تحقيقات

فتى قرية «عزبة الكيلو» بصعيد مصر إلى العالمية 2/2

في الحلقة الماضية توقفنا عند قول طه حسين:

«لم يكن الفتى – يعني نفسه – يعرف كيف يذهب الى السوربون أو العودة الى البيت دون أن يعرف هذه السيدة.

كانت ترفق به أحيانا وتعنف به في كثير من الأحيان.. كانت تصحبه في ذهابه وعودته.. دون أن تلقي إليه بكلمة أو يسمع لها صوتاً.

كانت تعطيه ذراعها.. كانت تجره كأنه متاع وعندما توصله إلى بيته وتتركه في غرفته.. كانت تقول له:

«إلى اللقاء في ساعة كذا من نهار اليوم التالي».

 

قال الفتى لصاحبة الصوت العذب:

أنا أحبك!

أجابته: «وأنا لا أحبك»

 

في هذه الحلقة نواصل قصة السيدة: يقول طه حسين «تعرضت هذه السيدة.. وكانت صاحبة صوت عذب لعلة طارئة.. كان صوتها العذب هو نعيمه الوحيد في حياته الشاقة المظلمة فأقبل يعودها.. وجلس يتحدث إليها.. ثم لم يدر كيف التوى به الحديث.. لكنه سمع نفسه يلقي إليها في صوت أنكره هو قبل أن تنكره هي:

«أنا أحبك»!

ثم سمعها تجيبه: «وأنا لا أحبك».

قال لها: «وأي بأس بذلك»؟

وواصل: انه «لا يريد لحبه صدى ولا جوابا وإنما يحبها وحسب».

لم تجبه وإنما غيرت مجرى الحديث.

 

يقول طه حسين:

«استقر في نفسه أن حياته ستسلك منذ ذلك اليوم طريقاً جديدا.. كانت نفس طه حسين قد تعلقت بصاحبة هذا الصوت العذب».

وعندما وجد نفسه مضطرا للعودة الى مصر.. أحس بالجزع.. لكن خفف من حدة الجزع تلقيه رسائل.

وتوقف طه حسين أمام رسالتين تسلمهما في «نابولي» بإيطاليا، طلب من صديقه أن يقرأهما مرات ومرات، وظل «صوت السيدة العذب يشده» لكنه كان يخفي شعوره، كان يقول لنفسه أنا لم أخلق لهذا الشعور! فأين هو من الحب.. وأين الحب منه؟

وظل يفكر في الكلمة التي قالها لصاحبة الصوت العذب: أنا أحبك.. وردها عليه وأنا لا أحبك.. لاحظ عليه سكان البيت هذا الشعور ولاحظته أيضا صاحبة الصوت العذب.

 

فوجئ طه حسين بصاحبة الصوت العذب: ماذا بك؟.. تهرب من الإجابة.

لكنها ألحت عليه.. وهي تقرأ له دروسه ومحاضراته وكتبه، يقول لها أخيراً ما يحس به وما يشعر به.

تسمع السيدة.. ثم تسكت.. ثم تواصل القراءة له، وأنهت قراءة الدروس والمحاضرات، واستعدت للانصراف لكنها تسأله في رفق:

إذن ماذا تريد؟

أجابها:

لا أريد شيئا.

قالت: لقد فكرت في كل ما قلته لي وأطلت فيه التفكير، لكني لم أنته بعد إلى شيء!

لكنها واصلت:

نستعد الآن للافتراق في إجازة الصيف، الرسائل بيننا ستتواصل كما تعودنا فإذا قرأت في رسائلي أنني أدعوك لقضاء عطلة الصيف معنا في باريس فاعلم أنني قد أجبت موافقة على ما تريده، وإن لم تقرأ هذه الدعوة، فاعلم أن ما بيننا هو مجرد الصداقة.

طلبت من صديقة لها أن تقرأ له الرسائل حتى لا يقرأها أحد آخر، وذهبت السيدة الى قرية في أقصى جنوب فرنسا، وبقي هو في باريس وخلال الشهر الذي عاشه كل منها في مكانه.

حدثت مفاجأة:

دعته لأن يقضي مع عائلتها ومعها بقية الصيف.. إذن تحققت آماله أو أوشكت أن تتحقق.

ويقرر طه حسين أن يتوجه إليها وإلى أسرتها.. يركب القطار الذي سيقله إليها.. ويصل القطار ليفاجأ صاحبنا بمفاجأة من العيار الثقيل:

«صاحبة الصوت العذب تدعوه في رفق وعطف وحنان»!

 

المفاجأة:

الدعوة وصلت والزواج تم

والنتيجة:

مؤنس طه حسين

وآمنة طه حسين

 

يقول د.طه حسين في بعض كتاباته:

«إن فتاته جعلت شقاءه سعادة.. وضيقه سعة وبؤسه نعيماً.. وظلمته نوراً».

تمت خطوبة الفتى طه حسين لفتاته صاحبة الصوت العذب.

إذن ليعجل بالزواج.. وليستأذن جامعة فؤاد بمصر في ذلك.. لكنه كان يخاف أن ترفض الجامعة.. وهذا حقها.

وهنا تحدث مفاجأة أخرى:

الجامعة كانت أرأف بحاله وأرحم له مما كان يقدره وكانت موافقة الجامعة باعثاً له على مزيد من الجد والاجتهاد حتى يتم له الحصول على درجة الدكتوراه.

 

انتهت العلاقة بين الفتى وفتاة الأحلام الى الزواج.. وأسفرت العلاقة الزوجية بين طه حسين وسوزان طه حسين الفرنسية الجنسية عن:

  • مؤنس طه حسين.
  • وآمنة طه حسين.

بعدها اكتسب الفتى شهرة وألقاباً عالمية، ومن أبرز ألقابه كما جاء في بداية الحلقة الأولى:

  • رائد من رواد التنوير وأبرزهم.. أو «رائد من رواد التغريب وأبرزهم».. أو كما أطلق عليه النقاد والمؤرخون الغربيون: «عميد الأدب العربي».
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق