عاشق السفر.. يحكي أسرار رحلاته مع أعلى الجبال زيد الرفاعي: تسلق الجبال أخذ مني ولكن أعطاني الكثير
لم يترك قمة عالية في قارة من القارات إلا وتسلقها مهما كانت الظروف المعطيات فرغبته تدفعه للاطلاع وحب الاستكشاف، إنه زيد الرفاعي أو زيد عاشق السفر إن صح التعبير، تسلق أعلى قمة في كل قارة من القارات فعانى الأهوال وواجه الصعاب، إلا أنه لم يزل يعشق تسلق الجبال وهذه المحبة استطاع أن يترجمها إلى نجاح باهر، وكان
لـ «أسرتي» هذا اللقاء معه:
من صغري أعشق السفر وأحب الاطلاع على الأطلس وتأمل تضاريس البلدان
حدثنا عن قصتك مع تسلق الجبال ولماذا شبهتها بكرة الثلج؟
– فعلا أعتقد أن قصتي مع التسلق أشبه ما تكون بكرة الثلج بدأت صغيرة ثم تدحرجت لتكبر، فمنذ صغري أعشق السفر وأحب الاطلاع على جغرافيا الدول والأطلس وتأمل تضاريس البلدان، وكانت البداية عندما كنت في أميركا، حيث كنت أعشق التزلج على الجليد في الأماكن الجبلية المرتفعة، وفي سويسرا أصبحت أعرف أسماء الجبال وأنواع الرياضات التي تمارس في الجبل وعرفت ارتفاعات الجبال.
هل تفضل لقب رحالة؟
– في الحقيقة إنني لا أعتبر نفسي رحالة، لأنني لم أدون كتب الرحلات والترحال، رغم حبي لاكتشاف حياة الشعوب التي أزور بلدانها، ولكني عاشق للسفر، والطبيعة والتضاريس.
تقول إن تسلق الجبال هو مقاومة للنفس فلماذا؟
– أي رياضة يمارسها الإنسان تحتاج إلى جهد وصبر وحالة نفسية جيدة، حتى يصل إلى ما يريده منها، فالمتسلق يحطم نفسيا بفعل المؤثرات والبيئة التي يواجهها، فهو يحمل معدات ثقيلة جدا والأجواء ربما تكون باردة والجبال ارتفاعاتها شاهقة مع وجود صعوبة بالتنفس، وليس هناك منافسة بينه وبين آخرين لتكون حافزا لك، ولهذا يجد المتسلق نفسه محاطا بكل هذه الظروف ورغم ذلك يقاوم نفسه ويتغلب عليها ولا يسمح لنفسه بالتراجع، ما دام صحيا ونفسيا يستطيع أن يكمل.
لم أتراجع يوما عن التسلق حتى ولو أحبو على يدي وقدمي
هل شعرت وأنت تتسلق بأنك تريد العودة وعدم الإكمال؟
من اليوم الأول لي في أي رحلة وهذا الشعور ينتابني، ولكني لم أتراجع يوما، حتى ولو سوف أحبو على يدي وقدمي، ولم يحدث أن تراجعت إلا بسبب سوء الأحوال الجوية مثل وجود انهيار جليدي أو عندما حدث لي إغماء وحملني المرافقون لي إلى المستشفى.
هل تسلقت الجبال في فترة كورونا؟
– لا أستطيع ترك السفر خاصة وتسلق الجبال أيضا، رغم أن فترة انتشار فيروس كورونا أوقفت الكثير من الأمور في حياة البشرية بأكملها، إلا أنني تسلقت جبل كليمنجارو، وجبال روينزوري.
استغرقت 9 أيام لصعود قمة مارجريتا كانت متعبة ولكني استمريت
ماذا عن قمة مارجريتا؟
تسلقت في شهر يونيو 2021، قمة مارجريتا وهي أعلى قمة في سلسلة روينزوري في شرق أفريقيا وهي ثالث أعلى قمة في إفريقيا ترتفع (5.119 م)، وهي قمة طويلة استغرقت بها 9 أيام، ولم يكن هناك آخرون يتسلقون الجبل بسبب كورونا، وأردت أن أنتهي من الجبل بسرعة وكان لا بد أن أتأقلم مع قلة الأوكسجين مع صعود الجبل، وأسير ببطء لأن هناك طرقا وعرة وودياناً.
هل معرفة ارتفاعات الجبال أمر ضروري في عملية التسلق؟
– معرفة الارتفاعات أمر ضروري، لأنه لا بد للمتسلق أن يتأقلم مع الضغط الجوي، فالجبال المرتفعة لا بد من اتباع آلية معينة عند الصعود إليها فلا بد من تجزئة الوقت لصعودها، وبهذه الطريقة تتم مراعاة الضغط الجوي الذي يعتبر من المخاطر التي تواجه المتسلق، والجهل بهذا الأمر كلّف بعض المتسلقين حياتهم.
زوجتي تفاجأت بصغر حقيبتي في شهر العسل
عاشق للسفر كيف تجهز حقيبة سفرك؟
تعودت أثناء تجهيز حقيبتي للسفر في أي رحلة أن آخذ معي ما احتاج إليه فقط، ولذلك تعلمت أي شيء تتساءل عنه هل أريده أم لا؟ فأنت لا تحتاج إليه وبالتالي لا تأخذه معك، أحمل معك كل ما خف وله فائدة وقيمة لديك.
وأضاف:
فعندما تزوجت وكنت مسافرا مع زوجتي في رحلة شهر العسل، وهي تجهز عددا من الحقائب لها قد تفاجأت بأن جهزت حقيبتي في بعض دقائق، وكانت عبارة عن حقيبة صغيرة جدا، بها حذاء و«نعال الذي أخذته معي أثناء التسلق في قمة إفرست» وبنطلون و2 تي شيرت فقط لا غير وبعض المستلزمات الخفيفة وهذا ما أدهشها ولكن هذه طبيعة حياة المتسلقين.
تعتبر العربي الأول في قائمة الذين وصلوا إلى قمة إفرست.. حدثنا عن هذه التجربة.
– أفتخر بأن أكون أول عربي يصل إلى قمة إفرست، والصعود إلى قمة إفرست أمر معقد على الرغم من بساطته، ولكن لم يكن هدفي الأول من تسلق الجبال هو الحصول على لقب أو غيره، لأنه في الحقيقة أجد نفسي أعشق هذه الهواية وأعتبرها رياضة مميزة تساعد على تعلم الإصرار والتحدي والصبر، بالإضافة إلى الشعور بالإنجاز.
ماذا أخذ منك تسلق الجبال؟
تسلق الجبال أخذ من عمري 40 عاما قبل زواجي، فقد أمضيت حياتي في تسلق الجبال منذ أن كنت شابا يدرس في الجامعة، ولكن أقول إن تسلق الجبال أعطاني أكثر مما أخذ مني، ورغم أن تسلق الجبال هواية مكلفة ماديا فإنني أجد متعتي وسعادتي به.
هل صاحبك أبناؤك في رحلات التسلق؟
صاحبني أبنائي وتسلقنا الجبال في الأردن وسويسرا، لأن تسلق الجبال يصقل الشخصية ويفتح عقولهم على بيئة مختلفة، ويعلمهم كيف يحافظون عليها.
وكم المدة الزمنية التي تسلقت فيها قمة إفرست؟
– كانت مدة الرحلة أكثر من 60 يوما على فترات، فالبداية كانت من خلال اجتماعنا في معسكر وتجهيزنا بكافة المعدات والأدوات ومن ثم الصعود إلى القمة فكنا نجزئ الجبل فلا يمكن الصعود إليه بيوم واحد، ولهذا استغرقت الرحلة أكثر من 60 يوما معنا أكلنا وشرابنا وكل ما نحتاج إليه لكنها رحلة متعبة وممتعة في آن واحد كانت مغامرة بكل ما تحمل الكلمة.
هل من مشاهدات ظلت عالقة في ذهنك بعد العودة من قمة إفرست؟
– من الأشياء التي لا أنساها وأنا أتسلق قمة إفرست وبعض القمم الأخرى، رؤية جثث الموتى الذين سقطوا أثناء تسلقهم حيث تركت هذه الجثث بعد تجمدها، وهي لا شك مناظر تجعل الرعب يدب في قلب أي متسلق للجبل، لكنها في الوقت ذاته جعلتني أكثر حرصا وحذرا، وأذكر أني في إحدى المرات غلبني النوم وأنا أتسلق إحدى القمم حتى رأيت جثة ملقاة على الأرض فزادني ذلك المنظر عزما على مواصلة المشوار.
ماذا عن كتابك «مجد القمم»؟
– الكتاب يلقي الضوء على تجربتي الشخصية، التي خضتها على مدى أكثر من عشرين عاما، سردت فيها مسيرتي مع تسلق الجبال، وحكيت أسراراً، وأحداثاً أهمها تسلق إفرست، والقمم السبع.
لقد بدا لي هذا الإنجاز كحلم، لم أتخيل أن أحققه يوماً، فلو أحد قال لي قبل عشرين سنة: أنت يا زيد سوف تقوم بتسلق قمة إفرست، وغيرها من القمم، ما كنت أصدقه، لقد كان حلما جميلا، وتحقق.
ذهبت لمنفى نابليون على متن سفينة شحن
5 أيام في عرض المحيط
ما هي أغرب الرحلات التي قمت بها وتعدها غير اعتيادية؟
من أغرب الرحلات كانت رحلتي عن طريق البحر إلى جزيرة سانت هيلينا النائية، وهي جزيرة بركانية تقع على مرتفع وسط المحيط الأطلسي.. تضاريسها إلى حد كبير وعرة، وبها منحدرات عمودية ترتفع على طول 500 إلى 700 متر، وهي على بعد 1200 ميل من أفريقيا و1800 ميل من أمريكا الجنوبية، وتتميز الجزيرة بالطبيعة الخلابة والهضاب العالية التي تحتضن المدينة الصغيرة، وتشتهر هذه الجزيرة بأنها كانت منفى نابليون بونابرت، وفيها توفي عام 1821 عن 51 عامًا.
عندما ذهبت إليها استغرقت الرحلة على متن سفينة شحن 5 أيام في عرض المحيط، وكانت آخر رحلة تتحرك للجزيرة عن طريق البحر وبعد ذلك وفي أكتوبر 2017 افتُتح مطار جديد، لكن السفر بحرًا يبقى ممتعا.. ونابليون وصل إلى الجزيرة بعد رحلة بحرية استغرقت عشرة أسابيع.
القمم التي تسلقها الرفاعي:
القمة الأولى ماكينلي 20321 قدما في 24 يونيو 1999.
الثانية كليمنجارو 19343 قدما في ديسمبر 1999.
الثالثة هرم كرتينز 16023.5 قدما في 22 فبراير 2000.
الرابعة قمة البروس 18510 أقدام في 9 أغسطس 2000.
القمة الخامسة إفرست 29029 في مارس 2003.
القمة السادسة جبل فنسن 16066 قدما في يناير 2004.
القمة السابعة اكونكاغوا 22384 قدما في يناير 2002.