تحقيقات

كيـف أُربــــــــــــــــــي أطفالي..

 

والله غيرت.. خلاص مليت.. ما عدت جادرة أصدق!
تصوروا حفيدتي تقول لأبيها ذات مساء ونحن حول التلفزيون: قبلني يا أبي، ويقبلها أبوها في وجنتها فتصرخ فيه: لا.. قبلني كما يقبِّل رشدي أباظة سعاد حسني في الفيلم.
وإيش أقول؟
كل شيء في الخارج ضد الداخل.. كل شيء خارج البيت ضد البيت ومن فيه من آباء وأمهات وجدود وجدات حتى المدرسين والمدرسات.

نظل في البيت نقول ونقول:
احترام الصغير للكبير واجب.. الأدب.. الطاعة.. الأمانة.. الصدق.
وفي المدرسة يقولون:
الواجب النظافة من الإيمان.
وبعضنا يلجأ للعنف والعصا.. وبعضنا يلجأ للين.. والآخر يلجأ الى الثواب والمنح أو المنع الى آخر ما تعلمناه زمان على أيام جيلنا.
ولكن بالله عليكم.. كيف يمكن أن يثمر كل ذلك؟! كيف تكون هناك نتيجة لأي كلام نقوله أو نعلمه لأولادنا وكل ما في الخارج أشياء غريبة كأنها هبطت علينا من عالم آخر؟!

الفتيات في السوق كأنهن يعشن في باريس.. التنانير قصيرة والألوان صارخة كأنها في مهرجان لمهرجي الألعاب البهلوانية.
والشباب بشعورهم الطويلة وكل قطعة في ملابسهم بلون مختلف عن الآخر وقطع الجلد والنيكل تطل من أزيائهم كعيون القطط المضيئة بالليل.
والغريب أن بعض شبابنا الكبار الموظفين والمسؤولين في الدولة يطلون علينا عبر أجهزة التلفزيون خلال بعض الندوات أو الأحاديث وهم بشعورهم الطويلة وسوالفهم تصل الى ذقونهم بل بعضهم يتكلم في موضوعات المستقبل والعمل والإنتاج.. وإذا جلسنا أمام التلفزيون نتسلى، فكل الأغاني عن الحب والآهات والعذاب والدموع التي لو جمعنا ليوم واحد من إذاعات وتلفزيون العالم العربي لصنعت نهراً جارياً على رمال الصحراء.
وما يحيرني أن الكبار يستمتعون بما ينكرونه على الصغار: الأغاني والأفلام الأجنبية والعربية.. يجلسون يستمتعون بها ويعلقون عليها، وبعد أن ينتهوا يبدؤون في حملة الممنوعات.. شيء محير!

أطرح المشكلة على ابنتي فتقول لي:
يا يمه هذا هو التقدم واعتراضك بجعلك رجعية!
وأنا أعترض على التقدم.. وليكن التقدم الى أقصى درجة، لكن المشكلة أننا ككبار قد نقبل كل شيء.. ويختار كل واحد وكل واحدة ما يتفق وحدودها وميولها.
هناك اختلاف بين ما نقدمه ونطلبه من أبنائنا وما هو خارج البيت، أي الشارع والمجتمع ككل.. إنه يتعارض مع ما نطالب به أولادنا.

كل طفل له حدود. وكل سن لها حدود، لكن المجتمع لا يعرف حدوداً لأي شيء.. وكل العادات والتقاليد والقواعد الجديدة شيء أشبه بموجة البحر لا نعرف من أين هي قادمة، ولا يستطيع أي شيء إلا أن ينجرف معها.
ما يضايقني أكثر هو أن هناك تباعدًا تامًّا بين تعاليم الدين وعادات ودعوة التقدم.. وهذا مطلوب وذاك مطلوب.. التطور مطلوب وتعاليم الدين مطلوبة..ولكن كيف نوفق بينهما؟
إن رجال الدين أنفسهم سواء كانوا أساتذة في الجامعة يدرسون الشريعة أو الفقه، أو فقهاء أو وعاظًا في المساجد كثيراً ما يعجزون هم أنفسهم عن أن يجعلوا بناتهم أو أبناءهم بعيدين عن تيار التقليد أو السير مع الركب الذي يسمونه ركب التطور!

بصدق.. إنني عاجزة عن العثور على حل لهذا التناقض الذي نعيشه.. وانني صادقة أرغب في آرائكم حول هذا الموضوع.. أريدكم أن تبعثوا لي برسائلكم وآرائكم حول هذه المشكلة، ربما أجد عند أحدكم الحل: كيف نوفِّق بين ما نبتغيه لأبنائنا وما نقدمه لهم داخل البيت.. بين مظاهر الحياة في المجتمع؟
تلك المظاهر التي تجعلنا عاجزين ومحرجين أمام أبنائنا وبناتنا.. وإني في انتظار رسائلكم.

(أم الخير)
1972

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق