في لبنان.. آخر صيحات المودعين اللبنانيين.. اقتحام المصارف بزجاجة بنزين ومسدس بلاستيكي!
لم تمضِ أيام وليالي سنة 2022 على الشعب اللبناني بحال أفضل من العام الفائت، وكل أمنيات اللبنانيين في العام الماضي بقيت في خانة التمنّي والأمل بغد أفضل. فما زال الشعب يتجرّع الويلات، وأيامه ليست إلا امتداداً جديداً لأزماته السابقة، بلا كهرباء، دواء، طوابير الخبز، انهيار العملة الوطنية، الفقر وانتشار الأوبئة، والأهم بالنسبة للمواطنين سرقة المصارف اللبنانية لودائعهم وجنى أعمارهم.
تفرض المصارف اللبنانية منذ خريف 2019 قيوداً مشددة على سحب الودائع تزايدت خطوة خطوة، حتى بات من شبه المستحيل على المودعين التصرّف بأموالهم، خصوصا تلك المودعة بالدولار الأميركي أو تحويلها إلى الخارج.
وعلى وقع الأزمة التي صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، خسرت الليرة نحو 95 في المائة من قيمتها.
أمام هذا الواقع المرير وحالة العوز وضيق العيش التي عاشها الشعب اللبناني بأكمله، نفد صبر البعض، وملّوا من استعطاف إدارة المصارف، وبعد أن فشلوا في استعادة جزء من ودائعهم قرروا المواجهة، وتحصيل حقهم بأيديهم؛ لأنهم اقتنعوا بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
في تقريرنا هذا سنعرض ثلاثة اقتحامات للبنوك في لبنان، لم يطالب المقتحمون بودائعهم من أجل تأمين الطعام والشراب، بل كان الطابع إنسانياً محضاً وأخلاقياً بامتياز.
قررت بمساندة أصدقائي اقتحام المصرف حاملة بيدي مسدساً بلاستيكياً
سالي حافظ
لم تقدر الشابة اللبنانية سالي حافظ على أن تبقى مكتوفة اليدين، وتشاهد معاناة شقيقتها المصابة بمرض السرطان في الرأس، وقالت في مقابلة لمجلة اأسرتيب: طالبت بوديعتي البالغة 20 ألف دولار أميركي مرات ومرات كي أدفع تكاليف علاج أختي، إلا أن المصرف لم يستجب لطلبي ولا للحالة الإنسانية، فقررت بمساندة أصدقائي اقتحام المصرف حاملة بيدي مسدسا بلاستيكياب. تضيف اتمكنت خلال خمس دقائق من أخذ 13 ألف دولار و30 مليون ليرة لبنانية من وديعتي، وتواريت عن الأنظار، كانت عملية اقتحام خاطفة، وهذا ما ساعدني على النجاحب.
جرأة سالي هذه لم تأتِ من العدم، تقول اخلال ثورة 17 تشرين شاركت في التحركات جميعها، والاقتحام لم يكن تجربة جديدة بالنسبة لي، فقد ذهبت إلى منازل خمسة نواب ووزراء، وشاركت في اقتحام اثنتي عشرة وزارةب.
شعور سالي لحظة الاقتحام
عند سؤالي عن شعور الصبية المليئة بالحياة لحظة الاقتحام، فكّرت مليّا سالي بإجابة، إلا أنها اكتفت بالقول اصعب الشعور ينوصف وما في كلمات بتعبّر عن الإحساس والموقف، ولكن كنت محضّرة حالي للخيارات جميعها، معقول موت، معقول حدا يقوصني، بس آخر همي، شايف شو صعبةب!
دعوة سالي للمودعين
تقول سالي إن الطريقة الأفضل لتحصيل الحقوق هي أن يأخذوا حقهم بأيديهم، لأن المصارف اللبنانية غير عادلة ولا تنظر في الحالات الإنسانية.
اقتحام جديد في طور التحضير
تخلّت سالي عن تواريها عن الأنظار بعد عشرين يوما ومثلت أمام القضاء بعد أن تحوّلت قضيتها إلى قضية رأي عام في لبنان، فأسقط البنك الدعوى وأطلق سراحها، ولكنها في الوقت عينه ما زالت تتوعّد البنك باقتحام جديد لتحصيل باقي وديعتها البالغة ستة آلاف دولار أميركي، وباتت حين تمر من أمام المصرف الذي اقتحمته يتأهب حراس الأمن ويطلبون القوى الأمنية، إلا أنها تضحك وتقول االمرة الجاية رح اقتحم فرع جديد وهيدا وعدب.
«نائبة» لبنانية تقتحم المصرف
دخلت النائبة اللبنانية سينتيا زرازير سلمياً المصرف فرع انطلياس، واعتصمت داخله بعدما طالبت بوديعتها دون جدوى.
دخلت زرازير للمطالبة بجزء من وديعتها لإجراء عملية جراحية، إلا أن البنك رفض تسليمها المبلغ، فأعلنت اعتصامها داخل المبنى حتى تسليمها قسماً من وديعتها البالغة 8 آلاف دولار.
وشددت على أنها لن تخرج حتى تحصيل أموالها، في حين احتشدت مجموعة من المواطنين خارج المصرف تضامناً معها، فيما أكد محاميها الذي رافقها إلى المصرف، أن المطالبة جاءت لظرف طارئ، قائلا: انحن أمام حالة إنسانيةب.
اقتحم المصرف ليعلّم ابنه
توجّه العسكري المتقاعد في قوى الأمن الداخلي علي الساحلي إلى المصرف في شتورة مرات عدة من أجل تحويل مبلغ مالي قدره 4430 دولارا بدل سكن وتعليم لابنه الذي يتابع دراسة الطب في أوكرانيا، وبعد أن رفض المصرف منحه المبلغ عرض كليته للبيع لتأمين المبلغ المطلوب، وبعد أن طُرد ابنه من مسكنه لعدم سداده بدل الإيجار، أغلقت الأبواب في وجه الستيني، وقرر اقتحام المصرف واحتجاز رهائن بغية تحصيل وديعته البالغة 60 ألف دولار أميركي.
كان الساحلي خلال الاقتحام حريصاً على طمأنة الرهائن بأنه لن يؤذيهم، وكل هدفه تأمين الأموال لإنقاذ ابنه ومستقبله العلمي، ولم يكتب لاقتحامه النجاح الكامل، فقط تحويل مبلغ 4300 دولار لابنه.
اقتحام جديد.. والثانية ثابتة
لم يصل علي الساحلي في اقتحامه الأول لفرع شتورة لمراده، فكرر محاولته مع صديقه المودع إبراهيم بيضون المُقعد في فرع الحازمية.
رفع الساحلي مسدّسه إلى جانب زجاجة من البنزين مهدّداً بحرق نفسه، محذرا القوى الأمنية إذا حاولت دخول المصرف بالقوة اسنموت كلناب، وبعد ساعات من الأخذ والرد والمفاوضات، حصلا على مبلغ 50 ألف دولار.
«الأصعب أن تتراكم الديون ويكون والدك بحاجة للعناية الطبية
وأنت لا تستطيع الحصول على مالك لمساعدته»
بسام الشيخ حسين
يعبّر الشاب الأربعيني بسام الشيخ حسين عن صعوبة أن يكون لديك المال الكافي لتعيش حياة كريمة، ولكن مالك مسروق من قبل المصرف، وكيف أنك تذهب إلى المصرف للمطالبة بجزء بسيط من وديعتك، ويقابل طلبك بالرفض، لا بل يُشعرك المصرف بأنه يتصدّق عليك، والأصعب أن تتراكم الديون، ويكون والدك بحاجة للعناية الطبية، وأنت لا تستطيع الحصول على المال لمساعدته.
بعد زيارته المصرف وفشله في تحصيل أي مبلغ من وديعته البالغة 208 آلاف دولار، توجه بسام إلى سيارته، وأخذ بندقيته وبغالونب بنزين، وبعد انتهاء الزحمة في المصرف اقتحمه وأخذ اثنين من المودعين وموظفي البنك رهائن، وباشر بإفراغ مادة البنزين في المصرف طالباً من الجميع الهدوء لانتهاء عملية تسليمه كامل وديعته دون وقوع إصابات، وبعد مضي ست ساعات ودخول وسطاء قبِل الشيخ بـ 35 ألف دولار، وبعد أن سلّم المبلغ لأهله سلّم نفسه للقوى الأمنية.
يقول بسام الشيخ إن اقتحامه هذا لن يكون الأخير، بل سيحاول مرة بعد مرة حتى تحصيل كامل مبلغ وديعته، لأن الطرق السلمية لا تؤدي إلى النتيجة المرجوة.
في اسرقة العصرب التي أصابت جميع الشعب اللبناني، الكل قرر الانتظار والحصول على الفتات من مدخراتهم متسلّحين بالأمل، حيث ما زالوا يراهنون على أن حقهم سيعود، وفضّلوا الأمن والاستقرار على استعادة بعضهم لوديعته.
القلة القليلة قررت الانتفاض على الواقع واستعادة ما أمكنها، ولكن حتى هذه القلة القليلة دفعتها الظروف القاهرة لفعل ما فعلته، ولو لم يكن هناك أسباب قاهرة لما تجرّأ أحد على الاقتحام.
وصل الشعب اللبناني إلى مرحلة الموت السريري، فكل أزمات الكون نزلت عليه دفعة واحدة، ومن كثرة مصائبه لم يعد يكترث لأي منها، بل قرر التعايش مع الواقع والحلم بأن في الغد أملاً قادماً.. الحُلم بات رفيق اللبناني، كي لا يموت قهراً وحسرة.
«أسرتي» في كل مكان
علي غندور