نوف المضف:
بعض أعمالنا الدرامية شوَّهت صورة مجتمعنا
الكاتبة والسيناريست نوف المضف قدمت العديد من الأعمال الدرامية التي لاقت نجاحا كبيرا مثل «جادة 7» و«ثريا» و«نوايا» كما شاركت في كتابة مسلسل «أبناء الغد» إلى جانب سهرة إذاعية.. كما تأثرت بأسامة أنور عكاشة ووحيد حامد وقرأت روايات إحسان عبد القدوس وكبار الأدباء وهي بعيدة عن الأضواء وترفض اللقاءات التلفزيونية والصحافية ولا تحب الظهور.
«أسرتي» نجحت في إقناع نوف المضف بإجراء أول حوار صحافي لها في حياتها بعد عشر سنوات من التواجد في الساحة الدرامية.
تربيت في مكتبة
والدتي وجدي
الموهبة والبداية
بداية.. كيف اكتشفتِ موهبة الكتابة لديك؟
– اهتممت بالفن في فترة مبكرة جدا من حياتي وحرصت على مشاهدة الأعمال الدرامية المختلفة سواء العربية أو الأجنبية فعشقتها وأغرمت بها، وشيئا فشيئا وجدتني أعيش المشاهد وأتخيل الأحداث وأنسجها في خيالي، فكنت أفاجئ بتجسيدها على الشاشة كما تخيلتها.. من هنا شعرت أن ميولي درامية وأن لدي قدرة على التخيل فبدأت الكتابة واختلاق أحداث من واقعي فكنت أجرب على الورق ثم أمزقه وأكتب غيره وهكذا.. كانت هذه الفترة بمثابة التدريب على الكتابة الدرامية.
كيف جاءت الخطوة الأولى نحو دخولك السوق الدرامي؟ وهل ساعدك أحد أو شجعتك الأسرة؟
– عندما سمعت عن مسلسل «أبناء الغد» المكون من ثلاثة أجزاء وتابعته فقلت: لماذا لا أجرب وأقوم بكتابة إحدى حلقاته؟
ذهبت إلى مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك وقرأتها الفنانة الكبيرة سعاد عبد الله وأعجبت بها وقاموا بتنفيذها فعلا فكانت هذه هى البداية، وشجعتني «أم طلال» سعاد عبد الله كثيرا على تكرار التجربة وأثنت عليَّ، فكان لذلك التشجيع وقع السحر على نفسي وشعرت بثقة متزايدة فازدادت محاولاتي للكتابة بحب دون النظر إلى هل سينفذ ما أكتبه أم لا، فقد كانت الكتابة في حد ذاتها بالنسبة لي متعة، ورغم تخوف الأسرة من دخولي المجال الفني، إلا أنهم شجعوني وساندوني.
أثناء دراستك.. هل فكرت في ممارسة الكتابة الأدبية كالقصة أو الرواية طالما لديك هذه الميول الأدبية؟
– في المرحلة الثانوية كتبت مجموعة من القصص القصيرة ودخلت مسابقة على مستوى منطقة العاصمة وحصدت الجائزة وتلقيت التهاني فكنت فرحة جدا، لكن بعد ذلك شعرت بميولي ناحية الكتابة الدرامية خاصة أنها مرئية بشكل أكبر وتصل إلى الجماهير أسرع.
وحيد حامد أهداني سيناريو لأتعلم منه
هل لديك مثل أعلى في الكتابة من كتاب السيناريو الكبار تأثرت بهم؟
– نعم.. أحببت أعمال أسامة أنور عكاشة فشخصياته واقعية من لحم ودم تشعر أنك ستلتقي بهم إذا نزلت إلى الشارع.. الشخصيات مرسومة بشكل رائع فكنت لا «أطوّف» أي عمل من أعماله وأراقب تسلسل الأحداث وحوار الشخصيات.
كذلك الكاتب الكبير وحيد حامد، فهو أيضا ممن أعشق أعمالهم، وعندما زرت القاهرة تصادف أن رأيته، وكنت سعيدة جدا وتحدثت معه وشجعني وأعطاني أحد سيناريوهات كى أتعلم وأستفيد من التكنيك الخاص به في الكتابة، وأعطاني رقم تليفونه لأتصل به في أي وقت، وأسأل ما أشاء، فكل الشكر له على هذا الموقف النبيل فكلماته ونصائحه أضاءت لي الطريق، وأنا أهتم جدا بالحوار، فكانت حواراته في أعماله مدرسة تخرجت فيها.
هل فكرت في دراسة فن السيناريو بشكل أكاديمي لتصقلي موهبتك وتطوري من أدواتك؟
– لا.. لم أفكر في ذلك وأول عمل كتبته اعتمدت فيه على الموهبة، وكانت سهرة إذاعية جربت فيها نفسي، ثم قدمت حلقة في مسلسل «أبناء الغد» وكانت تجربتي الثالثة في مسلسل كتبته كاملا ثم فقدته ولم أعثر عليه.
هل هذا معقول؟ كيف ضاع هذا المسلسل لابد أنك تمزحين؟!
– لا أمزح، هذا ما حدث فعلا.. لا أدري مكانه ربما تخلصنا منه ضمن أوراق أو مهملات بدون قصد، لكن على أية حال لم يكن النص قويا أو كنت راضية عنه وكتبته دفعة واحدة مشاهد متتالية دون تقسيمه إلى حلقات ثم أهملته لفترة ضاع بعدها واعتبرته تجربة للتدريب لا أكثر.
ما أول مسلسل كامل قدمك إلى الناس ككاتبة محترفة؟
– بداية أنا لست محترفة وأعتبر نفسي هاوية في هذا المجال، وأول مسلسل كان «جادة 7» وتم تقديمه عام 2006 وهذا العمل هو آخر أعمال المخرج الراحل عبدالعزيز المنصور (رحمه الله) وجمعتني به جلسات كثيرة في مكتبه وأجرينا تعديلات واستفدت من كل ملاحظاته وشجعني كثيرا، وكذلك الفنانة القديرة سعاد عبدالله التي قدمت كل أعمالي معها.
الرقابة والمحاذير
مسلسلك «ثريا» «يقال إنه كتب في 2007 لكنه لم ينتج إلا في 2014.. فلماذا؟
– بعد نجاح مسلسل «جادة7» تحمست كثيرا فأنجزت مسلسل «ثريا» وقدمته لأم طلال، لكن حدثت ظروف أجلت إنتاجه كثيرا منها رفض الرقابة في الكويت التصريح بتصويره، لأن البطلة كانت متزوجة من عدة شخصيات أجنبية حتى ظهر للنور في 2014.
هل قررت التوقف عن الكتابة وحدث لك إحباط بعد موقف الرقابة خاصة أنك غبت عدة سنوات بعدها؟
– لم يحدث إحباط ولكن وجهة نظري وقتها أنه يجب أن أرى ردة فعل الجمهور على هذا العمل حتى أستمر في الكتابة وأعترف أن هذا كان خطأ جوهري وأضاع عليَّ سنوات من عدم الكتابة إلى جانب انشغالي بالزواج وإنجاب الأولاد واندماجي مع الأسرة.
كيف كانت العودة للساحة مرة أخرى؟
بعد عرض مسلسل «ثريا» ونجاحه تحمست من جديد وكانت لدي فكرة مسلسل «نوايا» فعكفت عليه حتى أكملته وهو أيضا بطولة القديرة سعاد عبد الله.
تشكلين مع أبناء جيلك دماء جديدة في فن كتابة السيناريو، فكيف تصفي العلاقات معهم وهل هناك تواصل فيما بينكم؟
– جمعتني قناة الـ «ام بي سي» في لجنة مع هبه مشاري حمادة وعبد العزيز الحشاش عام 2008 لقراءة النصوص المقدمة للقناة وتركت هذه اللجنة لظروف شخصية ولم نتواصل، لكن بالتأكيد يشاهد كل منا عمل الآخر وهم زملاء أعزاء والتقيت بالكاتب فهد العليوة في ندوة عن مسلسل «ثريا» وأثنى على العمل وتشاركنا هموم المجتمع الخليجي.
مللنا دراما العنف والقتل والانحرافات
لم أقدم المجتمع
بصورة ملائكية أو مثالية بل واقعية
ما أهم القضايا التي تحرصين على طرحها في أعمالك؟
– أحرص على تحسين صورة المجتمع الكويتي والخليجي لأن بعض الأعمال شوهت الصورة وركزت على السلبيات فأردت تقديم المجتمع بصورة إيجابية بعيدا عن الهواش والصراخ والطراقات.
لكن الدراما يجب أن تكون واقعية وتعكس المجتمع بسلبياته وايجابياته فليس هناك مجتمع ملائكي؟
– في «نوايا» تحدثت عن السلبيات والايجابيات ولم أقدم المجتمع بصورة ملائكية أو مثالية لكن هناك توازن فلا أبالغ في السلبيات أو الايجابيات.
ما هذه الأعمال التي ترين أنها شوهت المجتمع؟
– لا أقصد عملا محددا، لكن أتحدث عن أعمال حرصت على إظهار أولادنا وبناتنا غارقين في الانحراف والمخدرات، وهناك قتل وعنف لمجرد الإثارة ولفت الانتباه هم يعتقدون أن هذه التوليفة قادرة على إنجاح العمل، وأرى أنه على العكس يمكن تقديم دراما ناعمة رومانسية مشحونة بالأحداث لكن بعيدا عن هذه التوليفة التي ملينا منها ودفعت بعض الأسر إلى حجب هذه المسلسلات عن أولادهم حتى لا يتأثروا سلبيا بها فنحن لا نود أن يسمع أولادنا بعض الألفاظ أو يرون مشاهد تخلو من الاحترام بين الأم وأبنائها ليس هذا هو المجتمع الكويتي.
المصداقية والواقعية وراء نجاح مسلسل «نوايا»
برأيك ما أهم عوامل نجاح مسلسل «نوايا»؟
– الواقعية الشديدة هي الرقم الصعب في نجاح هذا المسلسل، فالشخصيات من لحم ودم وواقعية لدرجة أن البعض قالوا لي أنهم شعروا أن سعاد عبدالله هي أمهم وأن أمل العوضى هي الأخت أو زوجة الأخ فالشخصيات لامست أوتار الناس وعزفت عليها فتفاعلوا معها وأحبوها أيضا المصداقية، فالأجيال القادمة حينما ترى هكذا عمل يقولون كان أهلنا يعيشون بهذه الطريقة فهو هادئ ناعم رومانسي اجتماعي، وهذا ما دفع البعض إلى أن يكتبوا تعليقات زادت من نجاحه فقالوا كنا نبعد أولادنا عن رؤية المسلسلات، لكن حرصنا على هذا المسلسل لما فيه من قيم نبيلة، فالعائلات اجتمعت على حب المسلسل ورؤيته، وهذا شيء إيجابي للغاية ومؤشر على أنني أسير في الطريق الصحيح.. أضف إلى ذلك تطوير أدواتي فهو أنضج أعمالي الدرامية وأكثرها حرفية.
هل ترين أن الرقابة تقيد الكاتب وتحد من إبداعه؟
– الرقابة تضع العديد من المحاذير، وهذا يحد من حركة الكاتب ويكسر خياله، فهي تحصرنا في القضايا الاجتماعية.
هل فكرت في كتابة عمل كوميدي؟
– يتضمن مسلسل «نوايا» بعض المشاهد الكوميدية، فأنا لا أتعمد الكوميديا ولكن تظهر بشكل عفوي وطبيعي، خاصة أن الكتابة الكوميدية ليست سهلة والتصنع فيها يؤدى إلى نتيجة عكسية.
من أين تستقين أفكارك؟ وما مصادرك؟
– أعتمد بشكل كبير على ملاحظة المجتمع الذي أعيش فيه، فمثلا كنت في الحج ورأيت سيدة تضع شالا على رأسها وهو ما نسميه «شاتوش» فأوحت لي بشخصية «شيخة» التي جسدتها سعاد عبد الله لكن تغير اسم المسلسل إلى «نوايا» فيما بعد لأن أم طلال قالت لي لن يفهم الجميع كلمة «شاتوش» فأقتعت بكلامها إلى جانب قراءتي لروايات الأدباء العرب والأجانب، فمثلا أنا مغرمة بإحسان عبد القدوس، فوالدتي كانت تقرأ له وتمنحنى الروايات فأقرأها وكان جدى لديه مكتبة كانت متاحة لي بالكامل كذلك اقرأ سيناريوهات باللغة الانجليزية وأتعلم منها، فالكاتب لابد أن يثقف نفسه يوميا.
هل تخططين لشخصياتك أم تكتبين بعفوية؟
– كنت أكتب بعفوية، لكن بدأت أخطط لهذه الشخصيات وأطور من ذاتي وأدواتي والشخصية التي لا أتفاعل معها أو أحبها أحذفها، فأنا أتعايش مع شخصياتي على مدار عام كامل تقريبا، فلابد أن أحب شخصياتي ولذلك لا أعرف أسلوب الكتابة عن طريق التكليف فبعض جهات الإنتاج تعطيني فكرة وتريد أن أنسج عليها فأرفض لأنني لا أشعر بذاتي.. لابد أن تكون الفكرة نابعة من داخلي وأكون مقتنعة بها.
أُفضِّلُ عرض أعمالي
خارج رمضان
ماذا تكتبين الآن؟ وهل تحبين عرض أعمالك في رمضان؟
– أكتب مسلسل جديد أتمنى أن ينال إعجاب الجماهير وليس مهما أن يعرض في رمضان، لأن رمضان صار زحمة وتتوه الأعمال فيه، فيما لو عرض في وقت آخر فيمكن أن يتابعه الناس بشكل أفضل.. «نوايا» عرض خارج رمضان وحقق نجاحا.
دراما تراثية
تستخدمين مفردات تراثية ومحلية في حواراتك.. فهل فكرت في تقديم دراما تراثية تعود إلى كويت الماضي؟
– أتمنى ذلك وأريد أن أتطرق لفترة لم يتطرق لها أحد من قبلي، ولعل ذلك يأتي في مرحلة لاحقة بعد أن أنتهي من دراسة تاريخ الكويت، فالموضوع ليس سهلا ويحتاج إلى صبر وتأن؛ لأنني في الدراما المعاصرة أكتب عن أشياء أراها وأتعامل معها، أما التراثية فتحتاج إلى قدرات خاصة لم تكتمل عندي بعض.
من يضعون أسماءهم على مسلسلات مصرية أو سورية.. سهل كشفهم
هناك اتهام للبعض بأنهم يقومون بتكويت أعمال سورية أو مصرية أو عراقية ثم يضعون أسماءهم عليها.. فما رأيك؟
– لم أسمع عن هذه الاتهامات من قبل، لكن من السهل أن تكتشف هل الكاتب هو من كتب أم نقل عن آخرين، لأنك ستشعر في السيناريو بريحة البلد الأصلي للكاتب عبر مفردات أو مشاهد أو أجواء تكشف الموضوع، ولا أرى عيبا أن يقول الكاتب أنه أخذ الفكرة عن فلان أو أعد مسلسله عن قصة فلان.
زوجي رجل مثقف وواع ومتفهم ويساعدني كثيرًا
كيف تنسقين بين واجبات الأسرة والتفرغ للكتابة؟
– زوجي رجل مثقف واع متفهم، يساعدني كثيرا، ولولاه لما كتبت أي شيء، فهو دائم التشجيع لي، وأستغل الفترة الصباحية بعد ذهاب الأولاد إلى المدرسة حتى عودتهم في الكتابة ثم أتفرغ لأسرتي.