دبلوماسي واقتصادي حياته تشبه صعوده للجبال د. عبد الله القويز.. ثمانيني يعشق الصعاب
من المتعارف عليه أن روح المغامرة والتحدي ترتبط بفئة الشباب، حيث لا يهابون مخاطر المغامرة التي يرغبون في خوضها مهما كانت، إلا أن مغامرًا سعوديًا خالف ذلك، وأثبت للعالم أن روح المغامرة والتحدي لا ترتبط بعمر معين أو مواصفات معينة، فقبل تحوله إلى استكشاف العالم والطبيعة السعودية الهائلة التنوع، لعب د. عبد الله القويز أدوارًا قيادية عدة في مرحلة تأسيس وتطدبلوماسي واقتصادي حياته تشبه صعوده للجبال
د. عبد الله القويز..
ثمانيني يعشق الصعاب
ور المنظومة الاقتصادية السعودية والخليجية، كما أدى دورًا دبلوماسيًا مهمًا من خلال توليه سفارة المملكة العربية السعودية في البحرين، وتولى قيادة صندوق النقد العربي، حيث أشرف على إعادة تنظيم الصندوق وتنويع نشاطاته وإطلاق برنامجه لتمويل التجارة العربية.
نظر د. عبد الله إلى الحياة من مرتفع المعاني
وفي الصناعة المصرفية، تولى قيادة بنك الخليج الدولي في البحرين وفي المهمات جميعها التي تولاها ترك د.القويز بصماته الخاصة وقيمة مضافة بقيت شاهدة على المزايا التي يتمتع بها، وعلى ريادته في التفكير والمبادرة.
أهم ما في الحياة الحافلة للقويز أنها تكونت على الدوام من جانبين أساسيين: الجانب الأول هو الشخصية العصامية التي تدرجت من الحياة البسيطة لقرى نجد إلى الشخصية المسؤولة ذات الثقافة الواسعة والكفاءة في تولي المسؤوليات القيادية، أما الجانب الثاني فهو جانب الإنسان ذي النظرة الأوسع إلى الحياة التي يرغب في أن يعيشها والتي تركز بالمقام الأول على توسيع الثقافة والمعارف والتأثير المجتمعي، وخصوصًا توفير نموذج يحتذى للأجيال الناشئة.
نظر د.عبد الله إلى الحياة من مرتفع المعاني، وليس من باب المقاصد الصغيرة، واهتم بالتالي بإيجاد تعريفه المختلف لمعنى الحياة المكتملة التي حرص (وقبل رواج مفهوم “جودة الحياة”) أن تتبع نهجًا يجمع بين قواعد العيش الصحي وحياة عائلية هانئة وروابط صداقة والاهتمام بالقضايا التنموية والاقتصادية التي تتصدر الأولويات السعودية والخليجية وبالشباب الذين تجده يسعد بمرافقتهم في نشاطاته ورحلاته، ولا يبخل عليهم بالنصيحة، وهذا في وقت يشكل وقوفه بينهم أصلًا مثالًا يغني عن كم كبير من النصائح النظرية.
الولادة في قصر ثم المعاناة من المجاعة
كشف د.عبدالله القويز سفير المملكة في البحرين سابقًا في أحد اللقاءات الإعلامية له عن نشأته، قائلًا:
”لا أعرف تحديدًا تاريخ مولدي، لكنه بين 1936 و1940، واستقر الأغلبية عند 1939م، وقد ولدت في قصر أجدادي بالدوادمي، وفي طفولتي عاصرت المجاعة التي ضربت المملكة في بداية الأربعينيات”.
لم يكن لدينا إلا زيّ واحد
وعن المجاعة، أضاف القويز: “تزامنت مع الحرب العالمية الثانية، وكانت فترة صعبة جدًا، إذ لم يكن بإمكاننا الحصول على الطعام والملابس، حتى انه من شدة نقص التغذية لم يتمكن البعض من الوقوف على قدميه،
وقد ساء الوضع حتى باتت تسقط حالة وفاة كل يوم”.
وتابع: “في تلك الفترة قدمت لنا أميركا الذرة الحمراء ولم يتقبلها الناس بسهولة ولم تتقبلها شهيتهم، وكانت غريبة لأن الذرة معروفة بأنها بيضاءة وقد عاصرت كذلك انتشار وباء الجدري، وبعد ذلك السل والدرن”.
ولفت القويز إلى أن الحصول على الزي كان صعبًا وقاسيًا، “إذ كان الناس تشق قطع الخيش من أجل الحصول على غترة أو شيء يرتدونه.. وكنا نرتدي زيًا واحدًا حتى يفنى ويدوب”.
وفيما يخص زواجه في سن التاسعة عشرة، قال: “كان أفضل قرار في حياتي.. وخسرت الكثير بوفاة زوجتي في عام 2017 بعد 57 سنة من الزواج، فقد كانت بالنسبة لي الحياة والعائلة والناصح”.
وعائلة القويز الصغيرة من الأولاد والأحفاد، والتي بناها مع زوجته الراحلة، تكتنز الصفات والمعاني التي طالما مثلت أولويات د. عبدالله وهي المثابرة والنجاح والتواضع والعلاقات المجتمعية الوطيدة، وهي غنية بالرواد في مجالاتهم في القطاعين العام والخاص والذين يؤكدون تلك الصفات الشخصية والمهنية التي يختصرها عبدالله القويز في مسيرته وإنجازاته التي لم يتوقف فيها يومًا عن الخوض في تحديات جديدة وكسر الحواجز وتحطيم الأرقام القياسية. وتحتضن هذه الشخصية ثقافة واسعة وفضولًا معرفيًا لا حدود له وتوقدًا ذهنيًا وقدرة فائقة على نسج العلاقات في المجتمع السعودي وعبر الدول.
ولعلّ أهم التجارب التي دخلها القويز، وقدمت دليلًا على نظرته الأوسع وشخصيته الفريدة تحوّله حتى في سنه المتقدمة إلى الرحلات ومغامرات الاستكشاف الجغرافية والثقافية للإرث الهائل الذي تحتوي عليه السعودية وهي مهد لحضارات عدة تعاقبت على أرضها على مرّ السنين.
وبينما يفترش الكثيرون من أبناء الأجيال الجديدة أو المخضرمة مجالس الدردشة، إذا بالقويز يحمل عصا الرحالة وعتاد السفر الطويل، وينطلق في البوادي والكثبان وبين الجلاميد الوعرة، مستكشفًا الحضارات المتنوعة التي عاشت في المملكة، وتركت آثارها وكتاباتها في الصخر والأطلال، ونظرًا إلى ترحاله المستمر وانتقاله بين المعالم التاريخية للمملكة، فقد بات القويز مرجعًا لهواة ومحترفي المشي في الطبيعة والتسلق، بل مبادرًا في تحديد وترسيم مسارات هذه الرياضة في المملكة ورائدًا في التعريف بها وتشجيع الأجيال السعودية على استكشافها، وهو بذلك يساهم بسد نقص كبير في هذا المجال، وبتعميم الثقافة بالإرث السعودي الكبير في الجغرافيا والتاريخ، من خلال توسيع نشاطه الاستكشافي إلى مختلف المناطق السعودية، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق ذلك الهدف، ولا يخفي القويز سعادته بهذه الرسالة التي يتوج بها مسيرة طويلة في خدمة المملكة العربية السعودية.
الحياة رحلة
ودائما نجد أن د.عبدالله القويز يعرفه المغامرون المتسلقون للجبال، ولا تُدهش من علاقته التي سرعان ما تتوطد مع السائحين، بينما يكون القويز أكبرهم عمرًا.
وربما على سبيل المزيد من التحفيز وإعطاء القدوة يضيف القويز إلى رحلته الجريئة التي صعد فيها إلى قمة جبل كليمنجارو المغامرة الجديدة (والمحفوفة بالمخاطر) لتسلق إحدى قمم إفرست في جبال الهيمالايا التي ترتفع أعلى قممه إلى نحو 8834 مترًا فوق سطح البحر وهي الأعلى في العالم.. وتُظهر الصور والتغريدات التي نشرها القويز هذا الرجل الثمانيني، وهو يحمل عتاده وعصاه، ويشق مع رفاقه السعوديين الطريق الوعرة والخطر إلى أعلى قمة في العالم وسط حرارة متدنية تبلغ 17 درجة مئوية تحت الصفر، وحيث ينخفض تركيز الأوكسجين الجوي عن المعدل.
ووثق د. القويز رحلته، ووصوله إلى قمة إفرست، أعلى قمة في العالم، بمساعدة مرشدين سياحيين، ليصبح أكبر عربي يصل إلى قمة إفرست، وقال القويز في تغريدة على تويتر: “اليوم – وصول المخيم الأساسي (بيس كامب) لإفرست – هيمالايا – نيبال – قيادة المرشد القدير فاروق الزومان – بصحبة منصور العودة – عبدالله الشدي – أخي عبدالعزيز-اثنين من الهولنديين، أستطيع أن أدعي أنني بتوفيق الله أكبر سعودي وعربي يحقق هذا الإنجاز.. مثلما حصل عندما وصلت لقمة كليمنجارو عام 2016”.