قصص متعافين من الإدمان رحلة أحمد مع المخدرات.. الإدمان كاد يودي به إلى السجن.. وطب الأسنان حلمه بعد التعافي
لا يوجد في عالم المخدرات تجربة، فالتجربة طريق التهلكة، والدخول إلى العالم المظلم للمخدرات يصعب على صاحبه الخروج منه. وفي جمعية «بشائر الخير» التي تتخذ من مقولة «بالإيمان نقضي على الإدمان» شعاراً لها وتمد يدها لكل من يعاني من الإدمان بغض النظر عن الجنسية أو العمر أو النوع لتنقية المجتمع من آفة المخدرات، كان لنا لقاءات مع عدد من المدمنين المتعافين التائبين، ممن تجرعوا سم المخدرات ونجحوا في الخروج من دائرتها المظلمة. في هذه الحلقة يروي لنا شاب عشريني عن بدايته مع المخدرات وكيف غيرت من مسار حياته، وعودته إلى الحياة الطبيعية بعد التعافي:
في الصف الخامس بدأت تعاطي المخدرات
كان أحمد (اسم مستعار) يحتفل بتخرجه في الثانوية، حين التقيت به وكانت السعادة تبدو على وجهه ويقول انجاحي في الثانوية العامة إنجاز عظيم، كل الناس تنهي الثانوية لكن حين أتذكر حالي منذ سنوات أسعد بما استطعت إنجازه الآنب.
ثماني سنوات هي تقريباً الفترة التي ظل فيها أحمد يتعاطى المخدرات قبل أن يقلع عنها تماما في سبتمبر من عام 2020. البداية جاءت بينما لم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من عمره، حيث تراءت له للمرة الأولى صورة متعاطي المخدرات في شوارع المنطقة التي كان يسكن بها: اكنت أرى شبابا لديهم سيارات وبصحبة بنات ويذهبون لأي مكان، حينها وفي هذه السن الصغيرة نبتت لدي رغبة في أن أصير مثلهمب.
تعرف أحمد في طفولته على بعض الشباب الذين كانوا يتعاطون المخدرات، كان يرفض أن يشاركهم التعاطي، ولكن تطور الأمر في إحدى اللحظات لتنزلق قدماه في عالم المخدرات المظلم. ويذكر أحمد تجربته الأولى قائلا: اأوهمت بائع المخدر أنني متعاط منذ فترة، تعاطيت المخدرات للمرة الأولى بعد انتهاء الدوام الدراسي وبعد عودتي من المدرسة متأخرا كذبت على أهلي بشأن عودتي قائلا إنني تناولت الغداء عند أحد أصدقائي وذهبت للنوم في التو، إذ كنت خائفا من التعامل مع أهلي وأنا تحت تأثير المخدرب.
كثيرين من ربعي ماتوا أمامي نتيجة للتعاطي
في سنه الصغيرة شعر أحمد بالدهشة من العالم الجديد الذي دخل إليه وأصبح حتى لف سجائر المخدر إنجازا مبهرا يشبه التوصل للاختراع، لكن المخدرات أدخلته في عالم مضطرب مليء بالأذى اتحت تأثير المخدرات أقدمت على عدد من الأفعال التي لا أذكرها مطلقا ومازال أهلي يذكرونني بها. وفي جميع المرات التي تعاطيت فيها المخدر تقريبا تسببت في مشكلات لنفسي أو لأهلي، بل عرفت كثيرين من ربعي ماتوا نتيجة للتعاطي، ومنهم من مات إلى جانبيب.
يذكر الشاب العشريني أن المشكلات الأسرية كانت من أسباب اتجاهه إلى تعاطي المخدرات، مؤكدا أنها ليست مبررا للوقوع في ذلك الفخ.
اكان والداي منفصلين، فكنت أهرب من المنزل وواقعي بالتعاطي، إذ سبب جلوسي في المنزل أزمة لي. وفي الأفلام والمسلسلات كنت أرى المخدر يجعل الشخص ينسى همومه فكنت أتعاطاه طمعا في تحقيق ذلك، لكن الحقيقة أن المخدر يعطيك شعورا بالحزن حتى وإن لم تكن حزينا، كما أن السعادة التي ظننت أن المخدرات تمنحني إياها سعادة وهمية، ويأتي بعدها ندم على ذلك الفعلب.
ظل أحمد يتعاطى المخدرات أربع سنوات كاملة دون أن يعرف أهله شيئا عن الأمر إلى أن اكتشفوا سره في إحدى المرات. اوخلال فترة الإدمان إن لم يكن لدي المال للحصول على المخدر، أقدمت على أي شيء للحصول عليه مما كان يوقعني في عدد من المشكلات. حتى الآن بعض المواقف عند تذكري لها أشعر بالحزن والندم! فمازالت ذكريات ما فعلته من أذى وضرر بالآخرين تلاحقني عند المرور بالشوارع والأماكن التي أسكن بهاب.
يتنهد أحمد مستذكرا أنه كاد يفقد روحه تحت تأثير جرعة المخدرات. ويقول: افي إحدى المرات التي لا أذكرها لغيابي عن الوعي تماما وبينما كنت بجانب أصدقاء من غير المتعاطين، قالوا لي إنني مت وعدت للحياة مجددا فقد كنت لا أستطيع التنفس بسبب المخدر، أتذكر مرة أخرى أثناء التعاطي في غرفتي وكنت نائما على وجهي، عانيت من صعوبة شديدة في التنفس، وعندما تمكنت من التنفس بشكل عادي كان شعوري كمن نجا من الغرق! ورغم ذلك لم أستطع الابتعاد عن المخدرات في هذا الوقت بشكل كامل، فأقلعت عنها شهرا ثم عدت إليها مجدداب.
حاول أهله مررا وتكرارا إبعاده عن التعاطي، وعلاجه من الإدمان لكنه لم يكن يستمع إلى أي شخص غير نفسه وظل دائم الكذب عليهم عن رغبته في الإقلاع عن المخدرات: “كذبت عدة مرات بشأن نيتي الإقلاع عن التعاطي، حتى صدقت نفسي لكنني استمررت في الإدمان وتكررت المشكلات التي تسببت بها من وراء المخدرات، ما جعل أهلي يطرقون كل الأبواب لمحاولة علاجي من الإدمان. في البداية عرضوا عليّ العلاج بإحدى المصحات المعروف عنها انتشار مروجي المخدرات بداخلها ولذلك قبلت، لكنهم سرعان ما اختاروا مصحة أخرى”.
وافقت على العلاج في المصحة هرباً من القضايا التي كانت ستلاحقني
كانت بداية طريق التعافي من المخدرات مع سفره للعلاج في مصحة بمصر، ولكنه لم يكن في وقتها يحمل أي نية للتوبة عن الإدمان، إذ كان يهرب فقط من القضايا التي لاحقته بسبب سلوكياته الخارجة عن القانون. ويقول: اذهبت إلى مصر لرحلة العلاج، لأن المباحث أخبرت والدي في وقتها أنها لن تتغاضى عن سلوكياتي مجددا وظللت في المصحة سنة و3 أشهر، وكنت مصرا على الإكمال في المخدرات. وفي المصحة بمصر رأيت أشياء عجيبة وغريبة للغاية! حالات ووفيات مختلفة، وكنت واعيا وقتها لما أشاهده لأنني بعيدا عن تأثير المخدر فكانت تجربة مرعبة.
وحين خرجت من المصحة، رأيت أن المخدر الذي أتعاطاه شديد الرخص ومن يتعاطونه أناسا ينامون تحت الجسور وفي الشوارع وكانت هذه اللحظة التي جعلت لدي رغبة قوية في التوبة عن المخدرات والابتعاد التام عنها، وأدركت حينها أنني أضعت كثيرا من عمريب.
حالي الآن نعمة وأسجد شكراً لله يومياً لأنني لا أصحو وأفكر في التعاطي
يشير أحمد إلى أن جمعية بشائر الخير دائما ما كانت موجودة خلال الفترات المختلفة في محاولات أهله لعلاجه من المخدرات: اكانوا دائما ما يقفون إلى جانبي ومع أهلي للأخذ بيدي إلى طريق التوبة، وعند التعافي من الإدمان أصبحت أحيط نفسي برفقة صالحة من أهل المكان وأحرص على الوجود معهم باستمرارب.
بابتسامة تعلو وجهه يقول أحمد: احالي الآن نعمة ويوميا أسجد شكراً لله لأنني لا أصحو وأفكر في التعاطي، بل أنجز أشياء ذات قيمة في الحياة. قطعت علاقتي مع مجموعة الأشخاص الذين كنت أتعاطى معهم، أركز على مساعدة نفسي وتقويمهاب.
ويؤكد الشاب أن التعافي غير كثيرا من الصفات لديه والتي اكتسبها من إدمان المخدرات: اتغيرت لدي كثير من الصفات بعد التعافي والتوبة، خاصة مع أهلي. وأيضا عودتي إلى طريق الله والمداومة على العبادات، ومن الصفات التي ابتعدت عنها تماما الكذب حيث قطعت وعدا على نفسي بألا أكذب أبدا بعد توبتي، وفي فترة الإدمان كان الكذب مثل الماء بالنسبة لي فكنت أكذب بداع وبغير داع. ومن أكثر مسببات السعادة بالنسبة لي حاليا حين يراني شخص كان يعرفني في فترة التعاطي ويؤكد لي أن وجهي صار مشرقا ومنيراب.
لا توجد سنّ تمنع الإنسان من الإقلاع عن المخدرات ويجب أن تصحب النية أفعال حقيقية
ينصح أحمد كل من دخل لعالم المخدرات بأنه لا توجد سن تمنع الإنسان من الإقلاع عن المخدرات، ويقول: افي البداية كنت أظن أنه لا أمل في إيقاف قطار المخدرات إلا بالموت، ولكنني استطعت بفضل الله التوبة والتخلص منها. ويجب أن يكون لدى المتعاطي رغبة حقيقية في الامتناع، وليست وليدة ندم اللحظة بل تصحب النية أفعال حقيقية للامتناع عن المخدراتب.
يأمل أحمد في دراسة طب الإنسان، ويتعلم من والده في الوقت الحالي تقنية المعلومات، كما يتطلع للتعرف أكثر على نفسه في السنوات المقبلة، ويحاول تعويض والديه عن المعاناة النفسية التي تسبب فيها خلال فترة إدمانه.
«أسرتي» في كل مكان
داليا شافعي