الفيس بوك التلصص الإلكتروني. لدواعٍ زوجية
في عصر التطور والتكنولوجيا، فرضت مواقع التواصل الاجتماعي نفسها وبقوة على سائر شرائح المجتمع، حيث شهدت انتشارها طفرة بات معها عدد المستخدمين بمئات الملايين، ولم يعد فقط الشباب مصابين بهوسها وإنما امتد الأمر الى كبار السن والنساء وحتى الأطفال، حتى أصبح هذا الأمر ظاهرة لافتة للأنظار بعد أن أثبتت الدراسات أن العرب هم الأكثر شغفا بإنشاء صفحات على هذه المواقع.
الفيسبوك.. الأول عالميًّا
من بين هذه المواقع يبرز الحضور الأكبر لموقع الفيسبوك الذي كان صاحب الحضور الطاغي، كيف لا وهناك 2.1 مليار إنسان على وجه الأرض يمتلك حسابا واحدا على الأقل على هذا الموقع الذي يعد حسب موقع ترتيب المواقع اليكسا الموقع الأول عالميا، متفوقا على كل من محرك البحث جوجل وموقع الفيديوهات الأشهر يوتيوب.
ولأن لكل وسيلة تكنولوجية جديدة جانبا إيجابيا وآخر سلبيا، بما تحمله من علم واتساع أفق رحب؛ فالفيسبوك لا يمثل لنرمين خالد والتي تعمل سكرتيرة في إحدى الجامعات سوى مجرد أداة للتواصل مع أصدقائها والاطلاع على حالتهم وصورهم ونشاطاتهم فهو برأيها لا يستحق أكثر من ثلاث ساعات أسبوعيا من وقتها الذي تفضل تمضيته في أشياء أكثر فائدة.
ومنذ انتشاره لم يرق لنرمين «التسونامي الفيسبوكي»، لكنها اضطرت مكرهة إلى الانتساب إليه بعد إلحاح أصدقائها للتواصل معهم عن كثب، فهذه الموضة الشبابية التي تلاقى إقبالا من جميع الفئات العمرية، تجاريها نرمين على طريقتها الخاصة فتقول: « أحافظ على خصوصيتي الشديدة فيه ما عدا اسمي وصورتي الشخصية وما تبقى هو معلومات وهمية، ولا أستضيف سوى معارفي وأصدقائي فقط، وارفض اي طلبات صداقة غريبة».
حذر نرمين ترده أولا الى شكوكها بمصداقية الموقع المذكور بالاحتفاظ بالخصوصية لمنع بعض المشتركين الفضوليين من التجسس عليها وتتبع أخبارها ومشاهدة صورها.
شماتة بالحبيب
سبب واحد دفع بمروة الى استخدام الفيسبوك، سبب كاد يحول حياتها الى مأساة عاطفية، عندما تخلى عنها خطيبها قبل أسابيع من موعد زفافهما وتزوج بأخرى تحت ضغوطات أهله.
وشاءت حشريتها بعد سنتين من زواج حبيبها وانقطاع أخباره عنها أن تبحث عنه في الفيسبوك عنه، فعمدت الى فتح صفحة لها تحت اسم مستعار وصورة وهمية لتحوز قبولها في صفحته.
فضول أراح مروة التي تطلع على حالة خطيبها السابق وصوره مع عائلته ومنشوراته، وتعلل هذا بالقول: «ليس لأني ما زلت أحبه، بل على العكس، فكراهيتي له دفعتني الى متابعة أخباره لأتلمس في ملامحه التعاسة التي يعيشها مع زوجته».
سارة… مدمنة
لا تخفي سارة إدمانها على الفيسبوك وقضائها ساعات طويلة في صفحاته، فهي تفتح شاشة الكمبيوتر قبل أن تفتح عينيها بشكل كامل، لتتفقد صندوق رسائلها وتعليقات أصدقائها قبل أن تتجهز لعملها.
فدنيا الفيسبوك يتيح لسارة عالما واسعا من التواصل والتعارف ومساحة حرة للتعبير عن آرائها عن كل ما يدور حولها، وحول هذا تقول: «خلال دقائق يمكنني معرفة مزاج أصدقائي، وكيف يقضون أيامهم وأين يسهرون».
ورغم أن موقع الفيسبوك يسجل 500 حساب جديد تنشأ كل دقيقة حول العالم، بدأ في طرح المعلومات المتعلقة بأعضائه علنا على محركات البحث على الانترنت مثل «جوجل وياهو»، وهو الأمر الذي أزعج كثيرا من المتصفحين له، مطالبين بخصوصيتهم في إخفاء بياناتهم الشخصية.
إلا أن سارة لا تبالي بهذا الأمر، قائلة: «مادام انه لن يضرني، بل على العكس، سيتمكن أكبر عدد من أصدقائي ومعارفي من التواصل معي».
القضاء على الملل
الفيسبوك هو العائلة الثانية لأماني البزم والتي تدرس في إحدى الجامعات، فهي تمضي ساعات طويلة في محادثة أصدقائها وتبادل التعليقات والاقتراحات في الصفحات الأدبية لكتاب وشعراء، خصوصا أنها متزوجة منذ ثلاث سنوات ولم ترزق بأولاد بعد، وعن هذا تقول:
«أستعيض بالفيسبوك لملء الفراغ القاتل في حياتي».
وقد منحت امانى الفيسبوك لقب موقع « لمّ الشمل « بعد أن مكنها من الالتقاء بأشخاص حالت الظروف الحياتية دون اللقاء بهم، بينهم زملاء سابقون في الدراسة وأقارب، موضحة بالقول: « استطعنا أن نعود باتصالاتنا وصداقتنا الى قديم عهدنا في العالم الحقيقي».
ويجمع خبراء الاتصالات والتكنولوجيا على أن الفيسبوك ينتهك بعض خصوصيات الفرد… لكنه جانب يشكل نافذة لهيام في القضاء على مللها وتوسيع دائرة أصدقائها «أتسلى في كثير من الأوقات بالدخول على صفحات آخرين، لا أتواجد على صفحتهم،فأشاهد صورهم ومنشوراتهم، واطلع على حالتهم، وأقرر وقتها إذا ما سأستضيفهم على صفحتي».
باب للرزق
وفيما تستفيد أماني من الشاشة الالكترونية في توسيع دائرة أصدقائها، وجد تامر حسين فيها وسيلة لتوفير الجهد والمال، يقول:
«أستخدمه يوميا لإتمام عملي في احد المواقع الالكترونية الإخبارية، ولا اظهر فيه إلا صورتي الشخصية واسمي، فيما أخفى بقية المعلومات الشخصية عنى، لان تلك المعلومات غير قابلة للزوال ويحفظ نسخات منها عن المقيمين على الموقع».
ويبرر تامر إخفاء هويته لقطع الطريق على عالم التجسس فيه رغم انه نفسه استخدم هذا الأسلوب في بعض المرات عبر هويات مستعارة لأروى فضولي في معرفة أخبار خصومي أو أشخاص يهمني أمرهم.
إحصائيات مخيفة
ويوضح الدكتور رائد علي أن الثقة في التعامل مع الانترنت ليس في مكانه، وانه أذا ما كان الشخص خبيرا متعرفا على خبايا العمل فانه لا محالة معرض للتطفل والتلصص من قبل الكثيرين، حتى وان ادعى الثقة بإمكانياته، فالحيل لا تنتهي والبرامج الاختراقية لا نهاية لها، وكلما وجدت طريقة للحماية وجدت مئات الطرق للتلصص، حيث تشير إحصائيات غير رسمية الى تعرض واحد من كل خمسة أشخاص يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي الى الاختراق، ويتقدم الدكتور علي بعدد من النصائح لمرتادي مواقع التواصل الاجتماعي عموما والفيسبوك خصوصا، بألا يتعاملوا مع الموقع على انه غرفتهم الخاصة التي يحفظون فيها كل أسرارهم، بل هي مكان اقرب الى الشارع، لا يمكن أن يكون فيها سر مطلقا، وخصوصا النساء لأنهن الأكثر عرضة لمحاولات التلصص والتطفل، وعليه لا بد أن نقبل من نعرفهم فقط، وألا نقبل أي روابط من احد، وان لا يقوموا بنشر صور خاصة لهم إن كانوا يخشون انتشارها وسرقتها، وان لا يتبادلوا خلال الأحاديث الخاصة أي معلومات خطيرة أو سرية فكل ذلك عرضة للاطلاع من قبل آخرين دون أن نتمكن من اكتشاف ذلك مما قد يعرض البعض لكثير من المشكلات الحساسة.
علم الاجتماع يحذر
ورغم الإيجابيات الكثيرة للفيسبوك التي يعترف بها اختصاصيو شبكة الانترنت وعلماء الاجتماع، إلا أن الدكتورة نازك خليل تتوجسس منه وتعتبره نافذة للتجسس على الحياة الخاصة للناس.
وتشير الدكتورة خليل الى أنه في الوقت الذي قد يقع البعض ضحية استطلاعات رأي عن بعض الخدمات يكون قد تم استغلاله في هذه الإحصاءات من حيث معرفة ماذا يستهلك الناس مثلا وما الشركات المحببة لهم لأغراض تجارية.
ومن ثم يتم بيع هذه المعلومات الى شركات مقابل مادي، وترى انه يتسبب في انعزال الأشخاص في عالم افتراضي من دون وجود أصدقاء حقيقيين في ارض الواقع، محذرة من مخاطر الإدمان على هذه المواقع الكثيرة والتي لا نعرف منها سوى الشائع، ليتحول عالمنا بالنهاية الى عالم الكتروني كل شيء فيه مزيف.
«أسرتي» في كل مكان
فلسطين – عبدالله عمر