خاتم الزواج ورحلة الـ 4800 سنة بدأ بالقصب وانتهى بالماس والأحجار الكريمة
«يا دبلة الخطوبة عقبالنا كلنا»، من منا لا يسترجع تلك الأغنية الجميلة عندما نتحدث عن الخطبة أو الزواج، فدائماً ما ارتبط الحديث عن تلك المناسبات السعيدة بالدبلة الذهب أو البلاتيني المطعمة بالماس أو بدونه التي يهديها العريس لعروسه كي ترتديها في يدها اليمنى في حفل الخطبة ثم تنقلها إلى اليد اليسرى في حفل الزفاف، ولكن هل تساءلنا يوماً عن سبب هذا التقليد المتعارف عليه في كل المجتمعات على اختلاف طقوسها ومن أين بدأ؟
حسب الروايات الموثقة فالحكاية بدأت مع القدماء المصريين قبل ما يقرب من 4800 سنة، فهم أول من ابتكر فكرة خاتم الزواج ذي الشكل الدائري المفرغ والذي يعني بالهيروغليفية الأبدية والخلود، وعندما يقدمه العريس لعروسه، فهذا يعني لديهما أنه يمثل الاتحاد الأبدي بينها.
كان العريس في زمن المصريين القدماء يقدم لعروسه دبلة مصنوعة من القصب المجدول والقنب بالنسبة للعامة، ومن المعادن النفيسة بالنسبة للأثرياء وكانوا يطلقون عليها “حلقة البعث”.
وكانت العادة أن تضع الخطيبة الخاتم في إصبعها الرابعة من اليد اليمنى ومن ثم يتم نقله بعد الزواج مباشرة إلى الإصبع الرابعة باليد اليسرى، حيث يوجد وريد الحب.
توتذكر بعض التقارير أن النماذج الأولية التي شكلت الخاتم كانت تصنع من جزأين يتصلان بواسطة عقدة، يقدم الرجل لعروسه المقبلة نصف الحلقة ويحتفظ لنفسه بالنصف الثاني، وعند إتمام مراسم الزواج تجمع القطعتان ليكتمل خاتم زفاف العروس.
وبسبب تنقل التجار بين الدول المختلفة عبر البحار، انتقلت فكرة خاتم الزواج من الفراعنة إلى الرومان، فكان الشاب الروماني إذا أراد أن يتقدم لخطبة أي فتاة كان يقدم لها خاتماً من الحديد يضعه على سن السيف، فإذا ما التقطته فهذا يعني موافقتها على الزواج.
ومع مرور الوقت تم استبدل خاتم الزواج بقطعتين من الذهب أو الفضة، يحتفظ كل من العروسين بإحداهما والآخر بالقطعة الثانية، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً، حيث عادت فكرة الخاتم من جديد لاعتقادهم أن شكل الخاتم الدائري يعني الكمال وهو المطلوب من العلاقة الزوجية.
ولأن الشكل الدائري برمزيته لا يوجد في الخواتم فقط، فقد اعتمدت بعض القبائل القديمة الخلخال ليكون البديل الذي يوضع في قدم المرأة ليعرف كل أهل القبيلة أنها متزوجة أو مخطوبة، وكانت قيمة الخلخال المادية ووزنه يدلان على مكانتها ومكانة زوجها الاجتماعية في القبيلة.
ولم يستمر هذا التقليد لفترات طويلة، حيث أعيدت فكرة الدبلة الذهب من جديد بسبب انتفاء الغرض من ارتداء الخلخال بعد فترة من الزمن، حيث كانت السيدات في سن معينة يرتدين الجلباب الطويل واختفاء الخلخال من تحته بحيث لا يراه أهالي القرية، بينما تبقى الدبلة واضحة للعيان.
لماذا الإصبع الرابعة؟
سؤال قد يتبادر إلى الأذهان وهو لماذا تم اختيار الإصبع الرابعة في اليد اليسرى لوضع خاتم الزواج؟ والإجابة ببساطة شديدة هو علاقة الشريان الذي يمتد من تلك الإصبع “ويعرف بشريان الحب” بالقلب مباشرة. ويعود الفضل في هذا التحديد إلى قدماء اليونان الذين كانوا يعتقدون أن هناك عرقاً عصبياً خاصاً يمر من هذه الإصبع إلى القلب مباشرة، وهو ما يرمز إلى أسر القلب أو امتلاكه من قبل شخص آخر.
ومع تطور الحياة واختراع أدوات الحفر على المعادن في القرن السادس عشر بدأ تقليد جديد لحفر التواريخ وعهود الزواج على خاتم الزواج، كما كانت تكتب الأسماء وبعض العبارات القصيرة بطريقة الحفر مثل (أحبك) أو (معاً إلى الأبد) وغيرها كما ورد في بعض التقارير الموثقة بهذا الشأن.
أما عن فكرة الشبكة أو التوسع في فكرة خاتم الحب أو البعث أو الخطوبة، فقد بدأت في زمن الرخاء بالقرن الخامس عشر، حسب ما ذكر في بعض التقارير، وبدأت معها رحلة تقديم الخواتم المرصعة بالألماس بهدف خطبة الفتاة التي وقع عليها الاختيار للزواج، وكان أرشيدوق النمسا ماكسيميلان هو أول من بدأ هذا التوجه الجديد في منتصف القرن الخامس عشر وتحديداً في عام 1477، حين طلب يد الأميرة ماري دي بورغندي للزواج، وقدم لها خاتما مرصعا بالماس الذي كان نادرا آنذاك، ليتم عقد القران خلال 24 ساعة.
وكان لاختيار الألماس خصوصية خاصة في ذلك الوقت، حيث كان مقصورا على الأثرياء وأبناء الطبقة الأرستوقراطية بسبب ندرته، ففي ذلك الزمان لم تكن المناجم الخاصة به قد اكتشفت، وكان العثور عليه أمراً فائق الصعوبة، لذا اعتبر “الحجر الذي لا يُقهر والذي يرمز إلى الحب الأزلي”. جدير بالذكر أن اكتشاف مناجم الألماس بدأ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتحديداً في عام 1870 في جنوب أفريقيا، ليصبح بعد ذلك من الأحجار الثمينة التي توسع تداولها، ولكن بين الأثرياء وميسوري الحال فقط.
أما الطفرة الحقيقية في عالم خواتم الزواج، فكانت في أوائل القرن العشرين، حيث تضاعفت صناعتها وتنوعت المعادن النفيسة المستخدمة فيها بحيث شملت الفضة والبلاتين إلى جانب الذهب.
الحرب العالمية الثانية تمنع
الخواتم البلاتين
وكما أصيب العالم بأكمله بالشلل من جراء اشتعال الحرب العالمية الثانية، أصيب أيضا عالم صناعة خواتم الزواج بنفس الأزمة، حيث تم حظر استخدام معدن البلاتين في صناعة المجوهرات ومن بينها دبل الزواج ليحصر استخدامه في الغايات العسكرية فقط كونه يتميز بأنه خفيف وبراق ومقاوم للخدش والتأكسد، وهو ما كان مطلوباً في صناعة بعض الأدوات العسكرية.
وصحيح أن الحرب منعت استخدام البلاتين في دبل الزواج، إلا أنها كانت بمثابة نقلة نوعية في هذا الشأن، حيث انتقل خاتم الخطوبة إلى يد الرجل في غضون ذلك، حيث كان الرجال ينضمون للجيوش المحاربة تاركين زوجاتهم أو خطيباتهم لعدة أشهر، بل لسنوات، لذا استخدم الخاتم كرابط يذكره بعهوده والتزاماته تجاه نصفه الثاني.
وربما كانت قصص خواتم الزواج من الأشياء التي يتابعها أغلبية النساء بشغف شديد، خصوصاً فيما يتعلق بالمشاهير، ولكن من غرائب تلك القصص هي تلك المرتبطة بخاتم الخطوبة الذي قدمه الأمير دوفان ابن ملك فرنسا فرانسيس الأول في عام 1518 للأميرة ماري ابنة ملك إنجلترا هنري الثامن والتي كانت تبلغ من العمر آنذاك عامين فقط.
الخاتم واحد والأسماء كثيرة
ولخاتم الزواج أسماء كثيرة ومتنوعة تختلف من بلد لآخر ومن ثقافة لأخرى، بل ومن حقبة تاريخية للحقبة الأخرى، فكما قلنا كان اسمه “خاتم البعث” في زمن القدماء المصريين. والخاتم نسبة إلى الختم لأنهم كانوا في السابق يختمون بواسطته الأوراق والوثائق، وبالتالي فهو ختم يجمع بين العروسين.
أما الاسم الآخر فهو محبس إشارة للحبس في قفص الزوجية. أما (الدبلة) فهو الاسم الأكثر تداولاً في هذه الأيام، وتعني في اللغة العربية الدائرة.