تحقيقات

«لأجلها».. مشاريع تمحو ذاكرة الألم وتبعث الأمل

الأرقام مخيفة والظروف صعبة.. إنه حال المرأة السورية التي تم اعتقالها وخرجت لتواجه الخوف من المجهـول الذي أثر بشكل كبيـر على حياتها وحياة أبنائها، ها هو مشروع «لأجلها» النابع من مبادرة «كُل»، يضعنا أمام حالات لسيدات خرجن من الاحتجاز والسجن إلى قسوة اللجوء، حاملات معهن إرادة قوية تدفعهن لتخطي هذه المعاناة.

كان لـ «أسرتي» لقاء شيق مع المتخصصة في القانون الدولي وحقوق الإنسان عائشة فوزي القصار والمسؤولة عن مشروع «لأجلها» لتحدثنا عن شهادتها حول ما رأته من معاناة هؤلاء السيدات.. وإليكم التفاصيل:

 

تم قتل قرابة 90 امرأة سورية تحت التعذيب

 

في البداية.. نود الحديث معك عن مشروع «لأجلها».

– مشروع «لأجلها» هو الوليد الأول لمجال الإنسانية في مبادرة «كُل»، و«لأجلها» يهدف لدعم النساء اللواتي تعرضن لأذى جسدي ونفسي عنيف في سورية.. اللائي شـاهدن وعايشن تدهـور الأوضاع المعيشـية إلى أدنى الحـدود إضافـة إلـى الأذى فـي أولادهن وأعراضهـن، ممـا أدى إلـى ظهـور عواقـب غيـر حميـدة نفسياً واجتماعياً علـى المرأة.

وقد أشارت الإحصاءات غير الرسمية للشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى مقتل27.500 امرأة سورية بسبب الأحداث الجارية في سورية، واختفاء ما يقارب 13.581 امــرأة سورية ولا يزلن قيد الاعتقال، كما تم قتل قرابة 90 امرأة سورية تحت التعذيب، وتم ارتكاب أكثر من 8000 حالة اعتداء جنسي على النساء، هذه الأرقام فقط التي تم تدوينها.

وقد جاء مشروع «لأجلها» نتاج لرحلة لفتيات كويتيات مع «قافلة الضمير» التي انطلقت العام السابق من اسطنبول إلى الحدود السورية بمشاركة أكثر من 10 آلاف امرأة حول العالم بمناسبة يوم المرأة العالمي لدعم قضية المرأة اللاجئة.

قمنا بدراسة الساحة وبرحلات ميدانية تفقدية وأجرينا مقابلات مع النساء اللاجئات والجمعيات الخيرية المعتمدة في تركيا والكويت، بعدها توصلنا لفكرة إقامة مشروع يساهم بإعادة الأمل لحياة النساء بعد ظروف الحرب.

 

سيدات كن يبكين وينهرن عند تذكر الأحداث التي مرت بهن في الحرب والاحتجاز ثم يغمى عليهن

 

 

ماذا عن الحالات التي تمت معاينتها وتوثيق حالاتهن أو أخذ شهاداتهن؟

– هناك العديد من الحالات التي قابلناها.. سيدات كن يبكين وينهرن عند تذكر الأحداث التي مرت بهن في المعتقل ثم يغمى عليهن.

المرأة التي طلقت بعـد الظروف التي مرت بها وتم حرمانها مـن أولادها، ولايوجد معيل لها أبدًا، وتعالج بالمسكنات للغضروف من آلام ديسـك.

وأخرى وضعها الصحي سيئ، حيث لديها اضطرابات هرمونية نتيجة المواد التي كانت تأخذها في الاحتجاز، وهناك أيضا المرأة التي لديها ولدان، وزوجهـا محتجز، وتعالـج مـن كتـل ورم بالثـدي.

وأضافت: هناك أيضا امرأة أرملة شهيد ووالدة شهيد، ولا يوجد من يعيلها ويتكفـل بها، مقيمة فـي سكن غير مؤهـل صحيا  لإقامة بشـر.

أرملة أخرى لديها 5 أولاد وضعها الصحي سيئ تعاني من بداية سرطان بالثدي والإبط، وطبعا التكلفة غالية مابين تصوير وتنقلات، وبحاجة لعلاج نفسي، وأحيانا تحاول الانتحار.

 

ماذا عن أكثر الحالات التي أثرت فيك؟

– هذه الحالة قابلتها بالصدفة، وتركت لدي بصمة، قررت من أجلها أن أقدم هذا المشروع، كنت في زيارة إلى اللاجئات السوريات وتزامن في الوقت نفسه وجود ناشطة اسكتلندية وأخرى بريطانية معنا في قافلة الضمير، وكانتا تريدان أحدا معهما في المقابلة للترجمة فوافقت.

عندما جلسنا مع الحالة واسمها بدرية، زوجة وأم لديها أبناء أخذت من منزلها إلى التحقيق والاحتجاز، ولم تكن لها أي دور سياسي، وقاموا بتعذيبها بشتى الوسائل القاسية التي لا تمت للبشر بصلة، اقتلعوا أسنانها وكسروا لها فكها وقيدوها من يديها وهي معلقة لمدة يومين وأكثر.

لم تحن الفرصة أن تخرج بدرية من المعتقل الا بعد أن جمع لها أهلها مبلغا من المال لكي يقدم للمحامي ومن المحامي للقاضي للسماح بالإفراج عن بدرية، أي نظام قانوني هذا الذي يختطف البشر ويفرج عنهم بأموال!  عندما خرجت بدرية اكتشفت أن زوجها اعتقل أيضا ومات بالاحتجاز  تحت التعذيب.

 

«حجابي.. حجابي».. هذا توسل النساء اللاتي تم تعذيبهن نفسياً بخلع حجابهن أثناء التعذيب!

بدرية لم تكن لها دور سياسي.. اعتقلت وعُذبت وقتلوا زوجها وخرجت في حالة يرثى لها وهي في شدة التعذيب

 

بدرية حالة لامرأة تعاني وأبناءها من آلام نفسية شديدة إلى اليوم.. عندما قابلت بدرية كان عمرها 28 ولكن الحالة التي هي عليها تظهرها أكبر سنا بأكثر من 10 سنوات.

– ومن الحالات التي قابلتها امرأة سورية تم اعتقالها وتعذيبها، قيدوها بالحديد وهي تحدث نفسها وتناجي ربها قائلة «يا رب أنا أؤمن بك».. تقول اللاجئة: فما وجدت ألا أنه كلما ربط العسكري يديَّ فكت القيود تلقائيا، وهم يهددونني ويتوعدون بي وأنا أقول ربي معي فمن يضرني وكأن ماء بارد غسلني.

– وهذه سائحة تم اعتقالها تروي لي ان أخف تعذيب تسليط الاضاءة النيون على عينيها حتى كادتا أن تنفجرا، وما أدهشني منها أنهم في التعذيب كانوا يضربونها فيسقط حجابها وهي لا تدري بنفسها سوى أن ترفع الحجاب مرة أخرى لتغطي رأسها، كانت تهمة سائحة أنها ناشطة إنسانية مع الهلال الأحمر.

للأسف هذه تهم النساء اللاتي تم تعذيبهم وتدمير حياتهم بالكلية! قصة هذه سائحة  قصة مؤلمة جدا، واليوم أول مرة أفصح عنها في مجلة «أسرتي» بسبب تأثري الشديد بها.. فهي من رتبت لي المقابلات مع النساء المحتجزات سابقا وقامت بإمكانياتها البسيطة بتقديم عرض توصيلي للمكان عن طريق زميلة لها لديها معارف ممكن أن يرتبوا لي وسيلة نقل!

 

بعد الألم الكبير يأتي تحدي رفض المجتمع لنا!

 

الصدمة الكبرى

كان لقائي بسائحة في شهر أغسطس 2018 بعدها استمر التواصل بيني وبينها إلى أن شغلتنا ظروف الحياة، وكان التواصل غالبا منها لتشجيعنا للعمل على المشروع وأملها المتواصل «عائشة لا تنسينا.. لا تنسين اخواتك المحطمات كلهم امل فيكم»!

بعدها انقطع التواصل وذهبت إلى المؤتمر الصحافي الذي نظمته قافلة الضمير لإلقاء كلمة عن قضية المرأة المحتجزة، ذهبنا في استراحة للقهوة وإذا بامراة تأتي لي وتقول لي أنت عائشة؟ قلت نعم عفواً من معي فقالت أنا صديقة سائحة هي توصل لك سلامها وتقول «لا تنسينا».

سؤالي كان: أين «سائحة»؟ فقالت هي: غادرت لربها! كانت الصدمة! شعرت فعلا أنه ليس هناك وقت! وعرفت أنها كانت تعاني من سرطان، ولم يسعفها العلاج وتوفيت!

 

المشاريع التنموية الصغيرة ستساعد الكثيرات منهن بفرص عمل وأمل لبناء حياتهن من جديد!

 

كانت لك زيارات عدة للاجئات في سورية ورصدت الكثير من احتياجاتهن.. حدثينا عنها، وماذا عن نتائج هذه المقابلات؟

– بالفعل زرت اللاجئات في سورية مع الناشطة الإنسانية هيا الشطي ووفد من الكويت لعدة مرات وكانت نتيجة الكثير من المقابلات التي تم إجراؤها والبحث فيها مع العديد من النساء السوريات رغبتهن في العيش بكرامة والحصول على قوت يومهن دون الحاجة لأحد، حيث كانت نظراتهن تتحدث عــن آلامهن التي عانينها في سبيل الحصول على لقمة العيش.

وأضافت: وجدنا أن المشاريع التنموية الصغيرة ستساعد الكثيرات منهن للحصول على فرص عمل، ولهذا عندما قررنا إقامة مشروع لأجلها أردنا أن يتكون من ثلاثة مشاريع تفيد المرأة اللاجئة وتحسن من أوضاعها.

 

هل لنا أن نتعرف أكثر بالتفصيل عن هذه المشاريع؟

– الأول: مشروع تأسيس وتشغيل مشغل خياطة في منطقتين مختلفتين حسب تواجد الحالات وكثافتهم في المنطقة، وتتوزع في تركيا وسورية، ويرتكز المشروع على توفير المشغل وتأسيسه بشكل كامل من معدات وأجهـزة وتشغيله يحتوي المشغل علي ورش متخصصة للحرف اليدوية التي تنتج اكسسوارات منزلية وشخصية على أن يتم بيع هـذه المنتجات في محلات وبوتيكات متخصصة ذات ذوق مميز في الكويت والخليج.

ما يميز هذه الورشة مستوى التصاميم للمنتجات التي سيتم تزويد النساء بها من قبل مصممات متميزات متطوعات من الكويت والخليج وكذلك تدريبهن على تنفيذها.

– أما المشروع الثاني، فهو كفالة اللاجئات والنازحات السوريات، ويقوم المشروع على توزيع المساعدات النقدية على النساء السوريات اللواتي تعرضن لتجارب قاسية أثناء الحرب.

أما المشروع الثالث، فهو مركز للدعـم النفسي يندرج ضمن مشروع مركز الخياطة بحيث يخصص دور كامل فقط للدعم النفسي وذلك بغرض تمكين النساء ليس فقط مهنياً بل نفسياً أيضا.

مركز الدعم النفسي هو مركز تنموي وتعليمي لمن تعرض لأزمات نفسية عــن طريـق الخضوع لبعض أنواع العلاج التي تم تجريبها على اللاجئين السوريين ولاقت نجاحاً كبيــرًا، حيث سيتم تقدم هـذا العلاج من قبل اخصائيين نفسيين فـي مجال الدعم النفسي.

 

دعوة للشراكة

مشروع «لأجلها» تم صياغته بطريقة الشراكة إيماناً منا بدور وتأثير كل شخص متخصص بمجال معين أنه ممكن أن يساهم في إحياء روح.. تعليم حرفة.. والدعم النفسي.. كل هذا يصب في فحوى المشروع.

واليوم نوجه دعوة للشباب والمتخصصين والأكاديميين والمشاهير والناشطين في مختلف المجالات بأن يكونوا شركاء معنا ولا يقتصر ذلك على الدعم المالي، فكما ذكرنا أن المشروع بحاجة لطاقة بشرية تعمل عليه بمتخلف التخصصات النفسية والتجارية والقانونية إلخ.. ويبنى على تواصل بين القائمين على المشروع والنساء المستفيدات.. هذا النوع من التواصل وتنفيذ المشروع بأنفسنا كطاقات شبابية يحقق لنا ضمانة أن يتم تنفيذ فكرة الدعم بالجودة والفائدة المرجوتين «لأجلها».. لأجل كل إمرأة عانت من ألم الحرب.

وفي الختام، أوجه شكر لكل المساهمين والداعمين للمشروع بشتى أقسامة وأخص بالشكر «فريق مبادرة كل» و«أمانة العمل النسائي» و«جمعية الرحمة العالمية».

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق