جيل الكتـب الورقية 1998.. أم جـيـل الأجهـزة الإلكتـرونية 2018
هل أصبحت المعرفة مثل الوجبات السريعة؟!
بين جيل 1998 وجيل 2018 عشرون عاماً من التطورات المذهلة في أساليب المعرفة والتحصيل الدراسي، بل فروقات ضخمة لا تعبر عن مجرد عشرين عماً زمنية بل وكأنها عشرون قرنا كاملة! فمن التاريخ الى الجغرافيا.. إلى الرياضيات..إلى العلوم الصحية والفيزياء..
إلى الثقافة اللغوية والعربية والأدبية..الفروقات الكبيرة تبدو واضحة في شكل واسلوب التعلم والتعليم والمعرفة العلمية..وإن كانت كلها ومازالت مواد دراسية لدى الاجيال القديمة والحالية..
لكن السؤال الذي نطرحه هنا: هل اختلف التحصيل العلمي والدراسي بتطور الزمن؟ هل أصبح جيل «العم جوجل» والتابلت والانترنت يختلف في درجة ونوعية تحصيله الدراسي والعلمي والمعرفي عن جيل الورق بطلابه الذين كانوا يحصلون العلم والمعرفة من الكتاب المطبوع والموسوعات المطبوعة والمراجع الورقية؟ ولماذا؟ وما الأسباب؟
علي سويدان: المزج بين التقنيات الإلكترونية ومهارات الحس البشري.. الطريق الأسلم
الكاتب والأكاديمي والتربوي بالكويت وسوريا علي سويدان يجيبنا عن السؤال، بالقول: بالأمس..لا شك أن مثلث العملية التعليمة يجمع بأطرافه: المعلم والتلميذ والمنهاج؛ولسنا نُغفل أن العمود الفقاري للمنهاج هو الكتاب، وقد كان الكتاب المدرسي المطبوع واعتباره أساساً للمنهاج كان التركيز عليه لدى المُعدين والمعلمين ولدى المحفزين للتلميذ من أولياء للأمور وغيرهم.. لذلك للكتاب الدور الأوسع في تحصيل الطالب وهو مرجع المادة حين تتقاطع المعلومات المقررة وقت مذاكرة التلاميذ من جانب وحين تقييم المعلمين لأداء التلاميذ من جانب آخر، لذلك كان واضحاً أن المنبع الأول وربما الأخير للطالب هو الكتاب وهو ملاذه وقت الاستعداد للامتحان نهاية العام.
ويستطرد: أما اليوم..أو الآن فمازال الكتاب مرجعاً لاعتماد المادة وحصر معلوماتها ولاعتماد تحصيل الطالب للعلم، فقد سلك التعليم منحىً آخر تجلى فيه أثر ذلك إيجابياً في سرعة تحصيل التلميذ وأداء فائق السرعة في تناول المعلومة، كما أننا أمام جمالياتٍ لامتناهية في طريقة عرض المادة العلمية عبر أسلوب الأداء لدى المعلم؛ لقد دخل عنصر التقنية بشكل متقدم في بناء الأفكار وتقديم هرمياتها في برامج عصرية وخرائطَ ذهنية الكترونية؛ كل ذلك كان له دور كبير في الدفع نحو تطورٍ لم يكن لِيَتَخيَّلَهُ السابقون في ميدان التعليم، وكان له سابقة في تسهيل وتلخيص وتقديم المادة للطالب كلوحة متكاملة العناصر مواكبةً التقدم التقني في عصر العولمة.
لكن هذه الموجة المرتبطة بالتقنيات والمعتمدة على الشاشات؛ هذه العملية الالكترونية في التعليم سلبت التلميذ والمعلم معاً التواصل الذهني المباشر والاحتكاك عبر المهارات اليدوية والذي بدوره كان القناةَ ذات الأثر الأكبر في بناء الثقة عند الطالب وتغذية الاعتماد على الذات لا على الاكترونيات التي ستغدر بنا يوماً ما ! لقد فقد التلميذ اليوم الشعور الإيجابي والأثر القيمي المستمد من معلمه لأنه بتلك الموجة الالكترونية صار كائناً مُسيّراً بين شاشات التاب صباحاً ومع الهاتف الذكي مساءً!
ويتساءل: ماذا لو بقي الحال على ما هو عليه الآن؟!
إن حرصنا اليوم في العملية التعليمية على عدم إغفال الجانبي المهاراتي المرتبط بالحواس واستمرار المزج في طرق وأساليب التعليم بين الأساليب التي تنمي جميع حواس الجسم أثناء أسلوب الأداء هو النهج السليم الذي نحافظ فيه على تخريج أبنائنا وهم يحملون شخصيات متزنة الأداء، مركز القوة العلمية هو ذواتهم لا أجهزة تعمل الآن وتتعطل بعد قليل! لابد من تفعيل قنوات الاستماع والكتابة والأشغال اليدوية وألّا ينحصر عملنا بين النظر إلى أضواء العرض ولمس الشاشات!
علينا أن نعي جيداً أن هذه التقنيات نعمة فلا نجعلها نقمةً! التقنيات الالكترونية في العملية التعليمة قفزة رائعة في مجال التعليم والتدريب لكنّ المزج بينها وبين مهارات الحس البشري هو الطريق الأسلم.
د.حنان سعيد: الطالب الآن يفتقد سمة المثابرة على التحصيل ويفقد صبره سريعاً ويريد المواد مُلخّصة وجاهزة مثل الوجبات السريعة
تجيبنا عن سؤالنا نفسه السابق الدكتورة حنان سعيد السيد مدرس علم النفس بكلية الاداب جامعة الإسكندرية، فتقول:
إن عجلة الزمن تدور باستمرار ولا تتوقف، ومخطئ من يظن أن التمسك بكل ما هو قديم وعدم تطوير ذاته سيحمي كيانه وهويته.. والتحصيل العلمي والدراسي شأنه شأن أي أمر في العالم كانت له أساليبه القديمة مثل الكتاب المطبوع والورق المصور و«السبورة» والطباشير وغيرها من الوسائل التي نعرفها جميعا…ولكنه اختلف الآن في زمن التابلت والانترنت والكمبيوتر والموبايل.
وتضيف: الطالب في حد ذاته اختلفت سماته الشخصية وذكاؤه ودرجة تحصيله ومعلوماته باختلاف الوسائل التي يحصل بها على المعرفة، فهو الآن يفتقد سمة المثابرة على التحصيل، ويفقد صبره سريعا، ويريد المواد مُلخّصة وجاهزة مثل الوجبات السريعة، بل لم تعد له طاقة على بذل الجهد لتحصيل العلم. ومن هنا وجب تقديم المادة المراد تحصيلها في شكل جذاب وسهل ومختصر. وفي عصر السماوات المفتوحة ووسائل التواصل الاجتماعي المتاحة على مدار ٢٤ ساعة أصبح من الميسور لأي فرد في أي مرحلة عمرية أن يفتح شبكة المعلومات الدولية ويكتب اسم الموضوع الذي يريد البحث فيه ويحصل على فيديوهات مصورة لأفلام توضيحية ووسائل تعليمية مشروحة ومًصورة وصور ملونة وجذابة توضح المعلومة بشكل ميسر وسهل وناطق باللغة التي يريدها الفرد أو يتحدث بها.
لكنها تستطرد فتقول:
وهذا مما لا شك فيه من ضمن وسائل الراحة والتقدم التي وفرها العلم الحديث للبشرية.. ولكن المشكلة في مستوى التحصيل الدراسي، حيث إن الذاكرة تحتفظ بالمواد المسموعة والمنطوقة والتي بها مؤثرات بصرية جذابة فترة اطول ولكنها إن لم تُستخدم أو يتم تطبيقها بشكل عملي وواقعي في الحياة اليومية ستنتقل إلى الذاكرة بعيدة المدى ولن يتم استدعاؤها الا حين الحاجة اليها… ومن هنا يتضح وجود فروق فعلا في التحصيل الدراسي والعلمي بالنسبة لمن يستخدم التابلت وغيره من الوسائل الحديثة بالمقارنة بالأساليب القديمة المعتمدة على الكتاب المطبوع، ولكن هذا لا ينطبق على كل الافراد أو الشخصيات، فهناك فروق فردية بين الأفراد والمواد وجاذبيتها المختلفة بالنسبة للطالب.
وتختم حديثها: وفي النهاية يجب أن تختلف وسائل التقويم الخاصة بالامتحانات لتواكب العلم الحديث وتقيس التحصيل الفعلي وليس المعتمد على الحفظ أو الصم فقط.
حليمة صبره: الاستغناء عن وجود الأساتذة والأدمغة البشرية واستبدالها بالحاسوب!
رأي المعلمين
الأستاذة التربوية والمعلمة حليمة صبره بلبنان والكويت تجيب عن سؤالنا بالقول:
أحد الأشياء التي تطورت في زمننا هذا هي طرق التحصيل العلمي، فلقد استبدلت الكتب والمجلدات بوسائل الكترونية. فهل هذا في مصلحة الطالب؟ وما الايجابيات والسلبيات في ذلك؟
وتجيب: من حسنات هذا التطور سهولة وسرعة إيجاد المعلومات والحصول على الاجوبة لأي سؤال. الانفتاح على العالم وعدم وجود عائق المسافات، فمن الممكن الوصول على اي إيضاحات حتى من دون السفر. كما أن حفظ كميات كبيرة من المعلومات على أجهزة صغيرة جدا وسهولة حملها ونقلها معنا من مكان الى آخر أصبح ميسوراً جدا – هذه من جهة الايجابيات. أما عن السلبيات، فهي ان الطلاب بدأوا بالاستغناء عن وجود الأساتذة والأدمغة البشرية واستبدلوها بالحاسوب. إلى جانب عدم قدرتهم على تقبل عامل الوقت أو الانتظار، فهم يعيشون عصر السرعة ولَم يعد للوقت قيمته التي اعتدنا نحن عليها! كذلك عدم حبهم لتصفح الكتب، واللامبالاة لقيمة المطبوعات ووجودها في حياتهم. مع اعتمادهم الكلِّي على الانترنت وضياعهم في عدم وجودها، وهذه من اكبر المشاكل التي يواجهونها في التطور الالكتروني.
المعلمة السابقة في العلوم اللغوية بالجزائر:
معلومة.. بلا تعب!
تقول الأستاذة م.غ:
الفرق بين تحصيل الطلاب للعلم سابقا وحاضرا فرق شاسع.. ففي الماضي عندما كانت الدروس تقليدية حيث كان المعلم يبحث في عدة كتب ليخرج بقواعد صحيحة وينقلها لطلابه مع حثهم على البحث بإعطائهم مسائل متنوعة كتمارين وبحوث، فيلجأون بالتالي إلى المكتبات العامة أو إلى آبائهم وأقاربهم للتحصيل الصحيح…أما اليوم فالطالب يلجأ للتكنولوجيا الحديثة لأخذ المعلومات التي تكون أحيانا صحيحة وأحيانا خاطئة! وأيضا عندما يأخذ الطالب المعلومة دون تعب وإشراك كل حواسه في التحصيل، فإنه ينساها بمجرد الانتهاء منها!
نهلة ذكي: المزاوجة بين التعليم الورقي والتعليم الإلكتروني خاصة في المراحل العمرية الصغيرة
تجيب عن سؤالنا الشاعرة ومعلمة اللغة العربية بالكويت الاستاذة نهلة ذكي، فتقول:
للتعليم الإلكتروني مميزات، بالطبع منها:
– سهولة الوصول لمعلومات أكثر في وقت اقل.
– الجاذبية الشديدة للمتعلمين خاصة الصغار منهم.
– مواكبة العصر الحديث.
ورغم ذلك، فهي لها الكثير من العيوب منها:
– عدم إمكانية توفير الأجهزة أحيانا لكل المتعلمين على اختلاف بيئاتهم.
– حدوث انفصال تام بين مستخدمي هذه التكنولوجيا وبين الكتاب الورقي مما يزيد كراهية ونفور هذه الفئة تماما من التعليم الورقي.
– الانفتاح الشديد في عالم الانترنت الذي يصعب تحجيمه أو السيطرة عليه مما يعرض النشء في سن التلقي والتشكل لخطورة كبيرة من التأثر بثقافات غريبة قد تحمل أحيانا أضراراً أكبر من نفعها.
– الاستخدام الالكتروني يبعد المتعلم تماما عن الكتابة اليدوية واستخدام القلم مما قد يؤثر على قدرته على الرسم الكتابي والهجائي اليدوي بشكل سليم.
لذلك أرى المزاوجة بين التعليم الورقي والتعليم الالكتروني، خاصة في المراحل العمرية الصغيرة مثل المرحلة الابتدائية والمتوسطة.