بائعة الخضار.. وبنت الطبقة المهمّشة.. واللاجئة مـن قـاع المجتمعـات.. إلى قـمـة المنـاصـب
من قاع المجتمعات.. إلى قمة المناصب.. منهن بائعة الخضار.. وبنت الطبقة المهمّشة.. واللاجئة.. كن في مجتمعاتهن نساء عاديات، ولدن ونشأت في ظروف لا يمكن التنبؤ بمستقبل من عاش فيها.. لكنهن استطعن الوصول إلى مناصب غير عادية، وبرزن كنجمات في سماء 2022 وتحديدا في عالم السياسة.
جورجيا ميلوني.. أول امرأة ترأس حكومة إيطاليا..
رغم أن والدها مهرب مخدرات وسُجن تسع سنوات!
جورجيا ميلوني تدخل التاريخ من أوسع أبوابه
من العمل في سوق خضار شعبي، ومربية للأطفال، وساقية في حانة إلى أصغر وزيرة ثم التربع على سدة حكم إيطاليا، ومن ثم تحقيق إنجاز استعصى لعقود على اليمين المتطرف.
جورجيا ميلوني (45 عاماً)، صحافية وسياسية وزعيمة حزب “إخوة إيطاليا” تدخل التاريخ من أوسع أبوابه، كونها أصبحت أول امرأة ترأس حكومة إيطاليا عبر التاريخ، كما أصبحت أول رئيسة يمينية متطرفة، لرابع أكبر اقتصاد في أوروبا.
ولدت جورجيا ميلوني في روما عام 1977 عاشت طفولة صعبة في ضواحي العاصمة الإيطالية بعدما تخلى عنها والدها، لتترعرع على يد والدتها اليمينية الهوى، قبل أن تنتقل إلى منطقة غارباتيللا، للعيش مع جدتها لوالدتها، ونظراً لغياب الوالد، اضطرت الأم إلى الجمع بين عدد من الوظائف لتغطية نفقات تربية ابنتيها، مما جعل ميلوني تحذو حذو أمها فيما بعد أيضا، فعندما كانت مراهقة عملت في سوق بالحي عبر محل صغير لبيع الخضراوات، ثم انتقلت للعمل مربية أطفال، ومن ثم ساقية في حانة.
وكشفت جورجيا ميلوني عن أنها لم تتواصل مع والدها منذ عقود، بعد أن تبين أنه أدين بتهريب المخدرات، وحُكم عليه بالسجن تسع سنوات في سجن إسباني. حيث إنها توقفت عن رؤية والدها عندما كانت تبلغ من العمر 11 عاماً ولم تعد على اتصال به.
عام 1995 أصبحت عضوة في “حزب التحالف الوطني”، وهو الحزب ذو التوجه الفاشي، وفي عام 2006، وعن 29 عاماً، أصبحت ميلوني أصغر نائب رئيس لمجلس النواب الإيطالي إطلاقا، بعد ذلك بعامين عيّنت وزيرة للشباب في حكومة سيلفيو برلسكوني.
في الـ 32 من عمرها، اندمج حزب برلسكوني مع مجموعة يمين الوسط “فورزا إيطاليا”، وتم إنشاء مجموعة جديدة باسم “شعب الحرية”، أصبحت ميلوني رئيسة قسم الشباب فيها.
وعلى مدى السنوات اللاحقة تبنت مواقف متشددة للغاية من الشذوذ الجنسي والزواج من نفس الجنس والهجرة، ورفعت شعار “الله، الوطن، العائلة” الماثل في أذهان كثيرين ممن عايشوا الحرب العالمية الثانية وتبعاتها.
منذ الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة في أعقاب سقوط حكومة رئيس الوزراء ماريو دراجي، تصدرت ميلوني عناوين الصحف بملاحظاتها المثيرة للجدل.
وقبل إجراء الانتخابات العامة المبكرة عام 2022، تم الاتفاق بين تحالف يمين الوسط على أن يتم تقديم زعيم الحزب الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات مرشحاً لرئاسة الوزراء، وهو المنصب الذي حصلت عليه ميلوني بقوة.
في عام 2021، نشرت ميلوني كتابها “أنا جورجيا.. جذوري، أفكاري”، الذي أشادت فيه بقادة إيطاليين، مثل بيتينو كراكسي وسيلفيو برلسكوني، لوقوفهم في وجه الولايات المتحدة من وجهة نظرها.
دروبادي مورمو..
أول امرأة تتولى الرئاسة في الهند
سطرت الهند فصلاً تاريخياً جديداً بانتخابها أخيراً رئيس جمهوريتها الخامس عشر، حيث أدت دروبادي مورمو اليمين الدستورية لأعلى منصب دستوري في البلاد، سجلت بضع سوابق لافتة، إذ نجحت مورمو في كسر السقف الزجاجي للمرة الأولى عندما أصبحت أول شخص مولود بعد الاستقلال والأصغر سناً يشغل المنصب الأعلى للبلاد. ثم إنه، بجانب كونها ثانية رئيسة للهند، باتت مورمو أول رئيس من أبناء المجتمعات القبلية الأصلية، التي تعاني من التهميش رغم كونها تشكل قرابة 10% من إجمالي سكان الهند.
الانتقال من منزل طيني إلى قصر رئاسي فخم، يضم 376 غرفة، يمثل رحلة طويلة للرئيسة مورمو، التي أمضت طفولتها في منزل من الطين بقرية نائية في ولاية أوديشا (أوريسا سابقاً) الساحلية بشرق الهند. وبالنظر إلى انتماء مورمو إلى أسرة قبلية وافتقارها إلى ما يكفي من الموارد في حياتها، تبدو مسيرة انتقالها من قرية صغيرة فقيرة في ولاية أوديشا الصغيرة إلى رئاسة الهند… رحلة غير مسبوقة.
ولدت دروبادي مورمو، يوم 20 يونيو 1958، لأسرة فلاحية فقيرة جداً، اضطرت مورمو إلى الرحيل عن قريتها وهي لا تزال في السنة الدراسية السابعة. لكنها بمساعدة أقارب لها، تمكنت من إنجاز تعليمها المدرسي في مدينة بهوبانيسوار، عاصمة أوديشا، ثم التحقت بجامعة راما ديفي للنساء.
بدأ نجمها يصعد مع انطلاق مسيرتها السياسية، إذ دخلت مورمو المجلس المحلي في قضاء رايرانغبور (الذي تتبعه قريتها) في ولاية أوديشا عام 1997. وبعدها فازت في دورتي انتخاب متتاليتين لعضوية البرلمان (المجلس التشريعي) في أوديشا عامي 2000 و2004، مرشّحة عن حزب بهاراتيا جاناتا.
مورمو لم تخض الانتخابات لفترة، عانت خلالها من سلسلة من المآسي والمحن الشخصية، على رأسها وفاة ابنيها (أحدهما عام 2009 في ظروف غامضة، والآخر في حادث سير عام 2013)، ووفاة زوجها جراء إصابته بنوبة قلبية عام 2014. وإضافة لذلك، فقدت والدتها وأحد أشقائها بين عامي 2009 و2015. ولكن، على الرغم من جميع هذه المآسي، تمكنت مورمو من النهوض من جديد والمضي قدماً في حياتها وعملها السياسي، وبالذات نشاطها الحزبي. لقد وجدت مورمو العزاء في الانغماس بالروحانيات والخدمة العامة. وكانت أخبرت صديقة لها أنه لولا تفاعلها مع الناس والتعرف إلى معاناتهم اليومية، لكان الاكتئاب قضى عليها.
تتميز شخصية مورمو بالحزم والقوة، وأيضا بالبساطة الشديدة. فهي – وسط معاناتها الشخصية – أغرقت نفسها في العمل، وعملت بجد من أجل توفير الرعاية لآلاف الأطفال المعوزين، ونشطت كثيراً في مجال الرعاية الاجتماعية، عاملة على توفير الموارد المائية لمناطق معرضة للجفاف وبناء مدارس ومراكز صحية، علاوة على دعم منشآت تتعلق بمجال الدعم.
من ناحية أخرى، لم تُلهم رحلة مورمو النساء فحسب، بل ألهمت أيضا الأقليات الأخرى.
أميناتا تورى.. أول امرأة إفريقية في حكومة ولاية ألمانية
ولدت أميناتا توري في مأوى للاجئين في ألمانيا، حيث عانت وعائلتها من سياسة اللجوء الألمانية، وأصبحت أصغر نائبة لرئيس برلمان ولاية ألمانية. اليوم هي أول امرأة إفريقية في حكومة ولاية ألمانية.
أميناتا توري (29 عاما)، من حزب الخضر المعني بالبيئة، وهو من الأحزاب المسيحية الديمقراطية بألمانيا، وخطفت الأنظار إليها سابقا بمشاركتها متحدثة في إحدى الفعاليات مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في برلين عام 2019.
وروت كيف نشأت في مخيم للاجئين، متسائلة عما إذا كانت أصوات مثل صوتها ستمثل في السياسة الألمانية، ومن هنا استوحت دوافعها، وقررت الترشح لمنصب حاكم الولاية أيضا.
قالت أميناتا لوسائل الإعلام: أقدر ما فعلته أمي لنا؛ حيث إن أبي غادرنا في يوم من الأيام، ولم يعد يتواصل معنا، منذ أن كان عمري 12 أو 13 عاما، أما أمي فقد استمرت بالكفاح حتى أوصلتنا نحن الشقيقات الأربع لبر الأمان، قد يعتقد البعض أنني أبالغ في عواطفي، ولكن هذا ما أردده دائما فوالدتي كانت دوما مصدر إلهامي وتحفيزي.
أميناتا توري، في طفولتها ومراهقتها وحتى في شبابها كانت تعاني من العنصرية والإقصاء، وقالت: إذا كان الشخص ذا بشرة سمراء فهو مُعرض للاتهامات بالغباء، أو أنه أقل موهبة، أو أنه غير قادر على إنجاز المهام، واجهت عدة تحديات، وكانت مقتنعة تماما بأن بإمكانها، فعل ما يمكن الآخرون فعله، ولهذا السبب قررت التوجه للسياسة.
وقالت توري: إن هناك 70 ولاية ألمانية لم يشغل في أي منها شخص أسود منصب وزير في الحكومة الاتحادية، ولأول مرة تعين وزيرة ببشرة سمراء من أصول مالية في حكومة ولاية ألمانية.