شاب لبناني فتح منزله للعناية بأصحاب الهمم العالية يـوسـف الـبـزال.. أب بيولوجي لأصحاب الهمم العالية في لبنان
العناية بأشخاص من ذوي الهمم العالية، تعتبر مهمة حيوية للعديد من الأفراد الذين اختاروا أن يكونوا جزءًا من هذا الطريق للوصول حقا إلى الله. يشكل هؤلاء الأفراد الرعاة تجسيدًا حيًا للتفاني في خدمة الآخرين، جاهدين إلى تحسين حياة أفراد بتحديات لا يفهمها لكثيرون أبداً. عمد الشاب المثقّف والخلوق يوسف البزال ابن منطقة البقاع اللبنانية للعمل في الشق الإنساني من دون أن ينتظر حتى كلمة شكر من أحد، فتح منزله للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، فكان الحضن الدافئ لهم، والأب والأخ والسند لمن تخلى سنده عنه.
في مقابلة لمجلة “أسرتي” قال يوسف” منذ صغري تربيت، وترعرعت في منزل يهتم بحالات كهذه وبالمسنين والأيتام، وكنت أرى كيف كان أهلي يتعاملون معهم، وكانوا يكفلون الأيتام، وعاش بعضهم في منزلنا، وكانت أمنيتي منذ صغري حين أكبر، وأكوّن عملي المستقل أخصص جزءا من مردودي الخاص، وأساعد به هؤلاء الأشخاص، وأهتم بهم ماديًا وعاطفيًا بإنسانية مطلقة.
على الصعيد المادي لا أحصل على أي مساعدة من أي أحد للعناية بهم، وفي حال قرر أحد الخيرين تقديم المساعدة لتغطية علاج أو تكاليف صحية، فإنه يكون على تواصل مباشر مع القيّمين بهذا الخصوص. ومن الناحية اللوجستية يساعدني للعناية بهم أصدقائي وأهلي.
هدفك المنشود
بالتأكيد لم يكن هدفي من خطوتي هذه الشهرة، فنحن نعيش اليوم في عالم السوشيال ميديا ويوجد ألف باب وباب ليصل أحدنا إلى الشهرة من دون اللعب على مشاعر هذه الملائكة البريئة، فأنا لا أسعى لأصوّر مقطع فيديو معهم وأتركهم، بل يعيش بعضهم معي في منزلي على نحو دائم ممن تركهم أهلهم، والبعض الآخر يبقون معي لمدة أسبوع ليرحلوا ويأتي غيرهم، وبعضهم الآخر يأتون بصحبة أهلهم إلى منزلي، ويغادرون بعد تمضية يوم كامل معي.
دعم أسرتي
موقف أهلي كان منذ البداية داعمًا لي، لا بل كانوا يشددون على أهمية ما أقوم به، وفي مرات عديدة كانت تأتيني الحالات عن طريق والدي، حيث يعطي رقم هاتفي لأهاليهم ليتواصلوا معي، بدوره كان والدي يحرص دائمًا على التشديد لتقديمي أفضل ما عندي لهم، ويطمئن على راحتهم عندي، وإن قصّرت ماديًا يدعمونني كي لا ينقصهم شيء خلال استضافتي لهم. من جهتها أمي تهتم بتفاصيل طعامهم وتنظيف المنزل وترتيبهم وأخواتي الفتيات، كذلك الأمر حيث أصبحت أسرتي مُسخّرة لخدمتهم، لا بل نعمل جميعًا لراحتهم ورسم الفرحة في قلوبهم.
صف لنا إحساسك خلال رعايتك لهم
- “إحساسي.. بصراحة شعور لا يوصف للأمانة، في تعب وفي مسؤولية كتير كبيرة بس في متعة، في فرح لما تشوف إنك أنقذت حياة إنسان من مخاطر عديدة، وبتصير ناطر إنك إذا متت لتشوف شو ثوابك عند الله، وأنا على يقين إنو بهيديك الدني كلن رح يكونوا ناطريني عباب الجنة”.
هل تشجّع غيرك على القيام بخطوتك؟
- أكيد أشجع إذا كانت النية نفس نيتي، وإن كان الهدف الشهرة فقط بالطبع لا أشجع، فهؤلاء الأشخاص يتعلّقون بسرعة بمن يهتم بهم، وإن غاب عنهم، ورحل يترك أثرا فيهم، ويسألون عنه باستمرار ورحيله يكسر مشاعرهم ويؤذيهم، فأنا أدعو الجميع للالتزام بالخط الإنساني البحت.
أجتمع مع عدة حالات من متلازمة داون عمرهم بين الـ 35 والــ 50 سنة فحين نجتمع ينادونني «بابا»
الوضع الصحي
جميعهم يعانون مشاكل صحية، بعضهم يعاني متلازمة داون، منهم ذوو إعاقة حركية من المقعدين مثلا، وبعضهم ذوو إعاقة حسّية (صم، بكم، أكفاء)، وهناك متلازمة داون وتوحّد، ولا يجتمعون جميعًا مع بعضهم؛ لأنه مثلا حالة التوحّد لا يمكنني أن أجمعها مع حالة الإضراب، وتجدر الإشارة إلى أن حالة متلازمة داون يمكنني أن أجمعها مع الحالات كلها، ولكن بعد أن أكون قد حضرتها نفسيًا.
صحيًا، متلازمة داون يعانون جميعًا من مشاكل القلب والعين، وأعمل جاهدًا لأعاينهم عند أطباء مختصين للاطمئنان على صحتهم، وتوجد دكتورة نفسية مع طاقمها الطبي تتابعهم وتراقب حالتهم.
حادثة مضحكة
الطريف بالموضوع أنني أجتمع مع عدة حالات من متلازمة داون، تتراوح أعمارهم بين الـ 35 والـ 50 سنة، وأشخاص أصغر سنًا، فحين نجتمع ينادونني “بابا”، فأطلب منهم أن ينادوني باسمي يوسف؛ لأن بعضهم أكبر مني بفارق مريح.. والطريف أيضا أنهم يحفظون حركاتي فيعمدون إلى تقليدي بأدق التفاصيل. وهذا يفرحني ويضحكني وضحكتهم ترد لي الروح.
الحالات من عدة مناطق في لبنان، الشمال، بيروت، البقاع.. وأتمنى أن ألتقي بكل الحالات في لبنان، وهذه أمنية بيني وبين ربي، ولتكون الأمنية أكبر أتمنى أن يكون في كل منطقة في لبنان يوسف، وفي كل بيت يوسف.
هم أشخاص مميزون حساسون جدًا.. وهم أيضًا طريق مختصر لرضا الله
كلمة أخيرة
أتمنى من كل من يقرأ ما ستكتب، عندما ترون حالات كهذه قدموا لهم الاحترام، والاهتمام واحذروا التنمّر لإضحاك الآخرين على حالاتهم، فهم أشخاص مميزون، حساسون جدًا، ولطفاء إلى أبعد الحدود، وهم أيضًا طريق مختصر لرضا الله.
يوسف الإنسان والممثل
أخيرا.. أود أن أقول إن الإنسان يوسف البزال هو ممثل لبناني موهوب وواعد، وتقصّدت أن أذكر هذا الأمر في الختام، لأؤكد أنه يعني بأصحاب الهمم العالية انطلاقًا من إنسانيته المطلقة وتربيته البيتية. وعمله في عالم التمثيل يؤمن له دنياه، ورعايته لأصحاب الهمم تضمن له الآخرة.
«أسرتي» في كل مكان
علي غندور