وُلدت في منزل الموسيقار سليمان الملا «وطـن النهـار» أغنيـة خـالـدة كتبهـا الشاعر بـورسـلـي بدموعـه
تُغنى في كل المناسبات الوطنية خاصة في أعياد التحرير
كثير من الجماهير ربما لا يعلمون كواليس وتفاصيل ميلاد الأغاني الشهيرة التي حققت نجاحاً كبيراً، وعاشت في وجدانهم لقوة تأثيرها، ورددوها لسنوات طويلة، لذلك فهي عصية على النسيان، فقد ولدت بمشاعر صادقة وعواطف جياشة خرجت من القلب لتغزو قلوب الجماهير، ومن هذه الأغاني الأغنية الوطنية الشهيرة “وطن النهار” التي كانت بمنزلة احتفالية خاصة بعودة الكويت بعد التحرير، وبعد انتهاء محنة الغزو العراقي الغاشم لأرض الكويت الطيبة المسالمة، فهذه المحنة أدمت قلوب العرب جميعا، وليس الكويت والخليج فقط، فقد بكى كل عربي من هذه الصدمة، كيف يتجرأ الجار على غزو جاره العربي الذي قدم يد المساعدة له ولكل عربي، بل امتدت يد الكويت بالمساعدات لكل دول العالم، وقد عبر الشاعر بدر بورسلي عن هذه المحنة بكلمات صادقة هي “وطن النهار” ولحنها الموسيقار سليمان الملا، وغناها الصوت الجريح عبد الكريم عبد القادر، فهز أوتار القلوب وأدمع العيون لتتحول إلى حالة متفردة في تاريخ الأغنية الخليجية والعربية، فما قصة وكواليس خروج وطن النهار إلى النور التفاصيل في السطور التالية:
لقاء الملا وبورسلي
عندما وقع الغزو الغاشم على الكويت المسالمة في أغسطس عام 1990 وجد الكويتيون أنفسهم أمام أمر واقع حزين ومؤلم شكل صدمة وجرحا لا يندمل، خاصة مع تدمير البنية التحتية، وقبع الكويتيون في بيوتهم وهم يرون جنود العراق للأسف ذهاباً وجيئة في شوارع الكويت، هكذا كانت الصورة المظلمة في لحظة حالكة من لحظات التاريخ العربي، وكان الكويتيون يتطلعون إلى بزوغ شمس النهار لينقشع هذا الظلام، ويندحر هذا الكابوس، فكان اللقاء الحاسم بين الموسيقار والملحن سليمان الملا والشاعر بدر بورسلي، خاصة أنهما يسكنان في منطقة مشرف وجلسا يتناقشان ماذا يفعلان من أجل الكويت، واستقرا على تقديم أغنية وطنية، حتى قال الملا إن البلد بلعه صدام، لذلك نريد أن تخرج الأغنية للنهار بصورة مختلفة غير تقليدية، وهنا فاضت مشاعر بدر بورسلي وصرخ آه يا وطني، فرد عليه الملا قائلا: وطن النهار، ومن هنا كانت الشرارة الأولى لأغنية وطن النهار، فطلب الملا من بورسلي أن يقدم الفكرة بصورة مختلفة ومغايرة أقرب إلى ملحمة، ومضى الوقت وهما يفكران، واحتضن الملا العود وبورسلي جالساً إلى جانبه، وأعينهما معلقة على نافذة المنزل؛ لأن العراقيين كانوا يقطعون الطريق جيئة وذهابا، واستغرق العمل على الأغنية أسبوع تقريباً، فكل يوم تولد فكرة يسجلانها على مجموعة أشرطة، واحتفظ بها الملا لتوثيق كل الخطوات التي قاما بها، وحينها لم يكن عبد الكريم عبد القادر موجودا في الكويت، لكن كانا يعملان ويضعان في الاعتبار أن عبد القادر هو من سيشدو بالأغنية، لأن الملا يعتبر عبد القادر هو صوت الكويت الوطني.
شرائط تسجيل الأغنية خبأها الملا بين خزانات المياه أثناء الاحتلال
تسجيل الأغنية في القاهرة
كتب بورسلي المقطع الأول من الأغنية، وقال له الملا إنه يريد جزءاً ثانياً من الأغنية، وانخرط بورسلي يكتب بدموعه كلمات الأغنية فقال:
”وياك عبرة الزمن، قلبي خفق يا كويت شلتك بجوفي وطن”، كان بورسلي يبكي وهو يقول الكلمات والملا يلحنها إلى أن انتهت الأغنية، وبعد انتهاء الجلسة التي جمعت الملا وبورسلي قام الملا بإخفاء شرائط الكاسيت بين خزانات المياه؛ بسبب تعرض المنازل للتفتيش العشوائي في ذلك الوقت.
سجلها عبد القادر
في القاهرة متأثراً بكلماتها وصورها المخرج جوهر جويهل
وبعد تحرير الكويت التقى الملا بعبد الكريم عبد القادر في القاهرة، وسجل الأغنية بصوته الشجي متأثرا بكلماتها، وكانت الإعلامية نادية صقر موجودة في القاهرة في ذلك الوقت فسلمها الملا الشريط لإيصاله لوزارة الإعلام في الكويت، وبالفعل تسلمته، وقالت إن هذه الأغنية يجب أن تصور على الفور، وتسلم الأغنية المخرج جوهر جويهل لتحقق “وطن النهار” نجاحا غير مسبوق، وتتحول إلى ملحمة وطنية يتردد صداها في كل المناسبات الوطنية، وفي أعياد الكويت.
وبعد صدور الأغنية قال بورسلي:
أنا لم أكتب ولا سليمان الملا لحن ولا عبد الكريم غنى.. من صنع هذه الأغنية هم أهل الكويت، إحساسنا بوطن واحد أنا لست أكثر وطنية من أحد، وإنما كل منا يعبر بطريقته، ربنا -سبحانه وتعالى- منحنا القدرة على التعبير بوسيلة مختلفة، سواء كانت كلمات أو ألحانا أو غناء، فكان استقبال أهل الكويت للأغنية هو ما يهز المشاعر ويشعرني بالفخر، ليس لأنني كاتبها، ولكن لأنني كويتي أنتمي إلى هذه الأرض، ولا يزال نجاح الأغنية مستمرا.
ومنذ عام 1991 وحتى اليوم، فإن المدارس تحرص على أن تقوم بغناء هذه الأغنية كل سنة في ذكرى تحرير واستقلال الكويت، وفي عام 2011 تم إعادة إنتاج فيديو كليب للأغنية مخصص للصم والبكم، وفي عام 2012 تم إنتاج مسلسل كويتي تم اقتباس جزء من اسمه من اسم الأغنية، وهو ساهر الليل 3: وطن النهار، وكان من بطولة جاسم النبهان وباسمة حمادة، وفي نفس العام تم الإعلان عن إقامة مهرجان و”يبقى وطن النهار” مستلهمين اسم المهرجان من اسم الأغنية في عام 2019 استلهمت الروائية بدور السميط اسم الأغنية لوضعها على غلاف روايتها.
كلمات أغنية وطن النهار
وطني
وطن النهار
أنت النهار
يا وطني
أنت الأمل ليه هل
وأنت النهار ليه طل
آه.. يا وطن
ياللي انولد من جديد
أنت محيط الأرض يا موج البحار
وطن النهار
وياك
عبرت الزمن
الله شكثر يا كويت يا كويت
قلبي خفق يا كويت
شلتك بجوفي وطن
أنت الوطن بس أنت
أنت الأصل بس أنت
أنت الحياة بس أنت
غصب على الآلام
ترجع وطن من جديد
من جديد