الكشف المبكر أنقذ حياتها ومسيرة أسرتها الكاتبة لينا سكجها هزمت السرطان بكتابها «للحياة معنى آخر»
الروائي العالمي إرنست همنغواي يقول «إنّ الكتابة هي أصعب مهنة بعد مصارعة التماسيح»، والكاتبة الأردنية لينا سكجها صارعت مرض السرطان، وهزمته بصوان الحرف وعنفوان الكلمة في كتابها «للحياة معنى آخر».
وكان لـ «أسرتي» لقاء مع الكاتبة لينا سكجها، وإليكم التفاصيل:
لنبدأ من أول طريق الإبداع.. متى قررت البدء في كتابك «للحياة معنى آخر»؟
- كتابي “للحياة معنى آخر” أخذ مراحل عديدة في التحضير له. نيتي في كتابة كتاب كانت موجودة منذ زمن ليس بقريب ولا بعيد، وكنت دائمة التفكير في إطلاق كتاب يخص مجال عملي في المهارات الحياتية.
ولكن، وبعد إصابتي بسرطان الثدي، فقد تحوّل محور الكتاب، ليكون السرطان هو العنوان الرئيسي له.. بعد إصابتي بسرطان الثدي، كنت ألجأ إلى تدوين الأحداث التي حصلت معي، ومراحل العلاجات كلها، لتكون مرجعا لي، وأيضا لحفظ المعلومات والوقائع.
في يوم كنت أكتب فيه هذه الأحداث رأيت نفسي أكتب مقالة والقصد منها نشر الوعي والمعرفة عن سرطان الثدي.
وبالفعل نشرت المقالة، وقد لاقت الكثير من التجاوب وردود الفعل الإيجابية من الناس.. نتيجة هذه المقالة، أصبحت ألقى الكثير من الرسائل حول استفسارات عن المرض وتبعياته. ففكرت، بعد أن فكرت كيف أن نسبة النساء المصابات كثيرة، والأكثر هن من يعانين مشاعر الخوف والقلق من هذا المرض اللعين والخبيث. وبعد أن فكرت وتفكرت، قررت أن أبدأ بكتابة قصتي مع سرطان الثدي بشكل أوضح ومع تفاصيل شفافة، ودمج ما اختبرته بالسرطان مع ما علمتني إياه الحياة، ليولد “للحياة معنى آخر”.
هل توقعت أن يحظى كتابك بكل هذا النجاح؟
- بصراحة، الكتاب لاقى إقبالا كبيرا وإعجابا أكثر، لأنه يتناول سيرة ذاتية خاصة، وحقائق حياتية، مجتمعاتنا بأمس الحاجة إليها، وهذا كان شغفي، فأصاب هدفي! وأحمد الله وأشكره أن الكتاب وصل إلى معظم القراء بسرعة كبيرة.
نكتب عندما نعاني من الألم والداء.. فإن القلم هو الدواء والشفاء
متى كنت تكتبين؟ وما طقوسك؟
- عندما نعاني الألم والداء، فإن القلم هو الدواء والشفاء.. كنت أكتب في بداية حياتي في مرحلة المراهقة، حيث كانت أول مقالة لي في مجلة اليوم السابع وباسم مستعار، وذلك كان نتيجة التأثير المباشر من والدي رحمه الله.. وغبت عن الكتابة لفترة طويلة من الزمن، وعدت بعد أن شعرت بأن لي واجبا مهما في المجتمع، لنشر الوعي المجتمعي لقضايا مهمة. فالتعامل المباشر مع المرأة من خلال عملي معها، جعلني أحس بالألم الموجود داخل كل امرأة في مجتمعاتنا، وكيف يمكن أن تجد نفسها من خلال ذاتها، وليس من خلال من هم حولها. أحب أن أكتب بعد كل تحد أواجهه في الحياة، فتأتي الأفكار وتتسارع مشاعر الحماس لترجمة ما أريده على الورق.
أجلس في خلوة مع نفسي، وأبدأ بالكتابة وأختار الزمان والمكان المناسبين.. أختار فترة المساء، لأنه يمدني بصفاء الروح ونقاء النفس من كل مشتتات اليوم أسرح لأرتب الأفكار، وأمسك بالقلم لأترجم الأفكار عبر الأوراق.. واخترت الكتاب، لما للقراءة من فوائد عديدة على النفس البشرية، ففيها التعلم والمعرفة والثقافة.
الكشف المبكر أنقذ حياتك كيف ذلك؟
- اكتشفت المرض بطريق المصادفة، فعندما زارني الشك، بوجود شكل غير طبيعي في منطقة الثدي، في اللحظة نفسها قررت أن أذهب للفحص. كان من الممكن المماطلة، أو تأخير الموضوع إلى وقت آخر، ولكن ولأنني أعي أن على المرأة أن تكون طبيبة نفسها، ومسؤولة عن كل متغير يطرأ عليها، يجب أن تذهب وتفحص. وفعلاً ذهبت، وفحصت واكتشفت أن السرطان متغلغل في جسدي. ولأنني أعي أيضاً أن العائق الرئيسي عند المرأة هو الخوف، قررت أن تكون الجرأة هي العلاج.
والكشف المبكر أنقذ حياتي، ومسيرة حياة أسرتي.. فلو كنت أسيرة الخوف، لكان الانتشار في مناطق أخرى في جسدي أكبر وأسرع.
من أول شخص لجأت إليه؟
- بالطبع، كان زوجي هو أول من تحدثت إليه عبر الهاتف، لأعطيه رؤوس أقلام عن موضوع السرطان، فعندما اكتشفت وجود خلية مختلة في جسمي، كنت في مركز الأشعة بمفردي، وكان قراري السريع لإجراء الفحص، وليد لحظته، ودون علم أحد. أنا أعمل مع المرأة، ليكون لها كيانها الخاص، ولكن بالطبع، لا يمكن إنكار وجود أهمية الزوج في حياتها، ليمدها في الأمان العاطفي والاستقرار النفسي، فالحياة الزوجية تبنى على المودة والرحمة، وفي السراء والضراء.
السرطان كلمة كبيرة وتأثيرها يصيب المشاعر
ما أكبر تحد واجهك؟
- كلمة السرطان كبيرة بمعناها، وتأثيره على الشخص يصيب بشكل مباشر، مشاعره وطرق تفكيره.. لم يكن سهلاً عليّ الاعتراف بالسرطان، ولكن الله -سبحانه وتعالى- أمدني بقوة تقمع كل قوى السرطان، للسيطرة عليه ومحاربته. بعد إجراء الفحوصات كلها قام الأطباء بإعلان محاربة السرطان عن طريق إجراء سريع لعملية لإزالة الورم من جسدي والتحرر منه، بعد العملية قرر الأطباء بأن العلاج الكيماوي هو المناسب كإجراء وقائي، وهنا بدأت المعركة وتضاعف التحدي!
استشرت وقرأت وبحثت عن حالتي على نحو خاص، وكيف أن الكشف المبكر أنقذني من الكيماوي، لأنني لو تأخرت قليلاً عن الكشف، لأصبح انتشار السرطان في جسدي بشكل أسرع، وعلى أجزاء أكبر، ولكان العلاج الكيماوي لا مناص منه.
العائلة ثم العائلة ثم العائلة
من الأشخاص الذين ساندوك؟
- العائلة ثم العائلة ثم العائلة.. عائلتي الصغيرة، من زوج وأبناء وإخوة، إلى الأصدقاء، الذين يصبحون عائلتنا المختارة.
زوجي كان الملهم لي في كتابة المحتوى، أما أخي، فهو المؤثر المباشر في صياغة هذا المحتوى، وإرشادي في ترتيب الأفكار وبنائها على شكل كتاب، فمن لي غيره يرشدني على العمل الأدبي وهو مؤلف لعدة كتب وناشر لعدد من الصحف والمجلات. ولكن، فأصل الحكاية لا يمكن إلا أن يكون والدي -رحمه الله- هو من أورثني ملكة الكتابة وروح تجسيدها على أرض الواقع، فهو شيخ الصحافيين الأردنيين.
أين وجدت مواطن قوتك؟
- الإرادة وحدها لا يمكن أن تحقق لنا تحقيق الذات.. فالعمل والمثابرة على الأداء هو الفاصل، والفعل يكون هو الحقيقة، أما القول، فيبقى أوهاما لم تترجم على أرض الواقع. وهنا، وفي هذا الكتاب، استطعت أن أصل إلى قدر معين من تحقيق الذات، لأنني استطعت أن أتحدث عن مَواطن ضعفي، فأصبحت موطن قوّتي.
واستطعت أن أحوّل مفهوم أن يكون للحياة معنى آخر لنا وليس آخر معنى للحياة بعد كل تحد نواجهه، فنحن من نختار القرار.
على المرأة أن تعي أن العلة في الأمراض النفسية والاجتماعية والمظاهر الكاذبة التي تجتاح مجتمعاتنا.. لذا، علينا أن نتكاتف لتكون إرادتنا هي البداية في صنع التغيير، وبدايتنا هي إرادتنا في تطبيق وتنفيذ كل ما هو مستحيل.
ماذا في جعبتك.. وإبداعاتك القادمة؟
- لكل بداية نهاية لمرحلة تصبح ماضيا، ولكل نهاية بداية لشيء جديد يكون هو الحاضر، المهم أن تكون الاستمرارية على نفس النمط الفائت إن لم تكن أفضل بكثير.
الأعمال الأدبية أصبحت تروق لي، والكتابة السردية لاقت استحسانًا لا بأس به من أصحاب الخبرة والنقاد الأدبيين، الذين كشفوا عن أهمية وجود مثل هذا العمل الأدبي السريع في قراءته والسهل في استيعابه.
بالطبع، فإن وجود عنصر العاطفة وتحريك المشاعر، هما مطلبان أساسيان في زمن الذكاء الاصطناعي، الذي سيساهم في تجميد المشاعر ووضع عاطفة الإنسان على جانب.. فأنا أرتئي ليكون هذا الكتاب، موضوع عمل فني لفيلم تلفزيوني، أو قصة لمسلسل تحفيزي لأعضاء المجتمع، لما فيه من العافية الشمولية من أهمية لنشرها في مجتمعاتنا العربية. والآن بصدد المشاركة في عدة معارض للكتب العربية، وأعمل على ترجمة الكتاب لعدة لغات.