صاحبة الوجه الجليدي.. التي أشعلت عالم الموضة العالميةAnna Wintour عرّابة الموضة
لا يمكن أن يتخيل أحد أن سيدة تجاوزت الواحد والسبعين من عمرها لا تزال تقوم بواجباتها المهنية الشاقة والأسرية السعيدة في نفس الوقت دون كلل أو ملل أو حتى محاولة للتخفيف من أعباء أي من المسؤولتين، إنها المرأة الحديدية أو الجليدية- كما يصفونها- آنا وينتور رئيسة تحرير مجلة فوج العالمية وعمودها الفقري وعرابة الموضة منذ ثمانينيات القرن الماضي، بل وواحدة من ألمع الأسماء التي يحسب لها مصممو الأزياء العالميون ألف حساب.
أكثر من أربعة عقود من العمل المتواصل ولا تزال صاحبة الشعر الكاريه والغرة القصيرة مع النظارات السوداء في قمة مجدها وشهرتها حتى انها حظيت بعقد عمل مفتوح مديرة فنية لمجموعة “كوندي ناست” فيما لا تزال تترأس تحرير مجلة فوج الأميركية الواسعة الانتشار.
وينتور التي لم تتخل يوماً عن أناقتها الطاغية لم تكن يوما فقط ناقلة بحكم عملها الإعلامي لما يدور في عالم الأزياء والموضة، بل كانت صانعة له كواحدة من أهم أدواته التي رسمت لسنوات وسنوات أبرز خطوطه جنبا إلى جنب مع أشهر وأكبر دور الأزياء العالمية، فتلك السيدة الاستثنائية استطاعت أن تقدم جيلا من المصممين وان تفرد لهم مساحات واسعة على صفحات مجلتها غيرت من شكل الموضة العالمية على مدار السنين.
أعلنتها مجلة «فوربس» واحدة من أهم 100 شخصية مؤثرة في العالم كما كرمتها الملكة إليزابيث على عملها الصحافي المتميز
من أسطورة الموضة آنا وينتور؟
ولدت وينتور في الثالث من نوفمبر 1949 بعاصمة الضباب لندن، وكانت الابنة البكر لوالدها الصحافي الشهير تشارلز وينتور الذي كان يعمل بجريدة “إيفنينغ ستاندرد” ، فورثت عنه موهبة الكتابة رغم أنها لم تكمل تعليمها العالي، حيث تركت الدراسة وهي في السادسة عشرة من عمرها لتلتحق بعالم الصحافة التي صقلت شخصيتها وجعلتها مع الوقت واحدة من أنجح رؤساء تحرير المجلات المعنية بشؤون الموضة في العالم إن لم تكن الأنجح بالفعل، خاصة بعد أن أعلنتها مجلة “فوربس” واحدة من أهم 100 شخصية مؤثرة في العالم كما كرمتها الملكة اليزابيث على عملها الصحافي المتميز كونها من افضل ما صدرت انجلترا للولايات المتحدة الأميركية.
وربما كانت نشأة وينتور وسط عائلة ثرية مطلعة بشكل كبير ليس فقط على عالم الموضة والأزياء، بل أيضا التجميل، أحد الأسباب الرئيسية في نجاحها المهني بهذا الشكل المذهل، ولم لا وقد كانت تتردد منذ كانت في الـ 14 من عمرها على جلسات التجميل والعناية بالبشرة، وهو نفس العمر الذي اختارت فيه قصة الكاريه مع الغرة القصيرة التي لم تغيرها حتى هذا اليوم.
ولكن أيضا لا يمكن التغاضي عن موهبة وينتور الإدارية التي مكنتها من إدارة مجلة فوج فنيا وإداريا على حد سواء، فوراء النظارات السوداء التي لا تتخلى عنها حتى في الأماكن المغلقة تقف سيدة ذات شخصية فذة اشتهرت ببرودة أعصابها والحزم في قراراتها حتى انها لقبت بالمرأة الجليدية وأيضا الحديدية.
وقد بدأت صاحبة الوجه الجليدي مشوارها المهني في 1970 حيث التحقت بالعمل في مجلة “هاربرز آند كوين”، واستمرت فيها حتى 1983 حيث انضمت إلى مجموعة “كوندى ناست” لتعمل مديرة تحرير لمجلة فوج الأميركية.
بعد ثلاث سنوات تمت ترقية وينتور إلى رئيسة تحرير المجلة ولكن النسخة البريطانية، لتعود الى الولايات المتحدة الأميريكة مرة أخرى في 1988 رئيسة تحرير فوج الأميركية التي لا تزال على رأسها حتى الآن.
وقد اعتبرت بعض الأوساط الإعلامية تلك النقلة هي الأهم في حياة وينتور المهنية، حيث غيرت في الكثير من سياسات المجلة التحريرية وفلسفتها بل وشكلها أيضا فكانت أول من فتح الباب على مصراعيه لجعلها في متناول أيدي جميع الطبقات الاجتماعية بعد أن كانت حكرا على النخبة ومحبي الموضة فقط، وقالت في ذلك إنها مقتنعة بأن الموضة تبدأ من الأرض ومن الواقع وليس من برج عاجي.
تلك السياسة التي قدمتها رئيسة التحرير الجديدة أحدثت نقلة نوعية في مسيرة المجلة ونقلتها من نجاح إلى نجاح حتى بلغ أوجه في نهاية عام 2004 حيث زادت عدد صفحاتها إلى 832 صفحة كانت اغلبها إعلانات، وبذلك حطمت كل المقاييس المعتادة لكم الإعلانات المفترضة في المجلات الشبيه، وهو ما كان سببا في إنتاج فيلم خاص عنها كأهم وانجح رئيسة تحرير وأيضا عن كيفية إعداد المجلة من الألف إلى الياء.
في العام 2013 تم تعيينها مديرة فنية في كوندي ناست إلى جانب ترؤسها لتحرير فوج.. وكما حدث مع عشرات بل مئات المجلات العالمية من تغيرات جذرية في اعداد التوزيع وكذلك الاعلانات التي تعد اهم مصادر دخل تلك المجلات اهتزت فوج قليلا في 2014 خصوصا مع انشغال شريحة كبيرة من السيدات بالعمل وهو ما اثر سلبيا على قوتهم الشرائية التي انخفضت بشكل كبير وهو ما دفع وينتور إلى تغيير سياستها مرة أخرى وفقا للمستجدات الجديدة حيث ركزت على كيفية مساعدة المرأة العملية على اختيار ملابسها وإكسسواراتها ومكياجها دون عناء أو تضييع وقت وهو ما أعاد الروح للمجلة لتعود إلى مكانتها السوقية من جديد خصوصا بعد الاستعانة بنجمات هوليوود العالميات ليكن المتصدرات على الاغلفة بدلا من عارضات الأزياء الشهيرات آنذاك.
The Devil Wears Prada قصة الفيلم الذي لعبت بطولته النجمة ميريل ستريب مستوحاة من حياتها!
ومن شاهد فيلم “الشيطان يرتدى برادا” ويعرف وينتور عن قرب أو على الأقل قرأ سيرتها الذاتية فسيعرف أن قصة الفيلم الذي لعبت بطولته النجمة العالمية ميريل ستريب مستوحاة من حياتها، حيث تدور أحداثه حول الحياة اليومية لـ “ميراندا بريستلي” رئيسة تحرير مجلة متخصصة في الموضة بكل ما لها وما عليها.
ففي حين يرى البعض وينتور شخصية وصولية ولا تمتلك أي موهبة صحافية بخلاف وضعها الاجتماعي الرفيع وأنها كاذبة وبلا مبادئ ولا ترى غير نفسها ومصلحتها فقط، يرى المقربون منها عكس ذلك تماما حيث يصفونها بالسيدة الخجولة الكريمة المخلصة لأصدقائها وأقاربها، ويصفها أحدهم بأنها صديقة ذكية وذات ثقافة تفوق الخيال وأنها تساعد كل من يستحق المساعدة، خصوصا من مصممي الأزياء الشباب ومنهم الكسندر ماكوين ومارك جيكوبس وغيرهم من نجوم هذا المجال.
مقولة «السعيد في العمل تعيس في الزواج» تحققت حرفياً في حياة آنا وينتور!
يبدو ان السعيد في العمل تعيس في الزواج وهذا ينطبق فعليا على وينتور التي تزوجت في عام 1984 من طبيب الأطفال النفسي الجنوب أفريقي ديفيد شافير الذي انجبت منه ابنتها بي وابنها تشارلز والذي استمر حتى وقع الطلاق بينهما في 1999 وتسبب ذلك في تفكك الأسرة بالكامل، ولكن هذا الوضع لم يمنع وينتور من الاستمتاع بأحفادها من ابنتها بي وتتمنى الحصول على المزيد من الأحفاد، وتعتبر آنا أن أسرتها هي مخزن أسرارها فهي لا تثق إلا بهم.
أما على الصعيد الشخصي فتعيش اشهر رئيسة تحرير في العالم حياة شديدة التنظيم إلى حد الملل فهي كلاسيكية الهوى ولا تسعى إلى التغيير مع مرور الزمن رغم أنها تفعل عكس ذلك في ادارتها لفوج، فمنذ كانت في سن المراهقة وحتى يومنا هذا لم تغير تسريحة شعرها أو الألوان والموديلات التي ترتديها حتى انها لم تظهر يوما بملابس الجينز الأزرق فهي نادرا ما ترتدي سراويل وعادة ما تكتفي بتايورات شانيل وديور و برادا وتوم فورد مع النظارة السوداء التي لا تتخلى عنها حتى في الأماكن المغلقة حتى تخفي عن المحيطين بها مشاعرها أو ردود أفعالها تجاه ما يدور حولها من أحداث.
وللصحافية المرموقة نظام يومي صارم لا تحيد عنه إلا للضرورة القصوى، حيث تبدأ يومها بلعب التنس في الخامسة صباحا ولمدة ساعة كاملة ومن ثم تبدأ استعداداتها لاستقبال يوم مهني جديد، حيث تصفف شعرها على يد المزين الخاص بها قبل أن تضع مكياجها وترتدي ملابسها الأنيقة وتتوجه إلى مقر عملها، واللافت للنظر أنها لا تحمل معها حقيبة يد سواء في طلعاتها الصباحية أو المسائية إذ تكتفي بدفتر صغير لتدوين ملاحظاتها عليه.
فى الثامنة صباحا تكون وينتور على مكتبها لتبدأ يومها المليء بالأعمال والمتابعات حتى يأتي وقت الغداء الذي تحرص فيه على إغلاق هاتفها النقال للاستمتاع بتناول الوجبات الغذائية الغنية بالبروتينات والتي غالبا ما تكون قطعة من الاستيك الشهي.. أما مساء فهي تهوى الحفلات الصاخبة وتدعو أصدقاءها المقربين إليها ولكنها لا تمكث فيها طويلا بسبب نومها المبكر فهي تدخل سريرها في العاشرة مساء.
وعلى صعيد العمل فهي لا تبحث فيمن يعملون معها على الشخصيات المنفذة للأوامر فقط، حيث تقول دائما إنها تحب من يجادلونها بجرأة ويقدمون لها أفكارا مبدعة تنعكس إيجابا على المجلة.
عشقها للفرو يزيد من أعدائها.. إذ تواجهها الكثير من الانتقادات اللاذعة من حماة الحيوان والبيئة!
ومن أبرز صفات وينتور أنها عاشقة للفرو بكل أشكاله ودائما ما ترتديه في المناسبات الشتوية غير آبهة لدعوات نشطاء حقوق الحيوان لمقاطعته، وهو ما يثير غضبهم عليها إذ تواجهها الكثير من الانتقادات اللاذعة بسبب ذلك وأيضا بسبب نشرها لصور الفراء الأنيق والترويج لبيعه.
وعلى الرغم من تلك السمعة السيئة فيما يخص حقوق الحيوان، فإنها من ابرز الممولين للكثير من الأعمال الخيرية من بينها تلك التي طالت الآلاف من الأطفال والمرضى ففي 1990 ساهمت في جمع نحو 20 مليون دولار للتوعية بمرض الإيدز والأبحاث الخاصة به وبعدد من الأمراض الأخرى.
في عام 2003 أطلقت مبادرة «سي إف دي آي / فوغ» لدعم مصممي الأزياء الصاعدين وتوفير الدعم المالي لهم ولإنجازاتهم.
ذكرت شبكة الـ «سي إن إن» الإخبارية الأميركية، أن مجموعة “كوندي ناست” للمجلات المتخصصة كانت قد عينت في نهاية 2020 وينتور مسؤولة محتوى للمجموعة، حيث ستشرف على جميع الإصدارات الدولية التابعة لها ومنها New Yorker, Glamour, Wired.
وذلك لقدرتها الفائقة على التواصل مع جماهير جديدة لعلها تخفف من خسائر الشركة الهائلة جراء وباء كوفيد – 19.