تحقيقات
أخر الأخبار

محامٍ وقضية.. ورُفعت الجلسة

المحامية مريم البحر:
قضية السحر من أكثر القضايا التي تأثرت بها عام 2021

المحاماة ملاذ ومرؤة وفن قبل أن تكون مهنة.. وليس المحامون كلهم محامين بالضرورة.. ليس عمل المحامي فقط معرفة القانون، فالكثير يعرف النصوص حتى من غير المحامين، لكن حقيقة المحامي تكمن في دراسة الوقائع كدراسة قانونية والنظر إلى ما يمثل هذه الوقائع في نصوص القانون.. المحاماة فن الحجة والجدل والبرهان والإقناع.. وليس من عمل المحامين قلب الثوابت أو تضليل الحقائق؛ لأن المحامي قبل ذلك كله إنســان لا يكسب دعوى ويخسر نفسه.

لا يوجد نص عقوبة يُجرّم السحر والشعوذة!

معكم المحامية مريم فيصل البحر، قانونية متخصصة ومن أوليات الكويتيات اللاتي اقتحمن عالم المحاماة، نكشف لكم كيف استباح المشعوذون وممارسو السحر والدجل البر والبحر لينصبوا أوكارهم ويمارسوا طقوسهم بعيداً عن الأعين مستغلين ضعاف النفوس الذين يقعون فريسة شعوذاتهم ويدفعون أموالاً لعمل سحر أو لتحضير تعويذة.

زعموا امتلاكهم قدرات خاصة وخارقة في تحقيق الرغبات وشفاء الأمراض العضال بل استطالت أفعالهم إلى إلحاق الأذى بالناس في أبدانهم وسلب أموالهم والتفريق بين الزوجين.. وقد يصل الإيذاء البدني إلى الموت وفقد الحياة أو حدوث عاهة مستديمة في الجسد تؤدي إلى الإعاقة، ويتم ذلك باستخدام طرق احتيالية خادعة تتصادم مع الشريعة الإسلامية وتخالفها، منها الكتابات والأقوال المبهمة التي يدونها في أوراق وعقد أو يرددونها مع إطلاق البخور والزعم بالاتصال بالجن والتخاطب معهم وتسخيرهم في تحقيق رغباتهم والادعاء بالغيب.

ورغم أن هذه الأفعال – فضلاً عن مخالفتها للشريعة الإسلامية – فإنها تفسد المجتمع وتلحق الأذى بالناس وتبث فيه روح الاتكالية ونبذ العمل والقعود عن الأخذ بالأسباب فضلاً عن ضياع المال والصحة، إلا أنها لا تخضع لقانون وعقوبة واضحة.

حديثي هذا ربما يصدم بعض القراء، ولكن حقيقة لا يوجد نص عقوبة يجرّم السحر والشعوذة في الكويت.. نعم القانون الكويتي لم يتطرق من قريب أو من بعيد لجرائم السحر والشعوذة، لكن يمكن ضم الأشخاص الذين يقومون بأعمال السحر والشعوذة والدجل إلى جريمة النصب والاحتيال، حيث نص المشرع الكويتي في قانون الجزاء الكويتي على عقوبة الحبس البسيطة أو الغرامة حيث جاء نص المادة 232 من قانون الجزاء الكويتي «يعاقب على النصب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز 225 دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين».. ويتضح من هذا ان الحد الأدنى للعقوبة هو 24 ساعة، وأقصاها ثلاث سنوات.
المضرور لا يستطيع أن يحرر أي محاضر ضد الساحر

ومع الأسف الشديد، فإن المضرور أو الذي تم عمل ما سحر له لا يوجد قانون ينصفه، ولا يستطيع أن يحرر أي محاضر ضد الساحر أو المشعوذ، لأنه لا توجد رابطة بينهما، حتى لو تم الإضرار به، ولكن الوحيد الذي يحق له الرجوع على المشعوذ أو الساحر هو الشخص المتعامل مع الساحر بصفته أنه تم النصب عليه من الساحر أو الدجال أو المشعوذ، وأنه تحصل منه على أموال نظير أعمال قد أوهمه بها ولم تتحقق.

ولكننا أمام قضية اعتبرها من أكثر القضايا التي أثرت بي في عام 2021، حيث طرق باب مكتبي وحالته من أصعب ما يكون.. بدأ يروي حكايته بأنه تزوج وعاش هو وزوجته كأي زوجين وأنجبا أطفالا، ولكنه لاحظ تدهور الحالة الصحية لوالدته بشكل كبير وسريع، من مرض إلى مرض، حتى إنه وصل بها الحال أن تخرج من المنزل لا تعلم ولا تدري هل ترتدي ملابسها أم لا، رغم أنها كانت تتقلد منصبا في وزارة التربية، وكان هذا الشاب بارا بوالدته بشكل كبير، انشغل بها وبمرضها وانصرف عن عمله، ووجد نفسه هو الآخر يعاني من الأمراض، ولكن كل هذا لم يكن يعنيه، فوالدته تأتي لديه في المرتبة الأولى، وبعد معاناة أشفق عليه الخدم في المنزل وأخبروه أنهم لاحظوا أن زوجته تأخذ قطع السكر قبل أن توضع في (مطارات) الشاي وتختفي، ثم تعود وقد أذابتها في سائل ووضعتها في (المطارات) ليكتشفوا لاحقا أن هذا السائل هو بولها.

وكانت هنا الصدمة، ولكن ليس هذا فقط بل توالت الصدمات ليخبروه أن زوجته تطلب منهم أن يلقوا ببعض الأشياء أمام باب المنزل ومواقف السيارات الخاصة به وبوالدته، ليتذكر أنه بالفعل كلما مر من هذا المكان كان يشم رائحة كريهة، ومثبت أن الزوج اتصل أكثر من مرة على البلدية ليفحصوا المجاري والمصارف هناك، كل هذا والسؤال الذي يتردد في ذهنه.. لماذا؟!

قام الشاب بتركيب كاميرات مراقبة في كافة أرجاء المنزل، وفي المداخل والمخارج، ليكتشف أن زوجته وأم أبنائه تقوم بعمل سحر له ولوالدته منذ فترة؛ حيث تقوم بإذابة هذا السحر مع قطع السكر في الشاي، وتسارع في الاتصال به ليأتي ليشرب معها الشاي، وليس هذا فقط كما اكتشف أنها لا تصلي الصلاة التي نصت عليها التعاليم الإسلامية، بل إنها تقوم ببعض السجدات فقط والحركات غير المفهومة.

كما تبين ان هذه الزوجة تحمل قسوة، ومن الصعب أن يطلق عليها لقب أم، حيث أثبتت مقاطع الفيديو المصورة أنها كانت تستمتع وهي تصرخ على ابنتها الصغيرة وتنهرها بشدة حتى إن الطفلة تتبول على نفسها لا إراديا وتبكي بحرقة.
المفاجأة كانت بعد تركيب كاميرات المراقبة!

ولأن موكلي لديه دليل وهو ما سجلته كاميرات المراقبة من أفعال قامت بها الزوجة، فقد تقدمت بشكوى أذى النفس والضرر وللزوج ووالدته، كما أنني تقدمت بشكوى أخرى في حقها لتعنيف الطفلة والقسوة معها، وبعد أن استجوبتها النيابة اعترفت الزوجة بما فعلته وبالفعل سجنت، ولكن بعد تدخل أفراد من عائلتها والضغط على والد الزوج، تنازل الزوج حرصا منه على أطفاله وسمعة والدتهم.

أذكر من الأمور التي أعتبرها من الطرائف، أنه في إحدى القضايا، اتصلت بي ابنة موكلة لدي لتخبرني بأن والدها يتصل في الوقت نفسه بساحرة يتفق معها على عمل سحر لي؛ حيث إنني ساعدت زوجته على الحصول على الطلاق منه للضرر، وكانت إجابتي عليها وقتها «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا».

في الحقيقة، إن الجريمة بلا قانون تتسبب في نشر الفوضى لمعرفة مرتكبيها بقدرتهم على الإفلات من العقاب لعدم توافر شرط من الشروط التي يتطلبها القانون، لإثبات وقوع الجريمة وتوجيه التهمة، وذلك يرجع إلى حالة من الفراغ التشريعي لتلك الجرائم، والتي جاء القانون خاليا من توصيف لها، وبالتالي لم يتم سن مواد توصف هذه الجرائم، وبالتالي لا يوجد تشريع يعاقب عليها، ولا يكيف اتهام محدد لمرتكبها، رغم أن المجتمع يلفظها ويعاني منها.. إن هناك قصورا في القانون الجنائي، الذي لم يتطرق لجرائم السحر والشعوذة التي تدمر الأسرة، بعكس بعض قوانين الدول العربية التي تعاقب عليها منها، وبناء عليه.. فإننا نناشد المشرع إيجاد نظام تشريعي خاص يجرم جرائم السحر الشعوذة حفاظًا على مجتمعنا ولمواجهة تلك الظاهرة الشيطانية الخبيثة التي تنال من صحة المجتمع وسلامته ونموه.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق