‭ ‬المطبخ‭ ‬والحقيقة‭ ‬تقال،‭ ‬مستوى‭ ‬الجودة‭ ‬بالنظافة‭ ‬لا‭ ‬تقارن‭ ‬إلا‭ ‬بفنادق‭ ‬الخمس‭ ‬نجوم‭.‬
لم‭ ‬يقتصر‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬المطبخ،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬على‭ ‬العاملين‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يوجد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬المتطوعات‭ ‬اللائي‭ ‬فضلن‭ ‬تقديم‭ ‬يد‭ ‬المساعدة‭ ‬بإعداد‭ ‬الطعام‭ ‬أو‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬التنظيم‭ ‬والإشراف‭ ‬على‭ ‬الغداء،‭ ‬ويشعرن‭ ‬بدورهن‭ ‬بأنهن‭ ‬يساهمن‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬الجمعية‭.‬

العمل‭ ‬أكسبني‭ ‬تعلم‭ ‬مهارة‭ ‬الخياطة‭ ‬والتطريز‭ ‬وأبعد‭ ‬شبح‭ ‬الجوع‭ ‬عن‭ ‬أطفالي‭ ‬الأيتام

مشغل‭ ‬الخياطة
قاعة‭ ‬مليئة‭ ‬بالنساء‭ ‬العاملات،‭ ‬صوت‭ ‬ماكينات‭ ‬الخياطة‭ ‬يصدح‭ ‬في‭ ‬القاعة،‭ ‬كل‭ ‬منهن‭ ‬تجلس‭ ‬خلف‭ ‬ماكينتها،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬انتبهن‭ ‬لحضوري‭ ‬حاملا‭ ‬الكاميرا‭ ‬بحركة‭ ‬غير‭ ‬إرادية‭ ‬كل‭ ‬منهن‭ ‬حرّكّت‭ ‬حجابها‭ ‬لتنسّقه‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬عيب‭ ‬فيه،‭ ‬بعضهن‭ ‬من‭ ‬العفة‭ ‬والحياء‭ ‬عمدن‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬الخيط‭ ‬في‭ ‬الماكينة‭ ‬لتجنّب‭ ‬عدستي‭. ‬قالت‭ ‬لي‭ ‬إحداهن‭ “‬العمل‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬أكسبني‭ ‬تعلم‭ ‬مهارة‭ ‬الخياطة‭ ‬والتطريز،‭ ‬وأبعد‭ ‬شبح‭ ‬الجوع‭ ‬عن‭ ‬أطفالي‭ ‬الأيتام‭”‬،‭ ‬تقول‭ ‬أخرى‭ “‬مكنني‭ ‬عملي‭ ‬من‭ ‬مساعدة‭ ‬زوجي‭ ‬لمواجهة‭ ‬الظروف‭ ‬المعيشية‭ ‬الصعبة‭ ‬ودوامي‭ ‬المريح‭ ‬لا‭ ‬يجعلني‭ ‬أقصّر‭ ‬في‭ ‬واجباتي‭ ‬المنزلية‭”.‬

نجحت‭ ‬فكرة‭ ‬جمعية‭ ‬أشغالنا‭ ‬منذ‭ ‬انطلاقتها،‭ ‬حيث‭ ‬فكّرت‭ ‬بالشريحة‭ ‬المستضعفة‭ ‬والفقيرة‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬وعملت‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬لهن،‭ ‬وتعليمهن‭ ‬وإكسابهن‭ ‬القدرات‭ ‬والخبرات،‭ ‬وساعدها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الرغبة‭ ‬الموجودة‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬المتطوعات‭ ‬اللاتي‭ ‬يساعدن‭ ‬بحب‭ ‬وحماس،‭ ‬ونجحت‭ ‬مرة‭ ‬جديدة‭ ‬حين‭ ‬فتحت‭ ‬الباب‭ ‬لاستقبال‭ ‬النساء‭ ‬السوريات‭ ‬أيضا‭ ‬للعمل‭ ‬وكسب‭ ‬الرزق،‭ ‬ولم‭ ‬تفرّق‭ ‬بين‭ ‬امرأة‭ ‬وأخرى،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬الأساس‭ ‬تمكين‭ ‬المرأة‭ ‬الراغبة‭ ‬دون‭ ‬الاكتراث‭ ‬لدينها،‭ ‬طائفتها،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬جنسيتها،‭ ‬فالإنسانية‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬عبرت‭ ‬كل‭ ‬الحدود‭ ‬والمقاييس،‭ ‬لتصبح‭ ‬تجربة‭ ‬تعميمها‭ ‬حاجة‭.‬

أسرتي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان
علي‭ ‬غندور

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق