ذكريات مع معلمي كلمات لا تُنسى وعـلـم يـنـفــع تــبـقــى آثــاره
تقول حكمة يابانية «الأفضل من آلاف الأيام من الدراسة المجدّة، يوم وحيد مع معلم عظيم»، فمعلمة عظيمة وضعت الكاتبة الكفيفة والتي كانت تعاني من الصمم هيلين كيلر على طريق العلم وفتحت لها أبواب الحياة وكانت من أسباب دخولها لعالم الكاتبة. وبداخل كلٍ منا ذكرى لمعلم لا ينساها، قد تكون كلمة أو موقفا أو إشادة عززت من الثقة بالنفس. ونتلمس في الموضوع التالي آثار المعلم في نفوس طلابه بعد مرور السنوات، حيث يحكي لنا شباب وشابات عن ذكرياتهم مع معلميهم:
كلمات لا تُنسى
يذكر الكاتب المغربي الشاب حمزة مشامشة، أنه كان في الرابعة عشرة من عمره، عندما وقع بينه وبين معلمته موقف ما يزال حتى الآن محفوظًا في ذاكرته، ويقول: “حينما رن جرس الخروج أمرت المعلمة بخروج الجميع سواي لغرض التحدث معي، ومكثت في طاولتي وبعد وقت مرّ، سألتني معلمتي قائلة: من أكثر الناس فشلاً في الحياة، وأكثرهم سعادة، فكان جوابي آنذاك مضحكا كجواب كل تلميذ لم يعرف بعد معنى الحياة، وقلت:” أكثر الناس فشلا الذين لا يدرسون ولا يحصلون على نقطة جيدة بآخر السنة، وأسعدهم الذين يحصلون على تلك النقطة”، فضحكت ولم أكن أنتظر منها ردّا غير ذاك، فقالت لي بعدها بالحرف:” إن أكثر الناس فشلًا يا صغيري، الذين ابتعدوا عن طريق الحق، وعن المنهج الذي أمرنا الله تعالى جميعًا باتباعه، أما أسعدهم فأولئك الذين اتبعوا ما أمرهم به ربهم”، فطلبت منها شرح كلامها لأفهم معناه الدقيق، لكنها فضلت أن تتركني غارقًا في أفكاري، وأمرتني بالانصراف.
بعد مرور السنوات أدرك حمزة معنى قول معلمته عندما أصبح راشدًا وصار يملك كثيرًا من الأشياء وفي داخله منكسرًا “تذكرت قول أستاذتي، وبعد فترة زمنية، وصلت إلى هذه النتيجة التي حقّا هدّأت من روعي، ورزقتني الطمأنينة بداخل قلبي، وأيقنت أن السعادة والنجاح في طريق لا يرضاها الله لن تدوم أبدًا، وأيقنت من كلمات معلمتي عن الأثر الكبير للكلمة على نفس متلقيها”.
أحلام مدني: أستاذي للغة العربية كان سببًا في حبي للصحافة والإعلام
وتؤكد أحلام مدني الكاتبة والصحافية أن ذكرياتها مع معلميها كثيرة بدءًا من الصف الأول الابتدائي حتى تخرجها الجامعي: “درستني معلمة في الصف الثالث الابتدائي ما زالت صورتها في مخيلتي، كانت دائمًا تظهر الحب لي في طريقة كلامها. ومن بين أكثر المعلمين الذين أثروا فيّ أستاذ اللغة العربية في مرحلة الإعدادي والذي كان مسؤولًا عن الإذاعة المدرسية وقال لي أمام الجميع” أحلام التي ستبهرني وحدها التي تستطيع توصيل ما يروج في ذهني بحب وإتقان” هذه الكلمات من أهم الأسباب التي جعلتني اليوم أدرس الإعلام وأعمل بالصحافة. وحتى في الجامعة منحني دعم من دكتورة الكيمياء التي درستني في السنة الثانية سعادة كبرى حين حضرت حفل التخرج الذي ألقيت فيه كلمة طلاب جامعتي وأشادت
بإلقائي وكلماتي”.
جنان الشهاب: معلمتي للفيزياء كانت من رشحتني لأولمبياد الفيزياء رغم رفض بقية المعلمات
معلمون داعمون للنجاح
وتعود المخترعة والمهندسة جنان الشهاب إلى مرحلة الثانوية عن ذكرياتها مع أكثر معلمة أثرت في حياتها، إذ تقول: “كانت معلمتي أبلة راوية، رحمها الله، وهي مدرستي ورئيسة قسم الفيزياء في الثانوية دائمًا واثقة بقدراتي، وهي التي رشحتني للاشتراك في أولمبياد الفيزياء وقتها مع العلم أن كل المدرسات كن رافضات، وفي النهاية حصلت على المركز الذهبي في أولمبياد الفيزياء الوطني 2005 ولم أخيب ظنها، وكانت باستمرار تأخذ من وقتها وتعلمني الأشياء التي تنقصني في أوقات فراغها ولم تكن تبخل علينا بالتشجيع. علمت بوفاتها مؤخرًا وسأظل طوال عمري أدعو لها”.
أما مريم الرسامة والفنانة فتصف ذكراها مع معلمتها للتربية الفنية بـ “نور يشع في قلب فنانة” وتعود للوراء إلى الصف السابع حين طلبت معلمة الفنية من الصف أحد الرسومات، فرسمتها بجد ولكن عند الانتهاء منها لم تشعر بالرضا تجاه رسمتها: “فوجئت في اليوم الثاني وفي حصة الفنية عندما طلبت المعلمة أن نعرض أعمالنا أنها توقفت لدى عملي كثيرًا وظلت تمدح في رسمي أمام الطالبات بل علقتها على اللوحة. وفي هذه اللحظة التي لا أنساها لم أكن مصدقة ما جرى ومنذ هذا الوقت وأنا أحب الرسم كثيرًا ويستحيل أن أنسى هذا الموقف”.
فيما يقول عمرو، الشاب العشريني، إنه مايزال يتذكر معلمه في الصف الثاني المتوسط حتى الثانوية للرياضيات لأنه ترك تأثيرًا كبيرًا عليه بتشجيعه الدائم: كان على الدوام يظهر لي إيمانه بقدراتي، وأذكر له موقفًا في إحدى حفلات الفائقين وقتها كنت قد قدمت فقرة في الحفل وأثنى كثيرًا على أدائي وعانقني بقوة وكانت من أسعد ذكرياتي الدراسية، وما زلت حتى الآن على تواصل مع معلمي.
علم ينفع
ويؤكد الشاب مصطفى أن معلمًا للغة العربية هو أكثر من أثر في حياته الدراسية: “في الثانوية كنت متأخرا في النحو جدًا، ولكن معلمي لم يتركني ووقف معي ودربني على حل قطع النحو، وهو ما ساعدني في امتحان اللغة العربية على تجاوز النحو بسهولة وفي وقت وجيز، جزى الله معلمي خير الجزاء”.
أحمد: مجهود أستاذي في الرياضيات جعلني من الأوائل
بينما يشير أحمد فاروق (٢٥ عاماً) إلى أنه رغم مرور عدة سنوات فلم ينس أبدًا معلمه للرياضيات في المرحلة المتوسطة، والذي يُعده سببًا في تفوقه خلال مراحله الدراسية: “كان معلمي يشجعني ويصفني بكوني استثنائياً ومتميزاً عن غيري من زملائي، وهو ما جعلني أشعر بالفخر بنفسي وولد لدي ثقة كبيرة بالنفس. وكان هذا المعلم قدوتي في ثقته وهيبته بين المدرسين والطلاب، كما أنني استقيت منه الأسس والمبادئ المتينة التي كان يربينا عليها. وكانت الاختبارات بالنسبة لنا في مادته تتسم بالسهولة، إذ كان دائمًا يطرح علينا كل السيناريوهات الممكنة للاختبار، ونتيجة لمجهوده أصبحت من الأوائل وتخرجت في كلية من كليات القمة ومازلت على تواصل معه حتى هذه اللحظة”.
سارة: حبي للغة الإنجليزية وتميزي فيها يعود إلى معلمتي في المرحلة الابتدائية
وبالنسبة لسارة فكانت ترتبط بروابط شخصية مع معلميها يجعل دورهم أكبر من التعليم فقط: “دائمًا ما كان المعلمون مؤثرين منذ مرحلة الروضة، فكانوا يساعدونني في التأقلم مع الأجواء الدراسية والأنشطة، وفي ذاكرتي لديّ 3 معلمين على وجه الخصوص كانت لهم مكانة خاصة في نفسي. ففي مرحلة الابتدائية كانت لدينا معلمة تشغل لنا قصصًا باللغة الإنجليزية مما جعلني أحب اللغة وساعدني في تكوين مخزون قوي منها. وثانيًا معلمة التربية الدينية في مرحلة الإعدادي والتي كنت أنتظر حصتها باشتياق وأثرت علي كثيرًا في علاقتي ورحلتي مع الله، وتعرفي أكثر على المعارف الشرعية، وأخيرًا في الثانوية كان لمدرسي للغة العربية المتميز الفضل في فهمي لقواعد النحو والعربية، وكان مثل أبي في هذه المرحلة الدراسية ويعمل على حمايتي”.
«أسرتي» في كل مكان
داليا شافعي