ظاهرة تفشي الاتكالية في الحياة الزوجية غياب المسؤولية بين الأسر الجديدة.. فتش عن التربية
بين مشكلات لزوجٍ يرفض الإنفاق على زوجته واحتياجاتهم الأسرية، وآخر يترك مسؤولية ابنه المعاق كاملة على عاتق زوجته وشابة تهتم بكماليات الحياة ولا ترغب في أداء دورها بالحياة الزوجية والأسرية، تعاني كثير من أسر المتزوجين حديثًا والشباب من عدم تحمل المسؤولية، فكثير من الشباب لا يدركون خطر فقدانهم للمسؤولية في الحياة الأسرية وتبعاته الهادمة. وفيما يلي نلقي الضوء على أسباب غياب تحمل المسؤولية لدى المتزوجين من الشباب وكيف يمكن التغلب على هذه المشكلة المتزايدة في الوقت الحالي:
ريم العجمي:
تلبية الوالدين لطلبات الأبناء دون بذل أي جهد يخلق شخصاً فاقداً للمسؤولية
في البداية تقول الاستشارية ريم العجمي، مديرة مركز الود للاستشارات النفسية والاجتماعية والمدرب الزواجي، إن نقص المسؤولية لدى المتزوجين من الشباب موضوع مهم للغاية ويعد سببًا لغالبية المشكلات التي ترد إلى مركزها في الكويت ودول الخليج (يفتقد الكثير من الجيل الجديد لتحمل المسؤولية فالزوج يفتقد مسؤولية تحمل الأعباء الأسرية والزوجة في بعض الأحيان، ولكن المرأة تتأقلم على الأوضاع الزوجية الجديدة في غالبية الأحوال).
وترجع ريم العجمي فقدان الكثير من المتزوجين الشباب حديثًا للمسؤولية إلى عدّة أسباب أساسها التربية (اعتاد الأطفال خاصة في العشر أو الخمس عشرة سنة الأخيرة على الاعتماد على الخدم والإدمان على الأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، كما أن الوالدين صارا يجيبان طلبات الأبناء باستمرار دون بذل أي جهد منهم، وأصبحت المهام تتم دون إسناد أي مهمة للطفل وتتسبب كل هذه الأمور في فقدان الشباب لتحمل المسؤولية فعندما يكبر هؤلاء الأبناء ويصيرون أرباب أسر يصبح هذا النمط هو المشكل لحياتهم).
وتحكي عن شابة اتصلت بها في حالة انهيار لأن زوجها رفض أن يصحبها وابنتها الرضيعة التي تبلغ من العمر شهرين إلى المشفى حين كانت الطفلة مريضة ووصلت حرارتها لأربعين درجة وتقول: رغم أن الساعة كانت الثالثة فجرًا لم يرض زوجها أن يوصلها إلى المشفى، وقال لها أن تتصل بالسائق وبالفعل ذهبت الشابة مع السائق ولم يتصل الزوج بزوجته حتى للاطمئنان عليهما. وعندما عادت إلى المنزل قال لها إن ما فعلته أمر عادي فدائمًا ما كانت أمه من تذهب بهم إلى المشفى. ولهذا أتمنى أن يلتحق الشباب المقبل على الزواج بدورات تدريبية قبل زواجهم ليكونوا مؤهلين لدخول الحياة الزوجية.
اشتكت لي زوجة شابة ذات مرّة من إدمان زوجها للعبة «ببجي» حتى في أسبوع العسل
فيما تذكر أن من بين القصص الغريبة التي مرت عليها أيضًا شكوى وردت من إحدى الفتيات التي تزوجت شابا ومنذ زواجهما وهو يلعب لعبة ببجي الشهيرة باستمرار وحتى في أسبوع العسل كان مدمنًا على اللعبة ولم يتواصلا معا.
وتؤكد أن المسؤولية المادية من بين أهم الأمور التي تسبب احتكاكًا ومشكلات بين الزوجين (لا بد أن يعرف الزوج مسؤوليته المادية ودوره في الإنفاق وأن للزوجة حقوقا وواجبات، فكثير من المشكلات التي تعرضت لها كان سببها إصرار الشباب الصغير المتزوج حديثًا على أن الزوجة مسؤولة عن حاجياتها من أموالها الخاصة وهو موضوع شائك للغاية).
المسؤولية المادية تسبب مشكلات بين الزوجين ويجب أن تؤسس حدودها منذ البداية
وتبين رأيها عن المسؤولية المادية بين الزوجين قائلة «أنا لدي رأي بصدد المسؤولية المادية، فإذا عُدنا للشرع نجد أن الرجل يتكفل في القوامة المادية مثل المأكل والملبس والمسكن ولكن الحياة الجديدة التي فرضت على الناس المظاهر والكماليات تجعلني أؤيد المشاركة بين الزوجين إذا كانت الزوجة موظفة، فنعم الدين لم يطلب من الزوج أن يأخذ من أموال الزوجة ولكن إذا كانت متطلباتها عالية فلا مانع في رأيي من المشاركة. ولكن يجب أن يكون الزوج واعيًا لدوره في المسؤولية المادية فبعض الأزواج في الوقت الحالي يتخلون عن المسؤولية الأساسية المتمثلة في توفير المأكل والملبس والمسكن. لذا لا بد من أن تؤسس حدود المسؤولية المادية بين الزوجين ويكون فيها تفاهم واضح خاصة إذا كانت الزوجة موظفة».
وتوضح أن الجيل الحالي تعرض لنقلة في التفكير جعلته يقف موقفًا مختلفًا من ناحية المسؤولية المادية (قبل عشرين سنة كان من العيب أن تدفع المرأة في البيت، فما دام الرجل أقدم على الزواج يكون ملزمًا بكل احتياجات البيت. ولكن الوقت الحالي ومع دخول ثقافات أخرى والانفتاح على الإعلام صارت المشاركة مطلوبة بشدة بين الزوجين خاصة مع ارتفاع متطلبات الأسرة مثل المدارس الخاصة للأبناء والسفر وفي هذه الأمور يفضل أن يتفق الزوجان على المشاركة بينهما).
ولهذا تنصح الاستشارية ريم العجمي في البداية الأمهات والآباء بضرورة تربية الأبناء منذ الصغر على مهارة تحمل المسؤولية (يجب أن يسند الوالدان إلى الأبناء أدوارا ومسؤوليات مختلفة خاصة في مرحلة الطفولة والمراهقة حتى يعتادوا على تحمل المسؤولية. وأيضًا أتمنى من أي شخص مقبل على الزواج الخضوع للدورات التدريبية لأن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تقدم مفاهيم خاطئة وهادمة عن الزواج. وأنصح أي شاب يواجه هذه العثرة في بداية حياته بمحاولة حلّها أو اللجوء إلى متخصص لمساعدته، فعدم تحمل المسؤولية شيء قد يدمر الحياة الزوجية).
وتشدد على ضرورة تحديد المسؤوليات ووضع خطوط رئيسية لمسؤولية كل طرف حتى يمكن محاسبة الطرف المقصر مع وجود المرونة بين الطرفين (دائمًا ما أنصح الفتيات المقبلات على الزواج خلال برنامجي للمقبلات على الزواج في دول الخليج والكويت بأن يكون لديهن نوع من المرونة، كما أرى أهمية تثقيف أي شخص مقبل على الزواج عن مسؤوليات الحياة الجديدة، وإدراك الشباب أن الزواج ليس مجرد عرس وسفرة وفستان ولكنه مسؤوليات وحياة جديدة).
د.فواز الشرهان:
تنشئة الأولاد على الاتكالية تنتج أفراداً غير قادرين على إنشاء أسرة
ويبين د. فواز الشرهان الاستشاري الأسري والموجه الشخصي أن تنشئة الأولاد على الاتكالية وعدم تحمل المسؤولية وتلبية الوالدين لكل متطلباتهم وأعمالهم حبًا لهم تنتج أفرادا كسولين غير قادرين على إدارة حياتهم وإنشاء أسرة والتفاهم مع الطرف الآخر، (من بين الأسباب التي تجعل الشباب لا يتحمل المسؤولية بعد الزواج اللامبالاة والإهمال وهي من السمات التي يكتسبها الإنسان من خلال التربية والتجارب المبكرة إلى جانب حب الذات والنرجسية إذ يفكر البعض ببساطة أنه ليس مجبرًا على تحمل المسؤولية، هذه النرجسية قد تجعل حتى الأمهات والآباء أقل رغبة في تحمل مسؤولية الأبناء).
ويشير إلى أن فقدان تحمل المسؤولية يلغي لغة الحوار بين الزوجين ويسبب انعدام التوافق بين الزوجين (وتسبب هذه العواقب كثرة الصراعات ما ينتج عنها مشاكل كثيرة، وغياب الحلول الممكنة لهذه المشكلات لعدم وجود خبرة في حياتهما وتنشئتهما على حل المشكلات. كما أن الاعتماد الكلي على شخص من الأهل والأصدقاء يشكل عبئا كبيرا على الغير مما يسبب الفشل في الأمور الأسرية، وإذا استمر فقدان تحمل المسؤولية بعد إنجاب الأطفال قد يؤدي إلى انتشار تشرد الأطفال وتركهم للمدارس وتدمير حالتهم النفسية).
أخبرتني شابة بأن زوجها ينفق الأموال على أشرطة البلايستيشن
ولا ينفق على احتياجات المنزل الأساسية
وعن أهم الحالات التي قابلها لغياب تحمل المسؤولية بين الزوجين، يقول (هناك حالات كثيرة واجهتها، مثلًا حكت لي زوجه بأن زوجها لا يستطيع تبديل مصباح الإضاءة الخاص بغرفه النوم، ويستعين بكهربائي لتبديلها! ويحكي لي زوج بأن زوجته تطلب الطعام من المطعم وتترك كيس المطعم ومخلفاته في صالة المعيشة وتذهب لتنام، مما ينشر الرائحة الكريهة والنمل داخل الصالة، فيما اشتكت لي زوجة أن زوجها ينفق كل راتبه على أمور ثانوية وكماليات مثل أشرطة البلايستيشن والهواتف في حين لا يتحمل مسؤولية الإنفاق على أساسيات الاحتياجات المنزلية).
ويشدد د. فواز على أن مسؤولية الزواج مسؤولية كبيرة، وحياة جديدة، تحتاج من الشباب الى عدة أمور، أبرزها (التأكد من الاستعداد الكامل للزواج وأنها حياة جديدة مع شخص جديد سيشاركه همومه وأفراحه، ومعرفة حقوق الزوج والزوجة والعمل على أدائها وعدم رفع سقف التوقعات تجاه شريك الحياة وأداء كل شخص لدوره تجاه الآخر ومحاولة التوافق والانسجام مع الحياة الجديدة إلى جانب عدم تدخل الأهل في حل المشكلات ومحاولة حلها بشكل خاطئ والحفاظ على التواصل المستمر بينهما، إلى جانب تخصيص وقت خاص لهما للخروج والتواصل المستمر بينهما).
د.خولة القزويني:
المجتمع الخليجي يلقي بكامل المسؤولية على الزوجة بينما يتكاسل الزوج عن تلبية احتياجات البيت
وتؤكد الاستشارية د.خولة القزويني، الكاتبة وصاحبة مركز البيت السعيد للاستشارات الزوجية، أن أكثر مشكلة يتعرض لها المتزوجون حاليًا مشكلة «عدم تحمل المسؤولية» (فعلى سبيل المثال من بين الحالات التي تعرضت لها مؤخرًا زوجة شابة عشرينية زارتني في العيادة، واشتكت لي أن لديها ٣ أطفال وأحد أولادها من الاحتياجات الخاصة، وقالت إن الطفل يحتاج إلى عناية ومراجعات كثيرة في المستشفى ولكن زوجها كثير الخروج مع أصدقائه ولا يساعدها في رعاية الأولاد، كثير الاعتماد عليها ما يشعرها بضغط عصبي كبير ورغم أنها تنصحه بالالتفات إلى بيته وأولاده فإنه لا يهتم، ما أدى إلى كثرة المشاحنات والخلافات بينهما، حتى انها صارت تنفر منه في المعاشرة).
وتتفق د. خولة مع الآراء السابقة عن دور التربية الأساسي في تنشئة شخص غير مسؤول ولا يتحمل المسؤولية (كثير من الأمهات يربين الابن على الاعتماد عليها فهي تقوم بتحفيظه الدرس والمذاكرة له وكتابة بحوثه المدرسية واختيار ثيابه وألعابه ومقتنياته فينشأ الابن أو الابنة لديه اعتماد كامل على الأهل. وكذلك فالأب في الوقت الحالي أصبح بكل أسف لا يزرع في ذهن ابنه معنى المثابرة والكفاح والاستقلالية فهو يقدم كل شيء لابنه جاهزًا مجهزًا ومن هنا يكون الزواج المحطة الصعبة التي تختبر الشاب والشابة على تحمل المسؤولية).
وتبين أن المجتمع الكويتي والخليجي يلقي بكامل المسؤولية على الزوجة (ففي أغلب الأحوال هي من تذاكر للأولاد وتطبخ وتدير البيت وتأخذ الأولاد إلى الطبيب وحدها بينما يتكاسل الزوج عن تلبية احتياجات البيت، فثمة إصلاحات في البيت تحتاج إلى أن يتحرك الزوج، كما أن تربية الأبناء لا بد من مشاركة الزوجين بعض المشاوير، والمراجعات في الدوائر الحكومية تتطلب من الزوج الشاب أن يبذل جهده ويقوم بها بدلا من الزوجة).
تدخل الأهل غالبًا ما يجعل المشكلة تستفحل وتزداد سوءًا لهذا أنصح باللجوء إلى الاستشاري
وتؤكد ضرورة تكامل مسؤولية الزوجين (فلتكن الزوجة مسؤولة عن شؤون البيت والزوج خارج البيت وينبغي أن يتقاسم الزوجان المسؤوليات بتفهم وانسجام وبالمحاولة والتدريب. فتحمل الزوجة الشابة كافة المسؤوليات دون الزوج يشكل ضغطًا نفسيًا عليها وهنا تندلع شرارة الخلافات بين الزوجين والمشاحنات باستمرار، لذا يجب توجيه الشاب إلى ضرورة الالتزام بواجباته ومسؤولياته تجاه زوجته وأسرته حتى لا تنتهي العلاقة الزوجية إلى حالة من الذبول العاطفي أو الانفصال).
وتختتم د. خولة حديثها بالإشارة إلى أهمية لجوء الزوجين إلى استشاري متخصص لعلاج المشكلات المتعلقة بتحمل المسؤولية وعدم التصريح بها للأهل (تدخل الأهل غالبًا ما يجعل المشكلة تستفحل وتزداد سوءاً بينما يكون الاستشاري موضوعيًا وعلميًا مع الطرفين، إذ يقدم لهما برنامجًا علاجيًا ناجعًا. كما أحث الشباب والفتيات على الالتحاق بالدورات التدريبية الخاصة بالزواج ليتدربوا على مسألة الحقوق والواجبات الزوجية وكيف يتحملان المسؤولية).
أسرتي في كل مكان
مصر – داليا شافعي