لطالما شكلت حفلات الزفاف في لبنان ساحة منافسة بين العرسان لتنظيم حفل زفاف لا ينسى بأدق تفاصيله، يبدأ التحضير له قبل عام، فيتم رصد ميزانية ضخمة للمناسبة ولو كانت عبر قرض من المصرف أو دين، ويتم تنسيق التفاصيل بدءا من الزهور، الزفة، الصالة، عدد المدعوين، الإضاءة، الألعاب النارية، السيارة والزينة، أصناف الطعام، الموسيقى، «بوكيه العروس»، بدلة العريس، والأهم من هذا كله بالنسبة للعروس فستان الفرح، حيث تبحث عن التميّز والإطلالة المتألقة لتكون حديث الحضور، وتحقق حلمها الطفولي بالفستان الأبيض.
عرائس في لبنان يبحثن عن «حلمهن الأبيض» وسط أزمة الغلاء
ومع بداية الأزمة الاقتصادية، وسرقة العصر من قبل المصارف بحق المودعين، وتوقّف القروض من البنوك، وبروز أزمة الدولار، وجد الشاب اللبناني نفسه أمام واقع جديد غيّر من نمط حياته، وغيّر من أهدافه وطموحاته، وقد باتت ليلة الفرح المنتظرة خالية من كل ما ذكرناه سابقا، واقتصرت على الأساسيات، هذا إن كان هناك مقدرة مادية على إقامة حفل من الأساس.
في تقريرنا هذا سنتحدث عن قصص شباب وشابات (أسماء مستعارة) مع حفل الزفاف، بما كانوا يحلمون وكيف انتهى بهم الأمر في نهاية المطاف.
الأزمة عجّلت زفافه
بسبب الوضع الاقتصادي الصعب تمكّن العريس علي ابن الـ 28 عاما، أن يقنع عروسته (ريم) ابنة الـ 24 عاما، بالابتعاد عن كل مظاهر الترف والكماليات، فوافقت تحت شرط وحيد، وهو أن تختار فستان زفافها دون مراعاة لأية ظروف، فبحسب تعبيرها جل فرحتها يكمن بفستانها الأبيض، ولا يعنيها الحفل بحد ذاته. بل اكتفت بالتقاط الصور الفوتوغرافية مع علي، “صورنا الجميلة هي كل ما تبقى لي من تلك الذكرى”.
لميس: بتّ أبحث عن
سعر يناسب قدرات خطيبي لا عن موديل يعجبني ويلبّي ذوقي
البحث عن السعر لا الذوق
تستعد لميس ابنة الـ 22 عاما للانتقال إلى منزلها الزوجي بعد خطوبة استمرت لثلاث سنوات، وفي ظل غلاء الأسعار حيث بالكاد استطاع خطيبها محمد ابن الـ 30 عاما تأمين احتياجات منزله الأساسية، سامحته بالوعد الذي كان قد قطعه بأن يشتري لها فستان الزفاف ليبقى شاهدا على قصة حبهما، واكتفت باستئجار فستان من أحد المحلات في العاصمة بيروت، تقول “حتى وأنا أبحث عن فستان لأستأجره، صراحة الأسعار كانت مرتفعة جدا، فالجميع يسعّر على الدولار، وبصراحة أكثر بتّ أبحث عن سعر يناسب قدرات خطيبي لا عن موديل يعجبني ويلبّي ذوقي”.
ميساء: فتشت عن حلول لمساندة زوجي وفجأة خطرت ببالي فكرة تأجير فستان زفافي
ميساء تؤجّر فستان زفافها
لم تجد ميساء ابنة الـ 34 عاما سبيلا لمساعدة زوجها على تحمل مسؤوليات المنزل خصوصا أنها أم لولدين، وبعد البحث عن حلول وجدت في فستان زفافها الذي اشترته منذ 8 سنوات فكرة لمدخول إضافي.
تقول “فتشت عن حلول لمساندة زوجي ولم أصل لنتيجة وفجأة خطرت ببالي فكرة تأجير فستان زفافي، فقمت بوضع إعلان على حسابي الشخصي على فايسبوك، لم يكن الهدف ماديا فقط، بل كنت أفكّر في أن من سيناسبها فستاني سأكون قد حللت لها مشكلة تؤخّر زواجها، والإيجار كان شبه رمزي”، لم يوافق زوج ميساء على الفكرة في بداية الأمر خوفا من تعرّضه لضرر ما، ولكونه يعلم مدى حب زوجته لهذا الفستان، إلا أنها أقنعته واستطاعت أن تدخل إلى منزلها دخلاً إضافياً ولو قليلاً، ولكنها أدخلت إلى قلوب الكثيرات فرحة وسمحت لهن بارتداء الفستان الأبيض، ولو ليس كما يحلمن.
لاقت الفكرة رواجا بين صديقاتها، حيث بدورهن ساندنها ووضعن فساتين زفافهن تحت تصرّف ميساء، وهكذا أصبحت المجموعة تزداد على مراحل لتشعر العروس بأنها تختار فستان زفافها بين عدة موديلات، وانتشرت هذه الفكرة على وسائل التواصل الاجتماعي، فتم إنشاء الصفحات والمجموعات لبيع واستئجار فساتين الزفاف لعل إحداهن تجد طلبها وتفرح قلبهاتبالحد الأدنى دون أعباء إضافية.
رولا: قررت الانتقال بتجارتي من البيع إلى التأجير لانعدام المقدرة عند الناس على الشراء
أقفلت متجرها وفتحته في المنزل
رولات كانت منذ سنتين صاحبة متجر لبيع فساتين الزفاف، وبعد الأزمة التي حلّت بالبلاد وفترة كورونا، جمد سوق البيع بشكل كبير ولم تعد الفتيات يدخلن إلى متجرها حتى للاستفسار عن الأسعار، تقول: “هنا قررت إغلاق متجري، وانتقلت مع فساتيني إلى المنزل، وقررت الانتقال بتجارتي من البيع إلى التأجير لانعدام المقدرة عند الناس على الشراء، وبدأت أجد الفرق سريعاً، وبتُّ أنتج مردودا جيدا خصوصاً أنني أصبحت أعمل من منزلي حيث الكلفة صفر، وأسعاري رخيصة، ما فتح لي المجال لكسب زبائن جدد، وموديلاتي الرائعة لاقت استحسان الفتيات، وكنت أسعّر حسب الوضع المادي للعروس، لأنني أعرف أن من قصدني بالتأكيد أوضاعه معدومة، لذلك كنت أشعر بأقل الأسعار، ومن أجدها معدومة الحال أسامحها بالإيجار متمنية لها زواجا سعيدا.
أيمن: لو كانت تحبني فعلا لاستغنت عن كل التفاصيل تماشيا مع الوضع، وتتويج سنين حبنا بالزواج
تأجيل الزواج
لم ترضخ مريم للواقع الذي يعيشه أغلبية الشعب اللبناني، ورفضت منذ قرابة سنتين الزواج من خطيبها أيمن “على السكت”، كانت تقول دائماً “ننتظر حتى هدوء الأوضاع، وتتحسن الظروف وأتزوّج وسط حفلٍ يرضيني”، الأمور لم تسر كما تشتهي سفن مريم، الأمور لم تتحسّن بل ازادت سوءاً، ومنذ سنتين كان يقنعها خطيبها بأن يقيم لها حفلة صغيرة مع عشاء يقتصر على العائلتين ويتزوجا، أما الآن فالوضع اختلف وأصبحت هي تقنعه بسهرة من دون عشاء، وهو يرفض لعدم مقدرته على تحمل التكاليف. ويصر بدوره على استئجار فستان سعره مقبول وتنظيم حفل ضيّق في منزل أهله.. ولن أستغرب إن وصلا إلى الانفصال؛ لأن أيمن يعتبر أنها أضاعت الفرصة سلفا، ويقول “لو كانت تحبني فعلا لاستغنت عن كل التفاصيل تماشيا مع الوضع، وتتويج سنين حبنا بالزواج”.
رحلة البحث عن فستان يناسب الأحوال
تستغل رويدا كل الوسائل المتاحة للبحث عن فستان زفاف لتزف من منزل العائلة بالأبيض، تقول “تأخير زفافي كان بسبب الفستان، فقد قررت وزوجي الاستغناء عن كل ما يتعلّق بالزفاف لقلة حيلتنا، وبحثت مطولاً عن فستان لأستأجره، إلا أنني صرفت نصف ما أملك ثمن مواصلات خلال البحث، شعرت حينها بأن فرصة لبسي الفستان الأبيض تضيع أمام عيني، وبعد البحث المطوّل على مواقع التواصل الاجتماعي تفاجأت باتصال من إحدى صديقاتي تخبرني بأن إحداهن تواصلت معها لتقدّم لي فستان زفافها من دون مقابل، وهكذا مساعدتها لي أنقذت موقفي، وخرجت بالحد الأدنى أمام عائلتي.
تتعدد القصص حول ذلك الحلم الأبيض، وواقع الحال في لبنان بات يقول إن الوقت الذي كان يصرف فيه مبالغ خيالية في ليلة الزفاف قد ولّى عند الأغلبية، وإن كل فتاة تود أن تصمم فستانها حسب مواصفات تضعها، وتركّز على أدق التفاصيل فيه قد ولى أيضا، بل بتن يبحثن عن استئجاره لليلة واحدة فقط إن سمحت أحوال زوجها المادية. فكرة الحلم الأبيض باتت تفقد بريقها على مراحل لصعوبة الأوضاع، لم تعد ليلة العمر كما كانت تسمّى، بل باتت بالنسبة لكل طامح للزواج حملا ثقيلا يناشد الخلاص بأقل الأضرار.
«أسرتي» في كل مكان
علي غندور