المخترع الذي حوّل الزجاج إلى ألماس Swarovski من عازف كمان فاشل إلى سيد البلور العالمي
تعتبر مجوهرات سواروفسكي الكريستالية البراقة من أهم الإكسسوارات المحببة لدى الشابات والسيدات اللاتي يعشقن الأناقة الاستثنائية والفخامة الفريدة، ولم لا وقد استطاع سواروفسكي مؤسس تلك العلامة التجارية بفضل اختراعاته أن يحول الزجاج إلى ماس، وأن يُمكّن أي سيدة من أن ترتدي ما تريد لتواكب أحدث صيحات الموضة.
وإذا كنا نتحدث هنا عن مجوهرات سواروفسكي، فنحن نتحدث عن جزء صغير من عالم تلك العلامة التجارية الرحب الذي استطاع على مدار ما يزيد على قرن من الزمان أن يتوسع ويتحدى كل الأزمات الاقتصادية العنيفة التي شهدها العالم خلال تلك الفترة الزمنية ومنها وباء كورونا الذي أطاح بعشرات الماركات العالمية الأخرى.
ولكي نعرف السر في نجاح تلك العلامة التجارية التي أنشئتتمنذ أكثر من 120 عاماً، علينا أولا أن نبدأ بقصة مؤسس العلامة دانييل شواتز الذي حمل لاحقاً اسم (سواروفسكي) والتي بدأت من مدينة واتينز بالنمسا عام 1895.
عمل مع والده في إدارة ورشته لتقطيع الزجاج
ولد دانييل سواروفسكي سنة 1862 في جمهورية التشيك التي كانت تعرف آنذاك باسم “بوهيميا” لأب يعمل في ورشة يمتلكها لتقطيع الزجاج على غرار بقية سكان قريته “جورجنتال” التي كانت تشتهر ولا تزال بصناعة الزجاج والمرايا.
انتقل في العشرينيات من عمره إلى باريس لدراسة الهندسة التي غيّرت مسار حياته بالكامل
من عازف كمان فاشل إلى سيد البلور العالمي
كان سواروفسكي الشاب يحلم بأن يصبح موسيقيا، وعازف “كمان”، لكنه فشل في تحقيق حلمه، ومن ثم عمل مع والده في إدارة ورشته لينتقل في العشرينيات من عمره إلى باريس لدراسة الهندسة التي غيرت مسار حياته بالكامل.
ففي عام 1883 حضر سواروفسكي فعاليات المعرض العالمي الكهروتقني “International Electric” واطلع هناك على العديد من التكنولوجيات والاختراعات الحديثة في تلك الفترة، واكتشف إمكانية استخدام الكهرباء في طحن الزجاج، هذه التقنية الجديدة من نوعها، والتي كانت سبب إلهامه لتحويل الزجاج إلى ألماس.
بعد ما يقارب عشر سنوات من البحث والدراسة المتواصلة، تمكن الشاب من اختراع أول طاحونة كهربائية، يمكنها قص وصقل وتلميع كمية كبيرة من والزجاج والبلورات بجودة فائقة مكنته لاحقاً من الحصول على براءة الاختراع.
كوكو شانيل.. ومارلين مونرو
لم يرغب سواروفسكي في العودة إلى قريته من جديد خوفاً من المنافسة، واستنساخ تقنيته الجديدة، فقرر الذهاب إلى بلدة واتينز في جبال الألب النمساوية وكان ذلك في عام 1895، وقرر الخوض في تجربة ريادة الأعمال، حيث أسس بالتعاون مع صهره الذي مول المشروع “فانز فايس كوزمان” شركة لإنتاج مجوهرات وإكسسوارات من الزجاج، وأحجار الراين، وتحويلها إلى بلورات من الكريستال والألماس أطلقوا عليها اسم “سي أو كي إس”.
كان حلم سواروفسكي أن يحول الزجاج إلى ماس يمكن أن ترتديه كل الفتيات والنساء، وحدد لمنتجات شركته أسعاراً مناسبة للجميع ليضمن انتشارها بسرعة وينافس بها الألماس الحقيقي، الذي كان يقتصر شراؤه في ذلك الوقت على فئة من الأثرياء فقط.
نجحت الشركة بعد فترة قصيرة في الانتشار بشكل لم يكن متوقعا وتحولت إكسسواراته إلى موضة العصر، بل وتم إدخال كريستال سواروفسكي في صناعة الأزياء الراقية والشاشات الفضية، وكانت المادة الجديدة مصدر إلهام كبير لمصممة الأزياء العالمية كوكو شانيل، كما ظهرت مجوهرات الشركة في أفلام هوليوود، ومنها فيلم “جنتلمان بريفر بلوندز” والذي كانت بطلته النجمة مارلين مونرو.
من شركة «سي أو كي إس» إلى إمبراطورية «سواروفسكي»
زاد الطلب بشكل كبير على منتجات الشركة التي أصبحت تنافس كبرى شركات تصميم المجوهرات، وأدى ذلك بطبيعة الحال إلى التوسع في أعمالها وبالتالي في زيادة عدد موظفيها، وتم تغيير اسم الشركة من “سي أو كي إس” إلى “سواروفسكي” لتبدأ مرحلة النشاط الحقيقي في عام 1908 حيث انضم ثلاثة من أبناء سواروفسكي الأب إلى الشركة لتتحول إلى مؤسسة عائلية.
بلورة السعد
بدأ الأبناء الثلاثة مع والدهم بتطوير تقنية طحن الزجاج وتجربة طرق جديدة أكثر فاعلية لإنتاج أنواع خاصة من الكريستال النقي، وذلك بسرية تامة في ورشة عمل تم بناؤها خصوصا لهذا الغرض بالقرب من فيلا الأسرة، وبعد سنوات من العمل الشاق استطاع سواروفسكي للمرة الثانية وتحديداً في العام 1913 أن يعثر على اوصفةب سحرية لاتزال سرية حتى الآن لإنتاج بلورة خالية من العيوب كانت هي فأل السعد على الشركة.
ويرجح البعض أن ما يجعل كريستال اسواروفسكيب مختلفاً عن كل ما عداه، هو انخفاض مستوى أوكسيد الرصاص بما لا يتجاوز 32% كحد أدنى، وهو ما يجعلها إلى درجة عالية من النقاء والشفافية.
في عام 1956 أنشأ سواروفسكي أورورا بورياليس، وهو تأثير بلوري سمي باسم طيف قوس قزح المتلألئ من الأضواء الشمالية، كان للون الكريستال وأوجهه المتعددة الألوان أن لفت انتباه كريستيان ديور، الذي استخدمه للتطريز اليدوي لإبداعاته الرائعة، التي يوجد الكثير منها في أرشيف سواروفسكي.
وفي عام 1929 قام سواروفسكي بتأسيس قسم بالشركة مختص بإنتاج العاكسات الزجاجية الخاصة بالسيارات. فيما نجح في إنتاج مواد الكشط في شركة سواروفسكي خلال فترة الحرب العالمية الأولى، وبعد انتهائها بعدة سنوات بدأ في صناعة وإنتاج الأدوات البصرية، مثل التلسكوب والعدسات والمناظير.
ولم تتوقف الشركة عند هذا الحد من التقنية والإتقان، بل قامت بإنتاج بلورات الكريستال التي تسمح بكسر الضوء في طيف قوس قزح عن طريق تغطيتها بتلبيسات معدنية كيميائية خاصة، يقوم بها عمال محترفون يتم تدريبهم بشكل عالي المستوى حتى أصبحت تنتج الآن نحو 80% من جميع الأحجار المستخدمة في المجوهرات عالية الجودة من مقر “سواروفسكي”.
في 1965 أطلقت الشركة مجموعة للثريات المميزة التي ظهرت في الفيلم الأميركي الشهير «The Phantom of The Opera»
إمبراطورية الزجاج التي أكسبها المليارات والسمعة
استمرت “سواروفسكي” في تطوير نفسها والتوسع في إنتاجها حتى أصبحت أحد أكثر الأعمال التجارية العالمية تحقيقا للأرباح، حيث يصل عدد فروعها إلى ما يقارب الـ 2800 متجر في 170 دولة، ويعمل لديها أكثر من 27 ألف موظف، أما عائداتها فبلغت نحو 4 مليارات دولار (2.87 مليار يورو) عام 2016 رغم أنها لا تزال عائلية.
توفي دانييل سواروفسكي سنة 1956 ولكن أبناءه استطاعوا أن يحافظوا على نجاحات الشركة المتتالية بحيث تنوعت في إنتاجها الذي شمل مجالات عدة، ففي 1965 أطلقت مجموعة للثريات المميزة التي ظهرت في الفيلم الأميركي الشهير “The Phantom of The Opera”.
وتنقسم الشركة إلى ثلاثة مجالات صناعية رئيسية وهي (سواروفسكي كريستال بيزنيس)، وتنتج المجوهرات والإكسسوارات من الزجاج الرصاصي (أو مجوهرات الرصاص). و(سواروفسكي أوبتيك)، وتصنع الأدوات البصرية مثل التلسكوبات والتلسكوبات البصرية التي تستخدم في البنادق والمناظير، أما الفرع الثالث فهو (تايروليت) ومخصص في صناعة أدوات الطحن والنشر والحفر، وتعمل كمورد للأدوات والآلات.
وعادة ما يتم وضع علامة الشعار على جميع المنحوتات، والشعار الأصلي لعلامة سواروفسكي هو زهرة “إديلويس” حتى تم استبداله في عام 1988 بشعار “البجعة” الحالي.
بلورات الكريستال النشطة وشراكات تكنولوجية متنوعة
وخلال النصف الثاني من الألفية الثالثة عقدت سواروفسكي عددا من الاتفاقات مع شركات تكنولوجية عملاقة لإنتاج مجموعة من البلورات النشطة التي يستخدمونها في إنتاج تقنيات عالية الدقة منها شركة فيليبس وسامسونج وغيرهما.
سواروفسكي إنسبروك
وتعرض سواروفسكي في واحد من أقدم المباني في إنسبروك مجموعة من المنتجات المتعددة الأوجه تشمل منتجات كريستالية ذات تصميم فريد والديكورات الداخلية، والمجوهرات والموضات.
تتضمن المجموعة الأنيقة قطعا من المجوهرات من سواروفسكي، وإكسسوارات وقطعا فنية كريستالية من خط دانييل سواروفسكي في باريس وكذلك تماثيل كريستالية صغيرة من مجموعتي “كريستال سيلفر سواروفسكي” و”كريستال مومينتز”.
فستان مارلين مونرو المرصع بحبات سواروفسكي
في عام 1962 ظهرت مارلين مونرو في عيد ميلاد الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي بواحد من أهم الفساتين التي ارتدتها قبل انتحارها، حيث كان مرصعا بالآلاف من حبات كريستال سواروفسكي المحاكة يدوياً بمنتهى العناية والدقة، وقد بيع الفستان في مزاد علنيتفي لوس أنجيليس بـ 4.8 ملايين دولار أميركي.
ديكورات سواروفسكي
لم يقتصر عمل ماركة “سواروفسكي” على الأزياء فقط، بل امتدت يد العاملين أيضا لديكورات المنزل، وقد تمكنت الشركة من تقديم العديد من الديكورات الرائعة والمميزة للمنزل الحديث والمنزل الكلاسيكي، فعلى سبيل المثال قدمت تعاونا مشتركا مع شركة ستائر سيدار الشهيرة، وقد نتج عنه مجموعة خيالية من الستائر المرصعة بالكريستالات، هذا فضلاً عن أنها تمكنت أيضا من تقديم العديد من أشكال النجف والإضاءات الحديثة، منها ما يتناسب مع الديكور الكلاسيكي، ومنها ما يتناسب مع الديكور الحديث، وامتازت تصميماتها بالاعتماد على أجود الخامات التي تظهر جمال لمعة الكريستال.