قصص متعافين من الإدمان جـابـر يساعد مدمني المخدرات على التعافي بعد خروجه من فخ الإدمان
لا يوجد في عالم المخدرات تجربة، فالتجربة طريق التهلكة، والدخول إلى العالم المظلم للمخدرات يصعب على صاحبه الخروج منه.. وفي جمعية بشائر الخير التي تتخذ من مقولة “بالإيمان نقضي على الإدمان” شعارًا لها، وتمد يدها لكل من يعاني من الإدمان بغض النظر عن الجنسية أو العمر أو النوع لتنقية المجتمع من آفة المخدرات، كان لنا لقاءات مع عدد من المدمنين المتعافين التائبين، ممن تجرعوا سم المخدرات ونجحوا في الخروج من دائرتها المظلمة. في هذه الحلقة يروي لنا مرشدًا نفسيًا مرّ بتجربة الإدمان المريرة قصته مع عالم المخدرات، وكيف يمد يد العون للمدمنين لتغيير حياتهم.
جابر: قلة الوازع الديني ورفقاء السوء وحب التجربة أسباب اتجاهي للمخدرات
يعمل جابر (اسم مستعار) الذي يبلغ من العمر ثمانية وثلاثين عامًا، الآن اختصاصيًا ومعالجًا نفسيًا يساعد المدمنين على التعافي، مسترشدًا بتجربته التي تعود لسنوات المراهقة في الثانوية. ورغم مرور ما يقرب من عشرين عامًا على دخول جابر لعالم المخدرات المظلم فإنه حتى الآن لا يزال يذكر بداية هذا الدرب الخطر: “كانت المدرسة هي محطة البداية، اتجهت للمخدرات نتيجة لقلة الوازع الديني ورفقاء السوء وحب التجربة فهي الأسباب التي قذفت بي إلى هذا العالم.. أحد الرفقاء كان يضع لنا المخدر في السجائر، وجرّت التجربة الأولى وراءها مرات كثيرة حتى أصبح المخدر هو متعتي أنا ورفاقي وسرّنا الذي يسبب لنا إثارة خاصة”.
يشير جابر لكونه ضحية للعنف الأسري وهي أحد الأسباب التي جعلته يتجه نحو المخدرات “تعرضت للضرب والتعنيف من قبل والدي أثناء سني الصغيرة، ونتيجة للتعنيف المستمر تمسح الشخصية، وهو ما مررت به، ما جعلني آنجرف مع أصدقاء السوء الذين يشعرونني بالتقدير. وكان إدماني عقاباً لنفسي ولأهلي نتيجة للمعاملة التي لاقيتها منهم، لذا أعتقد يقينًا أن المسؤول الأول عن إدمان المخدرات الأسرة! ثم تأتي غيرها من العوامل”.
تطور إدمان المخدرات من المواد البسيطة إلى الأكثر ضررًا، ويقول جابر:
”كان الأمر أكبر منا وصرنا نتعاطى أنواعًا عدة من المخدر بسبب المرَوّج الذي يسيطر على ما يقدمه لنا، ومن بين المواد التي أخذتها كانت مواد مخدرة شديدة الأعراض والأضرار”.
ويسترجع اللحظة الأولى التي تعاطى فيها المخدر وعنها قائلًا: “أدخلني المخدر في شعور غريب يجمع بين النشوة وأحاسيس مختلطة، واللحظة الأولى التي يتعاطى فيها المدمن المخدر لا تتكرر أبدًا في المستقبل.. الكل يستمر في التعاطي لتكرار شعور اللحظة الأولى وهو الوهم الذي يطارده كل مدمن ولن يصل إليه أبدًا. فالجسم في المرة الأولى عند دخول المخدر كان نقيًا نظيفًا، ولا يعود كذلك أبدًا بعد التجربة الأولى للمخدر. في رأيي المخدرات من أقوى الفتن في الأرض، ومدمن المخدرات مسكين ففتنته قوية ويحتاج إلى المساعدة ممن حوله، وينصح بعدم التجربة نهائيًا للمخدرات، ففي قانون المخدرات جرعة واحدة لا تكفي”.
كان الإنكار ملازمًا لجابر الذي لم ير نفسه في هذا الوقت مدمنًا، ورفض باستمرار دعوات أهله إلى تلقي العلاج والتعافي، هذه المعاناة التي تأخذ 3 أو 4 سنوات لمن يستفيق سريعًا وفقًا لخبرته الشخصية والتعامل مع المدمنين.
تجربة الدخول إلى المصحة جعلت جابر يتعرف على حقيقة إدمانه، ويقول: “مع دخولي إلى المصحة لتلقي العلاج من الإدمان ظننت نفسي سأقابل أشخاصًا بملامح الوحوش، ولكنني فوجئت بأن المرضى معي كانوا مثلي شبابا صغيرا ويشبهونني كثيرًا! وهنا تقبلت فكرة كوني مدمنًا واكتشفت حقيقة وضعي”.
زملائي في جناح المصحة التي كنت أتعالج بها ماتوا جميعًا
ويصف المتعاطي بـ “الأعمى”، إذ لا يرى المدمن غير المخدر وينكر باستمرار حالته، ويبدأ التعافي والتوبة من خلال تقبل الشخص لحقيقة وضعه “حين دخلت إلى المصحة لم أتخيل أبدًا أن بإمكاني التعافي من المخدرات، وعلى الرغم من ذلك كنت أدعو الله باستمرار أن يساعدني على الخروج من فخ الإدمان، واستجاب الله لي لنيتي الصادقة! وأرسل لي المسببات التي ساعدتني على التعافي. لهذا أكرر دائمًا لكل من أتعامل معهم قول لا تشعروا باليأس من فكرة التعافي والتوبة. ورغم ذلك لم تكن تجربة التعافي سهلة مطلقًا، فزملائي في جناح المصحة التي كنت أتعالج بها ماتوا جميعًا، وكنت الناجي الوحيد منهم ربما أراد الله مني توصيل رسالة لغيري”.
أخي قال لي حين أودعني في المصحة.. لا ترجع إلى البيت فلتذهب لتمت أو لتسجن نفسك
يستذكر جابر موقفًا زاد من كرهه لنفسه في هذا الوقت “كان لدي أخ كبير هو من أخذ بي إلى المصحة للعلاج، وقال لي وقتها وهو يصرخ في وجهي (لا ترجع البيت لا نريدك أو نتمنى رؤيتك، فلتذهب لتمت أو لتسجن مع نفسك) كانت هذه الكلمات من أكثر ما أثر فيّ وقتها”.
هذه الكلمات جعلت جابر يشعر بالألم ونبذ المجتمع له، لكن احدى المحاضرات أعادت الأمل بداخله في إمكانية التعافي: “أثناء وجودي في المصحة، أخبرنا المسؤولون بأن هناك محاضرة وبعض المشايخ الذين يرغبون في رؤيتنا، تعجبت من الذي يريد رؤيتنا والتحدث إلينا؟ فبالنسبة لي وبعد كلمات أخي على وجه الخصوص شعرت بأن المجتمع ينفر منا.. كانت هذه بداية التعارف على جمعية بشائر الخير، وحين دخل الشيخ عبد الحميد البلالي احتضنني وقال لي إنه يحبني، وهو ما جعلني أنهار عاطفيًا، وما أثر فيّ قصة أحد التائبين ممن تعاطوا الهيروين، مثلي، وتمكن من التوبة والتعافي فمنحني أملا بإمكانية الخروج من العالم المظلم للمخدرات وظهرت طاقة نور تهلل أمامي، فعقدت النية على أن هذا طريق النجاة والتحقت بجمعية بشائر الخير فيما بعد، ومعهم ذهبت إلى الحج والعمرة وغيرها من الرحلات”.
تأثيري على المدمنين
قوي لأنني أحادثهم باستمرار من موقع المجرب
بعد التعافي درس جابر الإرشاد النفسي وتخصص في علم النفس، طامحًا إلى مساعدة من يمرون بمحنة الإدمان “عملي أصبح مساعدة المدمنين على الخروج من فخ المخدرات في أي مكان، فأنا أستمد القوة منهم، وتأثيري على المدمنين قوي لأنني أحادثهم باستمرار من موقع المجرب مما يعطيهم أملًا. وقمة السعادة تكون عند مساعدتي أحد المدمنين على التعافي ليستكمل حياته بسلام، ويبني مستقبلًا له”.
يؤكد جابر أن الصحبة الصالحة ضرورية للمساعدة في التعافي من الإدمان “الصحبة الصالحة من العوامل التي ثبتتني على ذلك. وهناك ثلاثة عوامل أطلق عليها مثلث برمودا تهلك الإنسان المدمن الذي يسعى للتعافي أضلاع المثلث هي الأماكن السابقة للتعاطي، والأشخاص ممن كان يُتعاطى معهم، والأدوات التي كان المدمن يتعاطى بها.. ويجب تجنب الأركان الثلاثة لإكمال مرحلة التعافي”.
بنبرة حاسمة يبين أن المدمن يكون غافلًا أثناء فترة إدمانه عمّا يوجد في الحياة من طيبات يمكن الاستمتاع بها “الحياة جميلة والمدمن يكون غافلًا عنها في ركضه وراء المخدر، حين تعافيت أصبحت أكثر اهتمامًا بتعلم المهارات والرياضات، وصرت أكثر قربًا من أهلي، لدي أخ معاق أصحبه باستمرار في جولات المشي وأعده صديقي الأقرب.
وللمدمن دائمًا أقول فلتر الحياة الحقيقية أولًا ثم احكم، كما كنت أكبر كاذب قبل التعافي من المخدرات، وهي الصفة التي تغيرت بشدة بعد التوبة والتعافي”.
لكنه يرى أن بعض أفراد المجتمع ما زالوا ينظرون للمدمن المتعافي نظرة سلبية، قائلًا: “شخصيًا على سبيل المثال فإن أخي في فترة قريبة عندما كنت أحادثه في إحدى المشكلات رد علي قائلًا أنت صاحب سوابق المخدرات ستعلمني! وهو أمر يتكرر مع غيري من المتعافين، ولهذا أطلب من المجتمع مساندة المتعافين”.
ينصح جابر المدمن بألا يفقد الأمل ويضع ثقته في الله، ويقول: “أهم نصيحة عليك أن تعترف بكونك مدمنًا، لأن هذا الأمر بداية طريق التعافي. ومنها طلب المساعدة، خاصة بمرحلة الأعراض الانسحابية، والآن تطورت الاستجابة لهذه الأعراض.. وعليك أن تبادر مبكرًا قدر الإمكان. ووقف الخسائر بوقف التعاطي. وحب نفسك ولا تكرهها، ففي بعض الأحيان يؤذي المدمن نفسه لأنه يكرهها”.
ويوجه أولياء الأمور بأن يكون لديهم صبر، ويثقفوا أنفسهم عن التعامل مع أبنائهم “لا تفقدوا الأمل وتقبلوا إمكانية حدوث انتكاسة في الوضع.. وأرجو أن تتجنبوا سلوكًا كثيرًا ما يجرح المدمن الذي يحاول التعافي حين لا يفكر الأهل في الابن المصاب، ولكن في الإخوة أو السمعة أو الفضيحة وغيرها، فهذه توصل رسائل عكسية سيئة للمدمن، بل يجب مساعدته بدلًا من ذلك”.
هناك مبدأ مهم للغاية في التعافي وهو «أنا لا أستطيع بل نحن نستطيع»
وختامًا يقول:
”هناك مبدأ مهم للغاية في التعافي وهو (أنا لا أستطيع، بل نحن نستطيع) فيجب أن تتوافر الصحبة الصالحة المساندة للتعافي”.
«أسرتي» في كل مكان
داليا شافعي