مبادرة ترفع شعار «أعيدوا حق مصابي الحروق» هند البنا وزميلاتها.. يطالبن بـ«احتواء» المجتمع لهن
الحياة الطبيعية والعمل والنظرة العادية كل ما يطمح إليه غالبية مصابي الحروق، وهو ما رفعت هند البنا به شعارًا لمبادرتها «احتواء» كي تضم كل مصاب بالحروق تحت رايتها.
وفي اللقاء التالي اقتربنا أكثر من تجربة هند البنا مع الإصابة بالحروق، وتدشين المبادرة وتأُثيرها عليها. كما نتعرف إلى حنان وميرفت عضوتي المبادرة واللتين عانتا من الإصابة بالحروق وما ترغبان في تحقيقه من «احتواء».
هند البنا:
نظرات الكثيرين في مقابلات العمل دائمًا تكون مليئة بالشك والريبة
بابتسامة لا تفارقها كثيرًا تُعرف هند البنا مؤسسة مبادرة “احتواء” لمصابي الحروق والتي تعاني نفسها من الإصابة، نفسها بأنها فتاة (سكندرية) عاشت عمرها بين الإسكندرية والسعودية وتعرضت لحادثة حرق في عام 2000 (كان سبب إصابتي النيران التي مسكت في ملابسي وجسمي أثناء إعدادي للشاي، ولم تستغرق الحادثة في نظري ثواني معدودة وكانت الإصابات في يدي ورقبتي وبعض الإصابات الطفيفة في وجهي ولكن الحروق كانت في أماكن متفرقة من الجسم لحسن حظي).
وتستذكر هند أن أهلها حاولوا إدخالها إلى المستشفى، ولكن الكثير من المستشفيات رفضت استقبالها (كثير من المستشفيات ترفض استقبال حالات الحروق لأنهم يتخوفون من اختناق الحرق لارتفاع نسب الوفاة بسببه وهي من أولى المشاكل التي تواجه مصابي الحروق).
في البداية عملت هند أثناء إقامتها في السعودية بمجال العناية بالبشرة والجمال، وعلى حد قولها لم تواجه كثيرًا من المشاكل، لكن الأمر اختلف مع مرور الأيام، وفيما بعد تنقلت هند بين العديد من الأعمال، يطولها الرفض بسبب إصابة الحروق في يديها، (نظرات الكثيرين في مقابلات العمل دائمًا تكون مليئة بالشك والريبة، وأشعر بتركيز نظراتهم على يدي بشكل مستمر في إحدى المرات عملت في صالون للتجميل دون أن تلاحظ صاحبة العمل إصابتي، ولكن بعد ثلاثة أيام وعند ملاحظة يديّ طلبت مني أن أحصل على حسابي وأغادر).
وحاليًا تعمل في مجال تصميم الإكسسوار والحُلي وأطلقت منتجات خاصة بها باسم (شهرزاد).
وتوضح أنها تعرضت لكثير من التعليقات السلبية بسبب إصابتها، وتسببت في منعها من الزواج
مرات عدة (أقصى هذه التعليقات عندما وُصفت بأنني أبدو كالعجوز أو كبيرة في السن بسبب شكل يدي، كذلك فإن الرفض يمتد ليشمل الزواج والعلاقات وحتى بعض الأفراد من الأهل).
لكن هند لديها إيمان راسخ بأنها شخص عادي، ليس بها أي نقص (لم أجد القبول إلا في المجال حيث تقبلني الكثير من الكُتاب والعاملين في هذا المجال. وحاليًا أعمل في وظائف متقطعة موسمية في هذا المجال، وهي الأزمة التي أحاول تخطيها للحصول على عمل ثابت وكامل).
وتشير الى أنها كانت على وشك أن تصبح أول عارضة أزياء من مصابي الحروق، مع إحدى مصممات الأزياء (للأسف القائمون على إدارة المكان رفضوا هذه المبادرة، ولكنني أصررت على عرض إكسسواراتي بنفسي رغم الانتقادات التي توجه لي بين حينٍ وآخر).
وفي 2018 أطلقت هند المبادرة بسبب الرفض المستمر في العمل والمجتمع، وكانت بمثابة صرخة احتجاج على ما يتعرض له مصابو الحروق (أردت كذلك أن أتعرف أكثر على مشكلات مصابي الحروق، وجاءت فكرة الاسم من خلال مناقشة لي مع أحد الأصدقاء عندما سألني ماذا تريدين من المبادرة فقلت أريد احتواء المجتمع لنا، ومن هنا ولد اسم المبادرة وبعدها سجلت فكرة المبادرة باسمي).
وترغب المبادرة في وضع مصابي الحروق على خريطة نسبة المعاقين الـ 5% من العاملين في الأعمال الحكومية وغير الحكومية وتضمينهم في تلك النسبة، وكذلك دمج المصابين في المجتمع والتخلص من التعامل السيئ الذي يتعرضون له.
المبادرة جعلتني أرفع يدي دون خجل من إصابتي
وقدمت المبادرة دعمًا معنويًا وماديًا وعلاجًا لمصابي الحروق، فتقول هند (تمكنت المبادرة من توصيل إحدى المصابات بالحروق من المنصورة التي كانت تحتاج الى تركيب عدسة للعين بسبب تأثرها الشديد بالحرق، مع متبرع وإجراء العملية لها بنجاح. كما شاركت المبادرة في دعم ضحايا حريق رمسيس معنويًا وماديًا).
وتؤكد هند أن المبادرة جعلت منها شخصًا أقوى (في البداية لم تكن لدي الجرأة لأصور يدي وبها آثار الحروق ولكن المرة الأولى التي تمكنت فيها من رفع يدي دون خجل من إصابتي كانت مع تدشين المبادرة في أول لقاء تلفزيوني ليّ في 2018 وأصبحت فخورة بإصابتي وتخطيت الرهبة وتقبلت نفسي وأصبحت أكثر قوة في دفاعي للحصول على حقي في المجتمع، وضرورة أن يتقبلني الناس دون تغيير).
وتأمل هند مستقبلًا للمبادرة أن تجد رعاة أكثر وأطباء وداعمين للفكرة (أمنيتي تحويل المبادرة إلى مؤسسة وإن كانت صغيرة، فسيطور ذلك من أهداف المبادرة، وسيساعد على ربط مصابي الحروق ودعمهم لبعضهم بعضا أكثر).
ميرفت جرجس:
أردت أن أقدم نفسي لمصابي الحروق كنموذج تماثل تمامًا للشفاء
وهذا ما أرادت الكيميائية واخصائية التحاليل الطبية ميرفت جرجس أن تكون جزءًا منه حين شاركت في المبادرة، فتقول (ما جذبني للمبادرة رؤيتي لكثير من الحالات المصابة بالحروق بحكم عملي في مستشفى، فكنت أحب أن أُظهر نفسي كتجربة وشخص تعرض بالفعل لإصابة الحرق وتمكن من الشفاء وأردت إرسال رسالة أمل لهم بأنهم سيكونون بخير).
وتشير ميرفت إلى أن مبادرة هند، وقوتها جعلتها تتواصل معها راغبة في أن تكون جزءًا من المبادرة (أرغب في توعية الأهل بأهمية التوجه للمستشفى فورًا في حالة التعرض لأي إصابة للحروق، كما أطمح لأن تعمل المبادرة على التوصيل بين محتاجي التبرعات برجال أعمال أو متبرعين. وضرورة وجود كريمات وإسعافات أولية خاصة بالحروق في كل بيت).
وتعرضت ميرفت لتجربة مريرة مع إصابة بالحروق في عام 2000 وتحكي عنها قائلة (حين كنت في منتصف الثلاثينيات وأثناء وجودي في المطبخ تسبب مبيد للحشرات الذي سقط فوق الموقد المشتعل أثناء تسخين الطعام في حدوث ما يشبه الانفجار ومسكت النيران بملابسي).
لكنها تشدد على أن سرعة الوصول للمستشفى هو ما جعلها تستطيع التماثل الكامل من الحروق (أتذكر أن وجهي كان متورمًا للغاية لم أعرف ملامحه، وتساقط حاجبيّ وقتها كما وصلت نسبة الحروق لدي إلى 60% فأشكر الله أنني لم أًمُت في حينها).
ظلت ميرفت على العلاج الطبيعي لمدة سنة، واستغرق تماثلها للشفاء الكثير من الوقت (لم أكن أستطيع الحركة في البداية ولكنني كنت أحاول دائمًا وعُدت إلى العمل وكنت ما زلت مصابة).
آمل أن يحصل كل مصابي الحروق على العلاج بسهولة
ورغم هذا ترى ميرفت ان هذه الأيام والإصابة الصعبة التي تعرضت لها غيرت فيها الكثير (قبل الإصابة كنت جادة للغاية لا أضحك كثيرًا، ولكن تجربة الإصابة بالحرق جعلتني اُقبل على الحياة أكثر، فرأيت أن تلك الإصابة إشارة لي من الله كي لا أقصر حياتي على نفسي وأهلي فقط، لذلك أصبحت أكثر نشاطًا في خدمة المجتمع حولي وتعلمت أشياء جديدة كنت أطمح لتعلمها، وهذا النهج الذي أعمل على السير عليه في حياتي،
كما أصبحت نظرتي لحياة الآخرين حولي مختلفة وصرت اتسامح مع أخطائي وأخطاء الآخرين).
وتنصح ميرفت بضرورة المعرفة والتوعية بالحروق وأنواعها ودرجاتها من قبل الكبار والصغار، وحذرت الأم في التعامل مع الموقد والكهرباء خاصة في حالة وجود أطفال صغار.
كما تأمل في أن يحصل مصابو الحروق على العلاج بسهولة.
حنان أشرف:
قضيت 13 عامًا في عمليات من آثار الحروق
وحدثتنا حنان أشرف، الطالبة صاحبة الـ 21 عامًا، عن إصابتها التي تعود لشتاء عام 2008 قائلة “كنت في ذلك الحين أبلغ ثمانية أعوام، وأثناء تشغيل والدي للمدفأة التي تعمل بالجاز ولأنني كنت مدللة منه للغاية وقفت إلى جانبه ثم أمسكت بأحد الجراكن التي كانت تحوي الجاز وصببته على النيران فلم أدر ما حدث إلا أن مسكت النيران فيّ وبملابسي وكانت الإصابات في يدي ووجهي).
كان تأخير حصول حنان على العناية الطبية سببًا في تفاقم الحالة، إذ تحكي أن أباها أخذها إلى الصيدلية ولم ينصحه الصيدلي بالتوجه للمستشفى، ولكن أخبره أن العلاج إزالة الجلد كل أسبوع (بسبب إصابتي وقتها لم أكن أرى ولكنني شعرت بالألم والطريقة الخاطئة التي كنت أعُالج بها، كذلك من آثار الحادثة أن فمي صَغُر للغاية حتى لم يكن يدخله سوى ملعقة الشاي فقط، وبعد إصابتي بعام بدأت رحلتي مع عمليات الترقيع إحدى هذه العمليات في عيني للحصول على جفن حتى أنام بعينين مغلقتين).
13 عامًا قضتها حنان في إجراء عمليات الترقيع المختلفة والليزر كي تعالج آثار الحروق (إحدى العمليات تكلفت 25 ألف جنيه، ولأن الحالة المادية الخاصة بنا لا تسمح بذلك كان يتولى بعض هذه العمليات متبرعون وأشخاص متيسرون).
وظللت حنان فترة طويلة دون أن ترى شكلها حتى التحقت بالثانوية العامة (لذا كنت أتحاشى نظرات الناس حولي، لأني لا أعرف شكلي وأشعر بالرهبة من رد الفعل الصادر عنهم حين يرونني).
المبادرة جعلتني
أعرف أنني لست وحدي فيما أواجهه
تُردد حنان على لسانها دائمًا الشكر لله على حالتها، وتؤكد رضاها عن وضعها الحالي تمامًا (أنا لا أشعر بأنني تغيرت بعد الحادثة فكنت شخصية مبهجة وقوية وما زلت حتى الآن).
لكنها رغم اعتقادها أن الإنسان بالجوهر قبل المظهر تعرضت للكثير من التعليقات السيئة والجارحة (البعض يقول لي يجب أن ترتدي النقاب بسبب شكلي، وأحيانًا ردود الأفعال الخاصة بالأطفال تصيبني بالحزن حين يفزعون منيّ إلى جانب نظرات الإشفاق والاستعجاب في بعض الأحيان ومن أسوأ التعليقات سيدة قالت لي ما الذي أخرجكِ من البيت، وأيضًا حين قال لي الطبيب تكفي عمليات حتى الآن ماذا تريدين؟).
وعلى جانبٍ آخر تُدخل التعليقات الإيجابية السرور على قلب حنان (عندما يبتسم لي أي شخص أو أقرأ التعليقات الإيجابية على صوري عندما أنشرها أشعر بالبهجة).
وتطلب من الناس أن يعاملوا المصاب بطريقة طبيعية (أرجو من الجميع ألا يتعاملوا معنا وكأن بنا شيئًا غريبًا تعاملوا مع الشخصية وليس الشكل والمظهر، لا تشعرنا بأن فينا شيئا ناقصا).
وجاء انضمام حنان للمبادرة بعدما تواصلت معها هند وتحدثت لها عن المبادرة (لم أكن أعرف الكثير عن الحروق ودرجاتها في البداية لكن المبادرة عمقت معارفي، وجعلتني أتعرف على مصابين آخرين عانوا مثلي وأكثر، بدأت أفهم أنني لست وحدي فيما أواجهه، ودائمًا ما لاحظت أن نظرة الناس وتأثيرها علينا هي أبرز وأقسى ما نتعرض له).
وتنتظر حنان التماسًا في الوقت الحالي قدمته للدخول إلى كلية التجارة، وتطمح لأن تقابل طبيبًا يمكنه التعرف على مشكلات وجهها وما يمكن أن يُفعل له (أتطلع لمساعدتي في عمليات الليزر التي يمكنها أن تغيير من حياتي).
على صفحة فيسبوك توجد المبادرة تحت اسم (مبادرة احتواء مصابي الحروق).
«أسرتي» في كل مكان
مصر- داليا شافعي