تُهدد بأمراض الجلد والدم والسرطان.. حُمى الوشم.. صيحة شبابية تتبع خطى المشاهير وتخاطر بالصحة!
مع فوز الأرجنتين بكأس العام 2022 أُصيبت العاصمة الأرجنتينية بونيس آيرس بحمى من طلبات رسم الوشوم. يرجع ذلك إلى رغبة العديد من الأرجنتينيين بتخليد لحظة حمل النجم ليونيل ميسي لكأس العالم على أجسادهم وحصول بلادهم على كأس العالم للمرة الثالثة في تاريخها. طوابير الانتظار لدى رسامي الوشوم في الأرجنتين أعادت للأذهان انتشار ثقافة الوشم في الفترة الأخيرة لدى الشباب واليافعين، وليس في الدول الغربية وحدها، بل كذلك في بعض بلدان الشرق الأوسط. وفي السنوات الأخيرة دعم هذا الاتجاه الرائج انتشار الوشوم المرسومة على أجساد المشاهير من الفنانين والرياضيين. لكن الوشم يأتي بثمن باهظ تتكلفه الصحة والجسد اللذان قد تصيبهما مخاطر عدة أثبتتها بعض الأبحاث والدراسات.
من المجرمين إلى المشاهير
ليست الوشوم بأمر جديد على الثقافات المختلفة، إذ كان الرسم على الجسد والوشم في الحضارات القديمة جزءًا من الموروث الشعبي، حيث استُخدم في أغراض عدة من بينها التزيين والعلاج وأحياناً التفاخر. وفي الغالب كانت القبائل قديمًا تستخدم الوشوم للتفرقة فيما بينها، واتخذت الوشوم في الماضي أشكالًا هندسية واستُخدمت بديلًا بالنسبة لبعض النساء عن العقود والأساور وغيرها من الزينة.
في ثقافات أخرى مَثَّل الوشم وصمة وعلامة مصاحبة للخارجين عن القانون، ففي إحدى الفترات في اليابان على سبيل المثال كان الوشم مقصورًا على المجرمين والسجناء فقط. وفي بعض البلدان ارتبط الوشم بفئات محددة مثل البحارة أو أولاد الشوارع والمشردين وقبائل الغجر.
في الوقت الحالي أصبح اللجوء إلى رسم الوشوم على الأجساد موضة رائجة لعدد من الأسباب، إذ يقول البعض إن الوشوم أحد الطرق للتعبير عن النفس أو تخليد ذكرى، وأحياناً محاولة لرفع الثقة بالنفس وأيضا تقليدًا للمشاهير. وظهر العديد من المشاهير في السنوات الأخيرة بالوشوم التي تملأ أجسادهم في مختلف المناسبات، مثل المغني الكندي جاستين بيبر والمغنية ريهانا، كما تطغى ظاهرة الوشوم كذلك على المجال الرياضي، حيث يتفنن اللاعبون في اختيار الوشوم التي تغطي ظهورهم أو كواحلهم وأرجلهم وأذرعهم، ومن بين الرياضيين الذين اشتهروا بوشومهم لاعب كرة القدم الإنجليزي السابق ديفيد بيكهام والنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي وغيرهم.
الأميركيون ينفقون
ما يصل إلى 1.65 مليار دولار سنويًا على الوشوم
صيحة شبابية رائجة
وأصبحت الوشوم صناعة كبرى تمثل مكاسب اقتصادية هائلة لأصحابها من فناني الوشوم، ففي الولايات المتحدة تبرز إحصائيات أن الأميركيين ينفقون ما يصل إلى 1.65 مليار دولار أميركي سنويًا على الوشم. كما تظهر توقعات اقتصادية أن صناعة الوشوم تتوسع في الفترة الأخيرة، حيث يتوقع أن تنمو بنسبة 8% سنويًا خلال السنوات العشر المقبلة.
في الأرجنتين حظي %43 من مواطنيها بوشم واحد على الأقل خلال أعمارهم
وتنتشر صيحة الوشوم بشكل كبير بين الشباب بسرعة، حيث تشير إحدى الدراسات إلى أن 40% من المواطنين الأميركيين تحت سن الخامسة والثلاثين سبق لهم أن رسموا وشمًا على أجسادهم، بينما في المملكة المتحدة يصل عدد من يمتلكون وشومًا ممن في سن الثلاثين إلى نحو 35% في هذه الفئة العمرية. ومن بين الدول الأوروبية الأخرى التي سجلت نسبًا مرتفعة في امتلاك سكانها للوشوم إيطاليا والسويد وإسبانيا إلى جانب الدولة اللاتينية الأرجنتين التي حظي 43% من مواطنيها بوشم واحد على الأقل خلال أعمارهم.
تسبب الوشوم التهابات الحساسية والعدوى وعدداً من الأمراض الجلدية
وجدت دراسة حديثة أن أحبار الوشوم تحتوي على مركبات ومواد كيميائية مسببة للسرطان
مخاطر صحية
على الجانب الآخر، يتسبب الوشم في عدد من المخاطر الصحية، التي أشارت إليها العديد من الدراسات والأبحاث، وقد يسبب الوشم بحسب ما يذكر موقع “مايو كلينك” الطبي في التهابات الحساسية، والعدوى الجلدية وبعض المشكلات الجلدية الأخرى إلى جانب الإصابة بالأمراض التي تُنقل بالدم، كما يمكن أن تسبب في الحالات شديدة الخطورة الإصابة بمرض الإيدز، وإن لم يكن شائعًا بدرجة كبيرة.
ويكسر الوشم نسيج الطبقات الخارجية للجلد، مما يعرضه لعدة أمراض وأعراض جانبية ناتجة عن استخدام الآلات المعدنية في رسم الوشوم، كما تعرض الجلد للمواد الكيميائية التي تضره. وتعد الأدوات غير الآمنة المستخدمة في رسم الوشوم أو غير النظيفة من المسببات للأمراض المرتبطة برسم الوشوم، لكن تكمن الخطورة الكبرى في الأحبار والألوان التي تستخدم لصناعة الوشم إذ تحتوي في بعض الأحيان على بكتيريا ضارة تسبب عدداً من الأمراض من بينها التحسس الجلدي والأمراض المنقولة بالدم، وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال غالبًا ما تتسم هذه الأحبار بكونها غير مرخصة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية، وأوردت إدارة الغذاء والدواء الأميركية ما يصل إلى 363 حالة تعرضت لإصابات مرتبطة بالوشم في الفترة ما بين 2004 و2016.
ورغم أن الأبحاث التي يمكن أن تؤكد العلاقة بين الوشم والإصابة بالسرطان ما زالت في طور البداية، فقد أظهر بحث في عام 2018 ارتباط سرطان الجلد الميلانيني بالوشوم، وذلك في 30 حالة درسها الباحثون.. وفي دراسة حديثة وجد علماء في جامعة ولاية نيويورك أن أحبار الوشوم تحتوي على مركبات ومواد كيميائية مسببة للسرطان.
وفي بعض الحالات قد يتسبب الوشم في حوادث مفجعة كالتي ذكرتها مجلة “تايم” الأميركية بإصابة أحد العارضات في عام 2017 بعدوى شديدة ناتجة عن الحبر المستخدم في رسمها وشمًا وكادت تفقد بصرها بسبب هذه العدوى، كما حذرت مجلة ألمانية من أن الوشم يسبب جروحًا ملوثة ويؤدي إلى نقل فيروسات معدية مثل التهاب الكبد الوبائي، فيما تؤدي عمليات إزالة الوشم إلى التهابات وندوب في موضع الوشم وتغير لونها. كذلك تعيق الوشوم أصحابها من التبرع بالدم لفترة من الوقت، فبحسب توجيهات إدارة الغذاء والدواء الأميركية المُحدثة يمنع أصحاب الوشوم من التبرع بالدم لمدة ثلاثة أشهر عقب وضع الوشم، بينما توصي منظمة الصحة العالمية بالانتظار مدة ستة أشهر حتى يمكن لأصحاب الوشوم التبرع بالدم.
بعض المشاهير عبروا عن رفضهم لرسم الوشوم مثل كريستيانو رونالدو وتايلور سويفت
رفض وحظر
انتشار الوشوم في السنوات الأخيرة لم يمنع بعض المشاهير كذلك من التعبير عن رفضهم للوشم على أجسادهم وإعلان ذلك دون أي مواربة، ولعل نجم كرة القدم العالمي البرتغالي كريستيانو رونالدو، يأتي في مقدمة هؤلاء المشاهير، حيث ذكر في لقاء مسبق له منذ عدة أعوام أنه يرفض وضع أي وشوم على جسده لأنه يرغب في التبرع بالدم باستمرار. كما عبرت المغنية الأميركية تايلور سويفت سابقًا عن رفضها لرسم الوشم على جسدها، وكذلك الممثلة الأميركية زيندايا.
تاريخيًا حُظِر الوشم في عدد من بلدان العالم لفترة من الوقت. ففي الولايات المتحدة وتحديدًا مدينة نيويورك، ذكر تقرير لوكالة دوتش فيلا الألمانية أن الوشم كان محظورًا بها بين 1961 و1997 بسبب مخاوف من التهاب الكبد سي والإيدز، كذلك ففي اليابان ظل رسم الوشوم محظورًا لفترة طويلة وحتى عندما سمحت طوكيو بعمل رسامي الوشوم بشكل قانوني، ظلت الوشوم غير مرغوب بها في اليابان، حيث تمنع غالبية حمامات الفنادق دخول من يمتلكون وشمًا على أجسادهم.
ومنذ أشهر قليلة أعلنت المحكمة الدستورية في كوريا الجنوبية عن فرض حظر على الوشوم يمنع غير الأطباء من رسم الوشم، وذلك لأسباب وقائية صحية. وتعد كوريا الجنوبية فناني الوشوم عملًا غير قانوني يلزم من يقوم به بغرامة تصل إلى 41 ألف دولار وعقوبة بالسجن. فيما تمنع الدنمارك الوشوم على الوجه والأيدي والرقبة وتعده مخالفًا للقانون.
أقر الاتحاد الأوروبي قانونًا جديدًا يحظر استخدام مواد كيميائية في أحبار الوشوم
ومؤخرًا بدأت بعض الدول الأوروبية التنبه لخطورة المواد والأصباغ المستخدمة في الوشوم، وفي مقتبل العام الماضي أعلن الاتحاد الأوروبي عن قانون جديد يحظر استخدام 4000 مكون كيميائي يدخل في إنتاج المواد المستخدمة في الوشم، ما يعني بيع واستخدام جميع ألوان الوشم في دول الاتحاد. وجاء المنع، وفقًا للوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية، لخطورة هذه المواد على الصحة، أو عدم بحث آثارها بالشكل الكافي، وشمل الحظر مواد كيميائية محظورة في مستحضرات التجميل ومسببات حساسية للجلد ومهيجات الجلد والعين وشوائب معدنية وأمينات عطرية وبعض الأصباغ.
الوشم في الدول العربية.. «دجل» معرفي وعلاجي!
يحدثنا د. طه أبوحسين، أستاذ الصحة النفسية وعلم الاجتماع، عن أن الوشم في الغالب ما يرتبط بالطبقات الاجتماعية الأدنى في الدول الغربية أو العربية، أو من لا يمتلكون ثقافة عالية لديهم ويقول: االوشم فكرة منقوضة في عدد من العقائد، إذ يعطي الوشم صفة غير إنسانية للإنسان لما يطمسه من ملامح إنسانية، وكذلك الألم الذي يصاحبهب.
وعن أسباب إقبال فئات الشباب على رسم الوشم يقول:ت
االإنسان بطبيعته كائن محاكي، ويميل إلى تقليد النماذج التي تتسم بالانتشار، دون أن يكون لذلك أي فوائد، وبعض الأشخاص قد يلجأون للوشم، رغم أنه لا يكون ظاهرًا، ولكن يقدمون على ذلك محاكاة للآخرين فقط، ولهذا فإن أسباب الوشم لدى الأجيال الجديدة واهية، ومن خلال ملاحظاتي لا أجد الوشم منتشرًا إلى حد بعيد في مجتمعاتنا العربية، ولكنه غالبًا ما يكون لدى الأوساط الأقل ثقافة بين الشباب، وممن لا يمتلكون خلفية اجتماعية أو ثقافية قويةب.
وأضاف: افي الغالب من يلجأون إلى الوشم تكون لديهم حالة اضطرابية لإثبات تأثير تافه، فبعض الشباب يقبل على الأمر حتى يكون لافتًا للأنظار، وهو أمر غير جيد فبعض النظرات التي تنظر لمن يرسمون الوشم قد لا تكون إعجابًا أو تميزا، ولكنها قد تكون استنكارًا واعتراضًاب.
ويوضح أن بعض الشخصيات والجماعات الغربية تحاول بشكل عمدي إظهار الوشوم، خاصة عند مجيئهم للمناطق العربية، مما قد يشكل خطرًا على الثقافة والهوية العربية في محاولة لإتلاف التوجهات الوطنية والثقافية للشباب لصنع خلط في هذه المجتمعات وتمييع الهويات العربية والوطنية.
فيما يذكر د. جمال حماد، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنوفية، أن اختلاف اللجوء إلى الوشم بين الماضي والحاضر يعود إلى تغير الزمن، إذ يقول: انحن الآن في زمن العولمة، وفي العلوم الإنسانية يوجد قانون يقول (لا ثابت سوى التغير) فالعادات والتقاليد تتغير نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية، ومع عصر الإنترنت والعولمة أصبحت القيم والعادات والتقاليد غير مستمدة من المجتمع المحلي، ولكن من كل أنحاء العالم نتيجة وجود الإنترنت، كما أصبح العالم كله متسعًا لتعليم القيم والعادات. وتخطى العالم القرية الصغيرة ليصبح مثل جهاز الهاتف، مما جعل معطيات العادات والتقاليد تختلف، ومن بينها الوشمب.
ويشير إلى أن التقليد السبب الأول في تزايد رسم الوشوم بين الجيل الجديد، قائلًا: اوسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الوشم بين المشاهير والنجوم جعل الشباب يتطلعون إليهم كنماذج ينبهرون بهم، ويقلدونهم خاصة مع وجود فراغ قيمي لدى قطاع كبير من الشباب والأطفال في الجيل الجديدب.
وعن إمكانية تراجع الإقبال على الوشم بين الشباب، يبين أن الكثيرين من الجيل الجديد في الوقت الحاضر يتعرضون لحالة أسماها بـ االدجلب المعرفي والعلاجي، ما قد يعرضهم للضياع.
ويقول: اأصبح غالبية الشباب واقعًا تحت تأثير المظاهر الكاذبة، ويمكن أن يتراجع الإقبال على هذه المظاهر مثل الوشم وغيره من قبل الشباب باهتمام الدول والمجتمعات بقضايا الوعي والتعليم في الاتجاه الإيجابي كي يتلاشى التركيز على المظاهرب.
«أسرتي» في كل مكان
داليا شافعي