خديجة الغواص:
سأدافع عن القضايا العربية بالخط الضوئي
كيف جمعت فتاة بين الطب والخط والضوء فأخرجت فنًا لا يتقنه سوى ثمانية فقط على مستوى العالم، الإجابة بسهولة تجدها بين أنامل المصرية خديجة الغواص، ابنة الـ23 ربيعًا، التي استطاعت أن تجمع بين دراستها لطب الأسنان والخط العربي والتصوير، فأتقنت بشدة فن الخط العربي الضوئي الذي لا يتقنه سوى ثمانية فقط على مستوى العالم أجمع.
ورغم ذلك، لم تلق تلك المبدعة الاهتمام الكافي من قبل وسائل الإعلام العربية المختلفة، وبالأخص المصرية منها، في الوقت الذي يفرد فيه إعلام الغرب العديد من مساحته لها، لكن «أسرتي» غير كل ذلك، فقد التقت الموهوبة المصرية في حوار مطول وقفنا من خلاله على تفاصيل هذا الفن:
كل لوحة قدمتها هزت كياني الإنساني
النتيجة المُرضية تنسيني دائمًا تعقيد هذا الفن وإرهاقه
بداية.. ما سبب اهتمامك بالخط العربي الضوئي؟
– الاهتمام بالخط العربي أمارسه منذ الصغر، وتحديدًا منذ المرحلة الابتدائية، وبالفعل أخذت جوائز على مستوى المحافظة التي أنتمي إليها، ودخلت مدرسة لتعلم الخط العربي. وفي عام 2013، عندما كنت أدرس فوتوغرافيا، أردت أن أدمج بين الخط العربي والتصوير، وبدأت بعدها أدرس فن الكتابة بالضوء من خلال المقاطع المصورة على موقع youtube، والآن أنا أنظر إلى الخط الضوئي على أنه شيء يجمع بين كل اهتمامي وكل ما أحب أن أمارسه، فهو يجمع بين التصوير والكتابة بالخط العربي في وقت واحد.
حدثينا أكثر عن هذا الفن.. كيف تكتبين بالضوء؟
– أولاً هذا الفن غير معروف بشكل كبير في مصر والمنطقة العربية، أما عن كيفية الكتابة بالضوء، فأنا أستعد لها بالتدريب الجسدي المكثّف لمدة لا تقل عن نصف ساعة بعد القيام باختيار الكلمة المناسبة ونوع الخط المناسب لها مع حساب مجال طاقتها وبعد ذلك أقوم بكتابتها أمام الكاميرا في ٣٠ ثانية تقريباً، وأكرّر العملية كلما اقتضت الضرورة.
ويمكن القول إن هذا الفن بالنسبة لي يتمحور حول مدى استيعابي الكامل لطاقة الحروف وقواعدها الصحيحة والمسافات المحدّدة للكتابة وتقنية التصوير المختارة وبعض الأسرار الخطيّة والروحيّة القديمة.
ألا ترين أن انتقالك من دراسة الطب إلى الفن أمر مربك؟
– هو أمر مربك إلى حدٍ ما، لكن بالنسبة إليّ طب الأسنان ليس مهنة طبية بقدر ما هي مهنة فنية، فأنا أستخدم فيها الرسم والنحت واختيار الألوان المناسبة، وهو ما أراه قريبًا من فن الكتابة بالخط الضوئي،
أو على الأقل لا يتعارض معه، بل على العكس فإن طب الأسنان هو مجال فني دقيق مثل الكتابة بالخط العربي الضوئي بالضبط.
وكيف انتقلتِ من الطب إلى الفن؟
– لم يكن انتقالًا كبيرًا أو مؤثرًا في حياتي أو شخصيتي، خاصة أني أرى الانتقال استكمالًا للطب وليس مختلفًا عنه، ولذلك لم يكن الانتقال صعبًا، بل لأنني أهتم بالتفاصيل الصغيرة وكل أمر له علاقة بالدقة فكان الاهتمام بالفن تطورًا طبيعيًا للطب، بل على العكس لم أكن يومًا ما أحلم بدخول كلية الفنون الجميلة أو التخصص في الفنون فقط.
هل كان هناك اهتمام من جانب أي مؤسسات ثقافية بك؟
– للأسف لا، ولا أي جهة رسمية مصرية اهتمت بي أو بفني، بل إنني راسلت أكثر من جهة إعلامية ومؤسسة رسمية ولم أتلق أي رد إيجابي، ولا حتى من الجرائد المصرية؛ فالتي اهتمت بي كانت قليلة جدًا وتناولت الأمر بشكل سطحي جدًا، على عكس الصحف والمجلات الأجنبية التي اهتمت بي وبالفن الذي أمارسه وأفردت لي مساحات كبيرة في إصداراتها، باعتباري واحدة من ضمن 8 فنانين في العالم فقط يمارسون هذا الفن.
ما وجه التشابه بين أسلوبك في الكتابة وبين باقي الفنانين الثمانية الذين يمارسون هذا الفن؟
– لا يوجد تشابه، فكل فنان من الذين يمارسون فن الخط الضوئي له أسلوبه المتفرد والمختلف، فعلى سبيل المثال: أنا أكتب بالأسلوب التقليدي، بينما أغلب الفنانين الآخرين على مستوى العالم يكتبون بالخط الضوئي الحر، وهذا ما يميزني؛ حيث إن أغلبهم يفضلون الخطوط الضوئية الحرة، وأنا أهتم بالكتابة بالشكل التقليدي المحافظ على كافة الجماليات التي تحتويها الخطوط التقليدية، بل إنني أبعث رسائل بتلك الخطوط بالمحافظة على التراث الجمالي في الخط العربي.
ما أبرز الرسائل التي تحملينها بفنك؟
– رسالتي الأهم على الإطلاق هي أن تكون اللوحات مريحة لعين المتلقي وأن تبعث طاقة إيجابية لكل من ينظر إليها من خلال اختيار الأضواء الهادئة والمبهجة، وكذلك أن تكون الكلمة رسالة مثل كلمات «الحرية والكرامة والحب والقوة»، فهي تعطي طاقة إيجابية وقوة وجمالًا للمتلقي، وكذلك هي مريحة، وقد تكون جزءًا للعلاج من الكثير من الضغوطات النفسية، ففي فترة سابقة كنت أشارك في تعليم الأطفال المصابين بمرض التوحد من خلال تعليمهم الكتابة بهذا الأسلوب كنوع من العلاج وجزء منه.
هل حاولتِ أن تستخدمي فنك في الدفاع عن قضايا العرب والمسلمين؟
– حتى الآن أنا أقدم رسائل عامة في أعمالي الفنية، مثل السلام والحب والتسامح والحرية، والقضية الخاصة الوحيدة التي تفاعلت معها ووجهت رسائل بها هي حملة إيقاف العنف ضد المرأة ومناهضة التحرش، والتي شاركت فيها بفاعلية من خلال عدة لوحات بالخط العربي الضوئي، وفيما عدا ذلك لم أشارك أو أهتم بتوجيه رسائل غير تلك، ولكن في المستقبل سيكون هناك مشروع خاص بالدفاع عن القضايا العربية.
وهل شاركتِ في فعاليات رسمية وقدمتِ فيها لوحاتك؟
– الجهة الرسمية الوحيدة التي استضافتني لتقديم عرض خاص بي كان المعهد السويدي بالإسكندرية بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة ومبادرة «شفت تحرش» خلال فعالياتهم لمناهضة جريمة التحرش بالنساء في مصر، وقدمت فيه عرضًا لكتابة الخط العربي بالضوء، من خلال تصميم لوحات تبعث برسائل بحق النساء في الأمان في المجال العام.
كيف تفسرين عدم إفراد وسائل الإعلام للمساحة التي يستحقها هذا الفن رغم انبهار الجمهور به؟
– أعتقد أنه لا يوجد اهتمام إعلامي بالفن الذي أقدمه، لأن أغلب الإعلاميين يرغبون في المواضيع التي تهم المواطن بالشكل المعتاد، ولا يريدون أن يجازفوا باستضافة فنان مغمور يمارس فنًا لا يمارسه أحد، وكذلك فهناك من يرى الأمر عاديًا جدًا ولا يمثل طفرة في فن التصوير أو الكتابة بالخط العربي، أو أنهم يظنون أن هناك غيري يمارس هذا الفن وسيكون أصلح للظهور على شاشات التلفزيون، خاصة مع ملابسي ومظهري المحافظ.
وهل تلومين نفسك على عدم التسويق لفنك على مواقع التواصل الاجتماعي؟
– الحقيقة أنني مشاركة على كل مواقع التواصل الاجتماعي وأقوم كل فترة بنشر كل أعمالي الجديدة على كافة الحسابات، إلا أنها لا تلقى اهتمامًا أو رواجًا لأسباب لا أعلمها، ولكني لا أعتقد أني قصرت في هذا المجال، ولكن الحقيقة أن كتابة الخط العربي بالضوء لا يمكن رؤيتها كصورة واحدة فقط، وإنما لا بد أن ترى في عرض حي أو مقطع مصور، لأن الكثيرين يظنون أن الصورة معدلة ببرنامج الفوتوشوب أو أنها غير حقيقية، ولا يستوعبون أن الصورة حقيقية، ولذلك فإنني سأطرح خلال الفترة القادمة مقاطع مصورة لي وأنا أصمم لوحاتي بالضوء وكتابة كلمات عربية بالتشكيل النحوي الخاص بها والنقاط بالكامل بالضوء فقط.
كل فن يلمس جزءًا من روح الفنان.. فكيف يلمس الخط الضوئي روحك؟
– الكتابة بالضوء لا تلمس روحي فقط، بل إنها تهز روحي وكياني الإنساني كله، فأنا أهتم كثيرًا بعلوم الطاقة واستخدام الألوان، وكذلك الخط العربي والكتابة به، ولذلك جاء الخط الضوئي كأحد أهم الأمور التي أقوم بها والتي تأخذ مني وقتًا ومجهودًا كبيرًا. وبالنسبة إليّ، لم أعد أستطيع أن أتوقف عن هذا الفن، بل إنني كثيرًا ما أصمم لوحات وأتدرب يوميًا عليها حتى لو أنني سأكتفي بعرضها على مواقع السوشيال ميديا، فيسبوك وتويتر وإنستغرام، وغيرها فقط، ولا تعرض على جمهور حقيقي في عروض حية.
نهاية، هل تعقيد هذا الفن وصعوبته يجعلك تسألين نفسك أحيانا ما الذي أجبرني على ذلك؟
– هو معقد بالفعل وصعب، ولكن على من لم يدرس الخط العربي أو لم يدرس التصوير الفوتوغرافي وعلوم الطاقة والألوان. ولكن، كل من درس تلك العلوم والمجالات سيجد الأمر شائقًا وجميلًا، خاصة أنه من الضوء تصنع كلمات بكل تفاصيلها فهو أمر شيق جدًا، وحتى وإن كان مرهقًا فهو ممتع ويستحق الإرهاق والتعب لأن النتيجة دائمًا ما تكون جيدة.
القاهرة – دار الإعلام العربية
مي الصباغ