الفراعنة قدسوها والإنجليز والأميركان أقاموا لها عيداً “المسيحية” أطاحت بالعادات الوثنية والمسيحيون أحرقوها حتى انقرضت في أوروبا القطط السوداء المتجولة ساحرات وشياطين متنكرة علماء النفس: مستويات الخرافة تزداد في أوقات التوتر والقلق تعاني المجتمعات العربية والغربية على السواء من الاعتقاد في بعض الخرافات التي ترسخت منذ العصور القديمة مرورا بالعصور الوسطى إلى العصر الحديث، وتنتشر الكثير من المعتقدات والخرافات حول القطة السوداء تحديداً في كل بقعة من بقاع الأرض، وفي كل طبقات الشعوب بمختلف ثقافاتهم وحضاراتهم، فما الحقيقة وراء اعتبار القطة السوداء نذيرًا للشؤم وإشارة إلى حدوث سوء لمن رآها؟ وهل هي حقًّا من الجن الذي يغير شكله ويصبح في هيئة قطة كما يزعم بعض الناس؟ وما السبب وراء إطلاق هذه الخرافة على القطط؟ وكيف عبدها الفراعنة وقدسوها قبل أن تتحول إلى أيقونة شيطانية، ولماذا تعتبرها بعض البلاد فألاً حسنا، بل وتحتفل سنويا باليوم الوطني للقطط السوداء. “أسرتي” تفتح ملف خرافة القطط السوداء بين التفاؤل والتشاؤم والتقديس والشيطنة والنحس والسحر الأسود والعلم والدين في هذا الاستطلاع: الفراعنة عبدوها عبد المصريون القدماء معبودا يسمى “باستيت”، وكان على هيئة قطة سوداء ويعتبر “باستيت” ابن معبود الشمس رع الذي نقش في آثار الفراعنة على شكل امرأة لها رأس قطة والتي كانت رمز الحنان والوداعة والخصوبة والحماية من المرض واحتلت القطة بالفعل مكانة مهمة عند الفرعون فكان يربيها في منزله بهدف اصطياد الفئران التي كانت تأكل الغلال، وعند موتها يحنطها ويدفنها احتراماً لها وكان قتل القطة السوداء يعد جريمة كبرى تستحق الإعدام وظل الفراعنة يقدسونها قرونا طويلة.
القطط السوداء تجسد الشيطان بعد انتشار المسيحية في جميع أنحاء أوروبا تمت الإطاحة بالعادات والتقاليد الوثنية القديمة ومنها الرموز الوثنية مثل الآلهة الرومانية والفرعونية، ومن ضمن هذه الرموز القطط السوداء التي أصبحت رمزا للوثنية بفضل صلتها بالآلهة ووضع البابا جريجوري التاسع في عام 1233 ميلادية المسمار الأخير في تابوت القطط السوداء عندما أعلن أن القطط السوداء تجسد الشيطان نفسه فحرص المسيحيون على إيجاد القطط السوداء وحرقها أحياء في مهرجانات القرى لمعاقبتها على علاقتهم الشيطانية، وبحلول القرن الرابع عشر كانت القطط السوداء انقرضت تقريبا في بعض الأجزاء من أوروبا.
القطط والسحر الأسود وأدت فكرة أن القطط السوداء كانت لها صلات مع الشيطان على مدى القرون القليلة التي تلت تلك الفترة إلى وجود صلة بين القطط السوداء والسحرة، ووفقاً لبعض الخرافات كان يعتقد أن السحرة يتنكرون في هيئة قطط سوداء، وكان يُعتقد أن القطط السوداء المتجولة ساحرات متنكرة أو حيوانات أليفة للساحرات أو شياطين على شكل حيوانات ترسلها السحرة للتجسس على البشر خلال أوائل القرن الثالث عشر في أوروبا حتى القرن السابع عشر، حيث جرت محاكمات للساحرات وتم قتلهن مع القطط السوداء وكان مجرد امتلاك قطة سوداء كافيا للإدانة بممارسة السحر وتنفيذ عقوبة الإعدام ومن هنا أصبحت القطط السوداء أيقونات لأي شيء يتعلق بالسحر الأسود.
قطة الملك تشارلز بدأت نظرة التبجيل والتقديس تجاه القطط وذات اللون الأسود بشكل خاص في التغيير على يد الإنجليز، ففي القرن السابع عشر كان الملك تشارلز يحكم البلاد ولديه قطة سوداء وقد كان شديد الحرص على أن يعتني بها بنفسه، وكانت أموره تسير على نحو جيد إلى أن ماتت قطته السوداء وفجأة تغيرت الأمور إذ أكد الملك تشارلز آنذاك أن موت قطته لا يعني إلا زوال الحظ الجيد الذي رافقه لسنوات طويلة، وقد صدقه الناس فيما بعد إذ إنه بعد مرور يوم واحد من وفاة القطة تم إلقاء القبض على الملك بتهمة الخيانة العظمى.
القط الأسود في العصور الحديثة ساد الاعتقاد عند المصريين منذ سنوات طويلة بأن القط الأسود ما هو إلا جن تحول إلى قط يريد إيذاء الأشخاص، لذلك يبتعد عنه الناس ويتشاءمون منه، ولذلك استخدمت بعض الشعوب قديماً عظام القط أو أجزاء من جسده في الأعمال السحرية، كما ساد الاعتقاد أن أرواح الأطفال والموتى تتجسد أيضاً في القطط ويعتقد البعض في المناطق الريفية قديماً أن الطفل المولود تتلبس روحه قط، كما حذر الكثير من الأشخاص من تربية الفتيات للقطط للسوداء للاعتقاد أنها تسبب العقم، لكن بالطبع هذا أمر خاطئ وغير مثبت علمياً، وبهذا تكون القطط قد انتقلت من مرتبة الآلهة إلى أداة للسحر والشعوذة ورمز للجن أو النحس والتشاؤم.
القطة السوداء في ثقافات الشعوب في آسيا والمملكة المتحدة ستكون محظوظًا في الحياة إذا كنت تمتلك قطة سوداء، وفي اليابان سيكون لديك الحظ في العثور على الحب إذا اكتشفت قطة سوداء وفي أجزاء من إنجلترا ستكون العروس محظوظة في زواجها إذا تلقت قطة سوداء هدية، وفي أوروبا سيحظى البحارة برحلة آمنة إذا أحضروا قطة سوداء على متن السفينة وفي اسكتلندا سيكون لديك ازدهار قادم إذا ظهرت قطة سوداء عند مدخل باب بيتك، وفي فرنسا سيحدث شيء سحري إذا رأيت قطة سوداء، ثقافات أخرى حول العالم ترى انها علامة على الحظ الجيد إذا كنت تحلم بقطة سوداء أو ترى واحدة تمشي نحوك، وفي إيطاليا يعتقد أن الموت وشيك إذا كانت القطة السوداء ترقد على فراش شخص ما، وفي أميركا الشمالية المعاصرة تستمر الدلالات السلبية في ملاحقة القطط السوداء إذ يعتبر هذا حظًا سيئًا إذا عبرت قطة سوداء في طريقك وحظًا سعيدًا إذا عبرت قطة بيضاء، ومن المحتم أن يموت أحد أفراد العائلة إذا اكتشفت قطة سوداء أثناء موكب الجنازة إنها نذير شؤم.
أعياد للاحتفال بالقطط السوداء في أميركا الشمالية يعتبر 17 نوفمبر يوما للاحتفال بالقطط السوداء وهو في الواقع ثاني احتفالين في الولايات المتحدة أولهما يحدث في17 أغسطس، ويتم فيهما تزيين القطط السوداء والمنافسة على أجمل قط كما تحتفل المملكة المتحدة في 27 أكتوبر باليوم الوطني للقط الأسود.
كادر- علماء النفس وخرافة القط الأسود أكدت الدراسات العلمية أن السلوك الخرافي يمكن أن يؤدي إلى تعزيز نفسه بنفسه إلى أن يصبح عادة قوية الرسوخ يؤدي عدم ممارستها إلى قلق وتوتر عميقين ووجد علماء النفس الذين قاموا بالتحقيق في الدور الذي تلعبه الخرافات أنها تُستمد من افتراض وجود اتصال بين أحداث غير مترابطة بالنسبة لكثير من الناس فإن التعامل مع السلوكيات الخرافية يقلل من القلق، وهذا هو السبب في أن مستويات الخرافة تزداد في أوقات التوتر والقلق بما في ذلك أوقات الأزمات الاقتصادية وعدم الاستقرار الاجتماعي، وأظهرت الأبحاث أن الإجراءات المرتبطة بالخرافات يمكن أن تصبح عادة مع تطور السلوك، وقد يؤدي الفشل في أداء الطقوس إلى زيادة القلق ففي المرة القادمة التي ترى فيها قطة سوداء لا تقلق كثيرا من (سوء الحظ) أو تتشاءم، لأنه مجرد خدعة للعقل وخرافات لا أساس علمياً لها.