أشهر الجواسيس في العالم.. وأغربهم من الرجال!
تناولنا في العدد السابق الكتاب الذي يتناول قصص الجواسيس والخونة التي تستهوي العقول على اختلاف مداركها وثقافاتها، ونقتحم معها عوالم غريبة وغامضة تضج بعجائب الخلق وشذوذ النفوس.
إنه عالم المخابرات والجاسوسية، ذلك العالم المتوحش الأذرع، الغريم الصفاء والعواطف الذي لا يقر العلاقات أو الأعراف أو يضع وزناً للمشاعر، تسيّجه دائما قوانين لا تعرف الرحمة أساسها الكتمان والسرية والجرأة، ووقوده المال والنساء منذ القدم وحتى اليوم وإلى الأبد، فهو عالم التناقضات بشتى جوانبها، الذي يطوي بين أجنحته الأخطبوطية امبراطوريات وممالك، ويقيم نظما ويدحر جيوشا وأمما، ويرسم خرائط سياسية للأطماع والمصالح والنفوذ.
وهذا الكتاب يشتمل على قصص أشهر الجواسيس في العالم، ويتضمن ويحتوي على أكثر من 140 شخصية عربية وأجنبية من مختلف الدول.
وقد أخذنا شخصيات رجالية عربية أو من أصل عربي، كانت من أغرب الشخصيات الجاسوسية بالقرن العشرين.
رفعت الجمال «رأفت الهجان».. انتصار تاريخي
لم يتوقع أحد تلك العاصفة التي هبت داخل إسرائيل بحثاً وسعياً لمعرفة حقيقة الشخصية التي أعلنت المخابرات العامة المصرية عام 1988 أنها قد عاشت داخل إسرائيل لسنوات طوال أمدت خلالها جهاز المخابرات المصري بمعلومات مهمة، كما أنها شكلت وجندت داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه أكبر شبكة تجسس شهدتها منطقة الشرق الأوسط.
وكان اسم «رأفت الهجان» هو الاسم المعلن البديل للمواطن المصري المسلم «رفعت علي سليمان الجمال» ابن دمياط الذي ارتحل الى إسرائيل بتكليف من المخابرات المصرية عام 1954 حاملاً روحه على كفيه.
وحقق الجمال نجاحات باهرة وبه استطاعت المخابرات المصرية أن تثبت عملياً كذب أسطورة التألق التي تدعها إسرائيل لجهاز مخابراتها.
وفور إعلان القاهرة لهذه العملية المذهلة طالبت الصحافية الإسرائيلية «سمادر بيري» – في موضوع نشرته بجريدة يدعوت أحرونوت الإسرائيلية – آيسر هريتيل مدير المخابرات الإسرائيلية في هذا الوقت أن ينفي ما أعلنته المخابرات المصرية وأكدت لمدير المخابرات الإسرائيلية أن هذه المعلومات التي أعلنتها القاهرة تثبت تفوق المخابرات العربية المصرية في أشهر عملية تجسس داخل إسرائيل، ولمدة تقرب من العشرين عاما.
نبيه سرحان.. صحافي في إسرائيل!
صحافي مصري لجأ لإسرائيل عام 1968، فغير اسمه من «يوسف سمير» الى «نبيه سرحان» وأسماء أخرى، وتابع الملايين من الشعوب العربية برنامجاً إذاعياً كانت تبثه إسرائيل موجهاً ضد مصر والدول العربية الأخرى بعنوان «ابن الريف»، والجميع يذكر حتما أول الكلمات التي كانت تبث في ذلك البرنامج الموجه «إخواني يا ولد مصر الطيبين..».
ابنة الصحافي المصري مطربة إسرائيلية «حياة سمير» ومعه زوجتان: الأولى مصرية «ليلى إبراهيم موسى»، عاشت معه رحلة الهروب من مصر الى إسرائيل، والزوجة الثانية فلسطينية من مدينة «حلحول» «عناد رباح»، عاشت معه رحلة أخرى في إسرائيل.
وقصة «ابن الريف» غريبة، مثيرة، يصعب توقعها إلا في أفلام «الحرب السرية» الغامضة، ولكنها حقيقة عاشها صحافي مصري، اختفى 10 سنوات في إسرائيل تحت أسماء مختلفة، وقال عن نفسه إنه يهودي من أصل ليبي، حتى زيارة السادات للقدس، عندما وقف أمام الرئيس المصري الراحل السادات في مطار «بن جوريون» وقال له: «أنا هنا في إسرائيل خلف الميكروفون».
يقول في مقدمة كتابه الأخير «نبيه سرحان معهم في الغربة»:
وتجدني «أنا المصري» القاطن بين طرفي النزاع وعلى حدود مستوطنة «جيلو».. «بيت جالا»، أشاهد بأم عيني ليل نهار نيران المدافع الثقيلة والدبابات والصواريخ والمروحيات العسكرية ترمي بحممها سكان المدينة».
وقد اشترط عليه الإسرائيليون الصمت التام مدة 10 سنوات!
نايف المصطفى.. من الحب للجاسوسية!
عاش في فلسطين.. حاصره زياد، ضابط المخابرات الماكر، ولعب على أوتار فقره وأحلامه في الثراء مستغلاً ضعف ثقافته وعروبته، وكبله بخيوط الخيان دون أن يقاوم، وماغادر موضع اللقاء إلا وقد انضم لطابور الخونة العرب جاسوساً جديدا لإسرائيل.
وذات مرة.. انتهز عميل الموساد الفرصة ورسم صورة زاهية لحياة نايف، إذ تعاون معه بإخلاص دون أن يتعرض لمشاكل مع الفلسطينيين، ولكي يكون أكثر كفاءة ومهارة في عمله الجديد، كان عليه أن يخضع لتدريب فني متخصص، وهذا لن يتأتى له في الجبل، حيث المخاطر من كل جانب، وكان أن دعاه لاجتياز الحدود معه ليمكث بإسرائيل عدة أيام، حيث سيسهل لهم أن يروه.
لم يكن الأمر من البساطة بحيث يستوعبه نايف بسهولة، إذ ان أعصابه ارتجفت بشدة وهو ينصت لزياد، وغامت الرؤى في ناظريه رعبا عندما تخيل نفسه أحد رجال الموساد في الجنوب. كان الحدث بلا شك أكبر بكثير من حجم مداركه البسيطة وأحلامه الواسعة، لكن جحيم معاناته النفسية كان كزلزال عات يخلخل جذوره، ويقتلع شعيرات مقاومته التي بدت هشة ضعيفة واهنة، أمام دفقات الخوف والأحلام معاً.
كان زياد يتفرس صراعات فريسته، ويراقب عن كثب مراحل الترنح التي تسبق السقوط، وبانقضاض محموم أشل إرادته وسيطر على عقله، فالمال له بريق ساحر كالذهب، يذيب العقول فلا تقوى على مقاومته، وابن الجنوب كان ضحية الفقر والعجز والمعاناة، لذلك فما أسهل احتواءه وتصيده بواسطة أصغر متدرب في أجهزة المخابرات.
لقد كانت طقوس سقوطه بسيطة جدا وسهلة، إذ اشترط نايف لكي يتعاون معهم ألا يفضحوه يوماً ما ويعلنوا عن اسمه في سجل الخونة، وكان له شرط آخر يتعلق بالمال، وهو ألا يبخسوا عليه حقه!
نبيل النحاس.. نقطة الضعف الرهيبة!
كان نبيل يحمل ملامح والده الشامي الأشقر، وعذوبة أمه المصرية، وتميز منذ الصغر بذكاء شديد يفوق أقرانه، فتنبأ له الجميع بمستقبل مضمون ونجاح أكيد.
تخرج في كلية التجارة بجامعة القاهرة، وبدأ يشق طريقه في الحياة العملية بعد تخرجه بتفوق، تراوده طموحات كبيرة شأن كل الشباب، ولم يطل به الانتظار طويلاً، إذ سرعان ما عمل سكرتيراً في منظمة الشعوب الأفروآسيوية التي كان يرأسها الأديب يوسف السباعي، وكان عمله كتابة محاضر الجلسات والمؤتمرات على الآلة الكاتبة.. ومن خلال وظيفته وموقفه توسعت علاقاته وتشعبت، وتبلورت شخصيته الجديدة التي نضجت مع ملامح رجولته.
وبمرور الوقت، استشعر نبيل النحاس ضآلة راتبه، رغم أنه تعدى المائة جنيه، وهو مبلغ كبير جداً بالنسبة لمقاييس تلك الفترة عام 1959، فعمله المرموق كان يتطلب مظهراً حسناً وملابس أنيقة تتناسب ومكانته، الى جانب حاجته للإنفاق على معيشته وعلى ملذاته، خاصة أنه قد ارتبط بعلاقة حميمة بفتاة أفريقية من كوناكري في غينيا! كان اسمها «جونايد روتي» تعمل مراسلة صحافية لعدة صحف أفريقية وعالمية.
أكثر من إغداقه عليها بالهدايا حتى تعثرت أحواله المالية، فوجد الحل لديها لإنقاذه من تعثره عندما عرضت عليه أن يطلب إجازة من عمله بالمنظمة، والانضمام إلى إحدى وكالات الأنباء العالمية كمراسل مقابل راتب كبير مغر، وكانت أولى المهام التي أوكلت إليه السفر الى منطقة الصحراء المغربية، حتى يستطيع أن ينقل أخبار الصراع الدائر بين المملكة المغربية وموريتانيا، بشأن النفوذ على المنطقة المحصورة بينهما.. وهناك بدأت رحلته مع التجسس لصالح إسرائيل.