رائدة من جيل المؤسسين في الأمم المتحدة نعيمة الشـايـجـي ووقفات في مرفأ ذكرياتها

نعيمة عبدالرحمن الشايجي أول كويتية تُرشح لمنصب وكيل وزارة مساعد، وأول كويتية رشحت للتعيين لعضوية المجلس البلدي، وأول امرأة كويتية، بل خليجية، يتم تعيينها في منصب دبلوماسي في الأمم المتحدة.
إنها امرأة كويتية بذلت الجهد والوقت، من أجل أن تكون مسيرتها العلمية والعملية والثقافية والاجتماعية في متناول بلدها، إمعاناً في تكريس التطور والإنجاز، والتأكيد على ما تحتله الكويت من مكانة بارزة وسط الأمم نتيجة للسعي الحثيث المستمر لأبنائها البررة النابهين.
أفرغت الكاتبة نعيمة عبدالرحمن الشايجي تجربتها في ميدان الحياة العملية. في كتابها بعنوان “طريقي إلى الأمم المتحدة”، الصادر عن دار ذات السلاسل للنشر والتوزيع، يسير الكتاب في خطين متوازيين، تعرض فيهما الكاتبة ما جادت به ذاكرتها من معلومات وما مرت به من أحداث ومواقف في مسيرتها الوظيفية، إلى جانب التوثيق المفيد والمهم لتطوير بعض المؤسسات التي عملت فيها، سواء في الكويت، أو على المستوى الدولي ومنظمات المجتمع المدني.
ورغم أنه لم يفصلها عن تبوؤ مناصب قيادية عليا في منظمات الأمم المتحدة سوى أمتار قليلة، فإنها بقيت ثابتة على قناعاتها، ولم تتنازل عنها. خرجت الكاتبة نعيمة الشايجي من المحلية إلى الدائرة الأوسع أفقاً وعملاً وعطاء، ممثلة في دائرة العمل الدولي، وهناك حُفِرت التجربة في نفسها بعمق على المستويين الثقافي والفكري.
نعيمة الشايجي تفانت بأداء المسؤولية حتى نسيت نفسها
وفي مقدمة الكتاب تعثر على مبتغاك قبل أن تغوص في ثناياه، حيث تعترف نعيمة الشايجي، وفي جرأة الواثق من نفسه أنها “تفانت بأداء المسؤولية حتى نسيت نفسها، وفقدت الكثير من الامتيازات والعلاوات، وأصبحت خير من يضرب فيه المثل بإنكار الذات”، لكن يكفيها شرفاً، بالرغم من عدم تعيينها، أنها كانت أول كويتية ترشح لمنصب وكيل وزارة مساعد، كانت أول كويتية رُشحت للتعيين لعضوية المجلس البلدي وأول كويتية، بل خليجية، يتم تعيينها آنذاك في منصب دبلوماسي في الأمم المتحدة لمدة سبع سنوات.
أثبتت في أكثر من مناسبة قدرتها على تمثيل بلدها في المحافل الدولية وباقتدار، وخوضها في مجال التنمية مستشارة دولية في التنمية المتكاملة. تسعة فصول حصيلة الكتاب الذي توزع على أيام الطفولة والدراسة ثم الإدارة البيئية وقضاياها ومسيرة التخطيط وتحول جهاز التخطيط من مجلس إلى وزارة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية والمنظمات ذات العلاقة وشؤون المرأة محلياً ودولياً ومساهماتها في مؤسسات المجتمع المدني والكويت تحت الاحتلال العراقي ومعهد الكويت للأبحاث العلمية والهيئة العامة لشؤون الزراعة وأحداث ومواقف لا بد من تدوينها وأخيراً السيرة الذاتية وإضافات أخرى.
الشايجي تقدم تجربتها من واقع معايشتها
لم تشأ المؤلفة أن تتحدث وتغوص في الجوانب الذاتية والخاصة، بل قدمت تجربتها من واقع معايشتها لمختلف الأماكن والدول والمنظمات والهيئات التي عملت بها، بحيث تقرأ سيرة مجتمع ودولة بقدر ما تقرأ عن تدرجها في حياتها العملية.
محطة البحرين في الفصل الأول روت لنا جزءاً من تاريخ البحرين السياسي والاجتماعي والتعليمي، حيث عاشت هناك فترة من الزمن ودرست في المدرسة الخليفية، حدثتنا عن المجتمع البحريني وكيف عادت إلى وطنها، ثم أكملت دراساتها العليا في اسكتلنداتفي الستينيات، وكانت على اتصال دائم بالاتحاد الوطني للطلبة الكويتيين في بريطانيا، تخرجت عام 1968 وهي السنة التي فقدت فيها والدتها.
لم تكن الوحيدة من الطالبات الكويتيات في بريطانيا، كانت من جيل المؤسسين الذين حفروا في الصخر وتعبوا على أنفسهم، وعاشوا في بيئة منفتحة ووعي أسري ساعدهم على السفر للخارج مطلع الستينيات للدراسة ثم العمل.
رواية واقعية في الفصل الثاني والمخصص عن البيئة، ستطالع رواية واقعية فيها الكثير من التشويق والحكايات التاريخية عن مركز تنمية مصادر المياه، والتي كانت لها الفرصة للمشاركة فيه بعد تخرجها وهي تخطو أولى الخطوات نحو العمل حاملة شهادة عليا بعلم الكيمياء التحليلية، ففي كل محطة تضع “شخصها” خارج الإطار لتروي لنا تاريخ المركز أو المؤسسة أو المعهد، وهي بذلك تسرد جوانب جديدة لم يتسن لأحد من قبل أن يطلعنا عليها بذاك الوضوح.
لقد أشبعت موضوع البيئة بحثاً وتنقيباً، وكيف كانت البدايات بقسم دراسات التلوث، في إدارة تخطيط البيئة وحضورها المؤتمر الرابع لمنظمة المدن العربية في بغداد عام 1974 وعملها في مجلس التخطيط مديرة إدارة تخطيط البيئة وشهادتها حول اللجنة العليا للمخطط الهيكلي واللجنة العليا لحماية البيئة البحرية وتنمية السواحل، والذي عقد في أبريل 1978، والأهم من كل ذلك، كيف نشأت المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية، واتخذت من الكويت مقراً لها ودور د. عبدالرحمن العوضي في تعزيز أهمية القضايا البيئية وإسهامات د. مصطفى طلبة وخبرة د. بدرية العوضي وكذلك المهمات الاستشارية التي قام بها برنامج الأمم المتحدة. قد يكون التخطيط إحدى الواجهات التي أطلت منها نعيمة الشايجي، فهي من رافق مسيرة التخطيط، وكانت إحدى الرائدات في هذا الحقل، ومن الأوائل الذين أعطوا وبنوا وأسسوا اللبنات الأولى في هذا المضمار.
قصة الصندوق الدولي للتنمية الزراعية
عنصر التشويق في الكتاب يكمن في أن مطالعة أي فصل من الفصول الثمانية، يعطيك خلفية تاريخية عنه والأسماء التي كانت لها الدور بذلك والمراحل التي شهدها، وكأنك تطالع فيلماً وثائقياً بالعين عن تلك المرحلة. مناصب دولية رسمت الشايجي خطا مستقيما لمسيرتها عبر توثيق وتدوين تاريخ المؤسسات الدولية التي عملت فيها، فمثلاً ستجد في الفصل الرابع قصة الصندوق الدولي للتنمية الزراعية والمنظمات ذات العلاقة، فتتدرج بالحديث عنها وعن أهدافها وصلاحياتها والآليات التي تعمل بها ومرافقتها للأنشطة والمؤتمرات والحوارات التي شاركت بها، فهي تتحدث من داخل تلك المنظمات أي أن الراوي هنا، شريك بصنع القرار وملم تماماً بالأدوات التي تحكمه، وتخال نفسك في لحظات أنك تقرأ رواية، وتستمع إلى واحدة من “بنات الصندوق”، أي من أهل البيت وأكثرهم اطلاعا وخبرة ومعرفة.
عضويتها في معاهد (إيكاردا – أسنار – إيمي) علمتها الكثير عن التنمية الزراعية وجوانب أخرى أصبحت مكملة للجوانب التي تعلمتها بحكم وظيفتها مديرة للعلاقات الخارجية في الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وكذلك مديرة عامة للإدارة العامة لشؤون التعاون الفني بوزارة التخطيط بالكويت.
نعيمة الشايجي تتحدث من «قلب الحدث»
بين قضايا المرأة والاحتلال، ومن شؤون وقضايا المرأة الكويتية إلى الإطار الدولي، كانت نعيمة الشايجي تتحدث من “قلب الحدث” تروي وتدون ما كانت شاهدة عليه، من القمة وإلى مستويات الإدارات التنفيذية، وفي الميدان وعلى الأرض. دورها كمواطنة كويتية تعرض وطنها للاحتلال على يد النظام العراقي يمكن تتبعه والأعمال التطوعية التي قامت بها وهي خارج الكويت، من البحرين إلى لجنة الإعاشة في بريطانيا واحتلال منزلها وأسرتها من قبل الجيش العراقي، واتخاذه كمقر للقيادة العسكرية المحتلة، ثم تعرضه للتخريب وسرقة محتوياته، نظرا لموقعه الإستراتيجي من الناحية العسكرية في منطقة كيفان.
روت جملة أحداث في الفصل الأخير من الكتاب، رأت ضرورة تسجيلها لما تحمله من دلالات ومعان إنسانية أفصحت عن بعضها، فضلاً عن مناصب لم تأخذ حقها منها، ومواقف لا تمحى من الذاكرة.