ثقافةزوايا

سمو الأمير قائد الدبلوماسية الهادئة

التي جعلت الكويت مركزاً للإنسانية

 

بمناسبة اختياره شخصية العام في مهرجان القرين الثقافي والكويت عاصمة للثقافة الاسلامية ألقى فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر د.أحمد الطيب محاضرة في المسجد الكبير بحضور وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية

د. يعقوب الصانع وحشد من الشخصيات العامة وقدم للمحاضرة خطيب وإمام المسجد الكبير د.خالد المرشد.

 

 

الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب:

الإسلام دين الوسطية

 

رحب الوزير الصانع بضيف الكويت قائلا:

زارنا ضيف عزيز من بلد عزيز فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الذي عرفناه بطيبته ودماثة أخلاقه وعلمه النافع.

وأكد أن الكويت تحتفي بمناسبة عزيزة وهي اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2016 وما يستلزمه ذلك من أنشطة مختلفة، كما تحتفل بشخصية إسلامية عالمية لها مكانتها في نفوس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها مشيدا بدور الأزهر وشيوخه كمرجعية دينية وشرعية منذ أكثر من ألف عام وما يمثله من وسطية واعتدال.

 

بدأ شيخ الأزهر حديثه قائلاً:

يسعدني في بداية كلمتي إليكم أن أتقدم بخالص الشكر وبالغ التقدير وعاطر الثناء لحضرة صاحب السمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الأمير العربي صاحب الدبلوماسية الهادئة التي بوّأت الكويت مركزا للإنسانية وعاصمة للثقافة الإسلامية – حفظه الله – كما أعرب عن خالص شكري لسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح و لسمو الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح – رئيس مجلس الوزراء، ومعالي الشيخ سلمان الحمود وزير الإعلام ووزير الشباب ومعالي وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يعقوب الصانع، والأخ الفاضل الأستاذ الدكتور خالد المرشد إمام المسجد الكبير رئيس الهيئة ببيت الزكاة على حُسن الاستقبال وكرم الضيافة ودعوتي إلى هذا الحفل الكريم.

 

منهجنا في تربية المسلم بالأزهر الشريف:

ليس من حق أحد أن يكفِّر أحدًا أو يصادر رأيه

 

منهج الحوار وشرعية الاختلاف

واستعرض شيخ الأزهر طبيعة المنهج العلمي في الأزهر الشريف وكيفية التكوين العقلي والوجداني لطلابه ومدى انعكاس هذا المنهج على رعاية الأزهريين للأخوة العلمية والزمالة المذهبية بين المسلمين جميعا.. مؤكدا أن هذا المنهج أصبحنا أحوج ما نكون إليه الآن

وأضاف الإمام الأكبر:

منهج الأزهر التعليمي يحرص على أن يرسخ في عقول الطلاب ووجدانهم صورة الوجه الحقيقي للإسلام وعبر ترجمة صادقة للتراث الإسلامي وجوهره في بُعديه: العقلي والنقلي، وهو بذلك يمثل وسطية الإسلام التي هي أخص خصائص هذا الدين القيم تحقيقاً لقوله تعالى:

}وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ..{، كما يمثل الفهم المعتدل لنصوص الكتاب والسُنَّة وما نشأ حولهما من إبداعات علمية وفكرية ثم يرسخ في ذهن الطالب الأزهري مبدأ الحوار وشرعية الاختلاف.

 

الإسلام يحارب الانغلاق الذهني وإسالة الدماء واستحلال العرض والمال

 

وقال: تمثل كل ذلك في نظام تربوي عريق يترك للطالب المبتدئ أن يختار منذ الطفولة الباكرة مذهبا من بين المذاهب الفقهية المتعددة يدرسه ويتعمق فيه ويرسخ في ذهنه قناعة عميقة بأن هناك في شريعة الإسلام أكثر من مذهب وأكثر من رأي وأن جميع هذه الآراء لا تتصارع ولا ينفي بعضها بعضا، وليس من حق أحد أن يصادر على أحد آخر ما ذهب إليه وارتآه.. هذا المنهج الحواري المعتدل نجح في أن يجنب طالب الأزهر الانغلاق في مذهب واحد بعينه يراه صحيحا ويرى غيره باطلا.

ولا يقتصر منهج الأزهر على ترسيخ مبدأ الحوار وشرعية الاختلاف واحترام الرأي الآخر في دائرة المذاهب الفقهية والفكرية عند المسلمين فحسب، بل يعمل الأزهر على ترسيخ المبدأ ذاته في أذهان طلابه فيما يختص بعلاقة الإسلام بالأديان السماوية

ولأن منهج الأزهر يستبعد جذريا الاتجاهات المذهبية التي تشجع على الانغلاق الذهني، وما يُسلم إليه من تشدد وغلو، ثم من تكفير وإسالة للدماء، واستحلال للعرض والمال، فقد تبنى منذ قديم الزمن مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري المتوفى سنة 324هـ ليتخذه منهجا في تدريس العقيدة الإسلامية لطلابه.

وعن سبب اعتماد المذهب الأشعري من بين المذاهب الأخرى ليكون معبرا عن عقيدة الإسلام في الأزهر، قال الإمام الأكبر:

المذهب الأشعري لا ابتداع فيه لعقيدة مستحدثة، وإنما هو محض تسجيل وتقرير لما كان عليه رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وصحابته والسلف الأوائل، وقد قرر ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الموافقة، ومن أجل ذلك تلقته الأمة بالقبول، ودرج عليه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها على امتداد تاريخهم الطويل، ثم هو المذهب الذي يجتث من أصوله وأدبياته نزعة التكفير بالمذهب أو الطائفية في أحدث التسميات، وهو المذهب الوسط بين جموح العقليين وجمود النصيين، وهو المذهب الذي وسع المسلمين جميعا ما داموا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولا يكفر أحدا من أهل القبلة وهذا المذهب الذي اختاره الأزهر، ونشأ عليه أبناء المسلمين، هو الذي يعبر عن رجاء الناس في الله ورجاء العصاة والمؤمنين في عفوه ومغفرته ورحمته، وهو الذي يعكس يُسر هذا الدين وحنوه على أتباعه، ورأفته بهم، وروى الحافظ ابن عساكر أن الإمام الأشعري حين حضرته الوفاة في بغداد قال لأحد تلامذته:

«أشهد علي أني لا أكفر أحدا من أهل هذه القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات».

وعلق: لو أن هواة التكفير والمتاجرين به في سوق السياسات والمؤامرات توقفوا بعقولهم وأفئدتهم لحظة أمام هذه العبارة وأمثالها في تراثنا العظيم، إذن لاستبدلوا بالتكفير التفكير، ولأدركوا بشاعة ما يرتكبون من جرائم تشوه الإسلام وتسيء للمسلمين

وتابع الإمام الأكبر:

إنني لا أرمي من وراء حديثي عن المذهب الأشعري إلى الترويج لهذا المذهب، أو دعوة الناس إليه ولكنني أدعو لتطبيق روح هذا المذهب وفلسفته في حرية المذهب وترك الناس وما نشأوا عليه والترفع عن حمل الناس على تبديل مفاهيمهم بالمال واستغلال فقرهم وعوزهم.

 

ظاهرة التنكر لولاء الوطن

وأضاف الإمام الأكبر:

أرى أن هذا المنهج التعددي التصالحي التحاوري هو أقدر المناهج الآن على علاج أزمة العقل الإسلامي المعاصر، وما آل إليه أمر الأمة الإسلامية من تفكك واضطراب وفوضى، وبخاصة ما آل إليه حال أمتنا العربية من تمزق وتدمير لآصرة العروبة، ودعوات مريبة لضرب استقرار الوحدة الوطنية، وزعزعة الولاء للوطن، وتشتيته بين ولاءات طائفية ومذهبية، لا ترعى وحدة العقيدة والدين، ولا تحترم حُرمة التاريخ ومسؤولية المصير المشترك.

الإمام الأكبر شيخ الأزهر:

ليس صحيحاً ولا مشروعاً ظاهرة التنكر لولاء الوطن

 

للوطن حقوق شرعية وأخلاقية يصونها الإسلام وتحميها شريعته

 

وأضاف: ليس صحيحا – في هذا المقام – ولا مشروعا ما شاع أخيراً في بلادنا من ظاهرة التنكر لولاء الوطن، والاستبدال به ولاءات أخرى عقدية أو سياسية تضر بمصلحة الوطن الذي يعيش على ثراه هذا المتنكر الجاحد، ويأكل من خيراته وينعم هو وأسرته وأولاده بثرواته ومقدراته.. فللوطن حقوق شرعية وأخلاقية ما في ذلك ريب، والبرُّ به ورعاية حقوقه من صميم أحكام الإسلام ومقاصد شريعته، ونحن لا نقول جديدا حين نذكر بكلمات النبي «صلى الله عليه وسلم» لما أخرج من مكة المكرمة وودعها بكلمات جسدت ما في قلبه الشريف من بر بالوطن وتعلق به حين قال مخاطبا مكة المكرمة: «ما أطيبك وأحبك إليَّ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما سكنت غيرك» فلنتأمل هذا الكلام الذي يفيض حبا واحتراما وتقديرا للوطن، رغم أنه أوذي وحُوصر وضُيق عليه في مكة، ورغم أن هذا البلد في ذلكم الوقت كان مركزا للوثنية والشرك مما يدل على انحراف هؤلاء الذين يعيشون بأجسامهم فوق أرض، بينما ولاؤهم رهن بأرض أخرى أو جماعات معينة، أو زعامات هنا وهناك، لا ترعى حرمة الأوطان، ولا حقها في الأمن والاستقرار.

 

أزمة أمتنا تكمن في: التكفير والإرهاب والقتل على الطائفة والمذهب

 

سفك الدماء العربية

وأضاف شيخ الأزهر:

هناك مآس تحيط بنا من كل جانب والأمثلة المحزنة في سورية والعراق واليمن وليبيا ولبنان، وأتساءل معكم، هل هناك سبب واحد معقول يبرر سفك هذه الدماء العربية ليل نهار بأيد عربية وغير عربية؟ ولماذا ينعم العالم كله بالأمن والسلام والرفاهية، ويشقى عالمنا العربي بحروب طاحنة.

واستطرد:

إن الإنصاف يقتضيني أن أقول إنني لا أشك لحظة في أن هناك مؤامرة من وراء البحار، ولكن هناك أيضا قابلية نكراء من جانبنا لتنفيذ هذه المؤامرة، ولعلي أوضح الأسباب التي أدت إلى ما نحن فيه من آفات التكفير والإرهاب والقتل على الطائفة والمذهب.

أول هذه الأسباب – فيما أعتقد – هو أننا غضضنا الطرف طويلا عن نوع من التربية والتعليم لم يضع في برامجه ولا في حسبانه وحدة الأمة ولا وحدة العرب، إن لم أقل إنه كثيرا ما ساعد على تأجيج الفرقة والخلاف المذهبي والطائفي الذي سرعان ما تحول إلى خلاف على «الإسلام» وليس على الطائفة والمذهب، وبذلك أصبح الطريق ممهدا لظهور مذاهب التكفير والطائفية وإسالة الدماء قربانا على مذابحهما.

وثاني الأسباب هو أن علماء الأمة لم يعد همهم الأكبر حفظ وحدة الأمة ومصلحة المسلمين وحماية شعوبهم من التمزق والتنازع الذي يصل أحيانا إلى درجة تكفير المسلم للمسلم، أو تفسيقه أو إخراجه من الملة في أمور خلافية طالما عذر المسلمون فيها بعضهم بعضا.

آخر هذه الأسباب انشقاق العلماء أنفسهم، وانغلاقهم في مذاهب بعينها، مما فتح الباب على مصراعيه لتغذية حروب أهلية يدفع المسلمون الآن ثمنها دماء وأشلاء ودمارا وتشريدا، ولو أن السادة العلماء كانوا قد تخلوا عن التعصب المذهبي والطائفي، ولجأوا إلى الحوار والنصح والحكمة، ومجابهة القضايا الشائكة بتجرد وموضوعية، وقراءة أمينة لواقع العرب والمسلمين، إذن لفوتوا الفرص على المتربصين بهذه الأمة، ولأنقذوها من كثير مما حل بها من فرقة وانقسام وضعف.

 

إنقاذ الأمة الإسلامية

اختتم شيخ الأزهر كلماته بعدد من المقترحات تشكل خارطة طريق لإنقاذ الأمة الإسلامية مما هي فيه نوجزها فيما يلي:

  • ضرورة العودة بالخلافيات الحساسة من شاشات الفضائيات إلى أروقة الدرس ومجالس العلماء المتخصصة صيانة لهذه الخلافيات العلمية الدقيقة من أن يتحول اللغو فيها إلى برامج سياسية موجهة يتبرأ منها الإسلام، وحتى لا تتخذ وسيلة لبث ثقافة الحقد والكراهية، وإشعال نار الفتنة بين المسلمين.
  • ضرورة تصدي العلماء من جميع المذاهب الإسلامية بفتاوى صريحة وواضحة للعابثين بتراث الأمة ومقدساتها ورموزها، والتبرؤ المعلن من كل ما يعكر صفو علاقة الأخوة من أجل حسابات أيديولوجية طائفية وسياسية داخلية أو خارجية.
  • وقف آلة التكفير المتبادل وقفا تاما، والعمل الجاد على القضاء على ثقافة العنصرية المذهبية والعرقية، والرغبة المحمومة في الاستحواذ والإقصاء، وتشجيع كل ما يبعث على التعالي عن سياسة التربص والكيد، واستدعاء ما يغذي هذه الفتن من هوامل التراث وشوارده واستثناءاته التي طواها الزمن، وأصبحت في ذمة التاريخ، وأصبح بعثها من مرقدها، والاقتتال في حومتها جريمة حضارية بكل المقاييس، وظلما فادحا لتاريخ أمة هي خير أمة أخرجت للناس.

 

وفي ختام المحاضرة أهدى وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يعقوب الصانع الإمام الأكبر شيخ الأزهر د.أحمد الطيب درعا تكريمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق