تحقيقات
أخر الأخبار

من أجل القاصرات.. ندى الأهدل: العروس الطفلة هي في عداد الموتى ولكن على قيد الحياة

كونوا خير آباء ليكونوا خير أبناء

 

لن تُمحى من ذاكرتي مشاهد موت خالتي محروقة

 

أختي حرقت جسدها رفضاً للعريس.. لأكون أنا البديل

 

زواج القاصرات يحقق جزءاً من طموحات الذكور ويحكم أحلام الفتيات

 

أتمنى أن أجد العالم يتحدث عن الأفكار بحرية

 

 

لا تزال تفاصيل شهر يوليو من العام 2013 ماثلة في ذاكرة ندى بقوة ووضوح، ندى طفلة عمرها 11 عاما لم تتخيّل أن يكون مصيرها في يد زوج يكبرها بأضعاف عمرها، ارتدت الفتاة حذاء والدها هاربة، بعد مرور تسع سنوات على اليوم الذي غيّر حياة ندى إلى الأبد، “أسرتي” التقت ندى الأهدل وهي تستعيد تفاصيل السنوات الفائتة من بريطانيا، وهي تدرك تماماً أنها “نجت” من حياة بائسة كانت ستسرق طفولتها وتحمّلها مسؤولية أكبر منها وتعرضها “للاغتصاب تحت مسمى الزواج”.

رشحت ندى لجائزة نوبل للأطفال عام 2018، وحصلت المؤسسة عام 2020 على جائزة من منظمة With and For Girls ومقرها لندن، تكريماً لجهودها في محاربة زواج القاصرات.

 

كنت ابنة العاشرة وأذهلت العالم بطلاقة حديثك، كيف جاءت لك الفكرة كي تصوري فيديو، وأنت في سنّ صغيرة؟

– لقد عشت في بيئة تقليدية وغير مهتمة بحقوق الإنسان، ولكن كان لدي عم يقوم بنشاط سنوي في العطلة الصيفية، حيث كان يأخذ كل عام فتاة من العائلة أو قريتنا ويذهب بها إلى المدينة لاكتشاف الحياة وتعلم الانجليزية والكمبيوتر، وكل فتاة تحاول أن تكتشف طموحاتها وأحلامها وعمي يقوم بمساعدتها على النجاح.

أنا كنت مهتمة بالغناء والفن، فكان عمي يسجلني في فرق غنائية وأنشطة ترفيهية تتبع أنشطة المنظمات الحقوقية التي تقيم فعاليات للأطفال، وكنت أسمع الكثير عن حقوق الفتيات والكثير من الفتيات اللاتي يعترضن على نشاطي لأني مثل كل البنات سوف ينتهي بي المطاف بالزواج وتتحطم طموحاتي وأحلامي، مما خلق لدي فكرة أن الزواج المبكر هو الجدار الفولاذي الذي يجب تجنبه لاستمرار تحقيق أحلامي وطموحاتي وحريتي.

بالإضافة لأسباب أخرى حدثت حيث فقدت خالتي التي انتحرت حرقاً بالبنزين بعد زواجها من شخص يكبرها بكثير، وهذه الأسباب خلقت لدي فكرة بأن زواج القاصرات جريمة بحق الفتيات، ويحقق جزءا من طموحات الذكور ويجعلهم يستمرون في تحقيق بقية أحلامهم بشكل أفضل بعد الزواج، بينما الفتاة تتوقف الحياة بعد زواجها وتمنع من التعليم وتمنع من مزاولة الحياة وتمنع من العمل وتصبح حياتها مقيدة بقرار رجل، وكل فتاة وكما يُقال “هي وحظها” إذا مالكها الجديد، أي زوجها، يتعطف عليها بإعطائها مساحة ضيقة من الحرية تعتبر محظوظة، وإذا منعها فهي في عداد الموتى وهي على قيد الحياة.

مع تكرار هذه المشاكل كنت أسال عمي الكثير من الأسئلة وكانت إجابته دائماً “إذا تريدين حياة كريمة لا تقبلي بالزواج في الوطن العربي”، لأن القانون يعطي الرجل الحق في سجن زوجته وقتلها وتعنيفها وحتى قتلها إذا أراد، ومن تتزوج فهي من قبل بالتنازل، ودفع ثمن ليس له مقابل لأن الثمن حياتها وطموحاتها.

وأضافت:

وعليه كان سؤالي لعمي ماذا لو أُجبرت على الزواج؟ قال “موافقتك تعني الموافقة على قتل أحلامك، إما تموتي تحت التعذيب النفسي لأنك خسرت كل أحلامك بدون مقابل، أو تقاومي بكل الوسائل لتخلقي فرصة للحياة”.

أما أختي التي كانت اعتبرت الفستان الأبيض كفنا لها وقتلا لمستقبلها ومنعها من التعليم وحاولت الانتحار مثل خالتي ولكنها قامت بذلك قبل زواجها، عندما قامت أختي بحرق جسدها وتعرضت لحروق خطيرة، قررت عائلتي تقديمي عوضاً عنها للعريس المتقدّم للخطبة، وكنت بعمر الـ 11 عاما، لذلك قررت الهرب واللجوء إلى وزارة الداخلية وسجلت مقطع الفيديو هذا شرحت فيه للعالم كل ما مررت به، مقطع فيديو مدته دقيقتان موجه إلى عمي لإبلاغه بالضغوط التي فرضتها علي أسرتي، وشاركت مقطع الفيديو على موقع يوتيوب، وحصد 8 ملايين مشاهدة، وترجم إلى 40 لغة في ثلاثة أيام فقط.

جميع هذه الأسباب المتعددة، وعندما شعرت بقرب هذه الجريمة مني، جعلني أشعر بأنه لا بد أن أعمل المستحيل لإيقاف هذه الزيجة.

وبعدما تقدمت أسرتها بشكوى لاختطاف ابنتها، توجهت ندى، إلى وزارة الداخلية في صنعاء لطلب الحماية، وبالفعل، عاد عمها وتم إلغاء عقد الزواج.

 

هل مازالت تفاصيل ما حدث لم تُمحى من ذاكرتك؟

– صحيح لم تمح ولن تمحى، وستظل باقية مستمرة في ذاكرتي لفترة طويلة جداً، لن أنسى هذه الأحداث مهما تغيرت الحياة والأزمنة، فذاكرتي قوية وخصوصاً موت خالتي ومشاهدتها ميتة، وتذكر أختي المحروقة، وأساليب المكر والخداع التي تستخدمها العائلات لإقناع الأطفال بهذه الزيجات والمتاجرة بهم تحت ذريعة الزواج.

 

هل زواج القاصرات في اليمن ظهر نتيجة الحرب فقط؟

– للأسف زواج القاصرات مستمر حتى في البلدان المتقدمة، زواج الأطفال ظاهرة منتشرة في العالم منذ آلاف السنين، ومازال الناس تستخدمها كجزء من عادات وتقاليد العصور الظلامية والأزمنة القديمة التقليدية، وهي جزء من تخلف المجتمعات باعتبار المرأة عارا وعورة وتجلب الخطيئة ويجب سترها بالزواج لمنع خروجها عن القطيع.

 

ماذا عن كتاب “صباح الندى”؟

– أصدرت دار نشر فرنسية كتاباً لي بعنوان “ندى الصباح” وتُرجم الكتاب باللغات الفرنسية والألمانية والبولندية.

 

حدثينا عن مؤسستك التي تهدفين فيها إلى حماية الفتيات القاصرات من جحيم الزواج المبكر؟

– مؤسسة ندى لحماية الطفولة عبارة عن منظمة حقوقية معنية بحقوق الفتيات القاصرات وهي مبادرة أطلقها دولة رئيس الوزراء اليمني السابق الدكتور أحمد عبيد بن دغر، لمساعدة القاصرات على حياة آمنة وكريمة، والإسهام في التخفيف عن معانات القاصرات ونشر الوعي عن هذه الزيجات وخطورتها، وبمعيته تم إطلاق 3 برامج: الأول “ملاذات آمنة” لحماية الفتيات الهاربات من الزواج ووضعهن مع عائلات بشكل سري ومنح العائلات مساعدات مالية لحماية الفتيات ورعايتهم.

المشروع الثاني “أطفال الحروب سفراء السلام” لنشر الوعي عن خطورة زواج القاصرات وأهمية التعليم في اليمن.

المشروع الثالث: “أحلامنا تتحقق” لتعليم أكبر عدد ممكن من الفتيات للغة الانجليزية حتى يتمكنوا من إيجاد عمل من بيوتهم على شبكات الإنترنت والتواصل مع العالم. وحصدت المؤسسة جائزة “مع ومن أجل الفتيات” في لندن للعام ٢٠١٩ ضمن أفضل المنظمات الحقوقية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 

وجهي كلمة لكل من يقول إنك تحرضين الفتيات على الهروب من ذويهن؟

– بغض النظر عن مسمى تحريض، الفتيات القاصرات لا يمكن أن نقول لهن اهربن، لأنهن قاصرات وأطفال والأطفال ليس لديهم خيار الهروب ولا نتمنى لهم أن يغامروا في أمور تهدد حياتهم أكثر وتعرض حياتهم للخطر، ولكن رسالتنا إلى أولياء الأمور أرجوكم أنتم لستم آباء وأمهات اختاروكم أطفالكم، ولكن أنتم قدرهم المحتوم عليهم، فإما أن تكونوا خير آباء لهم تحمونهم مثل الأبطال المستعدين ليبيع أفئدة قلوبهم من أجل أطفالهم ليعيشوا حياة كريمة، أو في أحسن الأحوال تمنعون أن يكونوا سلعة تجارية لتغطية نفقاتكم وديونكم وبيعهم في سن مبكرة مهما كانت المسميات.

أطفالكم سوف يكبرون ويعرفون أنكم اتخذتم قرارات أيام طفولتهم، وهذه القرارات إما أن تجعل رؤوسكم مرفوعة كالأبطال أو تحت التراب وتصبحون مذمومين أمامهم ويكرهونكم طوال العمر، فكونوا خير آباء ليكونوا خير أبناء

 

لمن تدين ندى بكلمات الشكر والعرفان؟

– لكل أب وأم وعم وأخ وصديق ورفيق ساعد وساند فتيات قاصرات على إيجاد حياة كريمة أو كان جزءا من منع تجارة الأطفال بنشر الوعي والتضحية وحمى الكثير من الفتيات القاصرات.

والشكر موصول إلى عمي عبدالسلام الذي مازال إلى اليوم يحارب لمنع زواج الأطفال وحقوق الفتيات، ويحمل مشروع التغيير بالوعي ونشر الحب والسلام والتعايش.

 

هل يمكن أن تعود ندى إلى اليمن في الوقت الحالي؟

– في الوقت الحالي الأمر معقد جداً، حتى الحكومة الشرعية غير قادرة على العودة بسبب ظروف الحرب، ولكني أتمنى أن يعود اليمن إلى عظمته أيام الملكة بلقيس عندما يسمح للمرأة فيها بالحكم وتكون جزءا من القرار السياسي والاقتصادي والقانوني والتشريعي، وأتمنى أن يحدث ذلك قريباً.

 

وما طموحاتك المستقبلية؟

– طموحي أن أجد العالم كله في أمن ورخاء وبعيداً عن الصراعات السياسية والدينية، وأتمنى أن تكون كل الأوطان في العالم لكل الشعوب وأن يصبح الدين لله والوطن للجميع.

طموحي أن أغير مفاهيم الناس من فرض إرادتهم وأفكارهم بالموت والسلاح والقتل والتكفير إلى مفاهيم الحوار والنقاش والتفاوض دون استخدام القوة وسفك الدماء والانحطاط الأخلاقي الذي نراه على وسائل الإعلام.

أتمنى أن أجد العالم يتحدث عن الأفكار بحرية، والجميع يتقبل أفكار الآخرين بحرية دون تعصب أو عداء، الأرض للجميع وعلى الجميع احترام الجميع بدون تحريض أو تعنيف.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق