تحقيقات
أخر الأخبار

عندما يسكت المنطق.. يرتفع الصراخ.. الحوار بين الأهل والأبناء.. الطريق إلى بر الأمان


«عندما يغيب المنطق.. يرتفع الصراخ»، هكذا يمكن وصف الحال الذي تواجهه الكثير من الأسر في الوقت الحالي مع فقدان الحوار وغياب المنطق، وتزايد مشكلات الأهل مع الأبناء. ويجمع الخبراء على أن الحوار الأسري هي الطريقة المثلى للتعامل مع المراهقين والشباب، كما يتسبب غيابه في انتشار مشكلات كثيرة مثل العنف وتمسك المراهقين بآرائهم حتى مع خطئها. وفي الموضوع التالي نتعرف على آراء اخصائيي علم النفس والتربية في دور الحوار الأسري بين الأهل والأبناء:

د.صالح الشويت:
الفترة الأخيرة أوضحت أن غياب الحوار الأسري تسبب في مشكلات كثيرة

في البداية يؤكد د. صالح الشويت، أستاذ علم النفس بجامعة الكويت، أن الفترة الأخيرة أظهرت احتكاكا بين الأهل والأبناء خاصة مع فترة الإغلاق، حيث بدأوا ينتبهون لسلوكيات الأبناء (الفترة الأخيرة جعلت من الواضح أن غياب الحوار الأسري تسبب في مشكلات على نطاق واسع).
ويوضح ضرورة بدء الحوار بين الأهل والأبناء منذ فترات مبكرة، وذلك لتعزيز الثقة والسلوكيات الجيدة لدى الأبناء وما يفكرون فيه قائلا: يسهم الحوار في إرضاء فضول المراهق ومساعدته في اكتشاف هويته كذلك فوجود الحوار يغرس في المراهقين والشباب احترام الغير ولجوءهم للحوار في المستقبل.
فيما يبين أن الحوار البناء يتطلب من الأهل المعرفة بأربعة مرتكزات ومهارات أساسية، وهي المهارات الاجتماعية والمعرفية والسلوكية والشخصية (يجب أن يكون لدى كل الأهل مهارات الحوار والانصات ومناقشة الفكرة واحترامها، فيجب أن يتدرب الأهل على المهارات الاجتماعية والتعرف على كيفية إجراء الحوار مع الأبناء، ويجب أن يكونوا واعين وعارفين بأن الحوار له عدة مراحل وخطوات).
ويشدد على أن المراهق إن لم يجد إجابات
لأسئلة من أنا وماذا أريد وكيف أحقق ما أريد ستخلق مشكلات فكرية وعقلية وسلوكية كبرى (يجب أن يكون لدى المراهق حرية التفكير.
كما يجب على الأهل ألا يستخدموا حدود الحرية باعتبارها قيدا للمراهق، ولكن يعرفونه على تلك الحدود من خلال الحوار السليم. فإذا بدأ الابن يتمرد على الأهل يجب عليهم احتواؤه ومناقشته).

غياب الحوار الأسري يزيد من حالات العنف بين الشباب

ويوضح أن غياب الحوار الأسري يتسبب في تزايد حالات العنف بين الشباب والمراهقين (هناك علاقة عكسية بين وجود الحوار والعنف فالحوار والاحتواء والمهارات الاجتماعية تساعد في تقليص حجم العنف والضرر بين الشباب، وكثير من الأهل يغيب عنهم الوعي بسمات مرحلة المراهقة وأهمية المناقشات والحوارات لهذه المرحلة، فالمراهق مندفع بطبيعته ويشعر بأن الجميع ضده ومن هنا تأتي أهمية الحوار في التعامل معه بطريقة عقلانية وكذلك احتواؤه ومناقشته وتوعيته بطريقة هادئة).
ويحذر من تسبب غياب الحوار في دخول الشباب في منظمات وجماعات مخالفة للفطرة أو انتمائهم لأفكار بعيدة عن الدين.

منة العجمي:
الحوار هو الحل الوحيد للتعامل مع الأبناء في مرحلة المراهقة
فيما تذكر منة الله العجمي، الاخصائي النفسي والمرشد التربوي، أن لدى كل مرحلة عمرية سمات معينة يجب على كل أم وأب أن يتعرفا على طبيعتها منذ الطفولة المبكرة وحتى الشباب (هذه المعرفة تساعد الوالدين في التعامل بشكل صحيح مع الأبناء).
وتؤكد أهمية الحوار بين الأسرة والأبناء من المراهقين لمواجهة طبيعة التغيرات التي تحدث في هذه المرحلة، قائلة: (الحوار هو الحل الوحيد للتعامل مع الأبناء في مرحلة المراهقة، فهو يقرب المسافات بين الأهل والأبناء. ومن شروط الحوار السليم بين الأهل والأبناء أن يتنازل الأهل عند إجراء الحوار عن فكرهم ومعتقداتهم وتربيتهم بحيث يمكن إيجاد همزة وصل مع السلوكيات الجديدة والمعتقدات التي طرأت على المرحلة العمرية والجيل الجديد الذي أتعامل معه حاليا).
وتشير إلى أن الحوار الأسري يمكن الأهل من تشكيل شخصية الابن أو الابنة دون كسره أو إهانة كرامته (ينبغي على الأهل وهم يقيمون الحوار مع الأبناء تقبل الآراء الأخرى والسلوكيات المختلفة، كما ينبغي عليهم أن يتعرفوا على الأشياء الدارجة بين جيل أبنائهم الحالي والتنازل عن فكرة أن الأهل لا يخطئون أو أنهم يفهمون أكثر.
ومن سمات الحوار السليم أيضا أن يضع فيه الأهل للأبناء اختيارا من متعدد، لكي يختار الأبناء المناسب لهم ومع شخصيتهم، إذ يصبح دور الأسرة ليس الإجبار، ولكن التوجيه والإرشاد من بعيد مع الوضع في الاعتبار أن يقدم المراهق بنفسه على اختيار واتخاذ القرار وتوضح له الأسرة أنه يتحمل نتيجة قراره، لذا يسهم الحوار في تنمية المسؤولية لدى المراهق ويتعلم عن طريق التجربة التي تولد الثقة. كذلك يعمل الحوار السليم على وضع حدود حرية المراهق والشاب المرتبطة بالدين والعادات والتقاليد والسلوكية دون تعد على شخصية وممتلكات الغير).

إقامة حوار أسري فاعل أصبح ضرورة ملحة في العصر الحالي

وتوضح أن المراهقين يتسمون بالعند والتمرد، وهذا ما يجعلهم يتصفون بالاستبداد بالرأي في بعض الأحيان (يمكن تقليص هذه المشكلة باعتماد طريقة الحوار مع الأبناء، ما يخلق لدى المراهق المرونة في اختيار الآراء، فيجب أن يكون الحوار بناء وفاعلا وأن يواجه الأهل هذه الاستبدادية من خلال التوجيه دون الإجبار حتى لا يتعنت المراهق في قراره أو أفعاله. وللأسف كثير من أولياء الأمور يسيئون إدارة هذه المرحلة ويتجاهلون الحوار، ما يكون له أثر سيئ في التواصل بين الجيلين، جيل الأهل وجيل الأبناء).
وتحذر من فقدان حلقة التواصل وغياب الحوار في العلاقة الأسرية بين الأهل والأبناء، حيث يشعر الأبناء بأن والديهم لا يفهمونهم (يرجع ذلك لكون كل منهم يعيش في فقاعته الخاصة، حيث يعيش الأهل مع سلوكياتهم ومعتقداتهم وعاداتهم منعزلين عن تغييرات العصر. فالأهل يحتاجون إلى الحوار مع الأبناء لإرساء القواعد والسلوكيات الأساسية التي لا يمكن تغييرها والعادات والأمور الفرعية التي يمكن تغييرها من زمن لآخر أو من مكان لآخر).
وتلفت الى تعرضها لكثير من المشكلات الناتجة عن غياب الحوار بين الأهل والأبناء في مركزها قائلة (غياب الحوار يسبب عددا من المشكلات مثل انحراف المراهقين وتعرضهم لكل الأمراض النفسية والرهاب والعزلة الاجتماعية، وسلوكيا يكونون أكثر عرضة لمشاكل الإدمان وأي نفسيات مرضية وأصدقاء سوء يقودونهم لأشياء سيئة).
وتختتم حديثها قائلة:
«أصبح إقامة حوار فاعل بين كل أسرة وأبنائها ضرورة ملحة في العصر الحالي كي تتمكن من إخراج مراهقين وشباب أسوياء نفسيا يستطيعون مقابلة كل التحديات المجتمعية في حياتهم».

آمنة حمدان:
لا بد من تخصيص
وقت للحوار الأسري مع الأبناء منذ الصغر

بينما تؤكد آمنة حمدان، كوتش والدين والمرشد التربوي لمرحلة المراهقة، أن تخصيص وقت
للحوار الأسري منذ صغر الأبناء أمر مهم (وبالتالي سيكون المراهق تلقائيا متقبلا للحوار مع الأهل، ولكن إذا لم يكن هناك حوار وأردنا إشراك المراهق في حوار مع الأسرة،
فعلى الأهل أن يتسموا بالصبر ويتعرفوا على التغيرات المختلفة التي تطرأ على أبنائهم في هذه المرحلة وبالتالي يمكنهم أن يتفهموا المراهق ويمكن خلق الحوار الجيد بين الطرفين، كما يجب أن يتعاملوا مع الأبناء في هذه الفترة على أنه إنسان كبير بالغ دون تقريع أو لوم، والأهل هم من يمتلكون زمام الأمور في خلق الحوار).

وتشير إلى أن فترات الإغلاق السابقة تسببت في حدوث شجارات بين بعض الأهالي والمراهقين وتعنيفهم بسبب المكوث فترات طويلة مع الأبناء بينما يجهل الأهل أساسيات التعامل مع المراهق والحوار (ولكن بعض الأهالي كانوا إيجابيين واعتبروا الفترة فرصة لكي يتعرفوا على أبنائهم ويقدموا لهم الدعم الصحي والنفسي والجسدي، واكتشفوا أن الحياة والتجمع والحوار والتقارب الأسري نعمة بل اجتمعوا على كثير من الأنشطة).
نزعة الاستبداد بالرأي لدى كثير من المراهقين تعود إلى طبيعة التمرد في المرحلة

وتبين أن اتصاف الشباب والمراهقين بالانتقاد والعند يجعلهم عرضة للسلوك العنيف (إذا لم تكن الأسرة على علم ودراية بالتغيرات التي يتعرض لها الشباب والمراهقون سيكون هناك تصادم نتيجة لهذا الجهل وبالتالي عنف، لذا يميل بعض الشباب والمراهقين إلى العنف كما لاحظنا في الفترة الأخيرة انتشار الجرائم واستخدام السلاح الأبيض وذلك بسبب غياب الحوار وغياب الاهتمام بمشكلاتهم).
فيما ترجع نزعة الاستبداد بالرأي لدى كثير من المراهقين إلى الشعور بالتفرد والتميز الذي يميز تلك المرحلة (اكتشاف المراهق لذاته تجعله لا يقبل اللوم أو النقد ودائما يرى نفسه صحيحا، كذلك تعامل الأهل معه على أنه صغير وحرمانه من شعوره بالاستقلال يجعله يزيد في نزعة الاستبداد بالرأي ومن هنا يحدث فجوة بين الجيلين، وإذا لم يمتلك الأهل معارف أساسية بالتكنولوجيا ولغة العصر فسيحدث بالتأكيد صدام بين الأهل والأبناء. ولكن الحوار وبناء الثقة هو ما يجعل المراهق يتعرف على المعنى الجيد للحرية ولا ينجرف مع مصطلحات خاطئة، وأيضا من الممكن أن يتوجه الأهل للاستشاريين لمساعدتهم في هذه الفترة كذلك كي يتعرفوا على طبيعة شخصية المراهق وإن كان شخصا حسيا أو سمعيا أو بصريا).
وتصف غياب الحوار بأنه يجعل من الأهل والأبناء يعيشون في بيت واحد وكأنهم في جزر منعزلة عن بعضهم بعضا (غياب الحوار يعني غياب العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة بل قد يصل إلى عدم وجود بر الوالدين أو التفاهم وبالتالي يحصل المراهقون على معلومات من مصادر مغلوطة ويصبح الأهل جاهلين بمشكلات أبنائهم، ما يجعلهم عرضة للمخدرات والتحرش الجنسي والإدمان والعديد من المساوئ بالنسبة للصحة النفسية، فسيصبح المراهق إما منطويا ومنعزلا أو على النقيض يكون عدوانيا ومدمنا وفي مهب الانحراف).
في الختام ترى آمنة أن الأهل هم مفتاح إقامة الحوار الأسري الناجح (المراهقون في مجتمعنا تعرضوا للظلم بشكل كبير خاصة في فترة كورونا حيث لا متنفس لهم فلا أنشطة أو سفر أو أندية رياضية وحتى بعض الأهل لا يعرفون أولادهم أو يتفاعلون معهم. لذلك أنصح الأهل بأن يكونوا صبورين ويتذكروا حالهم عندما كانوا في نفس السن والتغيرات التي كانت تطرأ عليهم. ومن الضروري كذلك أن يتعرفوا الأهل أنفسهم على هذه المرحلة الحرجة للأبناء، ويقتدوا بالرسول عليه الصلاة والسلام الذي أولى أهمية خاصة لمرحلة المراهقين والشباب. ونصيحتي للمراهقين بأن يتعرفوا على ذواتهم أكثر وسمات مرحلتهم العمرية، وأن يكون لديهم مدرب يساعدهم في وضع خطة عملية كي نكتشف معا مشاكلهم وماذا يمكنهم أن يفعلوا في حياتهم).

أسرتي في كل مكان
مصر – داليا شافعي

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق