ظروفها العائلية كانت سبباً في تفجير موهبتها TORY BURCH المصممة التي حققت المعادلة الصعبة.. روعة التصميمات واعتدال الأسعار
عندما نتحدث عن الأزياء الكلاسيكية الراقية ذات الطابع البوهيمي المليء بالنقوشات الملونة والطبعات الجريئة، فلا بد أن يرجع النصيب الأكبر من الحديث إلى تصميمات مصممة الأزياء الأميركية توري بورش التي استطاعت أن تخلق بصمة واضحة لعلامتها التجارية التي تحمل اسمها خلال فترة وجيزة، وأن تقف جنباً إلى جنب مع أهم دور الأزياء العالمية، رغم حرصها الدائم على تحقيق التوازن ما بين حياتها العائلية وعملها الشاق.
وقد كانت نشأة المصممة العائلية المترفة سبباً في حبها للأزياء والموضة فهي سليلة عائلة ثرية تعود جذورها إلى طبقة النبلاء التي عرف عنها الاهتمام بالأناقة والجمال.
ولدت بورش في السابع عشر من يونيو 1966 في فالي فورج بمدينة بنسلفانيا وترعرعت مع أخواتها الثلاث في مزرعة جورجية تجاوز عمرها الـ 250 عاما، حيث كان والدها مستثمرًا ثريًا ورث عن والديه مصنعاً لتصنيع الأكواب الورقية ومقعدًا في البورصة.
وعلى الرغم من تلك الحياة المترفة التي عاشتها بورش منذ نعومة أظفارها والاهتمام الذي حظيت به أثناء فترة طفولتها وشبابها، فإن تصرفاتها كانت أميل للأولاد منها للبنات، حيث كانت قائدة فريق كرة التنس في مدرستها إلى جانب كونها راكبة خيل من الطراز الأول.
التحقت بورش بجامعة بنسلفانيا لدراسة تاريخ الفن وفي تلك الأثناء عملت في محل “بنيتون” بمركز King of Prussia Mall واستمرت في ذلك حتى بعد تخرجها في 1988 حيث انتقلت إلى مدينة الموضة نيويورك وتم تعيينها محررة للموضة بمجلة Harperصs Bazzar العالمية المتخصصة في شؤون الموضة والأزياء ومن ثم عملت لدى عدد من دور الأزياء العالمية من بينها “فيرا وانج” و”رالف لورين” و”نارسيسو رودريغيز”.
لم يتوقف طموح بورش عند هذا الحد فقط، بل كانت تطمح إلى ما هو أبعد من ذلك بعد أن تعلمت الكثير من أسرار العمل في مجال تصميم الأزياء الذي كان يستهويها منذ الصغر، فكانت تحتفظ بقصاصات لصور التصميمات التي تعجبها في المجلات المعنية بالموضة في سجل خاص لتتعلم منها لاحقا وبمنتهى الهدوء.
تزوجت بورش في 1993 من ويليام ماكلو جل قطب العقارات الأميركي هاري بي ماكلو ولكنها لم تستمر معه لأكثر من عام، حيث انفصلت عنه لاحقا دون أن تعلن السبب، لتعيد الكرة مرة أخرى في 1996 بزواجها من رجل الأعمال الأميركي كريستوفر بورش المستثمر في Internet Capital Group.
الاسكتشات كانت البداية
وانخرطت الفتاة في حياتها الجديدة، خصوصا بعد أن أصبحت أماً لثلاثة أبناء منهم توأم إلى جانب رعايتها لأبناء زوجها الثلاثة من أم أخرى، تلك الظروف القاسية لم تجعل بورش تتقاعس عن العمل الذي يستهويها، ولكن بشكل مختلف، حيث بدأت في تنفيذ اسكتشات لتصميمات متعددة عرضتها على عدد من مصممي الأزياء الذين أعجبوا بأفكارها لتكون ظروفها العائلية سببا في تفجير موهبتها.
ولكي يتحول حلمها إلى حقيقة اقترضت بورش في عام 2004 مليوني دولار من زوجها لتبدأ مشروعها الجديد، حيث افتتحت أول خط إنتاج لها تحت اسم TRB by Tory Burch.
حددت الفئة المستهدفة من مشروعها:
السيدة الأنيقة التي لا تستطيع مواكبة أسعار دور الأزياء العالمية!
وكانت المصممة قد حددت الفئة المستهدفة من مشروعها حيث استهدفت السيدة الأنيقة التي لا تستطيع مواكبة أسعار دور الأزياء العالمية، ففي تلك الفترة الزمنية كان السوق مقسما إلى تصاميم فخمة لمصمّمين مبدعين أو ملابس شعبية فيما غابت الأزياء الأنيقة ذات الأسعار المعتدلة، وهو ما وضعها في مكان مميز ضمن قوائم أفضل المصممين العالميين في فترة قصيرة.
بدأت بورش أول مجموعة لها من داخل منزلها بمدينة مانهاتن ولكنها سرعان ما عدلت الاسم إلى “توري بورش” Tory Burch فقط وهو اسم العلامة التجارية التي تحمل اسمها الأول ولقب زوجها الذي لم تغيره حتى بعد انفصالها عنه في 2006.
كانت للقدر يد كبرى في دفع مسيرتها بعد استضافة أوبرا وينفري لها في برنامجها!
لقاء أوبرا وينفري وقوائم الانتظار
افتتحت المصممة أول بوتيك لها بنيويورك، حيث عرضت مجموعة من تصميماتها من أحذية الباليه الزحافة وتصميمات من أزياء التونيك، ولكن بعد عام واحد فقط توسعت كثيرا وقدمت خطا جديدا من أزياء ما يعرف بـ Preppy boho كما استطاعت أن تعيد موضة الـ”تي شيرت” التي انتشرت في ستينيات القرن الماضي إلى عالم الموضة من جديد بفضل تصميماتها غير التقليدية وأصبحت من أفضل المصممين الذين يُنسب إليهم الفضل في تحويل القميص إلى قطعة ملابس عصرية.
لم يكن نجاح بورش مرهونا فقط على موهبتها، ولكن كانت للقدر يد كبرى في دفع مسيرتها خطوات للأمام، وذلك بعد استضافة المذيعة العالمية أوبرا وينفري لها في برنامجها الذي كان يحظى بأعلى نسب مشاهدة آنذاك، حيث عرضت فيه تشكيلة من تصميماتها التي نالت إعجابها، ووصفتها بـ”الغول” القادم إلى عالم الموضة.
كانت تلك هي البداية الحقيقية لصعود نجم المصممة وعلامتها التجارية بسرعة الصاروخ ليس فقط في أميركا، بل في كل عواصم الموضة، ففي اليوم التالي للقاء بلغت نسبة المشاهدة والدخول على موقعها ما يزيد على 8 ملايين مشاهدة.
وبحلول 2007 كانت هناك قوائم انتظار طويلة لشراء تصميماتها المستوحاة من أزياء الخمسينيات والستينيات التي تضمنت الملابس والإكسسوارات وحقائب اليد والأحذية والمجوهرات واستمرت الدار في نجاحاتها المتتالية وانتشار علامتها التجارية عالميا بحيث زاد عدد متاجرها إلى 3000 متجر موزعة في مختلف أنحاء العالم فيما بلغت مبيعات الدار في 2016 مليار دولار.
اختيار مجلة «فوربس» لها لتكون واحدة من أقوى 100 امرأة في العالم!
التوازن بين العمل والأسرة سر نجاحها
ولم يأت نجاح بورش من فراغ كما تقول في لقاءتها الصحافية، بل من عملها الدؤوب والمنظم، فهي تبدأ يومها عمليا بمكتبها الخاص في 8:30 صباحًا وتعمل بشكل متواصل حتى نحو الساعة 8 مساءً، في إشارة إلى أنها لا تمتلك الوقت الكافي لتناول وجبة الغداء وتكتفي بالعشاء فقط، ولكنها في الوقت ذاته تستمتع بعطلاتها الأسبوعية مع أبنائها وعائلتها فهم يأتون في مقدمة أولوياتها في الحياة.
ولم تتوقف أعمال ونشاطات المصممة عند هذا الحد، بل أسست في عام 2009 مؤسساتها الخيرية التي تعتني بتمكين المرأة المعيلة اقتصاديا ومساعدتها على العمل والإنتاج والتوفيق بين أسرتها وعملها ليعد واحدا من أهم المشروعات المتخصصة في هذا المجال، كما عملت بورش في مجلس إدارة مصممي الأزياء في أميركا وجمعية سلون كيترينج للسرطان ومؤسسة أبحاث سرطان الثدي إلى جانب كونها عضواً في المجلس الاستشاري للصناعة وفي مجلس العلاقات الخارجية، كل تلك الإنجازات كانت سببا في اختيار مجلة الفوربس لها لتكون واحدة من أقوى 100 امرأة في العالم.
توري بورش تكافح كوفيد- 19 بالأقنعة القماش
وفي نفس العام اعترفت نيوزويك بشركة توري بورش كواحدة من ضمن أهم 50 شركة أميركية شاركت خلال وباء كورونا بتوفير 5 ملايين دولار من الملابس و3000 قطعة قماش لأقنعة الوجه للعاملين في مجال الرعاية الصحية، وهو ما كان له عظيم الأثر في مواجهة الوباء آنذاك.
وحازت المصممة على مدار تاريخها الإبداعي العديد من الجوائز العالمية التي وضعتها جنباً إلى جنب مع كبرى دور الأزياء العالمية.