تحقيقات
أخر الأخبار

بدأت من سيوة.. وانتهت بعلامة تجارية بروح إنسانية نيفين التمان.. قصة نجاح مُطرّزة بحكايات الواحات


لم تكن لتعرف الشابة نيفين التمان أن رحلتها إلى تلك الواحة البعيدة ستغير حياتها وحياة مئات الحرفيات من السيدات اللاتي ساعدت أناملهن على الحفاظ على حرفة التطريز اليدوي الذي تميزت بها واحتهن من الانقراض، رحلة يمكن لنا أن نسميها بالفعل رحلة العمر التي بدأت في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.

لم تكن تعرف أن رحلتها إلى الواحة ستغير حياتها وحياة مئات الحرفيات

تبدأ رحلة التمان في 1988 ذلك التاريخ الذي يعد فارقا في حياتها وحياة أهل واحة سيوة التي عشقتها وعشقت كل ما فيها ولم تشأ أن تتركها إلا بعد أن اختمرت في رأسها فكرة الحفاظ على حرفة التطريز التي كادت تنقرض من ناحية ومساعدة نساء وبنات الواحة على كسب لقمة العيش من ناحية أخرى وبالفعل تحولت الفكرة إلى علامة نيفين التمان التي لا يمكن ان نعتبرها تجارية فقط بل وإنسانية بلا منازع.
ولم تكن الرحلة بالسهولة التي نتخيلها ففي تلك الفترة كان الوصول إلى الواحة التي تقع على الحدود المصرية- الليبية غاية في الصعوبة ليس فقط بسبب بعد المكان، بل أيضا بسبب التصريحات العسكرية المطلوبة لذلك ولكن إصرار التمان مكنها في النهاية من الوصول إلى غايتها.

ابنة التسعة أشهر برفقة أمها في سلة الغسيل!
بعد حصولها على التصريح المطلوب اصطحبت التمان ابنتها ذات التسعة أشهر في رحلتها الشاقة إلى الواحة، حيث اضطرت بسبب عدم توافر مقاعد الأمان الخاصة بالأطفال في مصر آنذاك إلى وضعها في سلة غسيل مبطنة جيدًا في المقعد الأمامي لسيارتها رباعية الدفع التي انطلقت نحو المستقبل المشرق لها ولعلامتها التجارية ولنسوة الواحة.
وصلت الفتاة الشابة المفعمة بالحياة إلى سكون الواحة التي لم تكن قد وصلتها الكهرباء، حيث كانت تستيقظ يوميا على ضوء أشعة الشمس وأصوات عجلات العربات التي تجرها الحمير وصرير الصراصير المتواصل الممتزج برائحة أشجار الزيتون والنخيل والخبز الطازج.

كانت تبهرها التطريزات اليدوية الملونة في الشالات التي كانت ترتديها النساء في الواحات!

كانت التمان التي عشقت الواحة تجلس لساعات طويلة تراقب الحياة اليومية لمن حولها بكل تفاصيلها وألوانها وشخوصها، كانت تبهرها التطريزات اليدوية الملونة التي كانت تزين الايشاربات والشالات التي كانت ترتديها النساء هناك، تطريزات رائعة، ولكن كيف يمكن الحفاظ عليها من الانقراض حالها حال الكثير من الحرف اليدوية التي تميزت بها مصر، هذا هو السؤال الذي خطر بالقطع على بال التمان التي أحست بالمسؤولية تجاه إحياء تلك الحرفة وشجعت النساء على تعلمها، حيث قامت بتوفير القماش والخيط لهن ووعدت بشراء إنتاجهن في حال كان بالمستوى المطلوب.

تواصلت مع نساء في مناطق مختلفة بمصر.. وتضم الشركة الآن أكثر من 500 امرأة!

وكانت المفاجأة الكبرى تنتظر المصممة في زيارتها التالية التي قامت بها بعد بضعة أشهر، حيث قامت شابة واحدة فقط من بنات الواحة بتطريز قطعة جميلة بعد ان طلبت من والدتها وجدتها رؤية سر الحرفة القديمة ومن هنا بدأت قصة إعادة قبلة الحياة لحرفة التطريز السيوية ولولادة علامة التمان التجارية ولإعالة مئات الأسر من خلال تمكين النساء اللاتي يتقن الصنعة من العمل والكسب المشروع.
فتلك الفتاة استطاعت أن تعلم سيدات أخريات منهن جيرانها وأخواتها وأبناء عمومتها فن التطريز الذي تعلمته لتتسع الدائرة بمساعدة التمان، حيث قمن معا بإنشاء مجموعات من النساء اللواتي تعلمن هذه الحرفة.

ولم تكن واحة سيوة هي الوحيدة التي استهدفتها المصممة، بل هناك مناطق أخرى مماثلة سافرت إليها بعد نجاح التجربة في سيوة، حيث تواصلت مع نساء في مناطق مختلفة من مصر من بينها سيناء وصعيد مصر وأنشأت مجموعات أخرى من النساء اللواتي يطرزن علامة نيفين التمان التجارية وتضم الشركة الآن أكثر من 500 امرأة.
وتقول المصممة إنها تستخدم الخامات المحلية الأعلى جودة التي تقوم باختيارها بنفسها، حيث تهتم دائما باختيار الخامات الطبيعية كالأقطان والأقمشة الطبيعية 100%. وأيضا تقوم باستخدام أعلى أنواع الجلود الطبيعية الناعمة التي يضاف إليها أقل نسبة من الكيماويات وأجود أنواع الجلد الصناعي.
وتضيف أنها تستخدم أجود أنواع الخيوط الطبيعية التي تتميز بالجودة العالية وثبات الألوان، فهناك قطع صممتها منذ أكثر من 23 سنة ولاتزال على نفس الحال من حيث ثبات الألوان وجودة الخامات وكأن الزمن لم يمر عليها (وكأنها قد تم الانتهاء من تجهيزها بالأمس).
وعن أنواع التطريزات التي تستخدمها التمان، قالت “لدينا العديد من التطريزات منها التقليدية ومنها التطريزات الخاصة بنا” التي قامت المصممة بتصميمها بنفسها.
وأشارت “أولا تطريز أهل سيوة هو أول تطريز بدأنا به وكان ذلك عام 1988، ثم أضفنا تطريزا تقليديا آخر من شمال سيناء لم يقتصر الأمر على التطريز بالخيوط فقط ولكن أيضا مع شغل الخرز”. ومع الوقت أضافت المصممة نيفين التطريز الفلاحي وهو تطريز معاصر لأهل الدلتا حيث حولت حياة الفلاح اليومية إلى رسومات تقوم برسمها بنفسها على القماش ثم يطرز عليها، ويعد التطريز الفلاحي من أهم التطريزات التي تتميز بها علامة نيفين التمان التجارية، ويعد هذا النوع من الفن تصميما خاصا جدا وأساسيا لدى العلامة.

عند الانتهاء من الرسم على القماش يتم إرساله مع الخيوط إلى منازل السيدات اللاتي يقمن بالتطريز

ولم تتوقف المصممة عند هذا الحد فقط بل اضافت إلى ما سبق ذكره تطريزات أخرى خاصة بها كتطريز النجمة والعصفورة وتطريز أسوان التي استوحته من خلال زياراتها إلى هناك.
وقالت: عملنا لا ينتهي فقط عند التطريز. فنحن مسؤولون عن اختيار القماش وقصه وتقفيله لتناسب القطعة التي سيضاف إليها، وإضافة اللمسات الجمالية كالدندوشة التي أصبحت من أهم ما يميز منتجاتنا وأصبحت تمثل جزءا كبيرا من عملنا. وأيضا نحن نقوم بصناعة العرائس، الكبير والصغير منها كعرائس الأصبع والتي تمثل شخصيات مختلفة وتقوم بصنعها المصممة نيفين بنفسها.

وعن الوقت الذي تستغرقه كل قطعة أثناء تنفيذها، قالت انه من الصعب معرفة المدة التي تحتاج إليها القطعة الواحدة لتصبح جاهزة، لأن كل قطعة تمر بمراحل عديدة فأولا نقوم باختيار الخامات المناسبة ثم نبدأ في مرحلة التصميم ومن ثم نقوم بتحديد نوع التطريز المناسب لكل قطعة ونقوم بالبدء بتجهيز القطعة وقص القماش والرسم عليه وعند الانتهاء من الرسم عليه، يتم إرسال القماش والخيوط إلى منازل السيدات اللاتي يقمن بالتطريز ولا نقوم بتحديد وقت معين للسيدات للانتهاء من القطعة، فنحن نحرص على أن تأخذ كل سيدة المدة التي تحتاج إليها للانتهاء.
وأضافت: نحن نقدر الظروف المختلفة لكل سيدة، وحين انتهاء السيدات من التطريز، نقوم بالمراجعة على جودة التطريز وتنسيق التصاميم مع القطع المطلوب إنتاجها وإضافة اللمسات الأخيرة على القطعة مثل إضافة الدناديش ومثال على ذلك الشال الفلاحي المعاصر الذي قد يستغرق العمل على الشال الواحد منه مدة تتراوح بين 3 و4 أشهر.
يعد شهر رمضان والأعياد من أكثر الأوقات إقبالا لدينا

أما عن الإقبال على منتجات علامة نيفين التمان، فقالت المصممة “هناك اوقات بالسنة يكون الإقبال أكثر من أوقات أخرى حيث يعد شهر رمضان الكريم والأعياد من أكثر الأوقات إقبالا لدينا”. وأشارت إلى ان زيادة الإقبال على الجلابيات والعبايات إضافة إلى الشيلان وخاصة تلك المنسقة مع العبايات حتى تصبح الاطلالة متكاملة ومتناسقة.
وهناك أيضا زيادة في الطلب على مجموعتنا من الأكياس المطرزة في الموسم الرمضاني والأعياد لاستخدامها في وضع العيديات أو الهدايا بداخلها فهي تضيف مظهرا مبهجا ومميزا لهم. والى جانب تلك المواسم يزداد الإقبال أيضا في نهاية العام على تصميماتنا، حيث موسم السفر وتبادل الهدايا القيمة والمختلفة بين الأهل والأصدقاء.

وتعتبر الشالات من أكثر تصميمات الدار رواجا ومبيعا وذلك بسبب تعدد استخدامها، حيث يمكن ارتداؤها بعدة طرق مختلفة كطرحة (غطاء للرأس) أو شال أو رابطة للشعر. وأيضا لأنها تعد القطعة التي تضم أكثر أنواع التطريزات والتصميمات لدينا وتأتي في عدة خامات وأقمشة وأشكال وألوان عديدة فهي قطعة مبهجة. ونرى ذلك عند زيارة الناس إلى فروعنا فهم يحبون الشعور المبهج المليء بالألوان والذي يشعرون به عند رؤيتهم الشيلان داخل الفرع.
وعن مشاريعهم المستقبلية، قالت التمان انهم أطلقوا منذ فترة قريبة مجموعة من الأزياء التي لاقت استحسانا كبيرا (وأسعدنا ذلك حقا مما جعلنا نريد أن نقوم بالمزيد ونحاول جاهدين الآن أن نضع خطة لخط الملابس الجديد الخاص بنا) وقالت (بالتأكيد نطمح لأن تكبر شركتنا أكثر وان تتوسع والسبب الأساسي في ذلك انه عندما تتوسع الشركة وتزيد عمليات الشراء لدينا، يتيح لنا ذلك توفير فرص عمل لسيدات أكثر تفعيلا لمبدأ الشركة الأساسي الذي قامت من أجله).
وأكدت أنه من ضمن التوسعات التي تسعى إليها الشركة في هذه الفترة هو أن تصل تصاميمنا ومنتجاتنا بشكل أوسع إلى دول الخليج وبالأخص الكويت، حيث نحاول أن نشارك في المعارض المختلفة هناك ونسعى لأن يكون لنا متجر أو أن نتعاون مع أحد المتاجر بالكويت لعرض منتجاتنا وتصاميمنا.

ولم تكن جائحة كورونا (كوفيد- 19) بعيدة عن العلامة التجارية، حيث قالت إنه مع إغلاق المتاجر (شعرنا بالضغط بسبب المسؤولية التي نتحملها تجاه أكثر من 500 امرأة يعملن معنا ونظرًا لأنهن بالفعل يعملن من منازلهن، قررنا عدم إيقاف الإنتاج، على الرغم من أننا اضطررنا إلى إغلاق متاجرنا). وأضافت: كان علينا إيجاد طريقة لمواصلة البيع حتى تتمكن النساء اللواتي نعمل معهن من مواصلة إعالة أسرهن، لذلك ركزنا أكثر على التجارة الإلكترونية والبيع عبر الإنترنت، وبالفعل ساعدنا ذلك كثيرا.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق