كلمة محبةمقالات

التسامح لا يعني عودة المياه لمجاريها

التسامح لا يعني عودة المياه لمجاريها

منذ صغري وأنا أحب أن أسمع قصص وتجارب الناس الشخصية، ومع النضج أصبحت أسمع وأحاول الاستفادة من تلك الحكايات الواقعية.

 

منذ بضعة أيام كنت في زيارة لسيدة هندية مثقفة.. هي ليست على ديني ولا من بلاد العرب.. ولكن ثقافتها وأدبها واحترامها للإنسان واحتشامها جذبتني إليها.. لها حكايات كثيرة ولكن قصة حياتها أحلاها.

 

غادرت الهند مع والديها إلى جنوب أفريقيا في وقت كان الإنجليز هم سادة جنوب أفريقيا، كان أخوال والدتها قد غادروها قبلهم بسنوات وحملوا معهم ثروتهم التي نمت ونمت في جنوب أفريقيا، وأصبحوا يملكون الفيلات بالحدائق وحمامات السباحة.

عند وصولهم إلى جنوب أفريقيا كان والدها ضعيف الحال، ذهب يميناً ويساراً للبحث عن عمل.

 

رغم أن أخوال والدتها يعلمون بوجود ابنة أختهم وأبنائها، إلا أنهم كانوا يتجاهلونهم ولا يدعونهم إلى مآدبهم وحفلاتهم الكثيرة لمجرد أنهم فقراء.

 

وجد والد تلك الأسرة عملاً في محل مجوهرات، وأصر على تعليم بناته الثلاث، ونال ثقة صاحب المحل، وبعد سنين قليلة شاركه، واجتهد حتى أصبح يملك نسبة أكبر.

 

أصبحت شهرة والد تلك السيدة كبيرة في جنوبي أفريقيا بين تجار المجوهرات، فبدأ يبيع الألماس لأوروبا.. تنافس أخوال زوجته للتقرب منه ودعوته، ولكنه كان يقول لزوجته: اذهبي أنت وبناتك، أما أنا فلا أنسى إنكارهم لي في بداية حياتي عندما كنت ضعيفاً.

 

تكمل صديقتي فتقول:

كانت والدتي تُلزمنا دائماً باحترام زوجات  أخوالها وعدم كره أبنائهم الذين كانوا في طفولتنا، وكانوا في المدرسة يتفننون دائماً في إهانتنا.

ظلت قلوبنا نظيفة تجاههم، لم نكرههم، ولكن لم نكن نحبهم أيضاً؛ لأننا لا نستطيع نسيان إساءتهم لنا.

 

ومرت الأيام وانقلب الحال.. وتوفي أخوال والدتي وضاعت الثروة وهاجر الأبناء إلى أميركا ولندن تاركين أمهاتهم في ضعف.

سمعنا أنا وأخواتي عن سوء حالتهم، ولأننا تربينا على احترام الكبير والعطاء، قمنا بإرسال مبلغ لهم شهريا، وكانت أختي الصغرى تذهب أحيانًا لزيارتهم والاطمئنان عليهم.

 

تلك الحكاية علمتني أن للأهل تأثيرا على مشاعر أبنائهم.. فالأهل من يسقون أبناءهم المشاعر الإيجابية والحب والأخرى السلبية والكره.. هم من يصقلون شخصية أبنائهم.. وأن الشخصية القوية لا تعني القسوة، بل تعني التغاضي عن المواقف المسيئة وتجاهلها والعمل بما يرضي المبادئ والأخلاق، وبالنسبة لنا نحن – المسلمين – العمل بما يرضي الله سبحانه.. فالحياة مدرسة، المتفوق فيها من لا يتوقف عن التعليم أبدًا.

 

في «كلمة محبة» أقول:

«سامح وتجاوز، ولكن.. لا تنسَ».

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق