تحقيقات

إيقاعات الـ «دي جي» أعلى من دقات التقاليد

ماذا تبقى في أعراسنا

من عبق المـاضـي؟

 

رغم مرور الزمن بكل ما فيه من تكنولوجيا ومستجدات، فمازالت الأعراس في منطقتنا العربية بالذات لها أساليبها الخاصة التي تتسم بالتقاليد والعادات، سواء في تجهيز العروس أو ليلة الدخلة أو التكاليف حتى الأغاني والحفلات المختلفة التي يتنوع فيها المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

وتشكل الأعراس ظاهرة مهمة في حياتنا؛ فهي بداية لتكوين أسرة واستقرار وتحمل مسؤولية، واعتماد الشخص على ذاته إلى غير ذلك من الأمور.

وفي هذا التحقيق نلقي الضوء على أهم مظاهر العرس خاصة في الكويت، وأهم الموروثات القائمة، وما استجد فيها من تطور غيّر إلى حد ما من الأشكال التقليدية في المفاهيم المرتبطة بكل ما يتعلق بالعروس من إعداد زفة.. حفلات.. ليلة الدخلة.. الأيام الأولى من الزواج.. إلى غير ذلك من الموضوعات المهمة في حياة العروس.. وإليكم التفاصيل:

 

الراغب:

التمسك بالتقاليد

في الكويت رغم مظاهر الحداثة التي طرأت على حفلات الأعراس

 

في البداية التقينا بالأكاديمي التربوي والاجتماعي الدكتور على الراغب الذي قال:

تجولت في بلدان عربية كثيرة، وأقيم في الكويت منذ عشرات السنين، ونظرا لطبيعة دراساتي كراصد للمظاهر الاجتماعية ومنها الأعراس، هناك عامل مشترك بين كل الدول العربية لا تختلف فيه دولة عن أخرى وهو إتمام العرس حسب شريعتنا الإسلامية وعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية، مهما تعددت المظاهر الحديثة.

وأضاف:

هناك تطور واضح خاصة في الفترة الأخيرة فيما يتعلق بإقامة حفلات الأعراس وإعداد وتجهيز العروس واستخدام التقنيات الحديثة في تجميل العروسين في صالونات مخصصة للسيدات وأخرى للرجال، مع حجز أفخم الصالات، كما تنتشر في الكويت خيمة العرس لتناول العشاء والإعلان عنها في الصحف وغيرها، مع إعداد مجالس الرجال المنفصلة والبعيدة تماما عن مجالس السيدات، وفي بعض الدول العربية يختلط الرجال والنساء في حفلة العرس مع الاستغناء عن ضيافة العشاء للحضور والاكتفاء بتوزيع المشروبات والحلويات المختلفة.

أما في ليبيا مثلا، فمازال يتميز العرس بطقوس خاصة عن باقي الأعراس في الدول العربية والإسلامية رغم اختصار مدته من عشرة أيام إلى ثلاثة أو يومين لكن بنفس الموروث الحضاري الذي انتقل إلى الأبناء من الأجداد.

المظاهر التقليدية للعرس الليبي لا تقتصر فقط على حضور فرقة «الغناء» الشعبية، إذ لا تزال أجواء الفرح تفيض بعبق الماضي وتزخر بالكثير من العادات والتقاليد الموروثة، على الرغم من مظاهر الحداثة التي بدأت تتغلغل في المجتمع الليبي.

 

صبري:

الـ «دي جي» أفسحَ الطريق أمام العروس لتعبّر عن فرحتها

 

من جهته قال الشاعر والباحث في الموروث الشعبي المصري عبدالله صبري:

عادات الزواج لم تتغير منذ عهد الفراعنة، ولعل ما ذكره الدكتور سيد كريم مؤلف موسوعة «لغز الحضارة» تؤكد «أن المصري مازال متمسكا بعاداته وتقاليده التي ورثها عن أجداده القدماء، ولعل الزواج أبرز هذه العادات التي لم تتغير، فالمصريون أول شعوب العالم معرفة بالزواج حيث وضعوا له شروطا،فالزواج يبدأ بدبلة الخطوبة».

كما اعتاد المصريون على أن يكون حفل الزفاف في منزل العريس أو العروس حسب الاتفاق، أو مثلما يحدث الآن في أحد الفنادق الكبرى إذا كان العريس ثريا بعض الشيء، أو في النوادي. كذلك كان العروسان قديما يقومان بتزيين قاعة الزفاف، وأهم شيء يستخدم لتزيين القاعة هو زهر الياسمين، وهو بالفرعوني «الياسمون»، وذلك لأنه في اعتقادهم زهر الجنة ورائحته هي رائحة الجنة، وكان يطلق على المكان الذي يجلس فيه العروسان «الكوش»، وقد تطور هذا الاسم الآن وأصبح «الكوشة».

وختم صبري قائلا:

أما ليلة العمر «الدخلة» كما يحلو للجميع تسميتها فتبدأ بتحية العروس وصديقاتها ثم بالرقص والغناء لتعبر عن فرحتها في ليلة عمرها.

أما في الحاضر فقد لعبت التكنولوجية دورا كبيرا حيث اختفت الفرق الموسيقية والغنائية التي كانت تتبارى في تقديم كل ما هو جديد بأصوات تشدو حتى الساعات الأولى من الصباح ليحل محلها اسطوانات المطربين والمطربات «دي جي» لإفساح الطريق أمام العروس لتحيي حفلتها بنفسها وبمواهبها، فتارة راقصة وأخرى مغنية وأحيانا مشجعة إذا ما جاملتها إحدى زميلاتها برقصة على الموسيقى الناعمة، وذلك حتى الصباح ولم تعد هناك الصباحية التي كان ينتظرها أهل العروسين للاطمئنان عليهما وأصبح الأمر عاديا ولم تعد هناك قلة ولا جرة يتم كسرها أمام عتبة البيت.

 

جميلة سيد:

فرحة العمر في كويت اليوم تتغلغل في ثنايا القلب وترسم بهجة لا تزول

 

من جهتها، تحدثنا الأديبة الكويتية وأمين الإعلام برابطة أدباء الكويت جميلة محمد علي قائلة:

عشت معظم سنوات عمري خارج الكويت ولم أشهد حفل زواج واحد في الماضي لكن ما عرفته من والدي أن هلإتمام عملية العرس كان يلتقي الوالدان – والد العروس وووالد المعرَس – ويتم الاتفاق النهائي على الدزة (الشبكة والمهر) والملجة (وهي عقد الزواج والزفاف)، وعادة يتم هذا اللقاء بلا احتفال، وبعد الخطبة تحجب الفتاة عن الرجال حتى لو كانوا أقرب المقربين لها إلى يوم زفافها، إلى أن يأتي العريس ويقطف نورها، كما يقولون.

وتضيف:

أما في الحاضر وهي الفترة التي عايشت فيها أفراح الكويت، فإن العرس يتم باتفاق الوالدين على موعد الزفاف ويخرجون يوميا لاختيار أثاث وديكورات لشقتهم افي بيت أهله أو بمنزل مستقل غالبا، يبدأ مهر العروس الكويتية الذي أصبح مبالغ خيالية نظرا للوفرة المادية الآن، وتختلف قيمته على حسب أسرة العروس والمعرس، وعادة ما تأخذ العروس هذه النقود لشراء ما يلزمها من ذهب وملابس.

أما «الدزة»، فأصبحت صناديق فخمة كبيرة ممتلئة بالموديلات الحديثة الباريسية والعطور والذهب والألماس والإكسسوارات والعباءات الهندية والمغربية والخليجية وأغلى أنواع البخور، والمهر يقدم بشيك مسجل باسم الزوجة أو يوضع بأفخر الصناديق داخل الدزة.

ويعقد الزواج في المسجد أو المحكمة عند القاضي الشرعي أو منزل العريس، ويقام احتفال بمناسبة عقد الزواج، للرجال عشاء في منزل العريس أو أحد الفنادق، وأم العروس تقيم احتفالا «محفوفا» بالأقارب من الزوجين، ولا ترتدي العروس اللون الأبيض، ويدخل المعرس للحفل لمقابلة عروسه بعد زفه من أقاربه فقط دون أصدقائه، وبعد الاحتفال يأخذ المعرس عروسه للعشاء في أحد المطاعم الفخمة أو الفنادق.

وتؤكد الأديبة جميلة سيد أن فرحة العمر في كويت اليوم فرحة تتغلغل في ثنايا القلب، وترسم بهجة لا تزول على شفاه باسمة تغمرها الفرحة، فرحة العمر كله. فستان العرس الأبيض وزهور بيضاء وقلوب أشد بياضا تتواجد في قاعة الاحتفالات الكبرى التي تحتضن العروسين فرحا نقيا خالصا، يحتضن نبضات قلبية لشريكين في الحياة قررا دمج هذه الخفقات الوالهة في مقطوعة واحدة هي أغنية دائمة مدى الحياة.

 

الرميضي:

الأعراس قديما وحديثا صورة التلاحم والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الكويتي

 

من جانبه قال الباحث في الموروث الكويتي طلال الرميضي أمين عام رابطة أدباء الكويت:

كانت مظاهر الاحتفال بالأفراح والأعراس قديما في الكويت تكشف لنا جانبا مهما وهو التلاحم والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الكويتي، بحيث تجد التعاون بين أبناء الحي أو الفريج الواحد والتعاون بين كل أفراد الأسرة للقيام بشراء جميع مستلزمات العرس، كما يقوم بعض الأقارب والأصدقاء بمساعدة المعرس منهم من يهديه بشتا والآخر غترة وعقالا، وثالث يحضر الذبائح للعشاء، فهذا الجانب المهم الذي كانت تتميز به الأعراس في الماضي من التعاون، بساطة المجتمع الكويتي وتماسكه، ومع محدودية الميزانية كان التصرف بحكمة، وكانت تقام أفراح العرس ليلة الجمعة فقط، حيث يمثل يوم الخميس من أوله لآخره فرحة للكبير والصغير، وصدق المثل الكويتي القديم (المعاريس اتنين، والمجانين الفين).

أما العرس في وقتنا الحاضر فقد اختفت منه  الكثير من المظاهر وأصبحت التقنيات الحديثة مسيطرة بشكل واضح في كل تفاصيل العرس في كويت الحاضر.

ويضيف الرميضي:

بالنسبة لفترة الخطوبة كما يحلو للبعض تسميتها في وقتنا الحاضر فتتراوح فيه وتختلف فترة «الملجة» بين شخص وآخر، فهناك من يفضل إطالتها للتعرف على بعض أكثر وهناك من يستعجل بها، والحوافة أصبح اسمها خبيرة تجميل، والوصفات السابقة أصبحت كريمات ومستحضرات وماركات عالمية.

دعوات الزواج الرسمية وصالات الأفراح والفنادق هي السمة الأساسية لأفراح اليوم في الكويت والتي تصل تكلفتها بالنسبة للفنادق إلى 4000 د.ك فما فوق. أما صالات الأفراح فتكون تكلفتها أقل، حيث تبدأ من 100 د.ك، وغالبا ما يكون بكل ضاحية صالة أفراح على عكس الميزانية المحدودة في السابق مع عدم قبول العانية.

يوم العرس تكون العروس في صالة الفرح مع النساء في أبهى ملابسها وأناقتها على أحدث الموضات، وتكون الفتيات في سباق في الملابس والزينة ليجذبن إليهن أم عريس المستقبل، حيث غالبا ما تجلس الأمهات لتختار من الفتيات أفضلهن كعروس. ينطلق الجميع في الرقص على أنغام الأغاني الخليجية والمصرية واللبنانية بالإضافة إلى الأغاني الكويتية القديمة من فن السامري، بينما تقوم مصورة الفيديو بتسليط أضواء الكاميرا على العروس وأقاربها وصديقاتها.

أما العريس فكثيرا ما يجلس في ديوانية أو صالة أفراح أخرى في منطقته السكنية أو في قاعة أخرى داخل نفس الفندق، ويقتصر حفل العريس على أن يصطف مع إخوته ووالده ووالد العروس وإخوتها، ويتلقون التهاني من الأقارب والأصدقاء، ثم يتناولون العشاء، ولا يزيد الأمر على ساعتين يذهب بعدها العريس مع أقاربه وأقارب العروس وأصدقائه لقاعة حفل العروس، وبعد دخول المعرس للحفل وتناول العصير مع العروس وإلباسها الشبكة، تقوم العروس بالرقص على إحدى الأغاني التي تختارها بعناية قبل حفل زفافها، وبعدها يقومان بقطع كعكة الزفاف، ويغادران ليتناول الجميع العشاء بالفندق، ثم ينطلق الزوجان وسط الزغاريد إلى بيت وغالبا ما يقضيان شهر العسل خارج البلاد أو في أحد الفنادق.

 

القرفان:

شباب وفتيات اليوم المقبلون على الزواج يحتاجون إلى مهارات حياتية تؤهلهم لحياة زوجية سعيدة

وكان آخر لقاءاتنا مع المدرب التحفيزي الدكتور محمد عفيف القرفان الملقب بالمايسترو، والذي قدم مجموعة من الحلقات على تلفزيون الوطن حول إعداد العروسين لحياة زوجية سعيدة، وكيفية إحداث الرضا الدائم بين العروس وعريسها حيث يقول: شباب وفتيات اليوم المقبلون على الزواج يحتاجون إلى مهارات حياتية تؤهلهم لحياة زوجية سعيدة، فهم يفتقدون الخبرة التي كانوا يحصلون عليها في السابق من الوالدين حينما كانت الإقامة في بيت العائلة، أما اليوم فهم في أمس الحاجة لدورات تدريبية حول مختلف الأمور المتعلقة بالزواج والأسرة وكيفية التعامل بين الزوجين وكيف يرضي كل منهما الآخر، والحقوق والواجبات فيما بينهما.

ويضيف القرفان:

قدمنا دورات عديدة تناولت ما يحتاج إليه المقبولون على الزواج، كيفية إرضاء الزوجة، استشارات زوجية وغيرها من الدورات المهمة التي تمهد الطريق لزواج ناجح وأسرة أكثر استقرارا، وهذا من متطلبات الحياة العصرية الحديثة التي لم تكن موجودة بالسابق، هذا بالإضافة إلى مكاتب الاستشارات الأسرية المنتشرة في أنحاء الكويت والتي يرتادها المقبلون على الزواج لأخذ النصائح والإرشادات، مع اقتراح بأن تكون هناك مؤسسة مسؤولة عن الإعداد النفسي والشرعي وكل ما يخص العروسين في ليلة زفافهما لإزالة الحواجز بينهما التي يطلق عليها ليلة العمر.

 

 

أجرى التحقيق: أشرف ناجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق