حين يصبح زجاج السيارة بطاقة هوية الشباب في لبنان: «يلي بقلبي ع زجاجي»

لا تلحقني مخطوبة، يا رضا الله ورضا الوالدين، حتى هدف حياتي طلع تسلل، وراء كل رجل مديون امرأة، للبيع لأسباب عاطفية، آخر صاحب مبارح بعتو، الغلطة لحظة والندم سنين، يا بابا ما تسرع ماما بتزوج عليك، الحسد بيرمي الأسد، حاسس عيني متل الباص قد ما نزل منها ناس، رضا الوالدين أهم من رضا أمك وأبوك، يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، كلها عبارات تنتشر على زجاج السيارات الخلفية في لبنان، يريد كاتبها أن ينقل رسالته إلى كل من يقرأ دون الحاجة إلى الكلام.
تتنوع الكتابات بين الطريفة التي يهدف صاحب السيارة لصنع البسمة على وجوه المارة، وبين من وصل في حياته لحكمة ويريد أن يوعّي الناس، وبين الواعظ الديني الهادف لكسب بعض الحسنات، وبين ذاك الشاب المجروح من قصة حب حزينة والذي لم يوفر طريقة ليخبر الناس بما حصل معه، ووصل به الأمر لأن يدوّن عبارات تفي بالغرض على زجاج سيارته الخلفي، والنوع الأخير هو ذلك الشاب المتقلب المزاج ويعيش حالة تداخل أفكار وعدم استقرار، فهذا يضحكك ويحزنك ويمدحك ويذمك في آن واحد، بعثرة تعكس بعثرته الداخلية والفكرية، أما النوع الأجمل والأكثر طرافة هو ذلك السائق الذي يطلب من الخطاط كتابة جملة جميلة باللغة الإنجليزية من دون أن يعرف ما تعنيه، فقط يريد أن يميّز نفسه والسلام.
الشاب أحمد على زجاج سيارته الأمامي:
«الخيط يلي كان يجمعنا شيل فيه شواربك»!
زجاج السيارة مساحة نحو الشهرة
من يقرأ الجملة التي كتبها الشاب أحمد على زجاج سيارته الأمامي يظن أنها رسالة لأحد أصدقائه “الخيط يلي كان يجمعنا شيل فيه شواربك”، لكن عند سؤالي عن السبب صُعقت حين علمت بأنها مجرد جملة لافتة ولا تعبّر عن أي إشكال في حياته، بل جل ما في الأمر اعتاد على كتابة جمل غريبة وجذابة تلفت الانتباه، ويعتمد كل فترة جملة جديدة، ويعبّر بفرح “الحلو بالموضوع، إنو الناس بتنطرني لخفف ليصوروا شو كاتب ع السيارة، ودايما بشوف سيارتي ع صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وهيدا الشي دفعني لجدد الجمل بين فترة وفترة، وصرت اعتبر زجاج السيارة مثل ستاتوس الواتساب، كرمال هيك لازم أبدايت كل فترة”، ويتابع “بعد انتشار الجملة تصبح مستهلكة و”مقلّده” وفي هذا المجال أحب أن أكون في الطليعة، لذلك أختار جُملي بعناية وعندما لا أجد جملة أقتنع بها أكتب “الحالة بالتصليح”.
يلي بقلبي ع زجاجي
”في ناس عالحلوة معك وعالمرّة.. الله معك”، تكاد هذه الجملة الأكثر تداولاً ولا تحمل أي جديد، لكنها بالنسبة للشاب طارق شعاره الدائم في الحياة نظراً لتجربته ويضعها على كل سيارة يشتريها، ويقول “مررت بعدة تجارب في حياتي على صعيد الأقارب والأصدقاء وكانت خلاصتها هذه الجملة، لكن ما ثبّت هذه المقولة عندي قصة حب حزينة مررت بها وانتهى بي الأمر وحيدا مع وعود كاذبة، فكان إصراري عليها لتكون رسالة ونصيحة مجانية لكل من يقرأها لكي لا نرفع سقف آمالنا بالأشخاص حتى لا تصدمنا النتائج”.
من جهته، جعل الشاب علي من زجاج شاحنته الأمامي مساحة للتعبير عن اشتياقه لوالده، ويعتبر هذه الجملة “سلام على قبرك يا أبي فإني اشتقت إليك” عربون وفاء له، وكلما نظر إليها يقرأ سورة الفاتحة لروحه وكذلك يفعل أهالي بلدته وكل من يعرفه.
في شوارع بيروت على زجاج السيارات: «سألتك حبيبي لوين رايحين خلينا خلينا ما في بنزين»!
في شوارع بيروت الكتابات على زجاج السيارات تحكي عن حال سائقيها، فتجد الذي كتب “سألتك حبيبي لوين رايحين، خلينا خلينا ما في بنزين”، و”زمرلي بمرقك.. ما في داعي للقواص”، و”بابا ما تسرع نحنا ناطرينك”، لعل هذه الجمل تعبّر عن أخطر الأزمات التي عاشها لبنان في الآونة الأخيرة، بحيث بات البنزين عنصرا مفقودا في السوق اللبناني ولم ينس اللبناني أزمة الطوابير حتى الآن، والثانية حالات إطلاق النار والقتل العشوائي بسبب خلاف على أحقية المرور، والثالثة الموت بسبب السرعة الزائدة، فاختيار مثل هذه الجمل تسلّط الضوء على أبرز المشاكل الاقتصادية التي يعانيها المواطن، ورسالة توعوية لعلها تكون سبباً لمنع حدوث مكروه.
زجاج السيارات «الفان».. تهديد ووعيد ونصائح
يعمد بعض أصحاب الفانات إلى كتابة بعض الجمل الإستفزازية لغيرهم مثل “لا تستطيع اللحاق بي لأنك بطيئ”، وهذه الجملة هي الأقسى على قلوب أصحاب الفانات ويعتبرونها إهانة لهم واستخفافا بقوة محرّكهم فتصبح الطريق حلبة سباق والركاب أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الصمت حتى فوز السائق أو انسحابه من السباق، وإما جرحى وقتلى في أحد المستشفيات. البعض من أصحاب الفانات ملّ من تنبيه الركاب عن كيفية إغلاق الباب بهدوء، فقرر أن يرسم على الباب صورة عضلات مرفقة بجملة “عضلاتك إلك بس الباب إلنا”، وتعتبر هذه الفكرة الحل الجذري لمشكلته، لا بل مثّلت تنبيه عام لجميع الركاب لإغلاق باب جميع الفانات بهدوء وعدم التخريب عن غير قصد.
الزجاج حساب حسنات جارٍ
يعمد الحاج سمير منذ مرحلة شبابه على كتابة جمل وأقوال دينية على زجاج سيارته الخلفي، ويقول “كنت طوال فترة عملي على سيارة الأجرة أقرأ الجُمل المكتوبة وأتأثر بها، بعضها يعضني وبعضها يضحكني، فقررت أن أكتب جمُلا دينية لتكون الحافز لكل من يقرؤها أن يصلي على الحبيب المصطفى، وهيك بكون كسبت حسنة وكنت المسبب بكسب القارئ المجهول حسنات إضافية”. يعتبر الحاج سمير هذا الأمر أساسيا على سيارته وباتت الجمل علامة فارقة بالنسبة له، يضيف “أصبحت هذه الجمل مقرونة برزقي، والحمد لله منذ بدأت هذه العادة زاد رزقي، ممكن أن يكون هذا الأمر نفسياً لكنني وجدت راحتي فيه”.
تختلف طريقة التعبير بين شخص وآخر، إلا أنها تعكس شخصيته وكيفية تفكيره وبعض من المبادئ التي تربى عليها، والبعض ذهب بعيداً وجعل من زجاجه مساحة للتعبير عن وضعه العاطفي، غزل، قدح وذم، طرائف، رقم الهاتف.. كلها أساليب يهدف كاتبها للفت الانتباه وبالتأكيد نجح في مهمته نظرا لتداول صور السيارات المكللة بالجمل على مواقع التواصل، ويكمن النجاح أننا في مجلة “أسرتي” نتحدث عنهم ونسلط الضوء على أبرز كتاباتهم المرحة والمعبّرة.
علي غندور- أسرتي