2022 تُسدل الستار على حياة إمبراطورة «أزياء البانكس» Vivienne Westwood
خيم الحزن على عالمي الموضة والأزياء إثر الإعلان عن وفاة مصمّمة الأزياء والناشطة السياسية والبيئية البريطانية فيفيان ويستوود المعروفة عالمياً بلقب «إمبراطورة أزياء البانكس» عن عمر ناهز 81 عاما في لندن ليُسدل الستار على حياة تلك السيدة الثائرة بعد نصف قرن من النجاحات، ليس فقط في مجال تصميم الأزياء، بل في دعم القضايا البيئية والسياسية والاجتماعية.
دخولها عالم الأزياء لم يكن مرهوناً فقط بحبها لهذا المجال الإبداعي الشائق، بل أيضا لطرح أفكارها الثورية عبر منصات عروض الأزياء من خلال تصميماتها ذات الرسائل المسيسة المثيرة للجدل.. فويستوود من أوائل المصممات والمصممين الذين نادوا العاملين بقطاع الموضة في 2008 بالتقيد بالقواعد الملزمة للحفاظ على البيئة.
كما دعت المصممة أيضا المستهلكين إلى تقنين شراء الملابس، وذلك ضمن حملتها لدعم البيئة والمساهمة في خفض حدة تغير المناخ الذي يعاني منه العالم حالياً والذي كان من أبرز معاركها السياسية ضد حكومة بلادها منذ بداية الألفية الثانية وفاتها.
أما معركتها الأخيرة التي استخدمت فيها قدرتها الإبداعية في التعبير عن موقفها الصلب، فكان الدفاع عن مؤسس موقع “ويكيليكس” جوليان أسانج، الذي اعتُقل في عام 2019 بعدما أمضى أكثر من 7 سنوات كلاجئ في سفارة الإكوادور في لندن، حيث نددت خلال إحدى مسيراتها بـ “فساد الحكومة وموت العدالة”، لتظهر بعد ذلك بعام أمام إحدى محاكم لندن في قفص ضخم مرتدية بذلة صفراء كنوع من الاحتجاج على تسليم أسانج.
في المقابل نشر موقع “ويكيليكس” تغريدة كتب فيها “ارتاحي بقوة” “Rest In Power” وأرفقها بخبر وفاة ويستوود مع صور لها ولأسانج مرتديين القميص نفسه الذي صممته في وقت سابق.
وكان آخر ظهور للمصممة في أسبوع باريس للموضة الذي عقد في مارس الماضي، وذلك أثناء ختام عرض أزياء دارها، حيث ظهرت وهي تحيي جمهورها بشعر رمادي مربوط، ذي تسريحة أنيقة، وكعادتها كانت تنتعل حذاء ضخماً بكعب عال وكأنها تقول إنها ملتزمة بأسلوبها الجريء حتى آخر عرض في حياتها.
والحديث عن إنجازات المصممة الثورجية لا ينتهي، خصوصاً أنه نابع من شخصيتها المتمردة والظروف المعيشية الصعبة التي عاشتها في فترة الطفولة وحتى بدايات الثلاثينيات من عمرها.
ولدت فيفيان في أبريل من عام 1941 في منطقة دربيشاير (وسط إنجلترا)، واسمها الأصلي فيفيان سواير، أما اسم ويستوود، فيرجع إلى لقب زوجها الأول الذي عرفت به واستمرت عليه.
وفيفيان هي الابنة الكبرى في عائلة متواضعة تضم ثلاثة أبناء، حيث كان يعمل والدها عاملا في مصانع للذخيرة والسلاح، أما والدتها فكانت عاملة في مصنع للقطن. عاشت الفتاة الصغيرة حياة متعبة وقاسية بسبب ظروف أسرتها الاقتصادية، ما دفعها إلى مغادرة المدينة بحثاً عن العمل والتعليم في نفس الوقت، وهي في السابعة عشرة من عمرها وذهبت إلى لندن عاصمة الموضة والتحقت هناك بمدرسة (هارو) لتعلم فن صياغة الحلي الفضية.
عملت فيفيان في تصميم الحلي المعدنية وبيعها، وكذلك بيع بعض القطع من الأزياء، ولكنها سرعان ما توقفت عن ذلك بشكل مؤقت بسبب قلة دخلها، وقالت: إن الفن لا يجلب المال للفقراء، وفضلت العمل مدرسة للأطفال مع تنمية موهبتها من خلال عمل اسكتشات لما تحلم بتصميمه سواء من ملابس أو حلي.
من مُدرّسة أطفال لزوجة لعامل وأم لأول طفل
أثناء عملها مدرسة مبتدئة تزوجت الفتاة في 1961 من عامل بأحد المصانع المحلية اسمه دريك ويستوود، والذي حملت لقبه حتى وفاتها رغم انفصالها عنه بعد ثلاث سنوات من زواجهما الذي أثمرتأول أبنائها (بن).
والمفارقة أنها هي من صممت فستان فرحها، وكذلك بعض ملابسها الغريبة التي كانت ترتديها أثناء ترددها على النوادي الليلية التي اعتادت الذهاب إليها أثناء سنوات زواجها الأول الذي فشلت في أن تحقق خلاله أياً من أحلامها الكبيرة.
مالكولم ماكلارين قدم لها مفاتيح النجاح
تعرفت ويستوود على الفنان مالكولم ماكلارين قبل أن يتحول إلى مدير لفرقةSEX PISTOLS عن طريق أخيها الأصغر، وذلك أثناء الفترة الأخيرة من زواجها الأول، وتحولت الصداقة إلى قصة حب جمعت بينهما بعد طلاقها، خصوصا أنه كان مؤمناً بموهبتها، وهو من شجعها على العودة إلى التصميم من جديد، وفي ذلك تقول المصممة إنها تعلمت منه الكثير، فقد كان يمتلك مفاتيح كل ما تريد أن تعرفه أو تصل إليه.
وبعد عدة أعوام تكللت قصة حبهما بالزواج ومن ثم إنجاب ابنها الثاني (جوزيف)، واستمر الزوج في دعم زوجته التي كانت تهوى تصميمات الأزياء المتمردة التي عرفت آنذاك بـ”البانكس”، وكانت تقوم ببيعها وتوزيعها من داخل منزل الزوجية، بينما واصل هو نجاحه مديرا للفرقة الشبابية، وكانت رغبة الزوجين في الانفصال عن جيل “السلام والحب”، وهو شعار حركة “الهيبيز” التي كانت منتشرة بقوة في ستينيات القرن الماضي سبباً في تحويلهما لثنائي مبدع ذاع صيته في كل أرجاء المدينة.
في بداية السبعينيات اشترى مالكوم متجراً خاصاً بشارع “كينغز رود” بوسط لندن ليعرض فيه تصميمات زوجته التي اتسمت بالجنون بسبب استخدامها للخامات الغريبة مع التركيز على الريش والجلود والألوان غير المعتادة في ذلك الوقت، ولم يكمن وجه الغرابة في التصميمات فقط، بل في ديكور المحل المريب الذي لم يخلو من الجماجم السوداء المخيفة التي كانت تجذب الشباب يوما بعد يوم.
وقد أثارت تصميمات ويستوود المعروضة على واجهات المحل دهشة المارة بسبب جرأتها، ففي حين كتبت عبارات إباحية غير لائقة على بعض القمصان عرضت تصميمات أخرى من التيشيرتات الممزقة المطبوع عليها صورا غريبة إلى جانب أحذية “البتلافورم” العالية ذات الألوان الصارخة.
هذا الأسلوب غير المعتاد للتصميمات كان سبباً في ظهور خط جديد من التصميمات التي لم تكن معتادة في تلك الآونة لتتحول مع الوقت إلى “ترند” عالمي نسب إلى ويستوود وفتح لها ولزوجها أبواب النجاح والشهرة الساحقة، خصوصا بعد صدور أغنية God Safe The Queen التي انتشرت في البلاد كلها انتشار النار في الهشيم.
أما ذروة الشهرة الحقيقية واكتساح الأسواق الإنجليزية، فقد كان بسبب القميص الذي صممته ويستوود، وكان مطبوعاً عليه وجه الملكة إليزابيث الثانية ومدعم بدبوس أمان أنيق.
مجموعة القراصنة والوصول للعالمية
قبل ستة أشهر تقريباً من حفل زفاف الأميرة ديانا سبنسر الأسطوري على ولي العهد البريطاني آنذاك الأمير تشارلز، قدمت المصممة عرض أزيائها الأول في لندن تحت اسم “مجموعة القراصنة” المستوحاة من أزياء القراصنة وأزياء القرن الثامن عشر التي اعتمدت على الكورسيهات الضيقة لتخرج بمجموعة مذهلة كانت مثار حديث صُناع الموضة العالمية في ذلك الوقت.
وقد لاقت تلك التشكيلة نجاحاً كبيراً دفعها إلى إطلاق المزيد من التشكيلات النسائية والشبابية المتميزة التي فتحت شهيتها على المشاركة في العديد من عروض الأزياء العالمية الأخرى التي زادت من شهرتها، وهو ما دفعها لافتتاح عدة محلات خاصة بها في عواصم الموضة لندن ونيويورك وهونغ كونغ ومن ثم باريس.
انفصالهما لم يؤثر على نجاحهما معاً
لم يستطع حب الطرفبن لبعضهما بعضا الصمود أمام طباع الزوج الصعبة وتمرد الزوجة على كل ما هو مألوف، وكانت نهاية الزواج حتمية، فهو يراها تمادت في تصميماتها المخلة وهي متمسكة بهذا النهج الذي اعتبرته تعبيرا عن أفكارها، ولكن هذا الانفصال لم يؤثر بحال من الأحوال على علاقتهما العملية، حيث استمرا في تقديم موضة البانكس وتطويرها يوما بعد يوم إلى أن أعلنا انفصالهما مهنياً لتستمر في استكمال المشوار وحدها لتتحول مع الوقت إلى “إمبراطورة البانكس” الذي تحول إلى اتجاه جديد في عالم الموضة العالمية.
ولم تتوقف طموحات ويستوود عند حد تصميم الأزياء النسائية فقط، حيث قررت افتتاح عدد آخر من خطوط الإنتاج الموازية بدأتها في عام 1990 بالملابس الرجالية، ثم الجلود والإكسسوارات والعطور وغيرها من المنتجات المعاصرة.
وفي عام 1991 حصدت المصممة ثمار تعب سنوات طويلة من العمل الدؤوب، حيث تم اختيارها مصممة العام في بريطانيا، كما حازت لاحقاًتالعديد من الجوائز الإبداعية العالمية. وغالبا ما كانت ويستوود تكسر التقاليد والأصول العامة، ففي عام 1992 تم تصويرها وهي تغادر قصر باكنغهام بدون ملابس داخلية، وذلك بعد حصولها على رتبة ضابط في الإمبراطورية البريطانية من جانب الملكة الراحلة إليزابيث الثانية.
Andreas Kronthalerالزوج والمساعد والمدير الفني
في عام 1993 تعرفت ويستوود على زوجها النمساوي أندرياس كرونثالر الذي يصغرها بـ 25 عاماً، وذلك أثناء رحلتها إلى فيينا لإعطاء دروس في فن التصميم، وقالت إن فارق السن بينهما لم يمثل أي مشكلة لأي منهما، حيث جمعتهما قصة حب بدأت من أول نظرة، حسب تصريحات إعلامية لها، مشيرة إلى أنه كان أحد تلاميذها هناك، ووصفته بأنه كان “من أكثر الطلاب موهبة وقدرة على الابتكار”، وبعد زواجهما كان هو من يساعدها في عملها حتى آخر يوم في حياتها، فهو على حد قولها “مصمم مبدع يضع اللمسات الأخيرة على مجموعاتي، ويشرف على التسويق بجدارة”.
وكان كرونثالر قد نعى زوجته قائلا: “لقد عملنا حتى النهاية وقدمت لي الكثير من الأشياء كي أتابع بها.. شكراً لك يا حبيبتي”.
وعلى الرغم من تراجع موضة البانكس مع مرور الوقت، بل اختفائها، إلا أن ويستوود ظلت متمسكة بها وتستخدمها في أغلب تصميماتها، ولكن بروح العصر الحديث كونها تمثل لها (رمز الثورية والانقلاب على كل ما هو معتاد ومعروف لدى مجتمعها).
وفي حديث لها مع صديقها إيان كيلي الذي ساعدها في كتابة سيرتها الذاتية في عام 2014 قالت المصممة إن اما أفعله اليوم لا يزال مرتبطا بعالم البانك، فالأمر لا يزال مرتبطا بالانتفاض ضد الظلم واستثارة التفكير لدى الناس حتى لو كان ذلك غير مريح للبعض.. سأظل دائما على صلة بعالم البانك بهذا المعنى”.
تصميمات جديدة بلمسات تقليدية
في عام 2016، تنحت ويستوود عن الإدارة الفنية لعلامتها التجارية وأسندتها إلى زوجها كرونثالر الذي قدم شكلاً جديداً للتصميمات الحديثة للدار، ولكنه وفر استمرارية السمات التقليدية التي ميزت علامة ويستوود التجارية وعرفت بها.
أزياؤها تعكس مواقفها السياسية
وباستعراض ما قدمته ويستوود من أزياء على مدار تاريخها المهني، يمكننا القول إنها استخدمت منصات العروض للتعبير عن آرائها الثورية في مختلف مناحي الحياة، وقد بدا ذلك جلياً من خلال العروض التي قدمتها أثناء الحقبة الزمنية التي تولت فيها مارجريت تاتشر رئاسة وزراء بريطانيا، والتي كانت تعارضها بشدة من خلال ارتداء ملابس مخصصة لذلك. والحال ذاته كان واضحا في تصميماتها التي عبرت بشدة عن مناهضتها لاتفاقية البريسكت الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.