عندما يطلع الظفر من اللحم عادي المحامية مريم البحر: الورث أهم من المرحوم .. أحياناً!
المحاماة ملاذ ومروءة وفن قبل أن تكون مهنة.. وليس المحامون كلهم محامين بالضرورة.. ليس عمل المحامي فقط معرفة القانون، فالكثير يعرف النصوص حتى من غير المحامين، لكن حقيقة المحامي تكمن في دراسة الوقائع دراسة قانونية والنظر إلى ما يمثل هذه الوقائع في نصوص القانون.. المحاماة فن الحجة والجدل والبرهان والإقناع.. وليس من عمل المحامين قلب الثوابت أو تضليل الحقائق؛ لأن المحامي قبل ذلك كله إنســان لا يكسب دعوى ويخسر نفسه.
توفي الأب وقُهرت الأم حتى ماتت وتفرق الأشقاء
معكم القانونية المحامية مريم فيصل البحر، يُقال في المثل «الظفر مايطلع من اللحم» و «الدم مايصير ماء» بعض الأقارب أثبتوا لنا خطأ هذه المقولات .. وبجدارة !!، وهذا نراه في قضيتنا الأولى لعائلة بها الأب كان مريضا ولديه ولد وبنتان، ولكن زاد المرض على الأب وكما يُقال كان على فراش الموت، وكان لديه عقار لم يستخرج وثيقة التملك من الاسكان، فقامت احدى الابنتين وهي مطلقة واتخذت الاجراءات ورفعت قضية على والدها وعلى الاسكان، للاستحواذ على البيت كاملا دون شقيقيها.
واستشاظ الأخ غضبًا والشقيقة المتزوجة الاخرى لما فعلته شقيقتهما، توفي الأب ومن بعده والدتهم التي توفيت قهراً على حال أبنائها وأسرتها، وعلى السرعة والعجل قرر الاشقاء فتح غرفة الأم وتوزيع التركة من منقولات عينية وذهب وكل ما هو ثمين من ساعات روليكس وغيرها.
يا لها من لحظات مؤثرة هو أن تدخل غرفة انسان عزيز عليك بعد أن غادرها بلا رجعة لها مرة أخرى، ولكن لم يكن الامر كذلك لدى الأبناء فقد حولوا غرفة أمهم إلى ساحة من ساحات المعارك، حضر الأخ والأخت المتزوجة والأخت المطلقة وخالتهم شقيقة والدتهم ووقع الاختلاف فيما بينهم لانهم احتكموا لشريعة الغاب وليس للقسمة الشرعية وتم ضرب الاخت المتزوجة ما أدى إلى كسر مضاعف في اليد والأنف حتى سُمع صراخها واستغاثتها وحضر زوجها لمحاولة انقاذها من أيديهم، وحضر الجيران وتم تحرير محضر بالواقعة وبسبب العلاقات الأسرية لم تقم المتضررة وزوجها برفع دعوى قضائية.
ولكن المفاجأة التي تعد من العيار الثقيل هو ان الأخت التي اعتدت على شقيقتها هي التي قامت برفع دعوى على زوج شقيقتها واتهامه بالتهم الكيدية كوسيلة للضغط على شقيقتها للتنازل عن حقوقها في الميراث، وهنا قامت المجنى عليها بتسليم الشرطة كافة الدلائل والاثباتات من رسائل ووقائع بأنها من تضررت من العنف الأسري الذي وقع عليها بعد أن فقدت الأمل في شقيقتها.
كانوا في زمن المرحوم إخوة متحابين متآخين وسمنا على عسل، فجاء المال ليقلب الطاولة ويأتي الخلاف والتباغض بدلاً من التلاحم والتآخي.
عندما يلعب المال برؤوس العقلاء فيصبحون .. عبيده!
هذه القضية الثانية والتي لم تكن أحسن حالا عن سابقتها فهذا رجل يمتلك مزرعة يقضي بها وقته ولديه أربع بنات وولد، وسمح للبنات أن تبني كل منهن بيتا لها داخل المزرعة ليجمع أبناءه وأحفاده حوله ويقضي معهم وقته، ولكن أصابه مرض العصر الألزهايمر والخرف ودخل الشيطان فيما بين هذه الاسرة ليفسد ما بينهم من صلة ورحم، فقد قام الأخ بالاستحواذ على توكيل من والده ومنع الأخوات وأزواجهن من دخول المزرعة بسبب خلافات حول الميراث.
ليس هذا فقط بل انه منع البنات من زيارة أبيهم في المنزل بحجة ان هذا البيت من حق الرجال، بل والتعدي عليهم بالضرب والشتم والإهانة، هل هذه هي أفعال الرجال؟!، وهل هذه هي شهامة ومروءة الرجال؟! ولماذا العجب فقد حكموا على أبيهم بالدفن بين معاناته من الخرف وجدران غرفته وهو حي، اعتبروه ميتا والمسألة مسألة وقت والورث والمال هما اللذان يحكمان.
رفعت البنات وهن حزينات قضية حجر على أبيهن كونه لم يعد يستطيع التحكم في أي شأن له، ولانهن حُرمن منه حتى تتولى شؤون القصر المسؤلية عن أبيهم ربما تكون أرحم عليه من أبنائه الذين لا يخافون اللـه ولا يتقونه.
مثل هذه الخلافات المالية التي تنتج عن الميراث لم تكن قديماً بالصورة التي عليها اليوم للأسف، لأن النفوس حينها كانت صافية قانعة تنظر إلى العلاقة قبل المال حتى إن طرأت خلافات حول هذا الأمر، فإن أطراف التخاصم يذهبون إلى من يثقون فيه من ذوي الرأي لمعالجة قضيتهم بعيدا عن الدخول في دهاليز المحاكم. ولذا الخلافات العائلية أو خلافات الأقارب حول الميراث لم تكن تظهر على السطح لأنها كانت ضمن دائرة المتخاصمين ومن يقومون بالمعالجة المالية بين الأطراف المتخاصمة.
مؤلم أن نرى بين أروقة المحاكم خلافات وتشاحنا بين أبناء البيت الواحد على المال وكأنه الأصل وأكثر أهمية من علاقة الدم والقربى.