حياتنا أحلي
أخر الأخبار

بعد مرور 21 عاماً على اغتصابها الضحية زوجة سعيدة.. والابن فخور بها!

لم يكن لدى سلمى أي حضور على وسائل التواصل الاجتماعي ولا يوجد رقم هاتف مدرج، ولكن البحث عن أشخاص بقيمة 4.99 دولارًا أظهر عنوانًا في شمال نيويورك، لقد كتبت لها رسالة، وألقيتها في صندوق بريد، وتمنيت الأفضل. سمعت أنها تريد أن تترك الماضي وراءها ولم أكن أعرف ما إذا كانت تريد التحدث معي. لقد مر أكثر من 20 عامًا على الحادثة، هكذا كتبت المحررة الصحافية لمجلة إيل النسائية ستاسي سوليمان عن قصة “سلمى” تلك الفتاة البوسنية التي تعرضت للاغتصاب وقت حرب البوسنة والهرسك، لكن ستاسي لحماية تلك المرأة، لا تذكر اسم المدينة التي تعيش فيها، واختارت لها اسماً مستعاراً، كما أنها لم ترها منذ عام 1996 عندما كنت تنقل الأخبار والتقارير الصحافية لمجلة نيوزويك عن الاغتصاب والأطفال الذين ولدوا نتيجة له خلال الحرب في البوسنة.

بعد ثلاثة أيام دق الهاتف!
تحكي ستاسي قصة لقائها بسلمى أنها بعد أن أرسلت إليها بريدا إلكترونيا، دق هاتفها وكانت المتحدثة هي سلمى! وقد أرادت مقابلة ستاسي، ربما كي تحكي لها عما حدث لها بعد مرور عشرين عاماً على اغتصابها! فماذا حدث لها؟ وكيف تقابلت أخيرا بعد واحد وعشرين عاما مع ابنها ثمرة الاغتصاب؟ بل كيف تعافى هذا الابن من مشكلات نفسية كثيرة وصار ناشطا في مجال الدفاع عن أطفال الاغتصاب الجنسي؟!

حملت وأنجبت طفلاً نتيجة لاغتصابها فرأت الطفل امتداداً للرجل الذي اغتصبها وهذا تذكير بالألم والتعذيب الذي تعرضت له!

البداية، منذ واحد وعشرين عاماً، كانت سلمى تعيش في أنقاض شقة في ضواحي مدينة سراييفو التي كانت تعاني من آثار المعارك. كانت معذبة ومعدمة، وقد اعتبرت نفسها واحدة من بين نحو 20 ألف امرأة تعرضن للاغتصاب خلال الصراع الذي دام أربع سنوات. لقد حملت وأنجبت طفلاً نتيجة لاغتصابها. فرأت الطفل امتدادا للرجل الذي قالت إنه اغتصبها، وهذا تذكير بالألم والتعذيب الذي تعرضت له. “عندما سمعته يبكي، طلبت من الطبيب أن يحضره إلي”، تقول سلمى: حينها أردت خنقه! تركت الطفل في المستشفى وحاولت الاستمرار في حياتها. لكن أموراً وأحداثاً كثيرة مرت بسلمى وغيرت حياتها تماماً، فقد صارت الآن، كما تحكي عنها ستاسي سوليمان، تعيش في نيويورك، تزوجت وصار الآن لديها ولداها مراهقان أميركيا المولد. صارت تعيش مع أسرتها الجديدة في منزل أنيق من ثلاثة طوابق مع حديقة. عندما زاراتها ستاسي في بيتها الجديد هذا، قامت سلمى بطهي وجبة غداء من الدجاج والأرز والبروكلي بنكهة التوابل الصينية، تليها مجموعة من البسكويت والمعجنات والقهوة. أطلعتها على صور تؤرخ لحياتها على مدى العقدين الماضيين في الولايات المتحدة – ولادة أطفالها، والنزهات في الحديقة، وزيارة الأصدقاء البوسنيين في مدينة نيويورك. تم تنظيم الصور في ألبومات، مصنفة بدقة حسب التاريخ. قالت إن حياتها كانت جيدة في نيويورك – شعرت بالأمان وكانت ممتنة لزوجها وأطفالها.
لكن رحلة سلمى إلى الأمان والحياة الجديدة لم تكن سهلة بأي حال من الأحوال، فبعد الحرب مباشرة لم تجد من يساعدها بشكل حقيقي، خاصة من مؤسسات ما بعد الحرب التي كان من المفترض أن تساعدها، قالت: لم يفعل أي منهم أي شيء من أجلي، الوحيد الذي فعل أي شيء من أجلي هو الله، لأن الله أرسل لي زوجي وقد اعتنى بي.

محاكمة ظالمة لها.. منصفة لمغتصبها!
بعد حادث الاغتصاب بسنوات وانتهاء الحرب دخلت سلمى سلسلة طويلة من المحاكمات لمغتصبها بدأت بالإنصاف المبشر بالخير وانتهت بالظلم البيّن لها وعدم الحكم على مغتصبها بسبب تبدل هيئة القضاة في القضية!
لكن سلمى لسنوات كانت تحلم بالعدالة، ومحاسبة مغتصبها على ما فعله. لكنها بنت حياة جديدة في الولايات المتحدة ولا تزال، ثم عادت إلى البوسنة للإدلاء بشهادتها طوال تلك السنوات، حيث تقول: “لا يهمني إذا كان قد سُجن يومًا واحدًا فقط، أردت فقط إدانته”.. “لو كنت أعرف أن هذا سيحدث، لكنت قتلت نفسي”.

في عام 2017 تلقى آلن الابن مكالمة هاتفية وكانت أمه سلمى في سراييفو وأرادت مقابلته وكانت مكالمة لن ينساها أبداً!

الابن يبحث عن أبيه وأمه بعد 21 عاماً!
بعدما بلغ ابن سلمى من حادثة الاغتصاب (آلن – 21 عاماً) ، قرر مقابلة والديه البيولوجيين. بعد أن كان مبعدا عنهما كل هذه السنوات، كان يتساءل: ما الذي حدث بالفعل بينهما؟ لماذا تركته والدته؟ وهل أراد والده حقًا أن تكون له علاقة معه؟ ومن خلال إنتاج فيلم وثائقي كانت كل الجهود الحثيثة لأجل الجمع بين الابن والأب المغتصب والأم المغتصبة! وفي عام 2016، تلقى آلن مكالمة هاتفية من رجل دين مسلم يقول إن والده البيولوجي في منزل ما ينتظره! توجّه آلن وصديقه إلى المنزل، الذي عرفه من ذهابه إلى هناك مع طاقم الفيلم الوثائقي. فتح الباب رجل في منتصف العمر.. عندئذ أدرك آلن أن هناك شبها كبيرا جدا بينه وبين ذلك الرجل! كانت مقابلة عاصفة رفض فيها الأب المغتصب أبوته للشاب، وهاجمه الابن بضراوة، حتى انه قال عنه: إنه والدي البيولوجي على الورق، ولكن هذا كل ما هو عليه، لن أصفه حتى بشخص، لما فعله، أسميه وحشًا!

آلن الابن:
أنا لا ألومها على أي شيء بعد ما مرت به!

في عام 2017 تلقى آلن الابن مكالمة هاتفية، وكانت أمه سلمى، كانت في سراييفو وأرادت مقابلته، وكانت مكالمة لن ينساها أبداً!، فقد كان أول اتصال مباشر له مع أمه، ويصف مشاعره آنذاك: لم أكن أعرف ما إذا كنت أشعر بالسعادة أو الفرح أو الحزن.. كنت مليئا بالأدرينالين!

عاد آلن إلى منطقته في تلك الليلة بالدموع بعد أول لقاء بأمه عانقها وشكرها لكونها أمه!

آلن كان يعمل ممرضًا في المستشفى الذي ولد فيه وتركته أمه فيه، ترك آلن عمله وزوجته على وشك الولادة، ترك كل شيء وقاد لمدة ساعتين إلى سراييفو كي يقابلها، قال إن قلبه كان يتسارع عندما اقترب من المنزل الذي كانت تقيم فيه أمه بعد أن تواعدا على اللقاء فيه، دخل إلى الداخل فوجد سلمى جالسة على الأريكة وهي تبكي!
قال آلن إنه لا يعرف ما يمكن توقعه من لقاء سلمى، لكن كان هناك شيء واحد واضح: بينما كان غاضبًا منها ذات مرة لتركه في المستشفى وعدم رغبته في مقابلته، بعد مقابلتها تلاشى غضبه، وصار يقول: أنا لا ألومها على أي شيء بعد ما مرت به، عاد آلن إلى منطقته في تلك الليلة بالدموع، بعد أن عانق أمه وشكرها لكونها أمه!

صار الابن الرئيس المشارك لمنظمة «أطفال الحرب المنسيين» لرفع وصمة العار عن الأطفال المولودين نتيجة الاغتصاب!

شفاء الابن من الداخل
بعد هذا اللقاء مع أمه بعد ولادته بواحد وعشرين عاما وتركها اياه كل هذه المدة، تعامل آلن مع من هو وكيف جاء إلى هذا العالم.. وبالإضافة إلى كونه ممرضًا وزوجًا وأبًا، فقد كان لفترة من الوقت الرئيس المشارك لمنظمة تسمى أطفال الحرب المنسيين، والتي تعمل على رفع وصمة العار عن الاغتصاب والأطفال المولودين نتيجة الاغتصاب. طلب آلن والأعضاء الآخرون من الحكومة البوسنية الاعتراف بهم كضحايا حرب حتى يتمكنوا من التأهل لأنواع معينة من مزايا الدولة، وتغيير النماذج الحكومية الرسمية بحيث لا يُطلب من الناس تقديم اسم والدهم عند التقدم بطلب للحصول على مساعدة مالية أو طلب رخصة قيادة.
كان الابن غاضباً وغارقاً في الرغبة في الانتقام لكنه قرر بوعي أن يعيش حياة مليئة بالحب فُشفي من العار والغضب!

في 2019، سافر إلى نيويورك للتحدث في مؤتمر للأمم المتحدة بشأن العنف الجنسي في النزاعات.. قال أمام الحضور: تركتني أمي بعد ولادتي بيومين واستمرت في حياتها. والدي البيولوجي رجل أدين بالاغتصاب في زمن الحرب. لقد قام بالتبني لي عامل نظافة كان يعمل في المستشفى حيث ولدت. اليوم يسعدني أن أكون قادرًا على التحدث بحرية وبفخر عن نفسي وعائلتي دون ذرة من العار! وعندما انتهى من الكلام اجتاحت الغرفة عاصفة من التصفيق. وقد قال لستاسي محررة القصة كلها إنه كان هناك في وقت ما غاضبًا وغارقاً في الرغبة في الانتقام، لكنه قرر بوعي أن يعيش حياة مليئة بالحب. قال إن حقيقة أنه أُجبر على مواجهة الحقيقة ومعالجتها كانت نعمة إنقاذه، وقد شكر ستاسي على دورها في ذلك، وهي نتيجة لم تكن تتخيلها هي! قال لها إن لقاء والديه البيولوجيين أعطاه بعض القرب والحميمية، لكنه لا يزال يرغب في مقابلة إخوته غير الأشقاء.

أم.. من جديد!
أما سلمى، فتحكي عنها ستاسي وتقول: أتخيل أنها تعيش في عالم لا تحتاج فيه إلى إخفاء ما حدث عن أطفالها الأميركيين وماذا لو شعرت مثل آلن بإحساس الارتياح الذي يأتي مع رفع عبء العار، ماذا لو شعرت بأنها سمعت وفهمت وواجهت الحقيقة بدلاً من محاولة إخفائها ربما بعد ذلك يمكنها أن تجد السلام الذي بارك الطفل الذي تركته وراءها في البوسنة.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق