بهدف تدريب الرجال على فهم قيمتهم كآباء «العالم يحتاج إلى أب».. مبادرة تعيد دور الأبوة إلى الأبناء
«يحتاج الصبي إلى أب لكي يبين له كيف يحيا في العالم»، قد تصف هذه المقولة أهمية الأب في مشاركة أبنائه حياتهم، ولكن رغم ذلك فكثير من الآباء يتركون مسؤولية التربية كاملة للأم ويصبح الأبناء غرباء عن الآباء لا يمتلكون معهم كثيرا من الذكريات. من هنا جاءت فكرة مبادرة العالم يحتاج إلى أب وهي مبادرة عالمية هدفها الرئيسي تدريب الآباء بقيمة ودور الأبوة، فهم يرون أن العالم في العصر الحالي يفتقد الأبوة.
تحدثنا في موضوعنا إلى مؤسس المبادرة في مصر وأحد أعضائها إلى جانب التعرف على الدور التربوي الصحيح للأب في الأسرة.
باسم عبد الملك:
الأطفال في سن السادسة يميلون إلى تقدير دور الذكور في حياتهم عن النساء
بداية يستذكر باسم عبد الملك، وهو مهندس استشاري يعمل في تطوير الفنادق والمستشفيات والجامعات ومؤسس المبادرة في مصر وأب لطفلين، أنه تأثر بحركة العالم يحتاج إلى أب عندما جاء كاسي كارستنز، مؤسس المبادرة العالمية إلى القاهرة من أجل تدريب كامل للمبادرة، ويشير إلى أن هدفه الرئيسي من حضور التدريب كان الوصول إلى أن يكون أبًا صالحًا لأبنائه، الذين يصفهم بأنهم “أهم شيء في حياته”، وكان مدركًا أن الأبوة حرفة وليست لقبا.
وعن بداية المبادرة في مصر يقول:
“بدأتُ المبادرة في منزلي ودعوت الآباء والأزواج من أصدقائي وعرضت عليهم الفكرة والتعليم في عام 2013. ثم خطرت لي فكرة دعوة الآباء وأولادهم إلى معسكرات حيث يمكن الاستماع إلى جلسات وندوات الأبوة وممارسة ما سمعوه على الفور مع أطفالهم. وحتى الآن، تمكنا من تنظيم 30 معسكرًا. ونحن نركز في هذه المعسكرات على أدوار الأب كاملة إلى جانب تثقيف المجتمع حول تأثير الأب الإيجابي على الأطفال وذلك طبقًا لأحدث الأبحاث التي تمت عالميًا في الاضطرابات النفسية والسلوكية التي تنشأ منذ الطفولة وتصيب المراهقين”.
وعن أهداف المبادرة يقول:
هدفنا التعريف بمبادئ الأسرة الصحية، والعمل على تدريب الرجال لفهم قيمتهم ودورهم كآباء، ومنحهم الأدوات اللازمة لتدريب رجال آخرين من حولهم. فنحن نحلم بأن يكبر ويُربى كل طفل من قِبل أب ناضج، ناكر للذات، مسؤول، متاح، مكرس ومتعلم.
كما يحلم باسم وفريقه في المبادرة ألا يُسمح بإصدار شهادات الميلاد لأي أب في عام 2030 دون إثبات تعلمه مبادئ الأبوة والتربية مع زوجته حتى يكون الجيل في المستقبل من الناس الأسوياء.
وعن مشكلة فقدان الأبوة في المجتمعات في العصر الحالي يقول باسم:
الدراسات تشير في عدد من الدول خلال السنوات الخمس الماضية إلى تحد عالمي رئيسي هو اختلال الحياة الأسرية وفي قلبها تكمن مشكلة فقدان مفهوم الأبوة وإلى الأجيال التي عاشت دون اضطلاع الأب بأي دور في التربية.
ويؤكد أن غياب الأب يتسبب في عدد من المشكلات منها تخبط الأطفال في معرفة هويتهم وقيمهم قائلًا: وجد علماء النفس أن الأطفال في سن السادسة يميلون إلى تقدير دور الذكور في حياتهم عن النساء، ومهام الأبوة الأولى هي مساعدة الأطفال في التعرف بهويتهم وبناء سلطة أخلاقية وكذلك فإن الآباء مسؤولون عن الأمان العاطفي لأبنائهم.
ويختتم باسم بأن الوجود الأبوي في حياة الأبناء وحب الآباء للأبناء يمكن وصفه في كلمة واحدة (الوقت)، مضيفًا أن الأب يتحتم عليه منح أبنائه اهتمامًا كاملًا ويظهر لهم باستمرار الدعم والحب غير المشروط، فالأبحاث أوضحت أن الأطفال الذين يرتبطون بآبائهم لديهم مشكلات أقل وضغط نفسي بمعدلات منخفضة وأقل توترًا وكذلك لديهم قدرة هائلة على أخذ زمام المبادرة في حياتهم ويتسمون بأنهم أكثر تسامحًا ولديهم زيجات ناجحة في المستقبل.
يحيى فؤاد:
مشاركتي في معسكرات المبادرة جعلتني أكثر قربًا من أبنائي
فيما يحكي لنا يحيى فؤاد، وهو أب لأربعة أبناء أكبرهم في الثانية والعشرين من عمره وأصغرهم لديه عامان ونصف عام وأحد أعضاء المبادرة، عن تجربته مع “العالم يحتاج إلى أب” قائلًا:
جاءت معرفتي بالمبادرة عندما عدتُ من دبي للاستقرار في مصر، ورغبت في العيش مع أبنائي وكنت منفصلًا عن زوجتي واحتاج إلى تعلم كيفية التعامل مع أبنائي. ومن خلال أحد أصدقائي تعرفت إلى المبادرة وحضرت أحد معسكراتها منذ عام تقريبًا.
ولاحظ يحيى من خلال المبادرة أن مجتمع الآباء لديه مشكلة في فهم أمور التربية: بالنسبة لي كان لدي شغف منذ عدت من سفري لفهم قواعد التربية الصحيحة، وكنت أحاول مساعدة أولادي بألا يتربوا كما تربيت أو بنفس الطريقة، وما لمسته في المبادرة أن كثيرا من الآباء يحاولون التغير للأفضل وأن الآباء يحتاجون للمعرفة أكثر عن التربية. ودور الأب ليس كما عرفته أو كما كان في اعتقادي، بل كنت في حاجة للتعرف على دوري الحقيقي.
غيّرت المبادرة من نظرة يحيى إلى دور الأب وجعلته أكثر قُربًا من أبنائه، وكانت الخطوة الأولى له في التعمق أكبر بمجال التربية، فيقول: أصبحت أتعامل مع أبنائي بطريقة مختلفة، لم يعد الأب فقط من يصرف الأموال أو المسؤول عن الأمور المالية وحدها، بل يشارك ويربي ويعلم ويتعلم من أبنائه، وحتى أبنائي لاحظوا ذلك التغيير فقرروا بسبب تعاملي معهم العيش معي وأصبحت أبًا وأما لأبنائي، وتحولت علاقتي بأبنائي لصداقة وبدأنا نتعلم معا وتطورت علاقتي معهم من أب كان مغضوبًا عليه كل ما يربطهم به إرسال الهدايا من الخارج أو الأموال إلى أب يكرس حياته كاملة لأبنائه وتربطهم به علاقة حب واحترام وتقدير.
وصار يحيى عضوًا فاعلًا في مبادرة العالم يحتاج إلى أب لإيمانه بأهمية علاقة الأبناء بالآباء (اكتشفت أنني لدي مشكلات مع أبي وأمي وكنت أتمنى لو تعاملوا معي بطريقة أفضل، وهو ما أحاول تحقيقه مع أبنائي، وأصبح شغفي هو إضافة شيء جديد للناس في سن مبكرة للأبناء، فالمبادرة جعلتني أدرك جيدًا أن العالم حقيقة في حاجة إلى أب).
ينصح الآباء بتعلم دورهم في الأبوة تمامًا كما يتعلمون شيئًا، فالأبوة ليست كلمة فقط، ويشدد على أن الأبناء يتعلمون من المثل وليست النصائح الكلامية فقط (ما تريده من أبنائك أفعله أنت أولًا، ويمكن للأب أن يعتذر أيضًا فلذلك فرق كبير في التربية مع الأبناء. وعلى الآباء أيضًا أن يحبوا أبناءهم حبًا غير مشروط بعيدًا عن أفعالهم حتى لو فشل في كل شيء. أقول لكل أب أن أقل ما يمكن تقديمه لهم هو فهمهم وما يريدون وليس ما نعرف نحن أن نستطيع أن نعرفه، وختامًا ما ستفعله مع ابنك اليوم سيرده لك، فإن تعبت في محاولة فهمه حين تكبر سيتعب لكي يفهمك).
د.إيهاب ماجد:
الكثير من الزوجات يشتكين من غياب دور الأب في حياة الأولاد
وبالحديث إلى د.إيهاب ماجد، الاستشاري الأسري والتربوي، أكد أن الكثير من الزوجات يشتكين من غياب دور الأب في حياة الأولاد وفي حياتها هي شخصيًا:
(يرى بعض الآباء أن دورهم هو توفير المتطلبات المالية، فقد يرى الأب أنه يشقى خارج المنزل في عمله لوقت طويل ما يجعله يتخلى عن دوره الأساسي في التربية تاركًا كل العبء على زوجته، فوجهة نظر هذا الأب أنه يحتاج إلى الهدوء والراحة عند دخوله إلى المنزل حتى يقدر مواصلة اليوم التالي).
ويصنف أنماط سلوكيات الآباء مع أبنائهم إلى ثلاثة أنماط وهي (النمط السلوكي القاسي والمستبد) الذي يغلب على سلوكياته التسلط والقسوة والضرب والإهانة والأوامر دون نقاش ويخافه أولاده منه بمجرد سماع صوته أو دخوله إلى المنزل تجد الأبناء يهربون من وجهه إلى غرفهم تجنبًا لرؤيته والتعامل معه، وقد يصل الحال أحيانًا إلى كراهية الأب.
أما النمط الثاني فهو (النمط السلوكي المتساهل والمدلل) وهو الأب اللطيف الظريف الذي لا يعترض على شيء، ولا يقول لا على أي طلب لأبنائه مهما كان، فهو يقضي القليل من الوقت مع أبنائه ولا يريد أن يكرهوه حسب اعتقاده فيستجيب لكل والنتيجة شباب منحاز للأب ويستغل الشباب هذا النمط السلوكي للتلاعب مع الأب والحصول على ما يرغبونه بدون معرفة الأم وربما بالتعاون مع الأب نفسه ومن وراء ظهر الأم.
ويوضح أن النمط الأبوي السليم (الأب الإيجابي)، ويتحقق ذلك من خلال أولًا أن تكون هناك علاقة إيجابية بين الأب والأم قائمة على الحب والتقدير والاحترام، وثانيًا مشاركة الأبناء حياتهم
ويؤكد أن دور الأب لا يقتصر على توفير المتطلبات المادية (دور الأب في تربية أبنائه ليس توفير المتطلبات المادية فقط، وإنما دوره هو الرعاية بما فيها من التعبير عن الحب والاهتمام بتفاصيل حياتهم والتواصل الفعال معهم، فقضاء وقت خاص ذي جودة عالية مع أبنائك والإنصات لهم ولمشاكلهم وميولهم والعيش معهم في تفاصيل حياتهم وتعبيرك المستمر عن حبك من الأدوار الأساسية للأب في التربية).
كما يشير إلى دور ثالث رئيسي للأب وهو التوعية الجنسية للذكور، قائلًا:
(تعتبر التربية والتوعية الجنسية اليوم من أهم الموضوعات التي ينبغي أن نتكلم فيها مع أولادنا، ففي عصر انتشرت فيه المواقع الإباحية والمعرفة المغلوطة عن الجنس ونظرًا لانتشار حوادث التحرش الجنسي بأشكاله المتعددة، ومن أقرب الناس ونظرًا للتساؤلات الكثيرة في ذهن أبنائنا عن هذا الجانب الغامض كما أن للأب دوراً مهماً في ترسيخ الهوية الجنسية للولد فيتعرف الولد على هويته الجنسية الذكورية من خلال الاقتداء والتوحد مع أبيه فيعرف الولد أنه رجل مثل أبيه ويتعرف على دور الرجل من خلال تواجده مع ابنه منذ صغره واصطحابه في الأنشطة المختلفة).
وفي الختام يشدد د. إيهاب على أن الدور الأب الإيجابي له تأثير وأهمية كبيرة في حياة أبنائه، فمشاركة الأب في عملية التربية يؤثر بشكل إيجابي على النمو الاجتماعي والانفعالي والمعرفي والجسماني، كما تزداد ثقة الأبناء بأنفسهم وتنمو مهاراتهم الاجتماعية في التعامل مع العالم الخارجي، ويزداد معدل الشعور بالرضا والسعادة لدى الأسرة عامة والأبناء.
«أسرتي» في كل مكان
مصر- داليا شافعي