فاتن حمامة شخصيـات أدبية.. بملامح النور والروح
فاتن حمامة.. ليست فقط مجرد ممثلة نادرة الموهبة.. بل حالة سينمائية ثقافية.. حيث شاركت بأدائها واختيارها لأدوارها في نشر الثقافة الرفيعة اعتمادا على عيون الأدب المصري.. فجسدت على الشاشة العديد من أدوار بطلات شهيرات كن يعشن فقط في بطون الروايات المصرية لكبار الروائيين أمثال إحسان عبد القدوس وطه حسين ويوسف ادريس وغيرهم.
استطاعت فاتن حمامة بأدائها الاستثنائي ان تضخ حياة جديدة تضاف الى الحياة لتلك البطلات والشخصيات الأدبية الدرامية.. وهي لم تضخ دماء جديدة بأدائها المتفرد الى تلك الشخصيات فحسب، بل رسمت وطرزت تفاصيل جديدة جميلة لتلك الشخصيات من خلال ملامحها هي: ملامح وجهها، وملامح روحها التي كانت تفرض نفسها برقة ونعومة أخاذة على العدسة السينمائية.. رسمتها بالظل والنور والألوان على الشاشة الفضية.
ومن تلك الأعمال الأدبية الخالدة التي نالت خلوداآخر وأبعادا جديدة من الحياة، اخترنا أربعة أعمال روائية تحولت إلى أفلام من بطولة سيدة الشاشة العربية «فاتن حمامة»، علها ترسم «كادر» سينمائي لشخصيات أدبية جسدتها بملامح النور والروح.
يقدمه: ملاك نصر
دعاء الكروان – د. طه حسين
من أفضل 10 أفلام في تاريخ السينما المصرية
«دعاء الكروان» قصة من كلاسيكيات الأدب العربي لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.
تحكي قصة الفتاة «آمنة» التي تمردت على عادات وتقاليد منطقة الصعيد المصرية التي نشأت بها، حيث نجد خال آمنة يلوم والدتها بأنه ينوي ترحيل أخته وابنتيها من القرية، وذلك بسبب أن أبا آمنة قد مارس الزنا، وهتك أعراض الناس، فقام أهل القرية بقتله، وتحاول الأخت (أم آمنة) وبكل ما أوتيت من ترجي وتوسل لأخيها أن يعدل عن فكرة ترحيلهم من هذه القرية، إلا أنه يصر على ذلك، ويتشبث برأيه.
يتم ترحيل هذه العائلة حيث بعثت البنت (آمنة) للعمل عند المأمور، أما (هنادي) فقد بعثت للعمل عند مهندس الري.
أوقع المأمور الشاب الأعزب آمنة التي عملت عنده خادمة في حبه، فمنحته جسدها، وهنا يصل الخبر إلى الخال، ليقوم بدوره بالمجيء إلى مكان إقامتها وقتلها.. فتقطع اختها (آمنة) عند سماعها دعاء طائر الكروان في القرية عهدا على نفسها بأن تنتقم لأختها أشد انتقام من هذا المأمور، فتطلب بأن يتم نقلها للعمل في خدمته، وبذلك يتثنى لها الانتقام منه، ولكنها بدورها تقع في حبه أيضاً، ولم تستطع أن تقوم بقتله وتنفذ قسمها، وما كان منها إلا أن تدوس على مشاعرها وتقرر الرحيل، بالرغم من كل الترجي الذي قام به المأمور، حيث انه قد وقع في حبها أيضاً، وقرر ألا يستغني عنها، إلا أنها أيقنت بأن طيف هنادي، سيحاصرها، وسيبقى هو الحاجز الكبير الأبدي بين حبهما.
قامت ببطولة الرواية على الشاشة فاتن حمامه في فيلم بالعنوان نفسه وقد جاء في الترتيب السادس في قائمة أفضل عشرة أفلام في تاريخ هذه السينما، وذلك في الاستفتاء الذي أجرته مجلة «فنون» المصرية عام 1984.
كما استحق هذا الفيلم عدة جوائز محلية، وهي: جائزة أفضل ممثلة لـ «فاتن حمامة»، وجائزة أفضل ممثل لـ «أحمد مظهر»، كما فازت «زهرة العلا» بجائزة أفضل ممثلة مساعدة.. هذا إضافة إلى جوائز الإخراج والسيناريو والإنتاج.
عرض فيلم «دعاء الكروان» لأول مرة عام 1959، السيناريو والحوار كتبهما الأديب يوسف جوهر بالاشتراك مع المخرج «هنري بركات».
وقد أضاف السيناريو الكثيرمن الحوار على الرواية الأصلية التي لم تكن الحوارات كثيرة بل سردا وصفيا بديعا.
الحرام- يوسف ادريس
من المسؤول عن الحرام؟
هذه القصة أو القطعة الأدبية النفيسة التي كتبها يوسف ادريس تحكي عن عزيزة وزوجها عبد الله من عمال التراحيل.
يصاب الزوج بالمرض الذي يقعده عن العمل، فيشتاق ذلك الزوج ذات يوم إلى البطاطا، فتذهب عزيزة لتقتلعها من الأرض، فيفاجئها أحد شباب القرية صاحب الأرض فيستجيب لتوسلاتها بأن يستخرج لها «جدر بطاطا»، لكن الثمن كان باهظا جدا، حيث يعتدي عليها جنسيا، فتحمل منه.. لكنها تنجح في إخفاء حملها عن الأعين، لأنه كان معروفا وشائعا عنها أن علاقتها الزوجية مع زوجها معدومة بسبب مرضه الدائما.
يأتي موعد ولادتها، فتلد مولودها لكنها تخاف أن يفضحها صراخه فتقتله دون وعي منها وهي تحاول أن تسكته، ثم تعود إلى العمل متحملة آلام جسدها بعد الولادة مباشرة، ولكنها تصاب بحمى النفاس وتموت.. ولم يبق مكان موتها إلا شجرة يعتبرها الناس مبروكة.
وينهي الكاتب الرواية بقيام ثورة 1952 التي غيرت الكثير من العلاقة بين «الترحيلة» و«التفتيش» أو أنهت هذه القطاعات نهائيًا.
دفعت عزيزة ثمن الحرام الذي يختلف عليه الكاتب د.يوسف ادريس في تعريفه وتصنيفه.. فالحرام الذي وقعت فيه بطلة القصة عزيزة ربما يندرج في دائرة حرام أكبر اجتماعيا واقتصاديا بل سياسيا.
فيلم الحرام عن قصة الأديب الكبير وواحد من أهم كتاب القصة القصيرة العربية الدكتور يوسف ادريس، اختير ضمن قائمة أهم مائة فيلم عربي أو أحسن مائة فيلم في السينما العربية منذ تأسيسها حتى تاريخ وضع القائمة حسب استفتاء لنقاد سينمائيين ومثقفين قام به مهرجان دبي السينمائي الدولي في عام 2013، وقد جاء الفيلم في المرتبة الرابعة والثلاثين.
كما مثل مصر في مسابقة الأوسكار الامريكيه بل ووصل إلى المرحلة قبل الأخيرة مباشرة ونال شهادة تقدير من الأوسكار، فهو واحد من أربعة أفلام مصرية لديها شهادة تقدير من الاوسكار بجودة المشاركة.
الفيلم أخرجه هنري بركات، وكتب له السيناريو أديب وكاتب أيضا هو سعد الدين وهبة، وعرض في مارس 1965.
الباب المفتوح – لطيفة الزيات
ثورة اجتماعية نسائية
صدرت رواية «الباب المفتوح» للكاتبة لطيفة الزيات عام 1960، وتعتير البداية الفعلية التي فتحت الطريق أمام الرواية الواقعية للكاتبات المصريات.. حيث تعتبر لطيفة الزيات من روَّاد التيار الواقعي في الرواية المصرية في الخمسينيات من القرن العشرين.
تدور أحداث هذه الرواية الجميلة في الفترة من 1946 إلى 1956 حيث مقاومة الشعب المصري للاستعمار الإنجليزي ومعركة بورسعيد، مؤكدة أهمية الالتحام الشعبي والترابط بين كافة أفراد الشعب المصري في سبيل الدفاع عن الوطن.
وقد غطت الرواية فترة هامة في تاريخ مصر الحديث، وتخطت الاهتمام بالقضايا السياسية إلى الاهتمام أيضا بالقضايا الاجتماعية آنذاك التي تمثلت في التأكيد على أهمية مشاركة المرأة مع الرجل في الدفاع عن مصر وخروج المرأة من عزلتها من داخل الأسوار التي فرضتها عليها الأعراف والتقاليد. مما جعل الكاتبة تهتم بالربط بين القضايا السياسية والاجتماعية بل الثقافية تؤكد على دور المثقفين في التعبير عن الموقف العام للوطن.. فالقضية في نظر لطيفة الزيات أكبر من كونها سياسية، فهي تتعداها لتكون قضية عامة تشمل مختلف جوانب المجتمع المصري آنذاك.. وبالتالي تصل الكاتبة من خلال مسيرة بطلتها «ليلى» في نهاية العمل إلى حدث المظاهرة في بورسعيد الذي يؤكد فكرة الالتحام والترابط بين كافة أفراد الشعب المصري من رجال ونساء..مثقفين وعمال.. شيوخ وشباب من أجل الدفاع عن الوطن
يأتي فيلم الباب المفتوح من بطولة فاتن حمامة عن هذه القصة الرائعة للاديبة لطيفة الزيات التي شاركت في السيناريو مع يوسف عيسى الذي كتب له الحوار أيضًا.. وأخرج الفيلم هنري بركات.. وعُرض في أكتوبر 1963.
هذا الفيلم والقصة بالتالي يعتبرهما بعض النقاد والمنظرين – مثل دعاء عبد الدايم – من اوائل الافلام والقصص العربية التي كرست لفكرة النزعة النسوية Feminism اي النزعة التي تختص بالمرأة وحقوقها ومساواتها بالرجل في مجتمع ذكوري لا يترك لها المساحة الجديرة بها، فالفيلم أو القصة.. تدور أحداثهماحول ليلى «فاتن حمامة» التي تعيش في أسرةٍ متوسطة، وتحاول أن تثور وتشارك في المظاهرات لكن يكبحها والدها بعنف ويعاقبها بشدة.. تقع في حب ابن خالتها لكن سرعان ما تكتشف أنه لا يختلف عن أبيها كثيرًا، فتتركه وتفقد ثقتها في المجتمع، وتقابل فيما بعد صديق أخيها الثوري المنفتح فتُعجب به، لكن تتعقد الأحداث بسبب الأحداث السياسية والاجتماعية، فتبدأ رحلتها من أجل إيجاد ذاتها بعيدًا عن أفكار المجتمع المناقضة لما تؤمن به.
الخيط الرفيع – إحسان عبد القدوس
الفصل بين الحب وغريزة التملك
« الخيط الرفيع» واحدة من روايات إحسان عبد القدوس الرفيعة المستوى.. تفتتح أحداثها بهذه الكلمات التي هي أساس فكرتها ومحورها:
«شيء اسمه الحب.. وشيء اسمه غريزة التملك..وبين الحب وغريزة التملك خيط رفيع جدا.. إذا ما تبينته تكشف لك الفارق الكبير».
أراد إحسان عبد القدوس على طريقته الأدبية المتميزة أن يوضح الفارق الشاسع بين عاطفة الحب وغريزة التملك التي تختلط كثيراً على المحبين.
القصة تحكي عن (منى) تلك الفتاة الفقيرة التي تعمل موظفة بسيطة في أحد البنوك وتعول أسرتها، وتحت ضغط الحاجة ومرض والدها وضغط والدتها التي تلح عليها لتزيد دخلها تتخذ لها عشيقًا هو رجل أعمال ثري عجوز.
تتعرف بالمهندس (عادل) الذي يعمل في شركة عشيقها (عبده) ويصارحها بحبه، تقنعه بالاستقالة وتكوين شركة مستقلة وتمنحه مجوهراتها كرأس مال وتقف بجانبه وتشجعه وتقطع علاقتها ب(عبده).. فهل ستستمر قصة حبهما؟
ثم تأتي فاتن حمامة لتقوم ببطولة الفيلم القائم على هذه الرواية عام 1971، من إخراج هنري بركات وبطولة محمود ياسين.. وقد شارك إحسان عبد القدوس نفسه كاتب الرواية في كتابة الحوار وكتب له السيناريو الأديب والكاتب الصحافي والناقد السينمائي يوسف فرنسيس.